29 مارس,2024

الوطن الشرعي

اطبع المقالة اطبع المقالة

إن إنقطاع السفر بالمرور بالوطن ووجوب الإتمام معه في الجملة مجمع عليه، وبه صرحت الأخبار المستفيضة. بل لعله من الضروريات. ولا فرق في ذلك بين المجتاز وغيره نزل منـزله أم لم ينـزل، بل مفاد النصوص هو قاطعيته للواصل للبلد مطلقاً. نعم خالف في ذلك الأسكافي والحلبي فأوجبا القصر على المجتاز.

قال ابن الجنيد: من وجب عليه التقصير في سفره فنـزل منـزلاً أو قرية ملكها أو بعضها أتم وإن لم يقم المدة التي توجب التمام على المسافر وإن كان مجتازاً بها غير نازل لم يتم[1].

وقال الحلبي: وإن دخل مصراً له فيه وطن فنـزل فيه فعليه التمام[2].

فيستفاد من تقييده التمام بشرط النـزول أن غير النازل عليه القصر.

ثم لا يخفى أنه قد تقدم منا عدم إعتبار حد الترخص في الرجوع ولذا سبق أن ذكرنا عدم إنقطاع عنوان السفر بمروره فيه فلا تغفل.

ثم إن قاطعية المرور بالوطن إلى السفر من القضايا التي قياساتها معها حتى لو لم يكن هناك دليل على إعتبار ذلك. كما أن قاطعية المرور بالوطن للسفر قاطعة للموضوع فمتى ما أنشأ سفراً كان سفراً جديداً أحتاج فيه إلى إجتماع جميع الشروط المعتبرة في القصر.

هذا ويدل عليه مجموعة من النصوص تأتي إن شاء الله تعالى.

ثم إن الأصحاب قد قسموا الوطن إلى أقسام ثلاثة:

1-الوطن الأصلي. 2-الوطن الإتخاذي. 3-الوطن الشرعي.

ويستفاد ذكر القسم الثالث من كاشف الغطاء S[3]. وقد تم إلحاق هذا القسم من قبل الطبقة الوسطى، إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في تفسيره وسيأتي إن شاء الله الإشارة لذلك. وقبل بيان ذلك نشير إلى أمرين:

الأول: في معنى الوطن عند أهل اللغة فنقول:

قال ابن فارس: الوطن محل الإنسان، وأوطان الغنم مرابضها وأوطنت الأرض أتخذتها وطناً والميطان الغاية[4].

وقال ابن منظور: الوطن المنـزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله وقد خففه رؤبة في قوله:

أوطنت وطناً لم يكن من وطني

لو لم تكن عاملها لم أسكن

بها ولم أرجن بها في الرجن

قال ابن بري الذي في شعر رؤبة:

كيما ترى أهل العراق أنني

أوطنت أرضاً لم تكن من وطني

الجمع أوطان وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها. قال الأخطل:

كروا إلى حريتكم تعمرونهما

كما تكر إلى أوطانها البقر

من ذلك وطن بالمكان وأوطن: أقام واوطنه اتخذه وطناً يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي أتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها[5].

وقال الفيروز آبادي: الوطن محركة ويسكن منـزل الإقامة كالموطن ومربط البقر والغنم أوطان[6].

هذه بعض كلمات اللغويين، وقد حددت الوطن بالمنـزل الذي يقيم فيه الإنسان ومأواه برجوعه إليه بعد خروجه عنه. نعم فسره أبو البقاء بمولد الإنسان قال:

الوطن: هو منـزل الإقامة والوطن الأصلي مولد الإنسان أو البلدة التي تأهل فيها.

والحـاصل فـلا يستفاد من كلمات اللغويين إعتبار نية الدوام في صدق الوطن ولا إعتبار الملك أو

الإقامة ستة أشهر أو سنة، بل كفاية إتخاذ مكان يرجع إليه كل ما خرج عنه فلا وجه لما في المتن. اللهم إلا أن يكون نظره Q إلى توقيت مدة الإقامة فإنه في محله لعدم صدق عنوان التوطن عليه حينئذٍ. نعم يستفاد من كلماتهم إنقسامه إلى قسمين:

1-الأصلي وهو مسقط رأس الإنسان ومحل ولادته.

2-الإتخاذي وهو المكان الذي أتخذه مقراً له. وإلى ما هو ظاهر كلمات اللغويين أشار الماتن Q.

الأمر الثاني: إنتزاع مفهوم الوطنية ليس بلحاظ الحالات السابقة والإضافات أو الحالات اللاحقة، بل هو عبارة عن مفهوم يحكي عن علقة وإضافة فعلية بين الشخص والمكان المخصوص بحسب الوضع الفعلي لهذا الشخص حيث أن كل شخص يختار بحسب طبعه وميله بلداً من البلاد لإقامته وإقامة أهله وأولاده ويوجد بينه وبين هذا البلد علقة خاصة بحيث لو خلي وطبعه لما خرج عنه. ويكون خروجه عنه خروجاً لأمر طاريء ينشىء من مزعجات ألزمته على ذلك وبإرتفاعه يرجع إليه بحسب طبعه. وهذا هو المسمى بالوطن العرفي قال المحقق الحائري Q: الوطن والوطنية علقة خاصة حاصلة بين الشخص والمحل توجب كونه في ذلك المحل إلا إذا عرض عارض وإذا خرج منه لذلك العارض توجب تلك العلقة رجوعه إليه متى زال سواء أكانت العلقة من جهة كون المحل موطناً لآبائه وأنه تولد ونشأ فيه أو من جهة إتخاذه مقراً دائمياً[7].

والحاصل ليس إنتزاع هذا المفهوم بلحاظ كون المكان محلاً لولادة الشخص أو مسكناً لآبائه وأجداده أو مقراً لأبويه حين ولادته وليس بلحاظ عزمه على الإقامة فيه إلى حين موته.

مضافاً إلى أنه ينبغي ملاحظة نكتة مهمة وهي إن حكم الإتمام يدور مدار الحضور والخروج عن صدق عنوان السفر الذي يعني التغرب عن المقر الفعلي ومحل الإقامة ولا يدور مدار عنوان الوطن. وإلى هذا تشير النصوص بأن من خرج عن مقره الفعلي ومحل إقامته فعليه التقصير ومتى ما عاد أتم.

وعلى هذا يرتفع عنوان المسافر بمجرد المرور بالمقر الفعلي سواء كان فيه ملك أو منـزل أم لا.

وبناءاً على هذا من سافر فترة من الزمن كبعض طلبة العلوم الدينية وفقهم الله تعالى علـيهم الإتمام لا بملاك الإقامة فمتى ما قطعها بسفر إحتاج إلى تجديدها بل بملاك أنه غير مسافر وقد أشار لهذه النكتة المحقق الهمداني في مصباح الفقيه قال Q:

إن مقتضى القاعدة الأولية التي شرعت عليها الصلاة هو الإتمام. والقصر إنما يجب بعروض السفر

الجامع لشروط التقصير فالمكلف ما لم يكن مسافراً لم يشرع في حقه التقصير وإنما يصير مسافراً بالتباعد من منـزله الذي هو دار إقامته وإذا وصل إلى منـزله من سفره عاد حاضراً الـذي هـو ضـد المسافر ويسمى ذلك الموضع الذي هو موضع إقامته في العرف وطناً لكن الحكم بالتمام لدى وصوله إلى مستقره ليس منوطاً بصدق كونه وطناً له بل بخروجه عن كونه مسافراً فالبدوي الطالب للماء والكلأ الذي بيته معه إذا نزل في مكان ثم سافر لغرض خاص ومتى ما عاد إليه خرج عن كونه مسافراً وإن لم ينو إقامة العشرة فالمدار على خروجه عن حد المسافر لا دخوله في حد المقيم في وطنه الذي يكون التشكيك في صدق اسم الوطن عليه موجباً للتشكيك في حكمه[8].

هذا ولقد أحتاط الماتن Q في صدق الإقامة قبل ستة أشهر فألتزم في تلك المدة بالجمع بين القصر والتمام.

وهذا هو المعبر عنه في كلمات المشهور بالوطن الشرعي. فعرفوه بأنه:

المكان الذي يحصل للإنسان فيه ملك مع سكنه فيه مدة ستة أشهر بعد إتخاذه ذلك المكان وطناً.

وهو يفترق عن الوطن الإتخاذي بإعتبار الملك فيه فلا ترتفع عنه الوطنية ما دام ملكه باقياً فمتى ما مر عليه في سفر انقطع سفره بذلك.

إلا أنه قد يستظهر من كلمات الأصحاب تفسيره بشكل آخر وهو: ـ المكان الذي أقام فيه الإنسان ستة أشهر مع كونه مالكاً فيه. فلا يعتبر فيه إتخاذه محلاً للسكنى.

والظاهر أن مقتضى كونه قسيماً للقسمين السابقين إختيار المعنى الثاني حيث أن مفاد المعنى الأول كونه فرداً من أفراد القسم الإتخاذي بإضافة بعض القيود فلاحظ.

وقد ذكر المحقق النراقي في المستند تعريفاً ثالثاُ وهو: الوطن الذي نشأ فيه بعد إعراضه عنه وقد ترك فيه ملكاً وأقام لمدة أو أزيد[9]. وكيف كان فلا بأس بنقل بعض كلمات الأصحاب (رض).

قال الصدوق بعد ما نقل خبر إسماعيل بن الفضل، قال مصنف هذا الكتاب:

يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه وأرضه عشرة أيام ومتى لم يرد المقام بها عشرة أيام قصر إلا أن يكون له بها منـزل يكون فيه في السنة ستة أشهر فإن كان كذلك أتم متى دخلها وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع[10].

ولا يخفى أنه لم يتعرض للإعراض عنه كما أنه يعتبر السكنى في كل سنة ستة أشهر.

وقال الشيخ S: ومن خرج إلى ضيعة له وكان له فيها موضع ينـزل ويستوطنه وجب عليه الإتمام فإن لم يكن له فيها مسكن وجب عليه التقصير[11].

وهو ظاهر في عدم إعتبار مدة معينة بل يعتبر وجود موضع ينـزل فيه كما قد يستفاد من قوله يستوطنه إتخاذه موطناً إلا أن الظاهر أن يستوطنه بمعنى يسكنه فلا يعتبر الإتخاذ فتأمل.

وعن ابن البراج Q: من كانت له قرية له فيها موضع يستوطنه وينـزل به وخرج إليه وكانت عدة فراسخ سفره على ما قدمناه فعليه التمام[12].

وكلامه S ككلام الشيخ Q في عدم إعتبار غير الملك. والظاهر أنهما ناظران لمن كان له وطنان فيستوطن كل واحد منهما فترة من الزمن.

وقال ابن حمزة: إن بلغ سفره مسافة التقصير إن مرّ بضيعة له فيها مسكن نزل به ستة أشهر فصاعداً أتم وإن لم يكن فقصر[13].

وقال ابن أدريس: من نزل في سفره قرية أو مدينة وله فيها منـزل مملوك قد استوطنه ستة أشهر أتم وإن لم يقم المدة التي يجب على المسافر الإتمام أو لم ينو المقام عشرة أيام[14].

وعن المحقق: الوطن الذي يتم فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعدة متوالية كانت أو متفرقة[15].

وعنه في المختصر النافع: الثاني: أن لا يقطع السفر بعزم الإقامة فلو عزم مسافة وله في أثنائها منـزل قد استوطنه ستة أشهر أو عزم في أثنائها إقامة عشر أيام أتم[16].

وجاء في القواعد: وكذا-يعني يتم-لو كان له في الأثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة[17].

وعن المقدس الأردبيلي: الثالث: عدم قطع السفر بنية الإقامة عشرة فما زاد في الأثناء أو بوصوله بلداً له فيه ملك استوطنه ستة أشهر فصاعداً[18].

وقال في الدروس: السادس: عدم وصوله إلى منـزل له فيه ملك واستيطان ستة أشهر ولو متفرقة[19].

وقد ذكر في البيان: الرابع: لا يمر على بلد له فيه منـزل استوطنه ستة أشهر[20].

وعن المحقق الثاني: الثالث: استمرار القصد فلو نوى الإقامة في الأثناء عشرة أيام أتم وإن بقى العزم وكذا لو كان له في الأثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة[21].

وبعد نقل هذه الكلمات يمكننا تصنيف النصوص إلى طوائف وقد جعلها في الحدائق ثلاث عشرة طائفة[22].

إلا أنه يمكن إرجاعها إلى طوائف ثلاثة وهي:

الأولى: إن المرور بمكان يحتوي ملكاً للمار قاطع للسفر بدون قيد إتخاذه وطناً فيكفي نفس الملك:

منها: صحيحة إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله B عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض وإنما ينـزل قراه وضيعته؟ قال: إذا نزلت قراك وأرضك فأتم الصلاة وإذا كنت في غير أرضك فقصر[23].

أقول: رواها الشيخ S بطريق معتبر بسنده إلى سعد بن عبدالله الأشعري مما يعني أن مصدره كتاب الرحمة الذي قد عرفت منا مراراً حاله فلا نعيد.

وقد أختلف نقل الشيخ للصحيح في التهذيب حيث ورد فيه ضيعتك محل أرضك. ولا يفرق بينهما حيث أن مفاد كليهما ثبوت الملك الذي هو محل الشاهد في الموارد كما هو واضح.

ثم إن العطف في قوله قراه وضيعته ظاهره المغايرة بحيث يستفاد من الأول أن القرية موطناً له لنسبتها له بخلاف الضيعة لأن إتخاذها ملكاً لا يستلزم كونها وطناً. لكن الظاهر أن هذا المعنى بعيد حيث أن المراد من القرية تسمية أخرى للضيعة لكن بمساحة أكبر لا أن المراد منها محل السكنى وعلى هذا فلا مغايرة بينهما إلا من جهة الحجم والمساحة ليس إلا فعندها يكون الظهور المستفاد منها واحداً وهو أنه متى ما نزلت مكان لك فيه ملك فعليك الإتمام حتى لو لم تتخذه موطناً.

ومنها: موثقة عمار بن موسى عن أبي عبدالله B في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينـزل فيها. قال: يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصر وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها[24].

أقول: وهي كسابقتها من حيث الدلالة في أن مجرد الملك كافٍ للإتمام. إلا أنها سنداً محل تأمل بل منع لكونها من متفردات الشيخ Q. وقد يقال بدخولها في دائرة الحجية لوجود شواهد عليها مثل الصحيح المتقدم فلاحظ.

ومنها: خبر عمران بن محمد قال: قلت لأبي جعفر الثاني B: جعلت فداك إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلاً خمسة فراسخ فربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة فأتم الصلاة أم أقصر؟ فقال: قصر في الطريق وأتم في الضيعة[25].

أقول: مضافاً إلى كونها من منفردات الشيخ S لم يوثق عمران بن محمد الأشعري إلا في رجال الشيخ مما يستدعي التوقف في قبول ذلك. وأما النقاش في محمد بن علي بن محبوب فقد فصلناه في الإجتهاد والتقليد فلا حاجة للإعادة.

ومنها: خبر البزنطي قال: سألت الرضا B عن الرجل يخرج إلى ضيعته ويقيم اليوم واليومين والثلاثة أيقصر أم يتم؟ قال: يتم الصلاة كلما أتى ضيعة من ضياعه[26].

أقول: وهي ضعيفة السند بوجود سهل بن زياد في طريقها. وقد رواها في قرب الإسناد بطريق ليس فيه سهل إلا أن فيه عبدالله بن الحسن وقد عرفت منا عدم توثيقه مما يمنع من قبول خبره.

الطائفة الثانية: ما يدل على أن المناط هو قصد الإقامة والتوطن فلا يكفي مجرد وجود الملك بدون ذلك لتحقق القاطعية:

فمنها: خبر عبدالله بن أبي عبدالله B قال: من أتى ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر وإن أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة[27].

ودلالتها على المدعى واضحة إذ لم يكتفِ B بمروره بضيعته وملكه بل أعتبر أمراً آخر وهو كونه مقيماً فيها عشرة أيام مما يعني أن المناط هو إعتبار الإستيطان وليس مجرد الملك.

أقول: تضمنت هذا الرواية إسماعيل بن مرار وقد سبق منا في مطاوي هذا الشرح بيان حاله وعدم وثاقته فراجع مضافا إلى تفرد الشيخ S بنقلها.

ومنها: خبر موسى بن حمزة بن بزيع قال: قلت لأبي الحسن B: جعلت فداك إن لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أريد بغداد فأقيم في تلك الضيعة أقصر أو أتم؟ فقال: إن لم تنو المقام عشرة ايام فقصر[28].

أقول: وهي ضعيفة سنداً لا لتفرد الشيخ بنقلها فقط بل لأن راويها مجهول.

والحاصل: إن هذه الطائفة وإن تمت دلالة إلا أنها غير ناهضة سنداً فلا تصلح لمعارضة الطائفة الأولى لأن المعارضة فرع الحجية.

الطائفة الثالثة: ما يفصل فها بين الإستيطان في الملك فيتم متى ما مر عليه وما لم يستوطنه فلا يتم فيه:

منها: صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول B أنه قال: كل منـزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير[29].

أقول: وهي تامة سنداً لأن طريق الصدوق إلى علي بن يقطين كالتالي:

علي بن بابويه (رض) عن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن يقطين[30].

ومنها: صحيحه الآخر قال: قلت لأبي الحسن الأول B: الرجل يتخذ المنـزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ قال: كل منـزل لا تستوطنه فليس لك بمنـزل وليس لك أن تتم فيه[31].

ومنها: صحيحه الثالث: قال سألت ابا الحسن الأول B عن رجل يمر ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر وطنه أيتم صلاته أم يقصر؟ قال: يقصر الصلاة والضياع مثل ذلك إذا مرّ بها[32].

ومنها: صحيح رابع لعلي قال: قلت لأبي الحسن الأول B: إن لي ضياعاً ومنازل بين القرية والقريتين الفرسخ والفرسخان والثلاثة؟ فقال: كل منـزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير[33].

ومنها: صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول B عن الدار تكون

للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها؟ قال: إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة وإن كان مما لم يسكنه فليقصر[34].

أقول: لا يخفى على المتأمل أن جميع هذه الصحاح ما هي إلا صحيحة واحدة لعلي بن يقطين قد رويت بعدة طرق وقد تعددت مصادر نقلها فنقلت من أكثر من مصدر واحد. فتارة مـن كتـاب

صفوان وأخرى من كتاب حماد وثالثة من كتاب سعد وهكذا.

ومنها: صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبدالله B: في الرجل يسافر فيمر بالمنـزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر إنما هو المنـزل الذي توطنه[35].

أقول: وهي من متفردات الشيخ S وقد جاء في التهذيب زيادة عن الحلبي.

ومنها: صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن B قال: سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منـزل يستوطنه فقلت: ما الإستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منـزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها[36].

أقول: رواها الصدوق بسنده عن ابن بزيع وهو سند صحيح وهو كالتالي:

محمد بن الحسن (رض) عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع[37].

وهي دالة على إعتبار الإستيطان في الملك. وقد حددت تلك المدة الزمنية بكونها ستة أشهر.

ومن هنا قال المشهور أو الأشهر بثبوت الوطن الشرعي كما ذكرنا سابقاً بنحو يكون قسيماً للبقية.

والظاهر أن منشأ ذلك يرجع إلى جعلهم الطائفة الثالثة شاهد جمع بين الطائفتين الأولين ثم تقييد الإطلاق الوارد فيها بالصحيح الأخير مما يجعل مفادها أن تحمل على ما إذا كانت المدة المحققة لذلك هي الستة أشهر.

إلا أن الصحيح عدم تمامية ذلك. لما تقدم من عدم تمامية الطائفة الثانية سنداً مما يحكم المعارضة بين الطائفة الأولى والطائفة الثالثة. إلا أنها غير مستقرة حيث أن الطائفة الأولى مطلقة والثانية مقيدة وبحمل المطلق على المقيد تكون النتيجة وجوب التمام في البلد الذي كان له فيه ملك وقد استوطنه. وليس هذا إلا الوطن الإتخاذي فلا وجود لما يعبر عنه بالوطن الشرعي.

ويؤيد هذا المعنى أن التحديد بستة أشهر في صحيح ابن بزيع لا موضوعية له بل هو أمر تقريـبي لما هو متعارف عرفاً وتحديد المدة مبني على المتعارف الغالب. وعليه يكون مفاد الصحيح هو حكم ذي الوطنين، ويمكن تقريـبه على المدعى: بأن سؤال الراوي لا يخلو حاله عن أحد احتمالين:

الأول: أن يكون سؤاله عن مفهوم عرفي واضح.

الثاني: أن يكون سؤاله عن شيء ليس من الوضوح بمكان، بحيث دعى ذلك إلى الحاجة عن الاستفسار عنه، ومحاولة التعرف عليه.

ولا ريب في أنه لو كان هو الاحتمال الأول، لكان مستهجناً،

وذلك يقضي بمقتضى القسمة الحاصرة، كون سؤاله نشأ من شيء مثل إختلاف الروايات الواردة في تحديد الوطن أو إختلاف الأصحاب فيه أو أنه شيء آخر. وينفي الأولين عدم وجود أثر أو عين لهما في الأخبار فيكون الثالث هو المحتمل، وعندها فالباعث له على السؤال هو فرض نفسه خارجاً من وطنه إلى ضيعته قال: عن الرجل يقصر في ضيعته. وهذا يعني أنه قد فرض نفسه مسافراً وقد فهم الإمام B منه ذلك فرخصه بالتقصير إلا في حالتين:

الأولى: أن ينوي الإقامة مدة عشرة أيام.

الثانية: أن تكون القرية أو الضيعة وطناً له قال B: إلا أن يكون له منـزل يستوطنه، وهنا استغرب السائل لأن الفرض خروجه عن وطنه فأستفسر فأجابه B بما يدل على أن المكان الذي من عادة المسافر أن يقيم فيه بمقدار ما يقيم في المكان الذي خرج منه يعد وطناً له. وهذا يعني أنه B أجابه بجواب يفيد تعدد الوطن.

كما ستأتي الإشارة له إن شاء الله.

وإن أبيت عن إستفادة ما ذكرناه فلا محيص عن الإجمال في الصحيح حيث أن المحتملات فيه ثلاثة:

1-ما أحتلمه الصدوق في الفقيه وحاصله: المكان الذي يقيم فيه في كل سنة ستة أشهر.

2-أن يكون مفادها ما فهمه المشهور وهو الوطن الشرعي.

3-أن تكون ناظرة إلى تحديد الوطن العرفي.وذكر المدة الزمنية المحددة بستة أشهر مثال محمول على الفرد الغالب.

وقد عرفت أن أظهرها ثالثها كما قربناه وإلا فالإجمال.

وعن بعض الأعاظم Q علاج المعارضة بين الطائفتين الأولى والثانية بإسقاط الأولى عن الإعتبار إما بحملها على التقية لموافقتها للعامة أو لمخالفتها للسنة القطعية الدالة على وجوب القصر وهي متواترة اجمالاً[38].

وفيه أولاً: إن العامة مختلفون في الفتوى مما يمنع من الترجيح بمخالفتهم كما هو واضح وعلى فرض التسليم بإتفاقهم فقد عرفت أن المعارضة فرع الحجية وهذه النصوص غير ناهضة لمعارضة الطائفة الأولى.

ثانياً: إن النسبة بينها وبين نصوص القصر هي العموم المطلق وليست التباين مما يمنع من سقوط المقيد عن الإعتبار حتى لو خالف اطلاق الآيات فضلاً عن الروايات.

هذا وإن لم يقبل ما تقدم منا في علاج المعارضة بين الطائفة الأولى والثالثة فلا محيص من الإلتزام بإستقرارها فعندها لا مجال عن التساقط لعدم مميز لأحدهما على الآخر فالمرجع في هذا المورد هو القصر. وإن كان للإحتياط حسن لا يترك.

ثم إن لرفع اليد عن حجية صحيحة ابن بزيع مجالاً للإعراض الغير بعيد عنها كما قد أتضح ذلك من خلال ما تقدم منا نقله من كلمات الأصحاب فلاحظها. نعم قد تأولها الصدوق S كما نقلنا عنه ذلك. وهذا شاهد على دعوى الإعراض.

إن قلت: إن هذا من الإعراض الصناعي الذي لا يعول عليه في رفع اليد عن الظهور.

قلت: قد ذكرنا في محله أن مقتضى حجية الظهور مانعة عن مثل هكذا تفصيل فلا مجال للركون إليه. وقد فصلنا ذلك في محله فلا حاجة لإعادته ومن اراد فليطلبه من محله والله سبحانه وتعالى أعلم.

——————————————————————————–

[1] المختلف ص170.

[2] الكافي في الفقه ص117

[3] كشف الغطاء ص 256.

[4] مقاييس اللغة ج6 ص120.

[5] لسان العرب ج13 ص451.

[6] القاموس المحيط ج4 ص276.

[7] الصلاة ص431.

[8] مصباح الفقيه ـ كتاب الصلاة ـ ص738.

[9] مستند الشيعة ج8 ص227.

[10] الفقيه ج1 ص451 برقم 1307.

[11] النهاية ص124.

[12] المختلف ج2 ص561.

[13] الوسيلة ص109.

[14] السرائر ج1 ص321.

[15] الشرائع ج1 ص123.

[16] المختصر الناف ص51.

[17] قواعد الأحكام ص.

[18] إرشاد الأذهان ج1 ص275.

[19] الدروس الشرعية ج1 ص211.

[20] البيان ح1 ص156.

[21] جامع المقاصد ح2 ص511

[22] الحدائق ح ص .

[23] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح2.

[24] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح5.

[25] المصدر السابق ح14.

[26] المصدر السابق ح17.

[27] الوسائل ب15 من أبواب صلاة المسافر ح6.

[28] الوسائل ب15 من أبواب صلاة المسافر ح7.

[29] المصدر السابق ب14 من أبواب صلاة المسافر ح1.

[30] المشيخة ج4 ص395.

[31] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح1.

[32] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح6.

[33] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح7.

[34] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح10.

[35] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح8.

[36] الوسائل ب14 من أبواب صلاة المسافر ح11.

[37] المشيخة ج4 ص394.

[38] مستند العروة ج8 ص .