19 أبريل,2024

الوصية التمليكية

اطبع المقالة اطبع المقالة

الوصية التمليكية

 

من الأمور المعهودة منذ القدم إيصاء المشرف على الموت إلى من بعده من الأحياء، وهذا هو المعبر عنه في كلمات الفقهاء بالوصية، وقد عرفوها بأنها: تمليك عين أو منفعة تبرعاً، أو تسليط على تصرف بعد الوفاة. وهي قسمان: عهدية، وتمليكية، وقد ذكرا في القرآن الكريم، قال تعالى:- (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية)، وكذلك ذكرتهما النصوص الشريفة وحثت على الوصية، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصاً في مروته وعقله.

 

ويستفاد من النصوص الدينية محبوبية الوصية بالموعظة للأحياء، وحثهم على الالتـزام بالعقائد الحقة والأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، قال تعالى:- (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، وقد أثر عن النبي(ص) والأئمة الأطهار(ع) لأقربائهم والمؤمنين من بعدهم مثل ذلك، ومنها وصية أمير المؤمنين(ع) وقت وفاته.

وقد تكون الوصية بطريقة خاطئة، فيترتب عليها الخصومة والمنازعة بين أبناء الميت، وذلك عندما يقوم الميت بتوزيع تركته على ورثته بعد وفاته على خلاف الفريضة الشرعية، فيساوي بينهم في النصيب ويغفل عن أن ذلك لا يكون بعد الوفاة، بل كان عليه الهبة قبل مرض الموت، لأنها لا تصح فيه.

 

حكم الوصية:

ويختلف حكم الوصية بلحاظ قسميها، فإن الوصية التمليكية مستحبة سواء كانت فيما يرجع إلى أمور الدين أم الدنيا.

وأما الوصية العهدية، فيختلف حكمها بحسب الموضوع، فإذا كان ما يوصى به من الأمور الواجبة على الموصي كقضاء عبادة أو وفاء دين أو رد أمانة، كانت الوصية واجبة وفي غير ذلك، تكون الوصية مستحبة.

 

أركان الوصية:

وعلى أي حال، فإن للوصية أركاناً أربعة:

الأول: الموصي، وهو الشخص الذي يريد إبراز مقاصده ورغباته من خلال الوصية.

الثاني: الموصى به، وهي مجموعة رغبات يظهرها الموصي في الوصية.

الثالث: الموصى له، وهو الشخص أو الجهة التي يرغب الموصي بوصلها بشيء مادي أو معنوي، وبذله له مجاناً، وذلك كالإيصاء بإعطاء شخص مبلغاً من المال أو حقاً قابلاً للانتقال.

الرابع: الوصي، وهو من عينه الموصي وكلفه تنفيذ ما عهد إليه فعله والقيام به من تصرفات متنوعة.

 

أقسام الوصية:

قد عرفت أن الوصية قسمان: تمليكية، وعهدية.

أما الوصية التمليكية، وهي التي يريد الموصي أن يملك بها شيئاً من أمواله أو من الحقوق التي له لغيره، سواء كان ذلك الغير شخصاً أم جهة. فهي نحو من التمليك أو التخصيص الذي تترتب آثاره بعد الموت من دون حاجة إلى سبب لإحداثه وإيقاعه، فلو قال الموصي: سيارتي لزيد، أو قال: بيتي لعمرو، أو مكتبتي للحوزة الفلانية، فإن ذلك يصبح ملكاً للموصى له من دون حاجة إلى جعل جديد من الوارث، أو الوصي، لأنه صار مستحقاً له بعد موت الموصي بالوصية التي صدرت منه في حياته.

وتتحقق الوصية التمليكية سواء قال الموصي: هذا المال لزيد، أو للمسجد أو لطلبة العلوم الدينية بعد وفاتي، أم قال: أعطوا هذا المال لزيد، أو للفقراء بعد وفاتي.

 

مقدار ما يوصى به:

اشترط الفقهاء في الموصى به أن لا يزيد على ثلث ما تركه الميت من أموال، سواء كانت الوصية تمليكية أم كانت الوصية عهدية، وذلك لأن سلطة الانسان على أمواله بعد موته تختلف عن سلطته عليها في حياته حيث تقيد تلك السلطة، فلا يكون حراً في الوصية بماله كيف يشاء، بل يجب عليه مراعاة أمور في كيفية توزيع التركة، فإنها توزع كالتالي:

 

توزيع التركة:

أولاً: ما يخرج من أصل التركة، وهي أمور عديدة لها الأولوية على غيرها من مستحقات ما بعد الموت، فتؤخذ من مجموع التركة قبل الوصية، وقبل حصص الورثة، وهي:

1-ما عليه من ديون للناس.

2-ما عليه من حقوق شرعية في أمواله، من خمس، أو زكاة. وأما الكفارات، ورد المظالم، والنذور، فإنها لا تخرج من أصل التركة.

3-نفقات تجهيزه، من تغسيل وتكفين، وتحنيط، وصلاة ودفن.

4-الحج الواجب بالاستطاعة، ويختص ذلك بحجة الإسلام، فلا يشمل ما وجب عليه بنذر مثلاً.

 

ثانياً: ما يخرج من الثلث، وهذا خاص بالميت تخرج منه وصاياه:

1-كل ما يريد إعطاءه أو صرفه على شخص أو جهة في وجوه الخير، أو رد المظالم، ووفاء النذور، والكفارات.

2-ما يعمل به بعد موته.

3-ما نص على إخراجه من الثلث مما يكون من الأمر الأول.

 

ثالثاً: حصص الورثة، ويكون التقسيم وفق الفريضة الشرعية.