29 مارس,2024

تفويض الدين(6)

اطبع المقالة اطبع المقالة

تفويض الدين(6)

 

ومنها: خبر عبد الله بن سليمان، عن أبي جعفر(ع)، قال: إن الله أدب نبيه(ص) تأديباً ففوض إليه الأمر، وقال:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وكان مما أمره الله في كتابه فرائض الصلب(الصلاة) وفرض رسول الله(ص) للجد فأجاز الله ذلك له، وحرم الله في كتابه الخمر بعينها وحرم رسول الله(ص) كل مسكر فأجاز الله له ذلك[1].

 

ويمنع من الاستناد إليه الخلل في سنده، فقد ورد في المصدر مرة عن عبد الله بن سليمان، وأخرى عمن رواه عن عبد الله بن سليمان، ومع عدم الجزم بأحدهما يصعب التعويل عليه.

ومنها: ما رواه فضيل بن يسار، قال: سألته كيف كان يصنع أمير المؤمنين بشارب الخمر؟ قال: كان يحدّه. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يحده. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يحدّه ثلاث مرات فإن عاد كان يقتله.

قلت: كيف كان يصنع بشارب المسكر؟ قال: مثل ذلك. قلت: فمن شرب شربة مسكر كمن شرب شربة خمر؟ قال: سواء. فاستعظمت ذلك، فقال لي: يا فضيل، لا تستعظم ذلك فإن الله إنما بعث محمداً(ص) رحمة للعالمين، والله أدب نبيه فأحسن تأديبه، فلما ائتدب فوض إليه فحرم الخمر وحرم رسول الله(ص) كل مسكر، فأجاز الله ذلك له، وحرم الله مكة وحرم رسول الله(ص) المدينة، فأجاز الله ذلك كله له، وفرض الله الفرائض من الصلب(الصلاة) فأطعم رسول الله(ص) الجد فأجاز الله ذلك كله له.

ثم قال: يا فضيل، حرف وما حرف:- (من يطع الرسول فقد أطاع الله)[2].

وفي سنده زياد القندي، وهو أحد رؤوس الوقف المنكرين النص على إمامة أبي الحسن الرضا(ع)، مع أنه أحد الذين رووا النص على إمامته. وقد يوثق لما جاء في الإرشاد من عدّ المفيد(ره) إياه ممن روى النص على الإمام الرضا(ع)، وعدّه إياه من أهل الورع ومن خاصة الإمام ارضا(ع) الثقات. وقد ذكر بعض الأعاظم(ره) أن كل ما كان من صفات قد زالت بإنكاره إمامة الإمام الرضا(ع) ما عدا مسألة الوثاقة، فإنها لا زالت باقية، لعدم زوالها بإنكار الإمامة[3].

 

ومنها: خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت له: كيف كان يصنع أمير المؤمنين(ع) بشارب الخمر؟ قال: كان يحده. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يحده. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يحدّه ثلاث مرات، فإن عاد كان يقتله.

قلت: فكيف يصنع بشارب المسكر؟ قال: كان يحدّه. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يحده. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يحده. قلت: فإن عاد؟ قال: كان يقتله. قلت: فمن شرب الخمر كمن شرب المسكر؟ قال: سواء. فاستعظمت ذلك، فقال: لا تستعظم ذلك، إن الله لما أدب نبيه(ص) ائتدب ففوض إليه، وإن الله حرم مكة وإن رسول الله(ص) حرم المدينة، فأجاز الله له ذلك، وإن الله حرم الخمر، وحرم رسول الله(ص) كل مسكر، فأجاز الله ذلك كله له، وإن الله فرض فرائض من الصلب وإن رسول الله(ص) أطعم الجد فأجاز الله ذلك له. ثم قال: حرف وما حرف:- (من يطع الرسول فقد أطاع الله)[4]. والظاهر اتحاده مع الخبر السابق، وأن زياد القندي يرويه مرة عن محمد بن عمارة، وأخرى عن عبد الله بن سنان.

وعلى أي حال، هو ساقط عن الحجية والاعتبار لوجود زياد القندي، والذي قد عرفت أنه أحد رؤوس الوقف والواقفة.

 

ومنها: معتبرة زرارة، عن أبي جعفر(ع)، قال: وضع رسول الله(ص) دية العين ودية النفس ودية الأنف، وحرم النبيذ، وكل مسكر. فقال له رجل: فوضع هذا رسول الله(ص) من غير أن يكون جاء فيه شيء؟ قال: نعم ليعلم من يطع الرسول ممن يعصيه[5]. وهي تامة الدلالة على المدعى، من ثبوت الولاية التشريعية لرسول الله(ص)، وليس في سندها من يتوقف فيه.

 

ومنها: خبر أبي حمزة الثمالي، قال: قرأت هذه الآية على أبي جعفر(ع):- (ليس لك من الأمر شيء)، قول الله تعالى لنبيه، وأنا أريد أن أسأله عنها، فقال أبو جعفر(ع): بل وشيء وشيء-مرتين-وكيف لا يكون له من الأمر شيء فقد فوض الله إليه دينه، فقال:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فما أحل رسول الله(ص) فهو حلال، وما حرم فهو حرام[6]. ومع تمامية دلالته على المدعى، إلا أنه يعاني ضعفاً في سنده بوجود الحسن بن عثمان، فمضافاً لتضعيف ابن الغضائري(ره) إياه، نص النجاشي على أن الأصحاب قد ضعفوه.

ومنها: خبر عبد الله بن سنان، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر(ع) قال: إن الله تبارك وتعالى أدب محمداً(ص) فلما تأدب فوض إليه، فقال تبارك وتعالى:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وقال:- (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، فكان فيما فرض في القرآن فرائض الصلب، وفرض رسول الله(ص) فرائض الجد فأجاز الله ذلك له، وأنزل الله في القرآن تحريم الخمر بعينها وحرم رسول الله(ص) كل مسكر، فأجاز الله له ذلك في أشياء كثيرة، فما حرم رسول الله(ص) فهو بمنـزلة ما حرم الله[7]. ومع تمامية دلالته على المطلوب، إلا أنه ضعيف سنداً بالإرسال.

 

ومنها: خبر المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله(ع) قال: ما أعطى الله نبياً من الأنبياء شيئاً إلا وقد أعطاه محمداً(ص) قال لسليمان بن داود(ع):- (فامنن أو أمسك بغير حساب)، وقال لمحمد(ص):- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). وتعتمد دلالته على أن يكون المعطى لرسول الله(ص) شاملاً للولاية التشريعية، وقد عرفت فيما تقدم، ظهور ذلك في الولاية الإجرائية التنفيذية التنظيمية، وفقاً للمنصبين الثابتين له(ص)، ولا ربط لذلك بمحل البحث من ثبوت الولاية التشريعية. على أن الخبر ضعيف سنداً بوجود المعلى، فإنه لم تثبت وثاقته.

 

ومنها: ما رواه محمد بن عذافر، عن رجل من إخواننا، عن محمد بن علي(ع)، قال: إن الله تبارك وتعالى أدب محمداً(ص) فلما تأدب فوض إليه الأمر، فقال تبارك وتعالى:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وقال:- (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، فكان فيما فرض الله في القرآن فرائض الصلب، وفرض رسول الله(ص) فرائض الجد فأجاز الله ذلك له، وأنزل الله في القرآن تحريم الخمر بعينها وحرّم رسول الله(ص) كل مسكر فأجاز الله ذلك له، وأشياء كثيرة، وكل ما حرم رسول الله(ص) فهو بمنـزلة ما حرم الله[8]. ومع تمامية دلالته على المطلوب، إلا أن إرساله يمثل مانعاً من حجيته، فلا يستند إليه في إثبات المدعى، وإنما يصلح للتأيـيد.

 

ومنها: خبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قوله: إن الله فوض الأمر إلى محمد(ص) فقال:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، قال: إن الله خلق محمداً(ص) طاهراً ثم أدبه حتى قوّمه على ما أراد ثم فوض إليه الأمر، فقال:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فحرم الله الخمر بعينها وحرم رسول الله(ص) المسكر من كل شراب، وفرض الله فرائض الصلب وأعطى رسول الله(ص) الجد فأجاز الله له ذلك، وأشياء ذكرها من هذا الباب[9]. ووجود إبراهيم بن عبد الحميد، لا يمنع من حجية الخبر، لأنه يوثق اعتماداً على كبرى مشائخ الثقات. لكن المشكلة في وجود يحيى بن أبي عمران، والظاهر أنه مجهول.

منها: خبر أبي إسحاق النحوي، قال: دخلت على أبي عبد الله(ع)، فسمعته يقول: إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته، فقال:- (وإنك لعلى خلق عظيم)، ثم فوض إليه، فقال عز وجل:- (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه عنه فانتهوا)، وقال عز وجل:- (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [10].

 

ومنها: خبر ياسر الخادم، قال: قلت للرضا(ع): ما تقول في التفويض؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه(ص) أمر دينه، فقال:- (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فأما الخلق والرزق فلا، ثم قال(ع): إن الله عز وجل يقول:- (الله خالق كل شيء)، وهو يقول:- (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون)[11]. ودلالته على المدعى كدلالة سوابقه، لأن المقصود من التفويض في أمر الدين، يعني إعطاء حق التشريع، فيثبت أن له(ص) سلطة وولاية تشريعية على الأحكام الشرعية.

 

نعم قد يمنع من الاستناد إليه، وجود محمد بن علي ماجيلويه في سنده، فإنه لم تثبت وثاقته، إلا أن وقوع الخبر في كتاب عيون أخبار الرضا(ع)، قد يوحي بشيء من الاطمئنان بالصدور، ضرورة أن التعبير عن الكتاب بالعيون تساعد على ذلك، لأن المقصود من العيون هو خصوص ما استجوده كاتبه، فيكون المنقول في الكتاب هو خصوص ما استجود من النصوص، ومن الطبيعي أن يكون أجود النصوص هي النصوص المعتبرة والمطمئن بصدورها، فتأمل جيداً.

الثانية: ما تضمنت ثبوت الولاية التشريعية للمعصومين(ع)، لأن ما فوض لرسول الله(ص) قد فوضه إليهم:

منها: خبر أبي إسحاق النحوي، قال: دخلت على أبي عبد الله(ع)، فسمعته يقول: إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته، فقال:- (وإنك لعلى خلق عظيم)، ثم فوض إليه، فقال عز وجل:- (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه عنه فانتهوا)، وقال عز وجل:- (من يطع الرسول فقد أطاع الله).

 

قال: ثم قال: وإن نبي الله فوض إلى علي وائتمنه، فسلمتم وجحد الناس، فوالله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا، وأن تصمتوا إذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله عز وجل، ما جعل الله لأحد خيراً في خلاف أمرنا[12]. وقد تضمن الخبر التصريح بأن ما فوض لرسول الله(ص) فقد فوضه(ص) إلى أمير المؤمنين(ع)، ولم يتعرض لثبوت هذا الحق لبقية الأئمة الأطهار(ع)، وعندها يأتي احتمالان:

الأول: البناء على عدم ثبوت خصوصية لأمير المؤمنين(ع)، فيتعدى منه لبقية الأئمة الأطهار(ع)، لأن التفويض من رسول الله(ص) كان لمنصب الإمامة، وليس لشخص أمير المؤمنين(ع).

الثاني: البناء على اختصاص هذا الحق بخصوص أمير المؤمنين(ع) دون بقية الأئمة(ع) لخصوصية فيه(ع) كونه نفس رسول الله(ص)، فلا يتعدى منه إلى غيره.

ولا يمنع من الاستناد للخبر ضعفه بطريق الكليني(ره)، لأنه قد روي في بصائر الدرجات بطريق معتبر[13].

ومنها: خبر موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبد الله(ع)، فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل، فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل، فسأله عن تلك الآية، فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه، وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر، فسأله عن تلك الآية، فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أن ذلك منه تقية.

 

قال: ثم التفت إليّ، فقال لي: يا ابن أشيم، إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود(ع)، فقال:- (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)، وفوض إلى نبيه(ص)، فقال:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فما فوض إلى رسول الله(ص) فقد فوضه إلينا[14]. ودلالته على ثبوت الولاية التشريعية للأئمة الأطهار(ع) جلية واضحة، لأنه قد نص(ع) على أن ما فوض لرسول الله(ص)، فقد فوضه(ص) إليهم. وذكر ما كان لنبي الله سليمان(ع) لا يشكل قرينة لمنع ثبوت الولاية التشريعية للمعصومين(ع)، ضرورة أن أقصى ما يظهر منه في البين هو بيان مورد الإعطاء دون تحديد منه للمعطى، ويساعد على ذلك حذف المتعلق، والذي يعد أمارة العموم ما لم يعلم المقصود منه، كما في المقام.

 

وليس بين الخبر بهذه الدلالة معارضة مع نصوص الطائفة الأولى الدالة على ثبوت حق التشريع له(ص)، ولا معارضة لرواية أبي إسحاق النحوي، لأن نصوص الطائفة الأولى وإن دلت على اختصاص الولاية التشريعية برسول الله(ص)، ودل خبر أبي إسحاق على ثبوتها له، ولأمير المؤمنين(ع)، إلا أن دلالتها على نفي ذلك عن الأئمة(ع) بالإطلاق وهو ظاهر، فترفع اليد عن ذلك بخبر موسى بن أشيم، لأنه نص على ثبوت التفويض إليهم، لتقدم النص على الظاهر.

ويمنع من الاستناد إليه ضعف سنده، فإن راويه وهو موسى بن أشيم، لم تثبت وثاقته، كما أن بكار بن بكر أو أبي بكر مجهول الحال، ويحيى بن أبي عمران الواقع في سنده مهمل، إلا أن يقبل كبرى الوقوع في أسناد تفسير القمي، والتي عرفت عدم تماميتها، وبعلي بن صامت.

ومنها: خبر عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله(ع): لا والله، ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله(ص)، وإلى الأئمة(ع)، قال الله عز وجل:- (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)، وهي جارية في الأوصياء(ع)[15]. ودلالته على ثبوت التفويض إليهم(ع) جلية واضحة، إلا أن سنده قد اشتمل على محمد بن سنان، وقد ثبت في محله ضعفه وعدم التعويل على مروياته. مضافاً إلى أنها منقولة بنحو الوجادة، لأن محمد بن الحسن الصفار، يقول بأنه وجدها في نوادر محمد بن سنان، وهذا يحتاج احراز صحة النسبة إليه.

 

ومنها: خبر محمد بن الحسن الميثمي عن أبي عبد الله(ع)، قال: سمعته يقول: إن الله عز وجل أدب رسوله حتى قومه على ما أراد، ثم فوض إليه، فقال عز ذكره:- (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، فما فوض الله إلى رسوله، فقد فوضه إلينا[16]. ويعاني الخبر المذكور من مشكلتين في السند:

الأولى: تحديد المقصود بالحسن بن زياد الواقع في السند، فإن الموجود في الرواة بهذا الاسم شخصان، وهما:

1-الحسن بن زياد العطار الطائي، وهو متحد مع الحسن بن زياد الضبي الكوفي.

2-الحسن بن زياد الصيقل.

 

وكلاهما من أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع)، وهذا يمنع أن يرويا عن الميثمي الذي عدّه النجاشي(ره) في أصحاب أبي الحسن الرضا(ع).

وعلى أي حال، سواء بني على أن الواقع في السند هو العطار الطائي، أم الصيقل، فإن كليهما لم تثبت وثاقته.

الثانية: رواية محمد بن الحسن الميثمي عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، والمفروض أنه من أصحاب الإمام الرضا(ع)، وهذا يمنع أن يروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) مباشرة وبدون واسطة، وروايته عنه ذلك تكشف عن وجود ارسال في المقام، فيوجب سقوط الخبر عن دائرة الحجية، هذا بعد البناء على وثاقة الميثمي، والظاهر أن طريق توثيقه مبني على الالتـزام بكونه متحداً مع محمد بن الحسن بن زياد الميثمي، وأما لو بني على أنه متعدد، وأنه يغاير محمد بن الحسن بن زياد، كما بنى على ذلك بعض الأعاظم(ره)[17]، فسوف يكون مجهولاً.

 

وقد روي هذا الخبر في بصائر الدرجات بطريقين:

الأول: عن يعقوب بن يزيد، عن أحمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن بن زياد، عن أبيه، عن أبي عبد الله(ع)[18]. وهذا الطريق ليس أحسن حالاً من طريق الكافي، لاشتماله على مجهولين لما يذكرا في المصادر الرجالية، وهما: أحمد بن الحسن بن زياد، والحسن بن زياد، والد الميثمي.

الثاني: عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن بن زياد، عن أبيه، عن أبي عبد الله(ع)[19]. ووفقاً لما جاء في بعض مرويات البصائر، فإن الظاهر أن الحسن بن الحسين هو اللؤلؤي، فقد وردت رواية محمد بن عبد الجبار عنه، وأن أحمد بن الحسن هو الميثمي، والذي ينتهي نسبه إلى ميثم التمار(رض)، فقد وردت رواية اللؤلؤي عنه. ومحمد بن الحسن بن زياد، هو العطار، وقد نص النجاشي والشيخ على رواية أبيه عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)[20].

 

ومنها: خبر أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، لأن الأئمة منا مفوض إليهم، فما أحلوا فهو حلال، وما حرموا فهو حرام[21]. ودلالته على المطلوب كسوابقه، إلا أنه ضعيف السند بالإرسال. نعم قد وجد هذا الخبر في كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد(ره)، بسند يوهم الاتصال، إلا أنه لا يخلو عن إرسال، لأنه يبدأ بالطيالسي، والمفروض أن المفيد لا يروي عنه مباشرة، وإنما يروي عنه بواسطة الصفار صاحب بصائر الدرجات، فيكون عدم ذكره موجباً لشبهة الإرسال، ويكفي لعدم الاستناد للخبر عدم ثبوت نسبة الكتاب للمفيد(قده) كما هو محقق في محله.

 

ومنها: خبر أبي بكر الحضرمي، عن رفيد مولى ابن هبيرة، قال أبو عبد الله(ع): إذا رأيت القائم أعطى رجلاً مائة ألف وأعطى آخر درهماً فلا يكبر في صدرك، فإن الأمر مفوض إليه[22].

ومنها: خبر جابر الذي نقله أبو المؤيد موفق الخوارزمي، قال: قال رسول الله(ص): إن الله تعالى لما خلق السماوات والأرض دعاهن فأجبنه، فعرض عليهن نبوتي وولاية علي بن أبي طالب فقبلتاهما، ثم خلق الخلق، وفوّض إلينا أمر الدين، فالسعيد من سعد بنا، والشقي من شقي بنا، نحن المحللون لحلاله والمحرمون لحرامه[23]. ودلالة الخبر على المدعى جلية واضحة، إلا أن سنده قد اشتمل على سهل بن أحمد وهو الديباجي، ولم تثبت وثاقته، بل قد تضمنت كلمات المسلمين تضعيفه، ورميه بالكذب. نعم جاء في رجال النجاشي قوله: لا بأس به.

 

وربما جعل من النصوص الصالحة للدلالة على المدعى، النصوص التي تضمنت تصنيف المجعولات الشرعية إلى صنفين، فرائض وسنن، والمقصود من الفرائض، هو ما جعل الله تعالى، سواء كان ذلك في كتابه الكريم، أم كان ذلك بياناً على لسان رسوله الكريم(ص)، وأما السنن، فهو خصوص ما صدر عن الرسول الأكرم(ص) جعلاً وإنشاءاً بعدما لم يصدر عن الله تعالى شيء في ذلك، ومن النصوص الدالة على ذلك، صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع)، قال: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة والركوع، والسجود، ثم قال: القراءة سنة، والتشهد سنة، والتكبير سنة، ولا تنقض السنة الفريضة[24].

ومثل ذلك ما صدر عن الإمام الصادق(ع) في حديثه مع الأعمش، حول الحج، حيث تعرض(ع) إلى التفصيل في أعمال الحج، فوسم بعضها بأنها فرائض، من قبيل الطواف، وصلاته، والسعي، ووسم غيرها بأنها سنة، من قبيل الوقوف في عرفات، والحلق، ورمي الجمرات[25]. ودلالة هذه الطائفة من النصوص تبتني على التفسير المذكور للسنة، وأنه ما جعل من قبل رسول الله(ص) لعدم وجود جعل صادر من الله تعالى، وهذا يكشف عن وجود سلطة تشريعية ثابتة للنبي(ص)، والظاهر أنه لا خصوصية لرسول الله(ص)، فإنه يمكن أن يجعل لبقية الأئمة الأطهار(ع) أيضاً، فيثبت المطلوب.

 

ويمكن التمسك لإثبات هذا الحق إليهم(ع) أيضاً بأمور قد صدرت منهم، وهي:

1-ما صدر عن أمير المؤمنين(ع)، من وضعه الزكاة على الخيل العتاق الراعية في كل فرس كل عام دينارين، وجعل على البراذين ديناراً، مع أن الزكاة الواجبة في الأمور التسعة المعلومة.

ومن المحتمل جداً، لو لم يكن متعيناً أن صدور ذلك منه(ع) كان حكماً سلطانياً، وليس حكماً تشريعياً، فلا يصلح لإثبات المدعى.

2-ما ورد من الإمام الصادق(ع) من حث وتحريض على الذهاب إلى زيارة الإمام الحسين(ع) حال الخوف، ولو كان في ذلك خوف الضرر على النفس، والبدن من القتل، أو قطع شيء من الأعضاء، مع أن الزيارة مستحبة، وحفظ النفس عن الضرر أمر واجب.

3-ما صدر من الإمام الجواد(ع)، من فرض الخمس على الشيعة في إحدى السنين مرتين في سنة واحدة.

وهذا كسابقه أيضاً.

4-حكمه بوجوب الخمس في الذهب والفضة اللذان حال عليهما الحول، مع أنهما مما يجب فيهما الزكاة.

5- ما صدر عن رسول الله(ص) من توقيت المواقيت الخمسة.

6- جعله(ص) عدد أشواط الطواف في الحج والعمرة، وكذا عدد أشواط السعي فيهما أيضاً.

7- مدة المكث في عرفات.

8- زيادة ركعتين في صلاة الفريضة الرباعية، وركعة في الفريضة الثلاثية.

 

 

 

[1] المصدر السابق ح 11 ص 231-232.

[2] المصدر السابق ح 12 ص 232.

[3] معجم رجال الحديث ج ص

[4] المصدر السابق ح 12 ص 232.

[5] المصدر السابق ح 14 ص 234.

[6] المصدر السابق ح 15 ص 234-235.

[7] المصدر السابق ح 16 ص 235.

[8] المصدر السابق ح 18 ص 236.

[9] المصدر السابق ح 19 ص 236.

[10] الكافي ج 1 ح 1 ص 660.

[11] عيون أخبار الرضا(ع) ج 1 ص 219.

[12] الكافي ج 1 ح 1 ص 660.

[13] بصائر الدرجات ج 2 ح 7 ص 239.

[14] الكافي ج 1 ح 2 ص 661، بصائر الدرجات ج 2 ح 8 ص 240.

[15] الكافي ج 1 ح 8 ص 666.

[16] الكافي ج 1 ح 9 ص 666.

[17] معجم رجال الحديث ج 15 ص 266-267.

[18] بصائر الدرجات ج 2 ح 1 ص 237.

[19] المصدر السابق ح 6 ص 239.

[20] رجال النجاشي رقم 1179، الفهرست رقم 1002.

[21] بصائر الدرجات ج 2 ح 3 ص 238.

[22] بصائر الدرجات ج 2 ح 10 ص 241.

[23] المناقب للخوارزمي ص 135.

[24] وسائل الشيعة ج ب من أبواب ح ص

[25] وسائل الشيعة ج ب من أبواب ح ص