موارد الوكالة
تنقسم الأعمال الصادرة من الإنسان إلى قسمين:
الأول ما يعتبر فيها مباشرة الإنسان إياها بنفسه، وهي التي يتوقف حصولها وتحققها خارجاً على قيام الإنسان بها بنفسه وإتيانه بها، فلا يمكن أن يوكل أمر القيام بها إلى شخص آخر غيره، بل لو قام بها غيره لم يصح ذلك، ولم تبرأ ذمته.
الثاني: الأعمال التي لا يعتبر فيها قيام الإنسان بها بنفسه ومباشرته إياها، بل يمكنه أن يوكل القيام بها إلى آخر أو آخرين فيأتي أو يأتون بها، وإن كان يمكنه القيام بها بنفسه لو شاء.
وهذا القسم، هو الذي يكون الإنسان فيه مخيراً بين أمرين، فيمكنه القيام بذلك بنفسه، كما يمكنه أن يوكل أمر القيام بها إلى آخر، بخلاف القسم الأول، وهو الذي لا يكون له إلا مصداق واحد، وهو قيام الإنسان بها بنفسه.
وتظهر الثمرة في الفرق بين القسمين في مشروعية التوكيل، فإنه لا تشرع الوكالة في القسم الأول، وتشرع في القسم الثاني.
الأعمال المطلوب فيها المباشرة:
وللقسم الأول موارد:
منها: العبادات البدنية، كالصلاة والصيام، وما شابه ذلك.
ومنها: إقرار الإنسان على نفسه بشيء بحيث يكون ملزماً به.
ومنها: أداء الشهادة التي وجب عليه أداؤها لإثبات الحقوق وإرجاعها لأهلها، أو تبرئة ساحة المتهم، وأمثال ذلك.
ومنها: أداء اليمين.
ومنها: اللعان.
ومنها: إرجاع زوجته المطلقة الرجعية إلى حبائله.
وغير ذلك من الموارد.
موارد الوكالة:
ويندرج تحت القسم الثاني مجموعة من الأعمال، وتكون الوكالة مشروعة فيها:
منها: الأعمال العبادية المالية، كالخمس والزكاة والكفارات، فإنه لا يعتبر في دفع الحق الشرعي سواء كان خمساً أو زكاة إلى الجهة المستحقة مباشرة المكلف لذلك بنفسه، بل يمكنه توكيل من يقوم عنه بدفع ذلك. ومثل ذلك أداء الكفارة التي اشتغلت بها ذمة المكلف.
ومنها: جميع العقود من دون فرق فيها، كعقد البيع، والهبة، والإجارة، والصلح، والقرض، والشركة، والنكاح، وغير ذلك.
ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الوكيل من يتولى الإيجاب، أو يتولى القبول.
وكما تصح الوكالة في العقود، فإنها تصح أيضاً فيما يكون من توابع العقد ولوازمه، مثل قبض الثمن، وإقباض المثمن، سواء كان ذلك في المعاملات التي يجب الإقباض فيها، كالقرض، وبيع الصرف، أم في المعاملات التي لا يجب ذلك فيها. ويعتبر قبض الوكيل أو إقباضه في مثل هذه الموارد بمنـزلة الموكل وإقباضه.
ومنها: الوصية، والوقف، والطلاق، وإبراء الذمة مما اشتغلت به، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار، وإسقاطه.
موارد الشك:
ثم إن هناك بعض الأعمال التي يشك في إندراجها تحت أي القسمين السابقين، وأنها من الأعمال التي يجب على الانسان الاتيان بها بنفسه، ولا يمكنه أن يوكل فعلها لأحد غيره، أو أنها من الأعمال التي يتخير بين الاتيان بها بنفسه، وبين توكيل الآخر للقيام بها. ومنشأ عدم وضوح ذلك يعود إلى عدم وجود نص شرعي يدل على اعتبار قيام الانسان بالعمل بها بنفسه.
والمرجع في هكذا أعمال لعرف المؤمنين المتدينين، فإن قرروا أنها من الأعمال التي يجب على الانسان فعلها بنفسه، وليس له أن يوكل الآخر للقيام بها، صار لازماً عليه فعل ذلك، أما لو كان بناؤهم على إمكانية توكيل الآخر للقيام بها، كما يمكن للإنسان فعلها بنفسه، فيكون مخيراً ثبت له حق التخيـير حينئذٍ.
وإن لم يتوفر عرف المؤمنين المتدينين، كان المرجع عندها لعرف عامة الناس، وما يقررونه يعول عليه، ويعمل على وفقه.