معالجة الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية(5)
العلاج إذا استلزم النظر إلى العورة:
كان جميع ما تقدم، حول انكشاف المرأة أمام الرجل، أو الرجل أمام المرأة للعلاج بالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه عدا العورة. وأما إذا كان العلاج يستدعي النظر إلى العورة، فإن الظاهر عدم الخصوصية لغير المماثل، لأن حرمة النظر إلى العورة لا يفرق فيها غير المماثل والمماثل، فكما لا يجوز للرجل النظر إلى عورة المرأة الأجنبية، كذلك لا يجوز للمرأة النظر إلى عورة المرأة أيضاً.
ولا يذهب عليك أن المستفاد من ألسنة الأدلة الدالة على حرمة النظر إلى العورة، أشدية هذه الحرمة من حرمة النظر إلى سائر أعضاء الجسد التي يحرم النظر إليها، ففي خبر حريز عن أبي عبد الله(ع)، قال: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه[1].
وفي خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: من دخل الحمام فغض طرفه عن النظر إلى عورة أخيه آمنه الله من الحميم يوم القيامة[2].
كما يظهر ذلك أيضاً من الموارد العديدة التي جوز الشارع النظر فيها إلى بدن الغير ولم يجوز النظر إلى عورته، كما في المحارم والمماثل، وغيره.
ومقتضى الأشدية المذكورة، قد يحتمل عدم ارتفاع حرمة النظر إلى العورة وإن بني على ارتفاعها فيما عدا ذلك، بسبب هذه الأشدية.
إلا أنه مندفع بما عرفت من دلالة نصوص الاضطرار والضرورة على رفع الحكم الأولي القاضي بعدم جواز النظر وحصول حكم ثانوي مفاده جواز ذلك، وهي مطلقة لا يفرق فيها بين ما إذا كان المنظور إليه هو شيء من الجسد دون العورة، وما إذا كان العورة.
نعم لو بني على أن دليل جواز النظر هو خبر أبي حمزة الثمالي، فإن بني على أن المسؤول عنه فيه شامل للعورة، وليس مختصاً بسائر الجسد دونها، حال استلزمه العلاج، لأحد بيانين:
الأول: التمسك بإطلاق كلام الإمام(ع)، لقوله(ع): إذا اضطرت إليه فليعالجها، فإنه شامل لما كان النظر للعورة كشموله لغيرها، وإن كان مورد السؤال هو سائر البدن دونها.
الثاني: ظهور قول السائل: يصيبها البلاء في جسدها إما كسر وإما جرح، فيما إذا كان ذلك في العورة أو قريباً منها بحيث يكون العلاج متوقفاً على النظر إليها.
ومع تمامية أحد البيانين، أو كليهما، فسوف يبنى على جواز النظر للعورة حال الاضطرار والضرورة للمعالجة كالبناء على جوازه لسائر الجسد كما عرفت عند تقريب دلالة الرواية.
وأما لو بني على عدم شمول الخبر المذكور للعورة، لعدم صلاحية التقريبين المذكورين للدلالة على المدعى، لمنع الأول منهما وهو الإطلاق في جواب الإمام(ع) ليكون شاملاً لصورة النظر إلى العورة، بل المقصود منه حال الاضطرار إلى العلاج، وهو مختص بسائر الجسد دونها كما سيظهر بملاحظة ما تضمنه كلام السائل من قيود.
ولا أقل من البناء على أن السؤال الصادر من السائل يوجب قدراً متيقناً في مقام التخاطب، وهو يمنع من انعقاد الاطلاق في الجواب جزماً، حتى على رأي من لا يمنع من أن القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع من انعقاد الإطلاق.
وأما الثاني منهما، فلأن المتفاهم عرفاً من السؤال الوارد فيها أن الموضوع هو سائر الجسد دون العورة، لأن افتراض الكسر والجرح في العورة أو ما يقاربها من البعد بمكان كما تقدمت الإشارة إليه حال الحديث عن الخبر المذكور.
عرض المريض نفسه على الطبيب:
ثم إنه بعد الفراغ عن جواز نظر الطبيب إلى المريض، سواء كان نظره إلى بدنه، أم كان نظره إلى عورته حال الاضطرار الحقيقي والضرورة الحقيقية، وليس الاضطرار العرفي والضرورة العرفية، بقيت الإشارة إلى حكم المريض من حيث جواز عرض نفسه على الطبيب مع علمه أن ذلك سوف يستلزم النظر إلى ما يحرم عليه كشفه، كالنظر إلى الجسد لو كان المريض امرأة، والطبيب رجلاً، أو النظر إلى العورة، ولو كان المريض والطبيب مماثلين.
والظاهر أن مقتضى ما تقدم من دلالة النصوص العامة على رفع الحكم الأولي حال الاضطرار، هو البناء على جواز عرض المريض نفسه على الطبيب، من دون فرق بين كونه يستلزم كشف ما لا يجوز النظر إليه من الجسد، أو النظر إلى العورة، ما دام يصدق في ذلك كله عنوان الاضطرار.
بل حتى لو كان المستند هو خبر أبي حمزة الثمالي، لكانت النتيجة أيضاً البناء على جواز عرض المريض نفسه على الطبيب وإن استلزم ذلك النظر إلى ما لا يجوز له النظر من الجسد، وإن كان موضوعها هو الطبيب وجواز نظره إلى ما لا يجوز النظر إليه من جسد المرأة، إلا أن مقتضى البناء على الملازمة العرفية بين جواز النظر والإبداء والانكشاف، يقضي بجواز عرض المريض نفسه على الطبيب، خصوصاً وقد عرفت أن التفكيك بينهما بجواز أحدهما دون الآخر ليس عرفياً.
فرعان:
الأول: قد عرفت أن الاضطرار قد يستوجب النظر واللمس، وقد يستوجب أحدهما، ولما كان الدليل الدال على الجواز منحصر فيما دل على رفع الاضطرار، فسوف يقتصر على مورد الحاجة، لأن الضرورات تقدر بقدرها، فإن اكتفي بالنظر، ولم تكن هناك حاجة للمس واللمس، لم يجز ذلك، ولو قام الطبيب بذلك كان مرتكباً للحرام، وكذلك لو كان اللمس أو المس يكفي لتحقق الغرض دون النظر كفى ذلك ولم يجز له النظر.
الثاني: مع البناء على جواز النظر إلى العورة، أو إلى بدن الأجنبية، فإن تمكن من النظر إليها بواسطة المرآة وجب عليه الاقتصار على ذلك، ولم يجز له النظر إليها مباشرة.
[1] وسائل الشيعة ج 2 ب 3 من أبواب آداب الحمام ح 1 ص 32.
[2] المصدر السابق ح 4 ص 33.