19 مارس,2024

معالجة الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

معالجة الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية(2)

 

مناقشة جواب المانع:

وأما ما أجاب به(ره)، عن الأمور التي تصلح أن تكون مانعاً، فيمكن دفعه، بأن:

المانع الأول: ما تضمنه كلام النجاشي، من فساد مذهبه، وقد أجاب عنه(ره)، بأنه معارض بما صدر عن المفيد(قده)، من عدّه من الفقهاء الصالحين، ومن خاصة أبي عبد الله(ع)، وبطانته.

ويرجح قول المفيد، لأنه معاضد بالنصوص التي لا يبعد دعوى التبادر الإجمالي فيها للدلالة على حسن حاله وصلاحه.

ومضافاً لما عرفت من عدم صلوح قول المفيد(ره) لمعارضة قول النجاشي عند مناقشة المقتضي للتوثيق، فإنه يدل عليه ذكر النجاشي(ره) أنه كان خطابياً.

وجوابه(ره)، بأن النجاشي نسب كونه خطابياً للقيل، لقوله: وقيل: إنه كان خطابياً، وهذا مشعر بالتضعيف والتمريض، لا أنه معتقد به وقائل بذلك.

 

وهو بعيد، فإن أقصى ما يظهر من التعبير المذكور، هو عدم جزمه بكونه كذلك، لا أنه يشكك في انتسابه إلى الخطابية.

وبكلمة أخرى، إن المستفاد من عبارة النجاشي، هو عدم ثبوت كونه خطابياً، لكنه لا يشكك في احتمال كونه كذلك، ويساعد على ذلك تعبيره في البداية، بأنه فاسد المذهب. وتظهر الثمرة حال المعارضة، فإن عدم جزمه بالنفي يمنع من حصول معارضة منه للشهادة الصادرة من الكشي بكونه خطابياً، لأن النجاشي لا ينفي عنه ذلك، وإنما هو لم يثبت عنده. ويساعد قول الكشي نصوص ذكرها، مثل حكايته عنه أنه قال: قتل مع أبي الخطاب سبعون نبياً.

وجاء في راوية ابن مسكان أنه كان يقول في شأن الأئمة(ع): إنكم تقدرون أرزاق العباد. وهذا واحد من عقائد الخطابية.

 

ورى عنه أيضاً أنه وآخرون كانوا يحدثون عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: أن معرفة الإمام تكفي من الصوم والصلاة وأداء الفرائض، وأن إله الأرض الإمام، فسمع الناس ذلك منهم، فضعفوا الصادق(ع)، مع أنه لم يقل ذلك قط، وكان أتقى لله وأروع من ذلك.

بل يمكن استفادة انتمائه لهذا المنهج من خلال استهانته بأمر الصلاة والصوم، كما في الرواية المعروفة والتي نقلت بينه وبين أجلاء الرواة مثل محمد بن مسلم، وزرارة، وأبي بصير، وابن بكير، من أنه قال لهم: تظنون أن الله تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم.

نعم يمنع من القبول بهذه النصوص روايات أخرى تضمنت رده على الخطابية، وما كانوا يعتقدونه من أن معرفة الإمام تكفي عن الاتيان بالفرائض من الصلاة والصوم واجتناب المنكرات:

 

منها: ما جاء في دعائم الإسلام لأبي حنفية النعمان المصري، عن المفضل عن الصادق(ع) أنه قال له: اخرج إلى هؤلاء-يعني أصحاب أبي الخطاب-فقل لهم: إنا مخلوقون وعباد مربوبون. ومن الواضح أن غرضه(ع) من  التعبير المذكور هو الرد على هؤلاء الذين كانوا يدعون أن لهم(ع) بعض صفات الله سبحانه وتعالى.

 

والانصاف، عدم وضوح النص المذكور في نفي النسبة عنه، ذلك أن من المحتمل أن غرضه(ع) بجعله رسولاً لهؤلاء هو إيصال الأمر إليه، لنفي الشبهة الموجودة في ذهنه والعالقة عنده، فيصحح معتقده حتى يتمكن من تصحيح معتقد الآخرين، فتأمل.

نعم يمكن التمسك بما رواه في بصائر الدرجات، من أنه كتب إلى الإمام(ع) يشتكي من بعض الذين يزعمون أن الدين إنما هو معرفة الرجال، وإذا عرفت ذلك فاعمل ما شئت، وأنهم يقولون إن الصلاة رجل، والزكاة رجل، والصيام رجل-إلى أن قال-وأن الفواحش من الخمر والربا والميتة وغيرها رجل. فكتب إليه الإمام(ع) كتاباً مفصلاً من عدة صفحات، يرد على هؤلاء سمعوا قولاً لم يعقلوا معناه، وأن قولهم إن الصلاة والزكاة والفرائض الأخرى رجل كلام صحيح، ولكن الوجه فيه أن كل فريضة إنما كانت من النبي(ص) الذي جاء بها من عند ربه، وأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي(ص)، ولولا معرفة ذلك النبي والإيمان به والتسليم ما عرف ذلك.

 

وقد حكاه المحدث النوري(ره)، وذكر أنه في غاية الاعتبار، ومضافاً لشهادة متنه، فإنه يظهر مضافاً إلى براءة ساحة المفضل عن الخطابية، سبب توهم من توهم فيه ذلك، فإن الظاهر أنه كان مخالطاً لهم ومعاشراً إياهم، بغرض التعرف على مذاهبهم وطريقتهم، ليوصل أخبارهم إلى الإمام(ع) عن بصيرة وروية، فظن الجاهل الغبي الحاسد الغوي أنه صبا إليهم، وتدثر بمذهبهم[1].

والإنصاف، أن التأويلات التي تضمنها الخبر المذكور، بياناً لحقيقة معنى كون عبادة ما رجلاً، مما يصعب التصديق به، فضلاً عن قبوله وترتيب الأثر عليه.

 

وقد يجعل من شواهد عدم القبول، خلو رواية نقلها الصدوق(ره) من كتابه علل الشرائع عن المفضل، وهي خالية عن بعض ما تضمنه خبر بصائر الدرجات. وهو ممنوع، لأن من المحتمل جداً تصرف الصدوق(ره) في متنها بحذف ما لا يمكن القبول به، تفكيكاً في الحجية.

ثم إنه لو رفعت المناقشة لدلالة النصوص المذكورة وأضرابها مما ذكروه لنفي تهمة الخطابية عنه، إلا أنها كلها لا تصلح لذلك بسبب ضعف أسنادها، فلاحظها.

مضافاً إلى أن مثل هذه النصوص قد رويت عن كبار الغلاة، كيونس بن ظبيان على سبيل المثال، وهذا يعني أن الذي ينبغي ملاحظته في حال هؤلاء هو عملهم، وليس مروياتهم، فقد يروون شيئاً لكنهم يعملون خلافه، لأن غرضهم من الرواية هو إبعاد الشبهة عن أنفسهم، لعدم قدرتهم على المجاهرة بعقائدهم أمام الجميع.

 

والحاصل، إن ما ذكر لنفي الانحراف العقدي عن المفضل لغلوه، ونفي كونه خطابياً لا يصلح لمقاومة ما دل على ذلك من شهادة كل من الكشي، وابن الغضائري(ره).

وأما الجواب عن الأمر الثاني، من أن المقصود بالاضطراب في الرواية، هو كونه يروي ما يعرف وينكر، وهو لا ينافي الوثاقة.

 

وتفسيره(ره) يشير لكون الخلل في المروي، مع أن الظاهر من التعبير الصادر من النجاشي(ره)، والتوصيف المذكور كون الخلل في الراوي، وليس في الرواية، وهذا يجعل التفسير الصادر منه(ره) خلاف الظاهر، ولذا الظاهر أن المقصود من وصف شخص بكونه مضطرب الرواية، وجود خلل واضطراب عنده في ما ينقله ويحكيه عن الآخرين، وهذا موجب لوجود خلل في وثاقته في ما ينقل، وعدم التعويل عليه.

 

على أنه لو سلم بكون التوصيف للرواية وليست للراوي، فإنه يأتي فيه ما ذكرناه في ترجمة سهل ابن زياد، من أن نقله لما ينكر ولا يقبل، يكشف عن وضعه وكذبه النصوص على المعصومين(ع)، واختلاقها ولذا لم تقبل منه، فيكون ذلك موجباً لوجود خلل في وثاقته.

وأما جوابه عن المانع الثالث، بأن السبب في عدم التعويل على مؤلفاته، يعود لأنه فاسد المذهب ومضطرب الرواية، ودفع هذين الأمرين يوجب البناء على قبول مؤلفاته.

 

فقد عرفت منعه، لثبوت غلوه، وعدم صلاحية شيء من الدفاع المذكور في كلماته(ره)، وكلمات غيره من الأعلام، كالمحدث النوري، والشيخ المامقاني، وبعض الأعلام(ره)، لنفي ذلك عنه.

وقد عرفت أيضاً أن تعبير النجاشي بالاضطراب في الرواية من موجبات التضعيف خلافاً لما أفاده(ره).

 

 

 

[1] خاتمة المستدرك ج 4 ص 127(بتصرف).