20 أبريل,2024

القرض الاستثماري مع الزيادة(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

القرض الاستثماري

مع الزيادة(2)

 

والظاهر من بعض الأعلام(ره) البناء على شمول الآية الشريفة لقسمي الربا من دون فرق بينهما، فهي كما تدل على حرمة الربا المعاوضي، فإنها تدل على حرمة الربا القرضي أيضاً، نعم تختص دلالتها على الحرمة في الربا القرضي بخصوص الربا الاستهلاكي دون الربا الانتاجي الاستثماري، فلا تصلح دليلاً على حرمته والمنع عنه.

وما يمكن أن يتصور لمنع الشمول وحهان:

الأول: البناء على عدم شمول الإطلاق للفرد النادر، وهذا الوجه يقوم على مقدمتين:

الأولى: أن الربا الانتاجي والاستثماري من الأفراد الخفية النادرة.

الثانية: إن الإطلاقات الحاصلة في الخطابات الشرعية ولو كانت صادرة بنحو القضية الحقيقية، إلا أنها لا تشمل الأفراد النادرة، أو المعدومة حين صدور النص، لأنها منصرفة إلى خصوص الأفراد الشائعة والموجودة دون الأفراد النادرة والمعدومة.

ومن المعلوم أن المناط في حجية الإطلاق كما هو مقرر في محله على الظهور العرفي، وهذا يستدعي أن يكون المعنى واضحاً لدى المخاطب، وتكون حجيته بمقدار وضوح الخطاب عنده، ومعرفته بالمراد الجدي للمتكلم فيما ذكر.

ولما كان الفرد النادر، أو المعدوم ليس واضحاً عند العرف حين صدور الخطاب، لذا لا يكون الإطلاق شاملاً لهما ليكون حجة فيهما.

 

ومنشأ الانصراف المذكور هو ندرة هذا الفرد، أو عدم وجوده، فيستبعد العرف دخوله في مراد المتكلم، بسبب استبعاد تصور المتكلم له أساساً عند إطلاقه المفهوم، ولما كان مناط الحجية هو ما يستظهر من كلام المتكلم، وكونه مراداً له، وليس المدار فيها على ما يتسع له اللفظ المستعمل من المتكلم، يلتـزم بعدم شمول الإطلاق للأفراد النادرة أو المعدومة، لتكون حجية الخطاب مختصة بالأفراد الشائعة والموجودة دون النادرة والمعدومة، ولا يكون الخطاب شاملاً لهما.

ولما كان القرض الانتاجي الاستثماري من الأفراد النادرة، بل ربما المعدومة في ذلك الزمان حين صدور النص، لأن الآية الشريفة ناظرة للربا الاستهلاكي دون الاستثماري، فلا يكون الإطلاق شاملاً له، وعليه، لا تصلح الآية الشريفة للدلالة على الحرمة.

 

ويمكن المناقشة في مقدمتي الوجه المذكور:

أما الثانية منهما، فإن البناء على اختصاص الإطلاق الوارد في لسان الشارع المقدس بخصوص الأفراد الشائعة والموجودة دون النادرة والمعدومة اعتماداً على الانصراف، ممنوع، وليس ذلك لأنه من الانصراف الناجم من غلبة الوجود، الموجب لعدم منع حجية الإطلاق، بل إن الموجود في البين انصراف ناجم من كثرة الاستعمال، وإنما لأننا نمنع من وجود مثل هكذا انصراف أصلاً. لأن المدار في الحجية على شمول المطلق للأفراد النادرة والمعدومة وذلك بصدق عنوان المفهوم عليها، بحيث تكون متساوية في الصدق مع الأفراد الشائعة، نعم هي تختلف عنها فقط من حيث ندرة وجودها أو عدمها في زمن الخطاب، إلا أن هذا لا يمنع من شمول الإطلاق لها، وحجيته فيها.

 

وأما استبعاد تصور المتكلم لها، فلا يكون مريداً لها حين الخطاب، وإن كان صحيحاً، لأنه لا يكون متصوراً للأفراد النادرة أو المعدومة تفصيلاً، إلا أنها متصورة عنده ارتكازاً وإجمالاً، وهذا المقدار يكفي لظهور إرادته لها ضمن الاطلاق، لأن المصحح لاستظهار إرادة المتكلم للإطلاق ليس التصور التفصيلي لأفراد المطلق وحصصه، فإن ذلك لا يكاد يقع حتى لمثل الأفراد الشائعة، فإن المتكلم عند الخطاب إنما يتصور إجمالاً أفراد العام أو المطلق، ويجعل الحكم بعدها على الطبيعي قاصداً انحلال الحكم على كل ما يصدق عليه من أفراد. فالتحريم الصادر من الشارع المقدس للقرض الربوي شامل لما كان شائعاً في وقت صدور النص وما كان منه نادر الوجود، أو معدوماً، ما دام هذان الفردان متساويان مع الفرد الشائع للقرض الربوي وهو الاستهلاكي في صدق العنوان المجعول للحرمة.

 

ويشهد لما ذكرناه سيرة العقلاء، فإنها منعقدة على ذلك، بدليل أنهم يلتزمون بصحة احتجاج السيد على عبده لو أصدر له طلباً مطلقاً، يتساوى فيه أفراده الشائعة والنادرة والمعدومة، وقصر العبد تنفيذه أمر السيد في خصوص الأفراد الشائعة، بأن خطاب السيد شامل للجميع[1].

على أن جعل المدار في منع الإطلاق والشمول للأفراد النادرة والمعدومة هو خصوص الانصراف في غير محله، ذلك أن الندرة والعدم لا يعدان نكتة موجبة لتحقق الانصراف، بل لحصول الانصراف ملاكات وموجبات قد ذكرت في محلها، وليس منها الندرة والعدم.

 

نعم لا يمكن البناء على شمول الاطلاق للأفراد النادرة وكذا المعدومة لو لم تكن مصاديق للمفهوم الوارد في الدليل عند أهل المحاورة، وإن كانت بحسب الوضع اللغوي شاملة لها، فلا يصح عندها التمسك بالإطلاق، وكذا لا يصح التمسك به عند الشك في شمول الإطلاق لهذا المصداق وعدمه. لأن عدم استعمال أهل المحاورة لهذا اللفظ في هذا المعنى، وكذا الشك في الصدق يشكلان قرينة مانعة من انعقاد الإطلاق فضلاً عن حجيته.

وأما المقدمة الأولى، فيكفي في الجواب عنها، ما جاء في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، قال:

وأما ربا الدراهم والدنانير فكان ربا التجار، ومن كان يريد تنمية ثروته وزيادة تجارته، فكان يقترض بالربا لهذه الغاية[2].

 

وجاء فيه أيضاً: وقد يأخذ المدين المال ليشتغل به فيربح منه فيؤدي المال ورباه، ويستفيد من الربح الذي حصل عليه من تشغيله لذلك المال في تجارة أو أعمال إنتاجية أخرى، وورد عن إبراهيم النخعي أنه قال: كان هذا في الجاهلية، يعطي أحدهم ذا القرابة المال ليكثّر به ماله. وورد أنهم كانوا يعطون الرجل المال ليكثّر به ماله، وذلك عن طريق تشغيله لذلك المال[3].

وجاء في تاريخي الطبري وابن عساكر: أن هنداً بنت عتبة قامت إلى عمر بن الخطاب فاستقرضته من بيت المال أربعة آلاف درهم تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها فخرجت فيها إلى بلاد كلب فاشترت وباعت[4].

وقد روى مالك في الموطأ، والشافعي في كتابه الأم: أنه خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرّا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهّل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال[5].

 

والنصان الأخيران الذين نقلنا عن تاريخ الطبري وتاريخ دمشق، وموطأ مالك، وكتاب الأم للشافعي، وإن لم يشتملاً على ذكر الربا، إلا أنهما يدلان على معروفة القرض الاستثماري الانتاجي في تلك الفترة الزمنية، وهي التي صدرت فيها النصوص الدالة على الحرمة، وهذا يعني أن هناك قرضاً استثمارياً إنتاجياً ربوياً، كما أشار لذلك في المفصل، وهذا يمنع من التشكيك في وجود المقدمة الأولى.

وقد اشتملت أسئلة الرواة للأئمة المعصومين(ع) السؤال عن مثل هكذا قرض، ما يكشف عن كونه أمراً معروفاً ومتداولاً بينهم، ففي صحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن رجلين من الصيارفة ابتاعا ورقاً بدنانير، فقال أحدهما لصاحبه: انقد عني، وهو موسر لو شاء أن ينقد نقد، فنقد عنه، ثم بدا له أن يشتري نصيب صاحبه بربح، قال: لا بأس[6].

 

بل قد قيل: إن المتأمل في الظروف المادية التي أحاطت بالاقتصاد الجاهلي يؤمن بأن القروض الانتاجية كانت ضرورة حيوية من ضرورات اقتصادهم، فالطائف كانت تصدر إلى مكة وقرى الحجاز حاصلاتها من الزبيب والقمح والأخشاب وغيرها وكانت تستورد من مكة السلع التي تأتي بها قريش في كل من رحلة الصيف إلى الشام، ورحلة الشتاء إلى اليمن، وهذا التبادل إنما يتم عن طريق القروض الربوية، خصوصاً الجالية اليهودية في الطائف لم تكن لها صناعة إلا الاقراض بالربا لنشاط الطائف وما حولها.

ومكة كانت تعتمد على التجارة حتى أصبحت أعظم مركز تجاري في الجزيرة العربية، فكانت حسب قول المؤرخين أشبه بجمهورية تجارية تعيش اقتصادياً على الرحلتين، وكان الربا جزء لا يتجزأ من حياتهم الاقتصادية، وكان المقرضون يساهمون بصفة أصلية في تمويل القوافل[7].

 

الوجه الثاني: البناء على الاجمال في مدلول الآية الشريفة، وعندها يقتصر على القدر المتيقن، ومن الواضح أن القدر المتيقن منه هو خصوص الربا الاستهلاكي دون الربا الاستثماري الانتاجي، وعليه، لن تكون الآية الشريفة دالة على حرمته.

ولا يخفى أن الوجه المذكور صغروي، لأنه يعتمد على مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب من الإطلاق، والمقرر في محله عدم تمامية المبنى المذكور، فلا يضر وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب من حجية الظهور في الإطلاق.

ومنها: قوله تعالى:- (وأحل الله البيع وحرّم الربا)[8]، ودلالة الآية الشريفة على المدعى صريحة واضحة، لأنها قد اشتملت على التعبير بالتحريم، لقوله تعالى:- (وحرّم الربا)، وهو واضح في المنع. بل يمكن التمسك للدلالة على ذلك أيضاً بذيل الآية الشريفة والذي تضمن التوعد بالنار لمن عاد إلى ممارسة الربا وأكله بعدما جاءته الموعظة، وبلغته حرمة الربا، قال تعالى:- (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)[9].

 

ولا كلام في دلالة الآية الشريفة على حرمة الربا القرضي، لما حكاه العلمان الطبرسي والراوندي(ره) عن ابن عباس عما كان يفعله أهل الجاهلية، وهو المعبر عنه بربا الجاهلية، فقد جاء عنه أنه قال: كان الرجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه يطالبه به، قال المطلوب منه له زدني في الأجل أزيدك في المال فيتراضيان عليه ويعملان به، فإذا قيل لهم هذا ربا، قالوا هما سواء، يعنون به أن الزيادة في الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء، فذمهم الله وأوعدهم وخطأهم[10].

نعم ما ينبغي البحث عنه أن مفاد الآية الشريفة، هو الحكم التكليفي أو الحكم الوضعي، ويكون ذلك بتحديد المقصود من الحرمة المقابلة للحلية الواردة في الآية الشريفة، فإنه لو كان مفادها الحرمة التكليفية، كانت دلالة الآية على المطلوب واضحة، بخلاف ما لو كان مفادها الحرمة الوضعية، فإن أقصى ما نستفيده هو فساد المعاملة، وعدم تحقق النقل والانتقال، وثبوت الملكية لآكل الربا للزيادة.

 

الحرمة الواردة في الآية:

ولم تشتمل كلمات الفقهاء عند بحثهم عن الآية الشريفة الحديث حول تحديد نوعية الحرمة الواردة فيها وأنها حرمة تكليفية، أو حرمة وضعية، نعم قد سلطوا الضوء على تحديد نوع الحلية الوارد فيها.

وعليه، يمكن معرفة نوع الحرمة من خلال المقابلة، ذلك أنه متى كانت الحلية الواردة في الآية حلية تكليفية، فيلزم أن تكون الحرمة كذلك، وتكون الحرمة حرمة وضعية لو كانت الحلية كذلك.

 

وكيف ما كان، فإن الموجود في كلمات الأعلام محتملات أو أقوال ثلاثة في الحرمة الواردة في الآية وفقاً لما ذكروه في المقصود من الحلية فيها:

الأول: البناء على أنها خصوص الحرمة الوضعية، دون التكليفية، ومن أبرز القائلين بهذا القول هو المحقق النائيني(ره)، فإنه(قده) وإن احتمل إمكانية حملها على الحرمة التكليفية، إلا أن الأظهر في نظره(ره) حملها على الحرمة الوضعية، بل قد منع ظهور الآية في الحرمة التكليفية، وأنها ظاهرة في الحرمة الوضعية بالخصوص لوجود قرينة، وهي تعلق الحكم بالأعيان الخارجية بلحاظ تعلق فعل المكلف بها، الظاهر في صحتها ونفوذها بالدلالة المطابقية[11]. وقد وجه(ره) مختاره بأمرين:

الأول: أن المقصود من الربا في الآية هو الزيادة، لأنه المال المأخوذ زائداً على أحد العوضين، فتكون الحرمة وضعية.

 

الثاني: أن الحرمة والحلية في الآية قد أسندتا إلى ذات البيع والربا، وهما من الأعيان الخارجية، وليس التصرفات المقدّرة، ومن المعلوم أن إسناد الحكم إلى الأعيان يراد به خصوص الحكم الوضعي، فتكون الحرمة وضعية.

نعم يظهر من تقريره الآخر والذي كتبه الشيخ الخونساري(ره) بعنوان منية الطالب في شرح المكاسب احتمال كلا الأمرين، فيمكن أن تكون الحرمة تكليفية بالمطابقة، كما يمكن أن تكون وضعية كذلك[12].

 

الثاني: البناء على أنها حرمة تكليفية بالمطابقة، وحرمة وضعية بالالتـزام:

فالحرمة الواردة في الآية هي خصوص الحرمة التكليفية بالمطابقة، وليست الحرمة الوضعية، نعم تثبت الحرمة الوضعية بالملازمة، ومن القائلين بذلك شيخنا الأستاذ(دامت أيام بركاته)، قال: الحق أن الحلية المذكورة في الآية هي الحلية التكليفية دون الوضعية، كما يدل عليها ظاهر الآية، وقرينة صدرها وذيلها. إلا أنه ينبغي معرفة أن الحلية التكليفية إذا تعلقت بالأمور الاعتبارية تكون ناظرة عرفاً إلى الآثار المترتبة على المتعلق[13].

 

وقد استند القائلون بذلك إلى وجوه نشير لبعضها ويطلب التفصيل من محله:

منها: الاستناد إلى سياق الآيات القرآنية التي وقعت الآية محل البحث فيه، قال تعالى:- (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم* إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)[14].

 

ومنها: التمسك بقرينة المقابلة بين حلية البيع وحرمة الربا، فإنها تؤكد ظهور الحكم في التكليف، إذ لا إشكال في أن الحرمة المقصودة للربا في الآية هي الحرمة التكليفية، فيكون المقصود من الحلية فيها للبيع حلية تكليفية أيضاً.

ومنها: منع حصول التبادر على كون المقصود من الحلية والحرمة في الآية هي الوضعية، ليكون المقصود منها صحة البيع شرعاً، وفساد الربا كذلك. لأن التبادر المدعى لا يخلو أمره من احتمالين:

1-أن يراد منه التبادر الأولي من حاق اللفظ على حد التبادرات الوضعية الكاشفة عن الوضع، وعندها سوف يرجع إلى دعوى الدلالة المطابقية على الحكم الوضعي.

ويكفي لمنع هذا الاحتمال ملاحظة الوجهين الأول والثاني الذين استند إليهما القائلون بظهور الحرمة في الآية في الحرمة التكليفية.

2-أن يكون المراد منه التبادر المستند إلى القرينة الخارجية على حد تبادرات المعاني المجازية التي تستند إلى قرائنها، وهذا وإن كان ممكناً، إلا أن اثبات وجوده يحتاج قرينة خارجية تساعد عليه، وهي مفقودة في المقام، فيكون البناء على إرادة الصحة من الحل تجوزاً غير صحيح[15].

 

ومنها: إن الالتـزام بكون الحلية والحرمة في الآية ظاهرتين في الحلية والحرمة الوضعية يستوجب تالياً فاسداً، لأنه يلزم أن يقال بظهور الحرمة والنهي اللذين تعلقا بالعقد أو الايقاع في الفساد، مع أنه لا يلتـزم بذلك، لأن النهي في المعاملات لا يدل على الفساد، وإن أفاد الحرمة التكليفية، فالبيع وقت النداء يوم الجمعة، أو أثناء الصلاة لا يكون فاسداً، وإنما يكون حراماً بالحرمة التكليفية[16].

ومنها: دلالة مجموعة من النصوص على أن المقصود من الحلية والحرمة الواردتين في الآية هي التكليفية دون الوضعية، ففي ما رواه عمر بن يزيد[17] قال: قلت لأبي عبد الله(ع): جعلت فداك إن الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام وهو من الربا، فقال: وهل رأيت أحداً اشترى-غنياً أو فقيراً-إلا من ضرورة؟ يا عمر قد أحل الله البيع وحرّم الربا فاربح ولا تربه، قلت: وما الربا؟ قال: دراهم بدراهم مثلان بمثل[18].

 

ومنها: ما رواه هشام بن الحكم، أنه سأل الإمام الصادق(ع) عن علة تحريم الربا، فقال: إنه لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه، فحرّم الله الربا ليفرّ الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات وإلى البيع والشراء فيبقى ذلك بينهم في القرض[19].

 

فإن الحرمة في النصين قد أسندتا إلى الحرمة التكليفية كما يظهر ذلك من سؤال الراويـين الكاشف عن وجود ارتكاز في الأذهان، وقد كان الجواب الصادر من الإمام(ع) وفقاً لما كان عليه ارتكاز السائلين دون ردع منه(ع) عن ذلك.

 

 

 

 

[1] وهذا هو الذي عليه بعض الأعاظم(ره)، فقد أجاب(ره) في تقريرات بحثه الشريف، بقوله: إن الممنوع هو اختصاص الحكم بالفرد النادر، لا شموله له، إذ كون الفرد نادراً لا يوجب خروجه عن الطبيعة المطلقة. مصباح الأصول ج 3 ص 283.

[2] المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 1 ص 4399.

[3] المصدر السابق ص 4402.

[4] تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 287، تاريخ دمشق ج 70 ص 185.

[5] الموطأ ج 2 ص 687، كتاب الأم ج 4 ص 34.

[6] وسائل الشيعة ج 18 ب 8 من أبواب الصرف ح 1 ص 182.

[7] بحوث في الفقه المعاصر ج 5 ص 437-438.

[8] سورة البقرة الآية رقم 275.

[9] سورة البقرة الآية رقم 275.

[10] مجمع البيان ج 2 ص 670، فقه القرآن ج 2 ص 46.

[11] كتاب المكاسب والبيع للآملي ج 1 ص 133.

[12] منية الطالب في شرح المكاسب ج 1 ص 126.

[13] العقد النضيد ج 1 ص 253.

[14] سورة البقرة الآيات رقم 275-278.

[15] ينابيع الأحكام للسيد علي الموسوي القزويني ج 5 ص 499.

[16] العقد النضيد ج 1 ص 249.

[17] عمر بن يزيد مردد بين بياع السابري الثقة، والصيقل الذي لم يوثق، وقد تعرضت للبحث عنهما مفصلاً في كتاب كلمات توضيحية ج 1 في غسل الجنابة.

[18] وسائل الشيعة ج 17 باب جواز مبايعة المضطر والربح عليه على كراهية ح 1 ص 447.

[19] وسائل الشيعة ج 18 ب تحريم الربا ح 8 ص 120.