29 مارس,2024

عدم وجود فتوى للمرجع الميت

اطبع المقالة اطبع المقالة

عدم وجود فتوى للمرجع الميت

 

بناءاً على القول بمشروعية تقليد الميت سواءاً ابتداءاً أم بقاءاً بنحو البقاء أم الجواز إذا كان الميت أعلم، فقد يواجه المكلف جملة من المسائل التي لم يتعرضها الفقيه الميت، لأحد سببين:

الأول: عدم كون المسألة ابتلائية في زمان المرجع المتوفى وعصره، ما يجعلها مسألة مستحدثة ومستجدة.

الثاني: خلو الرسالة العملية والاستفتاءات الصادرة عن المرجع الميت من التعرض لبيان المسألة المبتلى بها المكلف، مع أنها ليست مسألة حادثة ومستجدة بل هي موجودة في كلمات غيره من الفقهاء، وربما مشار إليها في النصوص المباركة، لكنه لم يتطرق إليها في رسالته العملية لبنائه حين تحريره لرسالته العملية على عدم الاستيعاب والشمولية لاستعراض كل فرع فقهي، بل الاقتصار على الفروع الابتلائية في نظره عادة للمكلفين، ويمكن للمكلفين تحصيل ما يحتاجون إليه من مسائل لم تذكر فيها من خلال الاستفتاءات.

ولوضوح المطلب أكثر نذكر بعض الأمثلة لكل واحد من السببين:

 

فمن أمثلة السبب الأول:

١-التوسعة التي حصلت في المسعى، فإنها لم تحصل في أيام الإمام الخوئي(ره)، والإمام الخميني(قده) مثلاً، وبالتالي ليس لهما فتوى في هذه المسألة يمكن للباقين عليهما الرجوع إليهما فيها.

٢-الامتداد الحاصل في الجمرات الثلاث في منى عرضاً وطولاً، فإن هذا لم يحصل في عصر العلامة العصفور(قده) ما يمنع وجود فتوى له(رض) في المسألة.

٣-الوقوف يوم الثامن في عرفات وفقاً لإعلان الجهات الرسمية، مع العلم بأنه يوم الثامن، فإن الظاهر عدم وضوح هذه المسألة في فتاوى العلامة العصفور(ره)، وبالتالي ليس لمقلديه فتوى في المسألة المذكورة.

٤-السعي في السرداب، فإنه أمر مستحدث لم يكن موجوداً حال حياة الإمامين الخميني والخوئي(ره).

 

ومن أمثلة السبب الثاني، فروع أيضا:

منها: تعدد اللبس والملبوس للمخيط في محرمات الإحرام على الرجال، فإن هذه المسألة لم تتضمنها فتاوى الإمام الخوئي(ره)، مع أنها ليست مسألة مستجدة ومستحدثة.

ومنها: تقديم أعمال الحج على الوقوفين حال خوف الزحام الشديد، فإن هذه المسألة لم ترد في كلمات الإمام الخوئي(ره).

ومنها: كفاية تحصيل الهدي وعدم لزوم ذبحه للحلق يوم العاشر في منى، بل كفاية التوكيل في ذلك، فإن هاتين المسألتين لم تتضمنهما فتاوى الإمام الخوئي(ره).

 

ولا ينحصر الأمر في خصوص كتاب الحج، وإنما ذكرنا المسائل منه كنموذج وخصوصاً أن الناس قد عادوا قريبا من أداء المناسك ومسائله موضع الحديث بينهم وبين من زارهم لتهنئتهم بسلامة الوصول.

وكيف ما كان، فإنه في كل مسألة لم تكن للمرجع الميت فتوى فيها، وجب على مقلده الرجوع لمرجع آخر، فالباقي على تقليد الميت من خلال مرجع حي، يمكنه العمل بفتوى مرجعه الحي، وإن كان باقياً على تقليد المرجع الميت، لأن ذلك داخل ضمن تقليده، وعليه لو كان المكلف باقياً على تقليد الميت عن طريق الإمام السيستاني(دامت بركاته) مثلاً، فوظيفته في الفرع الأول من السبب الثاني وهي مسألة تعدد اللبس والملبوس، تعدد الكفارة بتعدد القطع الملبوسة.

 

بينما في الفرع الثاني، والثالث من نفس السبب يمكنه البقاء على فتوى الإمام الخوئي(ره) فيلتزم بتحقق الترتيب في أعمال منى بذبح الهدي وعدم الاكتفاء بتحصيله أو التوكيل في ذبحه، ويمكنه العمل بفتوى مرجعه الحي أيضاً لعدم وجود فتوى للمرجع الميت، وهكذا.

وبالجملة إذا كانت المسألة غير المتوفرة في فتاوى المرجع الميت إلزامية، وجب على المكلف الرجوع للمرجع الحي، الباقي على تقليد الميت من طريقه، أما لو لم تكن كذلك فهو بالخيار إن شاء التقليد فيها، وإلا فلا.

 

ولا يختلف الحال لو كان المكلف مقلداً للميت ابتداءاً كمن يقلد العلامة العصفور(ره)، فإن وظيفته تقليد مرجع آخر وفق الموازين المعتبرة عنده في التقليد، سواء كان ذلك المرجع من الأموات أم من الأحياء، والمهم أن تكون الفتوى المبتلى بها المكلف موجودة عنده ليعمل على وفقها، ويجري في المقام ما ذكرناه من ملاحظة المسائل الإلزامية وعدمه، فيلزمه لتصحيح حجه في الوقوف يوم الثامن من ذي الحجة عالماً أنه يوم الثامن دون غلط منه ولا اشتباه أن يقلد مرجعاً آخر للبناء على صحة حجه. وأما في رمي الجمرات الثلاث فقد يقال بالاقتصار على رمي موضع الجمرة القديمة حال احرازه، ولا يجوز رمي الإضافات. لكن هذا مشروط بإحراز أن العلامة العصفور(رض) لا يعتبر رمي عين الجمرة القديمة ولا يرى مانعية ما وضع عليها من اضافة في تحقق الرمي، وإلا فيشكل كفاية رميها، ما يجعل المسألة مستجدة ومستحدثة.

 

خاتمة:

ثم إن ما ذكرناه من السببين الموجب لفقدان فتوى المرجع الميت لا يشمل الفروع الفقهية الصغروية الموجود أصولها وكبرياتها في الفتاوى، كحكم بعض الألعاب التي يمكن انطباق عنوان القمارية عليها، فإنها لا تعد مسائل مستحدثة لاندراجها تحت عنوان آلات القمار متى توفرت شروط ذلك ليحكم بحرمة اللعب بها وفقاً لفتوى المرجع الميت، وصدق الغناء على بعض المقاطع الصوتية، الموجب للحكم بحرمتها، وهكذا.