محمد بن إسماعيل: في روايات الكافي(1)

لا تعليق
خواطر حوزوية
322
2

 
محمد بن إسماعيل عنوان يطلق على جماعة، ذكر السيد الداماد(ره) أنهم أثنا عشر شخصاً[1]، وربما زاد بعضهم على ذلك.

وليس جميع من ذكر في طبقة واحدة، كما أنهم ليسوا من حيث الأهمية سواء، والمهم هو التعرض لمحمد بن إسماعيل الواقع في كثير من أسناد الكافي، وهو الذي يروي عنه الكليني(ره) بدون واسطة، وهو يروي عن الفضل بن شاذان.

والبحث يقع ضمن أمور ثلاثة:

الأول: في تميـيز محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني(ره) في الكافي.

الثاني: شرح حاله من حيث الوثاقة.

الثالث: في إمكانية تصحيح مرويات الكليني عنه لو بني على ضعفه.

الأمر الأول: وهو تميــزه:

وقد تعددت الأقوال فيه، فقيل: أنه محمد بن إسماعيل النيسابوري المعروف بالبندقي، وقيل أنه محمد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة، وقيل أنه محمد بن إسماعيل بن بزيع.

وقد أختار أنه النيسابوري، المحقق الداماد، والسيد التفرشي، والقهبائي صاحب مجمع الرجال، وغيرهم، ومال إليه المحقق الشيخ حسن صاحب المعالم، في كتابه منتقى الجمان. وهو مختار بعض الأعاظم(ره)[2]، وبعض الأعيان(قده)[3]، وبعض الأعلام(ره)[4] ،

وأختار القول بأنه البرمكي صاحب الصومعة، الشيخ البهائي(ره) في كتابه مشرق الشمسين[5]، وصاحب جامع الرواة[6].

وأما كونه ابن بزيع، فهو قول الشيخ الجزائري(ره) في كتابه حاوي الأقوال، وهو المذكور عن السيد حسن الكاظمي الصدر(ره)، وقد ذكر عنه إقامة عشرة أدلة على ذلك.

ولم يجزم الفاضل السبزواري(قده) فيه بشيء، فألتـزم في غير موضع من الذخيرة بالتوقف، لكونه مشتركاً بين الثقة وغيره، وإن استضعف القول بكونه ابن بزيع[7].

وأغرب الأٌقوال، بل أضعفها هو القول الثالث، لأنه لا ينسجم مع طبقة محمد بن إسماعيل بن بزيع، حيث لا يتصور أن يروي عن الفضل بن شاذان، وأن يروي عنه الكليني(ره) بدون واسطة، وإن نسب هذا القول لبعض الأجلاء، وحرر في ذلك رسالة كما حكي، إلا أن الظاهر أن ذلك نتج عن وجود اشتباه أو خطأ في ملاحظة الأسناد.

ومنشأ الغرابة، أمور:

منها: أن ابن بزيع من أصحاب الإمام الكاظم(ع)، وبقي لعصر الإمام الجواد(ع)، ولم يبق لفترة الغيبة التي كان الشيخ الكليني(ره) فيها، فكيف يتصور أن يروي عنه الكليني(ره) بدون واسطة.

وإن شئت قل، إن الذي يروي عنه الكليني(ره) لابد أن يكون حياً في زمان الإمام العسكري(ع)، ليكون قد بلغ عصر الغيبة الذي عاش فيه الكليني(ره) حتى يروي عنه بلا واسطة، وهذا لا يستقيم من رجل قد مات في حياة الإمام الجواد(ع).

ومنها: أن تلامذة ابن بزيع ومن رووا عنه، يروي عنه الكليني بواسطة، فكيف يتصور أن يروي عن الأستاذ بدونها، فهو لا يروي عن إبراهيم بن هاشم مثلاً بدون واسطة، بل يروي عنه الكليني بواسطة ولده علي بن إبراهيم صاحب التفسير، مع أن إبراهيم يروي عن ابن بزيع بدون واسطة.

وكذا يجري ذلك في علي بن مهزيار، وأحمد بن محمد بن عيسى، وهكذا.

وتنحصر الشبهة حال العمد لتميـيز الواقع في أسناد الكافي بين النيسابوري، والبرمكي، فإنهما اللذان يتصور فيهما ذلك ينسجمان بحسب الطبقة.

نعم يمكن القبول بكون الواقع هو ابن بزيع إذا ألتـزم بكون جميع مرويات الكافي مرسلة، وبني على وجود خطأ في الأسناد تقديماً وتأخيراً، فالراوي هو الفضل عن محمد، وليس محمد، والبناء على مثل هذا الاحتمال من الصعوبة بمكان جداً، فإن الموارد التي ذكرت لمحمد بن إسماعيل في الكافي والتي تزيد على سبعمائة مورد، تمنع من القبول به.

فهنا احتمالان:

الأول: أن يكون هو محمد بن إسماعيل النيسابوري:

وقد استند القائلون لكونه النيسابوري البندقي، من خلال البناء على اتحاد محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكشي، مع محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني، فإن الكشي قد أورد في كتابه عدة روايات عن محمد بن إسماعيل، وهو وإن لم يصرح في بعضها بكونه النيسابوري، إلا أنه صرح بذلك في موضعين:

الأول: في ترجمة أبي يحيى الجرجاني، قال:…ذكر محمد بن إسماعيل بنيسابور، أنه هجم عليه محمد بن طاهر، فأمر بقطع لسانه ويده ورجليه[8].

الثاني: في ترجمة الفضل بن شاذان، قال: إنه ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري، أن الفضل بن شاذان، نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور بعد أن دعا به واستعلم كتبه[9].

ولما كان العلمان، الكليني والكشي(ره) متقاربين من حيث الزمان والطبقة، بل قيل بمعاصرتهما كما صرح بذلك الشيخ البهائي(ره)[10]، ويشهد له رواية النجاشي عنهما بواسطتين. فتكون النتيجة أن من يروي عنه الكشي(ره)، هو الذي يروي عنه الكليني[11].

وتتوقف تمامية هذا التقريب على إحراز أمرين:

الأول: معاصرة الكشي(ره) إلى محمد بن إسماعيل النيسابوري، وعدم وجود واسطة بينهما في الرواية.

الثاني: أن يكون من يروي عنه الكشي دائماً بعنوان محمد بن إسماعيل هو النيسابوري.

وقد جعل الدليل على الأول، حكاية قوله في ترجمتي الجرجاني والفضل بن شاذان، إذ فهم القائلون بهذا الرأي معاصرته له.

وأما دليل الثاني، فجعل تمامية دليل الأول، بمعنى أنه بعد الفراغ عن إحراز المعاصرة، فإنه يكون الذي يعتمد عليه دائماً في الرواية.

ولمنع أول الدليلين مجال، فإن العبارتين المحكيتين عنه، لا ظهور لهما في حصول المعاصرة والنقل عنه مباشرة، بل المستفاد منهما أنه ينقل ما وصل إليه، وهو أعم من كونه قد وصله مباشرة، أو وصله بنقل ناقل، فقد قال في ترجمة الجرجاني: وذكر محمد بن إسماعيل النيسابوري، أنه هجم عليه محمد بن طاهر…، وليس في هذا التعبير ما يكشف عن معاصرة ونقل منه مباشرة، بل كون النقل والحكاية أعم من الواسطة والمعاصرة واضح جداً.

ومثل ذلك يجري في ما ذكره في ترجمة الفضل بن شاذان، وقد تقدم نقله، فإن أقصى ما يستفاد منه نقله لموقف قد جرى للفضل بن شاذان مع الوالي، وليس واضحاً أنه ينقل عن راوي الحادثة وهو النيسابوري مباشرة، بل هو أعم كما لا يخفى.

ولو رفعنا اليد عن عدم ظهور العبارتين في معاصرة الكشي له، فإن هناك مانعاً يمنع من القبول بالأمر الأول، وهو عدم إحراز رواية النيسابوري عن الفضل، فإنه كيما يكون المقصود به في كلام الكليني، هو النيسابوري، يلزم أن يحرز روايته عن الفضل، وهذا يستوجب أن يكون من يحكي عنه الكشي هو الراوي عن الفضل، حتى يحرز الاتحاد، وقد جعلوا طريق إحراز ذلك ظهور عبارة الكشي في ترجمة الفضل، في أن النيسابوري يروي عنه، وليس في العبارة المذكورة ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد.

نعم لعل القائلين بذلك، اعتمدوا على مقدمة مطوية، لم يصرح بها في كلماتهم، وهي اتحاد الشخصين بلداً، فإن الفضل نيسابوري، والبندقي كذلك، فيكون امكانية الرواية عنه والتلمذ على يديه وارداً ومتصوراً.

وهذا وإن لم يوجد ما يمنع عنه، إلا أنه لا يكفي لقبوله مجرد وجود الإمكان، فإن البحوث الرجالية، تعتمد على الوقوع والتحقق، فتدبر.

وأما الأمر الثاني، فإن المتتبع لرجال الكشي، لا يجد له كثرة رواية عنه بالنحو الذي يريد أصحاب هذا القول تصويره، إذ الظاهر أن مروياته من القلة، بحيث لا تتجاوز أربع روايات أو قريب من ذلك.

وقرب بعض الأساتذة(حفظه الله) أنه النيسابوري، من خلال أمرين:

الأول: إن النيسابوري من الشخصيات المعروفة، ويدل على ذلك قرينتان:

الأولى: وروده في رجال الكشي، فقد ذكره في ترجمة الفضل بن شاذان، كما ذكره في ترجمة أبي يحيى الجرجاني، وكذا في ترجمة سلمان الفارسي، وعلي بن أبي حمزة الثمالي، وهو وإن لم يصرح به في الأخيرين، إلا أنه يعرف مما ذكره في ترجمة الفضل الجرجاني.

الثانية: لقد ذكره الشيخ(ره) في رجاله فيمن لم يرو عن الأئمة الأطهار(ع).

لا يقال: لو كان النيسابوري معروفاً، لذكره الشيخ وكذا النجاشي في فهرستيهما.

فإنه يقال: إن الفهرستين قد صنفا لتعداد المصنفين من أصحابنا، ولما لم يكن للنيسابوري مصنفاً لم يذكر فيهما.

الثاني: إن الظاهر من عبارة الشيخ(ره) في كتابه الرجال، هو تعين محمد بن إسماعيل في النيسابوري، فقد ذكر في باب من لم يرو عنهم(ع): محمد بن إسماعيل يكنى أبا الحسن نيسابوري يدعى بندفر. فإن المستظهر منها أن محمد بن إسماعيل الواقع في أسانيد الروايات، فإنه قد ذكره مجرداً من الألقاب، وهذا يعني أنه من المعروفية بمكان، فلم يحتج إلى أن يحدده بنسبته إلى بلده. وهذه شهادة مهمة من الشيخ(ره) لتعيينه، والعجيب عدم التفات الأصحاب لذلك[12].

ولا يذهب عليك، أنه إنما احتاج للدليل الأول كيما يوجد ما يرجح تعين محمد بن إسماعيل في النيسابوري على كونه البرمكي صاحب الصومعة، وإلا فمجرد معروفية شخص ما، لا توجب تعينه في المحتمل دون البقية، نعم يغلب في كلمات بعض الأعاظم(ره) جعل ذلك قرينة للانصراف، في مثل هكذا موارد، فلاحظ.

وكيف ما كان، فإن القرينتين اللتين أراد إحراز المعروفية منهما، لا تصلحان لذلك، فإن مجرد إخبار النيسابوري عن أمر وقضية معينة لا يكشف عن كونه معروفاً خصوصاً وأن القضية المذكورة، قضية ترتبط بالسلطة، ما يعني اطلاع أغلب طبقات المجتمع عليها.

وأما الثانية، فلم يتضح لي وجه دلالتها على المعروفية، فإن مجرد ذكر الشيخ(ره) له لا يعني أنه من الأشخاص المعروفين، نعم قد لا يكون مجهولاً لكن لا يكون بنحو من المعروفية الموجبة لانصراف الذهن إليه عند ذكره.

وأما الأمر الثاني، فليس فيه دلالة على التعين، فإن ذكر الشخص عند ترجمته مجرداً حالة طبيعية عند استعراض الأسماء، خصوصاً وأن هناك من يشاركه في نفس الاسم، فيعمد بعدها لعرض ما يكون موجباً لتميزه من خلال نسبته إلى بلده مثلاً، وهكذا، فليس تجريده من الكنى والألقاب عند ذكره كاشفاً عن كونه متعيناً ومتشخصاً في شخص ما.

ثم إنه لو سلمنا بتمامية ما ذكر تميـيزاً لمحمد بن إسماعيل، وأنه النيسابوري، إلا أن في البين مانعاً يمنع من ذلك، وهو رواية عبد الله بن محمد بن عيسى وهو من الطبقة السابعة، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري عن عبد الرحمن بن أبي هاشم وأحمد بن الحسن الكوفي، وهما من الطبقة السادية، ما يعني أن النيسابوري منها أيضاً، فقد جاء في كتاب التوحيد، قال: حدثنا أبي(ره) قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن محمد، عن محمد بن إسماعيل النيسابوري[13].

ومثل ذلك جاء في بصائر الدرجات أيضاً[14]. فكيف يروي الكليني(ره) عنه بدون واسطة.

وأجيب عنه، بتعدد المسميـين بهذا الاسم، خصوصاً وأن نيسابور نسبة إلى بلد، فلا مانع أن ينسب إليها أكثر من شخص، فلا يضر أن يكون الواقع في هذين السندين من يسمى بذلك، وهو من نيسابور، وأن الذي يروي عنه الكليني(ره) كذلك[15].

وما ذكر يتم لو أحرز في كلمات الرجاليـين شخصاً آخر ينسب لنيسابور بهذا الاسم، ولا مجال للقول بأنه لم يذكر في كلماتهم كونه مهملاً، لأن ذلك يستوجب وجود مثل هذا الاحتمال في كل مورد، فإنه احتمال سيال، فلاحظ.

والإنصاف، إن الإسنادين المذكورين مشكلان جداً يوجبا التوقف والجزم بكون المقصود بمحمد بن إسماعيل في أسناد الكافي هو النيسابوري، بل إن هذين السندين يقويان ما تقدم ذكره من أن الوارد في كلام الكشي مجرد حكاية لما جرى ولعله من كتاب النيسابوري، ولا يلزم منه المعاصرة، فتأمل.

نعم يمكن إحراز أن الراوي عن الفضل هو النيسابوري ببيان آخر، حاصله: إن القضية التي ذكرها الكشي في ترجمة الفضل قضية مرتبطة بالفضل، فلابد وأن يكون ناقلها شخص معاصر للفضل، وهذا يعني أن محمد بن إسماعيل النيسابوري الحاكي للقصة يرويها معاصرة، وليس نقلاً، وهذا يساعد على كونه أحد تلامذة الفضل.

ومن تلامذة الفضل بن شاذان علي بن محمد بن قتيبة، المعروف بالقتيـببي، وهذا قد روى عنه الكشي بلا واسطة، فيدل ذلك على رواية الكشي عن تلامذة الفضل بدون واسطة، فيتعين رواية الكشي عن محمد بن إسماعيل النيسابوري.

وعندها يضم لهذا التقريب ما ذكر في كلمات الأعلام، من تقارب عصري الكشي والكليني، أو تعاصرهما، فيمكن رواية الكليني عن محمد بن إسماعيل النيسابوري.

وهذا البيان، وإن كان حسناً، إلا أنه لا يثبت أن جميع مرويات الكشي عن محمد بن إسماعيل هي عن النيسابوري، كما أريد، ليكون المقصود به دائماً في كلمات الكليني أيضاً. بل إن أقصى ما يفيده هو رواية الكشي عن محمد بن إسماعيل النيسابوري، وكذا رواية الكليني عنه.

مضافاً إلى أنه لا يخرج عن كونه مجرد إمكانية الرواية، ولا دلالة فيه لوقوع الرواية، وقد عرفت أن المعتبر في المطالب الرجالية، هو ووقعها، وليس مجرد إمكانها.

وقد تحصل مما تقدم، أن الوجه الذي ذكر في كلمات القائلين بتعين محمد بن إسماعيل في أسناد الكافي في النيسابوري، ليس ناهضاً لذلك.

——————————————————————————–

[1] الرواشح السماوية ص 74.

[2] معجم رجال الحديث ج ص

[3] كتاب الطهارة ج 1 ص 45.

[4] قاموس الرجال ج 9 ص 108.

[5] مشرق الشمسين ص 75.

[6] جامع الرواة ج 2 ص 71.

[7] ذخيرة المعاد ص 26.

[8] رجال الكشي رقم 1016.

[9] رجال الكشي رقم 1024.

[10] مشرق الشمسين ص 77.

[11] معجم رجال الحديث ج 16 ص 96.

[12] مجلة فقه أهل البيت العدد 15 ص 132.

[13] كتاب التوحيد ص 460.

[14] بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد(ع) ص 84.

[15] بحوث في شرح المناسك ج 9 ص 244.



 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة