19 أبريل,2024

قاعدة تفسير القرآن بالسنة

اطبع المقالة اطبع المقالة

قبل التعرض لبيان مفاد هذه القاعدة، لا بأس بالإشارة إلى تمهيد، فنقول: يتفق علماء الإسلام جميعاً على أن السنة الشريفة هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم في التشريع والفكر الإسلامي.

نعم وقع الخلاف بين المسلمين في تحديد مفهومها، والذي عليه الشيعة الإمامية أنها: كل ما صدر عن المعصوم(ع) من قول أو فعل أو تقرير.

هذا وبمقتضى أن السنة تعدّ المصدر الثاني في التشريع والفكر الإسلامي، فقد اتفق علماء التفسير على اعتبار السنة الشريفة هي المصدر الثاني بعد القرآن نفسه في التعريف بمفاهيم القرآن الكريم، وشرح المقصود من آياته، وتوضيح ما خفي من مجملاته.

ولما كانت هذه المسألة من الوضوح بمكان، فنحن في غنى عن الاستدلال عليها، وإقامة البرهان على إثباتها.

بل إن القرآن الكريم صريح في لزوم اعتماد كلام النبي(ص) في بيان معاني القرآن الكريم، قال تعالى:- ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)[o1] . ويقول عز من قائل:-

(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه)[o2] . وقال تعالى:- ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

وجاء حديث الثقلين المتواتر، والمتفق عليه بين عموم المسلمين، متضمناً أن الأئمة المعصومين(ع) من أهل البين، هم العدل الثاني للقرآن، وأنهما لن يفترقا حتى يردا على النبي(ص) الحوض.

وهذا يعتبره الشيعة دليلاً على حجية كل ما صدر عنهم(ع)، ومن جملته الروايات التي تفسر القرآن الكريم.

ثم إنه يمكن تقسيم ما ورد من السنة الشريفة فيما يتعلق بالآيات القرآنية إلى أقسام ثلاثة:

الأول: شرح المجمل القرآني:

ونقصد به ما جاء من السنة الشريفة شارحاً للكتاب الكريم، وموضحاً لمجملاته، ومفصلاً لغوامضه، ويدخل في ذلك ما جاء في تفصيل أحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من الشرائع الإسلامية، كما يدخل فيه ما جاء في شرح قصص الأنبياء، وأسباب النـزول، والمعارك الإسلامية، وعالم الموت وما بعد الموت وغير ذلك.

الثاني: التصرف في الظهور القرآني:

ويخـتلف هذا القسم عن القسم السابق في أن الدور الذي كان مناطاً بالقسم السابق كان عبارة عن الشرح والتفصيل، فدور السنة هو دور الشارح والمفصل لما لم يفصله القرآن الكريم، أما في هذا القسم فسنجد تصرفاً في الظهور القرآني، كما إذا كانت الآية عامة، وجاءت السنة لتخصصها، أو تستـثني منها، أو كانت الآية مطلقة وجاءت السنة لتقيد إطلاقها، أو كانت الآية ذات دلالة معينة، وجاءت السنة لتصرفها عن ذلك الظهور، أو تكشف معنى باطناً لها.

ولنوضح ذلك بمثال: قال تعالى:- (احل الله البيع) فتأتي السنة الشريفة فتضع شرطاً لحلية البيع، وتقول: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه، فيستفاد حينئذٍ أن من الشروط المعتبرة للحكم بالحلية في المعاملة البيعية تحقق الرضا من الطرفين، ومع عدم حصوله لا يحكم بتحقق الحلية.

وكذا حينما يقول سبحانه وتعالى:- ( وحرّم الربا)، وتأتي السنة الشريفة فتستـثني بعض صور الربا، فتقول: لا ربا بين الوالد وولده، فإن السنة قد استـثنت من حكم الحرمة المستفاد من الآية الشريفة ما يجري بين الوالد وولده.

والحاصل: إن الذي نلاحظه في هذين المثالين هو أن السنة تـتصرف في الظهور القرآني للآيتين.

الثالث: التأويل:

وذلك من خلال تقديم السنة بياناً للواقع المقصود بالآية مع الحفاظ على دلالتها اللغوية، ومن نماذج ذلك: ما جاء في النصوص من أن المقصود بـ( ليلة القدر) هو رسول الله(ص)، وكذا في أن المقصود من قوله تعالى:- ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم) هو الأئمة الأثني عشر، والأربعة الحرم هم الأربعة المسمون بـ(علي)، لأنه من أسماء الله تعالى.

ثم إن الملاحظ أن السنة في هذه الأمثلة لا تشرح كلمة قرآنية مجملة، كما أنها لا تـتصرف في دلالتها من حيث السعة والضيق، وإنما تكشف عن واقعيات أخرى مقصودة.

شروط العمل بالسنة:

هذا ويتفق علماء التفسير على أن العمل بالسنة إنما يصح إذا توفر شرطان:

الأول: أن تـثبت تلك السنة برواية معتبرة حسب المقايـيس الموضوعة لذلك.

الثاني: أن لا تكون مخالفة للقرآن الكريم. فقد جاء عن رسول الله(ص) قوله: أن على كل حق حقيقة وعلى صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.

وجاء عن الصادق(ع) قوله: ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ.

وجاء عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: ما جاءك عنا من كتاب الله عز وجل وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يشبههما فليس منا[o3] .

قاعدة الجري والانطباق:

توجد في السنة المباركة مئات النصوص التي تشرح الآيات القرآنية الكريمة على سبيل قاعدة(الجري والانطباق) وليس على سبيل بيان المقصود القرآني المتعين.

هذا ولا ينبغي الخلط بين هذا الصنف من الروايات وبين الروايات المفسرة شرحاً أو تصرفاً.

معنى الجري والانطباق:

إن الروايات كثيراً ما تـتجه لبيان مصداق الآية، واعتباره مما تجري عليه الآية وتنطبق عليه، وهذا هو المقصود بـ(الجري والانطباق) دون أن يكون هدفها بيان المعنى العام الذي دلت عليه الآية.

ومن أمثلة ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى:- ( فاسألوا أهل الذكر إن كنـتم لا تعلمون) على اعتبار أن(أهل الذكر) هم (أهل البيت(ع)).

وكذا ما جاء في تفسير قوله تعالى:- ( اهدنا الصراط المستقيم) على اعتبار أن الصراط المستقيم هو التمسك بعلي(ع).

وكذا ما جاء في تفسير قوله تعالى:- ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)بناء على اعتبار أن (اهتدى) تعني اهتدى إلى ولاية علي(ع)، وأمثال ذلك كثير في الروايات.

إن هذا النمط من النصوص لا يقصد به تفسير الآيات المباركة، إلا أنه بلا شك في أنها تساعد على فهم المعنى المقصود من الآية والذي أمكن تطبيقه على المصداق المذكور في الرواية.

وقد أشار لهذا المعنى السيد العلامة الطباطبائي(قده) في غير موضع من تفسيره القيم الميـزان، فعند تفسيره لقوله تعالى:- (اهدنا الصراط المستقيم)، نقل قول أبي عبد الله الصادق(ع): الصراط المستقيم أمير المؤمنين(ع).

قال(ره): وفي هذه المعاني روايات أخر، وهذه الأخبار من قبيل الجري، وعدّ المصداق للآية، واعلم أن الجري اصطلاح مأخوذ من قول أئمة أهل البيت(ع) ففي تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر(ع) عن هذه الرواية: ما من آية إلا ولها ظهر وبطن، وما فيها حرف إلا وله حدّ، ولكل حدّ مطلع، ما يعني بقوله: ظهر وبطن؟ قال: ظهره تـنـزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع…..

وفي هذا المعنى روايات كثيرة، وهذه سليقة أئمة أهل البيت، فإنهم(ع) يطبقون الآية من القرآن على ما يقبل أن ينطبق عليه من الموارد وإن كان خارجاً عن مورد النـزول[o4] .

——————————————————————————–

[o1]سورة النحل الآية رقم 44.

[o2]سورة النحل الآية رقم 64.

[o3]الإحتجاج ج 2 ص 108.

[o4]الميـزان في تفسير ج 1 ص 41-42.