النهضة الحسينية عوامل النجاح

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
78
0

النهضة الحسينية عوامل النجاح

 

من الأسئلة التي تطرح، هل أن الإمام الحسين(ع) نجح في نهضته المباركة، أم لا؟

إن الجواب عن ذلك يحتاج معرفة الشروط اللازمة لنجاح أي ثورة، ومن ثمّ القيام بتطبيق ذلك على النهضة الحسينية المباركة.

شروط نجاح الثورة:

إن المستفاد من الرؤية الإسلامية أن نجاح كل ثورة يعتمد على توفر شروط خمسة فيها، وتلك الشروط هي:

الأول: البعد الإلهي:

فيعتبر في العملية التغيـيرية الحاصلة أو الثورة أن تكون مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، وهذا الشرط يعدّ مهماً في كل ثورة تغيـيرية، لأن مسألة الارتباط بالله تمثل الهدف الأساس لكل عمل تغيـيري من الرؤية الإسلامية، لأن التغيـير يكون فيها على أساس موازين الحق والعدل والمصالح الانسانية، وتجنب المفاسد والاضرار التي يمكن أن تلحق الانسان في مسيرته. وأوضح مثال على أثر هذا الشرط وفاعليته هو نفس حركة الأنبياء(ع)، في التاريخ الاتساني، فلما كانت تتسم بهذا الشرط نجد فيها بُعدَ التأثير العميق في نفوس البشر، بحيث نجد هذا التقديس والالتـزام باقياً وممتداً عند الناس تجاه هذا التحرك إلى آخر الحياة الدنيا.

ويترتب على هذا الارتباط بالله تعالى سعة الدائرة، فإن الانسان الذي يسعى للتغيـير من دون الارتباط بالله تعالى، سوف ينحصر ما يراه من الوجود في حدود الحياة الدنيا ومتطلباتها، والنعم الموجودة فيها والآلام. أما إذا ارتبط في تحركه بالله تعالى فسوف يكون لتحركه أبعاداً واسعة لا تحدد بعالم الدنيا، بل تمتد إلى عالم الآخرة، وعندها سوف يكون للألم معنى يختلف عن معنى الآلام التي يراها في حدود هذه الحياة الدنيا، فالألم في الحياة الدنيا مهما رآه عظيماً يبقى محدوداً ويرى أنه قادر على تحمله، ومثل ذلك النعم والفرح والراحة، تبقى معانٍ محدودة قد يتنازل الانسان عنها بسهولة.

ولكن عندما ينظر الإنسان إلى وجوده وحركته وارتباطه بالله وأن هناك حياة أخرى لها نعيمها وجحيمها غير المحدود وراحتها وآلامها، فسوف تتغير صورة الراحة والألم لديه بمقدار استيعابه لمعنى الراحة والألم في الحياة الأخرى.

الشرط الثاني: البعد الانساني:

فإنه حتى تكون أي ثورة ناجحة لابد وأن تشتمل على بعدٍ إنساني، بمعنى أن تهتم الثورة بالمعاني التي فطر الله تعالى الإنسان عليها كالحرية والكرامة الانسانية، ورفض الظلم، والاضطهاد، وغير ذلك، مما يعبر عنه بالمعاني الفطرية والوجدانية للإنسان، لأن هذه الأمور تمثل عنصراً ثابتاً في حياة الإنسان، وتبقى معه في كل التاريخ وفي مختلف الظروف.

ووجود هذا البعد في الثورة يقوي عامل النجاح فيها، والوصول إلى الغايات المرجوة، لأن هذا البعد يعتبر الطاقة المحركة داخل الإنسان.

وكل من يتأمل تاريخ الأنبياء(ع) وحركتهم، يجد خصوصيتين في تحركهم في المجتمع، وهما:

الأولى: رفض الظلم، ومقارعته والدعوة إلى الحق والعدل.

الثانية: كرامة الإنسان وعزته وحريته الحقيقية.

ومن كثرة ما تراهم يؤكدون على هاتين الخصوصيتين، يمكن القول أنهما تثملان جوهر القضية في منطقهم وتحركهم، قال تعالى:- (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، وتمثل مسألة رفض الذل في الحقيقة تحرير الانسان من عبودية الآخرين، وإخلاص العبودية لله سبحانه وتعالى.

الشرط الثالث: البعد العقلي:

ونعني بذلك وجود عقل يخطط للثورة تخطيطاً عملياً يسير بها إلى تلك الأهداف، وإذا فقدت ذلك فإنها تفقد التدبير والحكمة في مسيرتها وتتحول إلى مجرد انفعالات عاطفية، أو مجرد ردود فعل وتمرد، أو تتحول إلى فوضى لا يمكنها أن تحقق مصلحة للمجتمع، أو أن تصل إلى غاية صحيحة، يقول تعالى:- (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، فالحكمة والموعظة الحسنة والتدبير مسائل ضرورية لنجاح الثورة والوصول إلى أهدافها.

الشرط الرابع: البعد الوجداني:

يعتبر البعد العاطفي والوجداني عنصراً مهماً في نجاح الحركة التغيـيرية، فإن الثورة قد تتوفر على الشروط الثلاثة الأولى، إلا أنه لا تصل إلى غاياتها وأهدافها، لسبب افتقادها هذا البعد والذي هو بمثابة الوقود للثورة، فالعقل وحده كمخطط لا يحرك الإنسان وإنما الذي يحركه ويعطيه القدرة على التحرك والاندفاع هو الجانب الوجداني فيه.

وينطلق الجانب الوجداني في الثورة الصحيحة دائماً من حب الانسان لله تعالى، وبالتالي حب كل ما يرضي الله وأوليائه الصالحين، وحب كل المعاني الخيرة التي أودعها الله تعالى في الإنسان من العدل والاحسان، والعزة والكرامة والحرية، وهذا بخلاف الثورات المادية فإن التركيز فيها يكون على الغرائز الانسانية والشهوات والملذات والمنافع الآنية.

الشرط الخامس: البعد الجماهيري:

فإنه لكي تحقق الثورة أهدافها لابد وأن يكون لها وجود جماهيري وقاعدة واسعة في الأمة تتفاعل معها، وتفهم مضمونها، وأهدافها ومحتواها، وتؤمن بمفاهيمها وشعاراتها، فلو توفرت الشروط الأربعة السابقة، ووجد القائد الحكيم، إلا أنها كانت معزولة عن الجماهير لأي ظرف كان، فعندها لن تكون محققة لأهدافها وذلك:

أولاً: إن الهدف الأساس للثورة هو عملية تغيـير الأمة، وإيجاد التحول الاجتماعي فيها، فإذا لم تستوعب الأمة الأهداف بدرجة معقولة، فلن تتفاعل معها ولن يحدث التغيـير المطلوب.

ثانياً: إن أداء التغيـير في الثورة وحال المواجهة مع الخصوم هي الجماهير، والتي يمكنها أن تحدث التغيـير المطلوب وتحقق الفتح والنصر.

ثالثا: حتى تستمر عملية التغيـير وتدوم بعد النصر لابد من حماية للثورة تضمن لها الدفاع عن نفسها أمام الأعمال والعناصر المضادة التي تتحرك من أجل القضاء عليها والجماهير هي التي يمكنها القيام بذلك.

واقعة الطف وعوامل النجاح:

ثم إنه بعد الاحاطة بالشروط المعتبرة لنجاح أي عملية تغيـيرية، نحتاج أن نطبقها على واقعة الطف والنهضة الحسينية المباركة، وملاحظة مدى توفرها:

إن القراءة الفاحصة للنهضة الحسينية والظروف والحيثيات التي كانت تحيط بها تجعل القارئ يجزم بتوفر الشروط الخمسة فيها، ولذلك تمكنت النهضة الحسينية من تحقيق أهدافها واستمرارها إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى. وتفصيل ذلك:

أما الشرط الأول، وهو الارتباط بالله سبحانه وتعالى، فلا شك ولا ريب في توفره فيها، ولا نقصد من ذلك ارتباط شخص الإمام الحسين(ع) بالله تعالى فحسب، بل ارتباط نهضته المباركة بمجملها بالأهداف الإلهية، حيث تحرك(ع) بدافع من الوظيفة والمسؤولية الشرعية والمعاني التي وضعها الله على عاتق الانسان المسلم، وهذا يتضح من خلال خطبه(ع) التي ألقاها، فمنذ اليوم الأول الذي تحرك فيه من المدينة نحو مكة، قد أشار(ع) لهذا المعنى في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية. وكذلك لما خاطب الحر بن يزيد الرياحي: أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله…ألخ… ويظهر ذلك أيضاً من خلال الرسائل التي أرسلها(ع) للمسلمين في مختلف البلدان، وكذلك في بقية خطبه ورسائله والتي كان يؤكد فيها على الوظيفة الشرعية، ويمكن استلهام ذلك أيضاً من كتب أهل الكوفة التي وصلته، والتي كانت تحوي بياناً لحقيقة يزيد وتعريفاً به.

وأما الشرط الثاني، وهو البعد الانساني، فهو من الأمور الجلية الواضحة في النهضة الحسينية، ويتضح ذلك جلياً من خلال تحركه(ع) وتعامله مع الأحداث وتأكيده في خطبه وكلماته على الكرامة الانسانية، والحرية التي فطر الله تعالى الانسان عليها، وتأكيده(ع) على العدل والانصاف، ورفض الظلم، والذل والحرمان، والاستضعاف.

ويمكن تلخيص البعد الانساني في أمرين أساسيـين:

أحدهما: الاخلاص في العبودية بتحرر الانسان من كل عبودية لغير الله، وهذه هي الحرية الحقيقية التي دعى الإسلام إليها. وقد كان هذا الأمر واحداً من الشعارات الرئيسة التي رفعها الإمام الحسين(ع) في مقابل الظلم وإيجاد المجتمع الصالح ممثلاً بالعدالة الاجتماعية، والتضامن بين الناس، والتعاون بينهم.

وقد ركز الإمام الحسين(ع) على المحتوى الانساني في نهضته. ويمكن تلخيص شعارات نهضته المباركة الأساسية في شعارين أساسيـين، وهما: الحرية والعدل.

ويتضح ذلك من خلال رسائله وخطبه، مثل قوله: لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد.

ومن ذلك أيضاً قوله(ع): ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، ويأبى الله لنا الذلة.

وأما الشرط الثالث، وهو البعد العقلي، ويعني التخطيط والادارة، فهو من الأبعاد الثابتة في نهضته(ع) وهناك شواهد عديدة نشير لذلك:

منها: موقفه(ع) من البيعة عندما طلبها منه والي المدينة، فقد خطط(ع) لإعلان الرفض في ذهابه إليه، ولم يصنع كما صنع غيره الذين دعاهم الوالي معه كعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر.

ولم يكن ذهابه إلى الوالي بصورة عفوية، بل كان ذلك بعد تخطيط، حيث خطط(ع) لذلك من خلال اصطحابه جماعة من بني هاشم، وأمرهم بالوقوف عند الباب، وطلب منهم الهجوم واقتحام القصر حال ارتفاع صوته لينقذوه.

ومنها: ذهابه(ع) إلى مكة المكرمة وبقائه فيها إلى يوم الثامن وخروجه في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وقد كان أحد الأسباب الداعية إلى اختيار مكة المكرمة دون غيرها من البلدان لكونها بلداً آمناً، ويمكنه الاتصال بجماهير واسعة من مختلف الأقطار الإسلامية، سواء من الكوفة، أم من البصرة، أم من اليمن، ويمكنه عندها أن يشرح قضيته وأهدافه بسهولة ويسر.

ومنها: إرسال مسلم بن عقيل(ع) إلى الكوفة حتى يهيأ الأجواء فيها ويعبأ المسلمين، وينظمهم، ويأخذ البيعة منهم، ويدرس كافة الأوضاع السياسية والاجتماعية والروحية فيها، ويقوم بتعريف المسلمين أهداف النهضة ومقاصدها.

ومنها: خروجه من أرض مكة المكرمة يوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يزداد فيه توافد الناس لأداء مناسك الحج، ويبدؤون الاستعداد للخروج إلى منى عادة.

ومنها: اصطحابه(ع) عياله وأهل بيته معه إلى كربلاء حتى لا يشكلون ورقة ضغط عليه من خلال اعتقالهم أو محاصرتهم. مضافاً لما للسيدة زينب(ع) من دور فاعل بعد ذلك في تحقيق الاهداف.

وأما الشرط الرابع، وهو البعد الوجداني، فإنه يكاد أن يغطي على كافة الأبعاد الأخرى في هذه النهضة المباركة، فإن كل من يراجع التاريخ سواء في عصر الإمام الحسين(ع) أم العصور المتأخرة عنه، يجد أن هذا البعد من أبرز الأبعاد في ملحمة كربلاء، ولا زال الناس يتفاعلون معه، وقد جسد الإمام(ع) هذا البعد بأقواله وأفعاله وبذله وعطائه وإدارته للمعركة، فمرة يذّكر القوم بحسبه ونسبه، وأخرى يتعمم بعمامة جده رسول الله(ص)، ويتقلد سيفه، وثالثة ببذل أصحابه وأهل بيته، وفيهم الشيوخ والكهول والشباب والغلمان، والرضعان حتى أن بعض الذين كانوا يقاتلونه بكوا لمأساته(ع) وبذله وتضحيته وصبره.

وأما الشرط الأخير، وهو البعد الجماهيري، فقد كان موجوداً في نهضة الإمام الحسين(ع) بل لم يقدم(ع) على النهضة إلا بعد تأكده من وجود القاعدة الجماهيرية للنهضة، وهناك شواهد على ذلك:

منها: الكتب والرسائل التي وصلته(ع) من أهل الكوفة، فإنها تمثل بعداً جماهيرياً وأن أهل الكوفة كانوا يحسون بالآلام ويشعرون بالذل والظلم، ويرون الإمام الحسين(ع) هو الأمل في إنقاذهم مما هم فيه.

ومنها: القاعدة الشعبية في البصرة حيث كان للإمام الحسين(ع) رصيد جماهيري فيها.

كما يمكن استكشاف ذلك أيضاً من خلال شدة إقبال الناس على الإمام(ع) فترة إقامته في مكة المكرمة، خصوصاً بعدما عرفوا أنه انسان ثائر ورافض للحكم الأموي وحكومة يزيد.

وقد تبين من خلال العرض المتقدم توفر الشروط المعتبرة لنجاح أي حركة إصلاحية تغيـيرية وثورة هادفة في النهضة الحسينية، ما يكشف عن نجاحها.

ولا يعني عدم الاطاحة بالحكومة الأموية، وعدم تحقق إقامة الحكومة الإسلامية، عدم النجاح، إذ أن منشأ ذلك هو تخاذل الأمة وخذلانها[1].

…………………………….

 

[1] منقول بتصرف.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة