اتضح من خلال ما تقدم أن المراد من أهل البيت في الآية الشريفة،هم الخمسة الذين نصت على ذكرهم الروايات التي نقلنا شطراً منها فيما تقدم من الدروس السابقة.
كما أنه اتضح مما قدمنا ذكره في بيان المراد من أهل البيت فيها،أنه لا موضوع لما قيل من الحاجة إلى البحث حول سعة هذا المفهوم وضيقه،من قبيل:ماذا تعني كلمة الأهل؟ومن هم أهل البيت؟وهل أن الآية تشمل نساء النبي أو لا؟…فضلاً عن التعصب والإصرار على حصر المراد بأهل البيت في الآية بخصوص نساء النبي(ص).
نعم لو أدعي أنه يمكن أن يكون مصطلح أهل البيت الوارد في الآية قرينة لـ(أهل بيت النبوة)ممما يعني أنه يشمل نساء النبي،لكان احتمالاً وجيهاً في نفسه.
نعم يندفع هذا الإحتمال من خلال ما تقدم بيانه من أن المراد بأهل البيت الوارد في الآية أنه عنوان مشير يقصد منه الأشخاص الخمسة المتميزة المجتمعة في أحد بيوت النبي(ص)وهو بيت أم سلمة.
وهذا مثله مثل عبارة أصحاب الكساء تماماً،في كونها عنواناً مشيراً إلى العظماء الخمسة(ع).
فكما أنه لم يـبحث أحد من العلماء والمحققين في مفهوم كلمة الكساء،بل تسالموا على أن أصحاب الكساء،عنوان يشير إلى المجتمعين تحت ذلك الغطاء،كذلك لا ينبغي البحث في مفهوم كلمة(أهل البيت)،إذ لا أهمية للكلمة بنفسها،ولم تكن معينة في ذاتها،إذ لم يكن مفهوم(أهل البيت)هو موضوع آية التطهير،ولم يكن هذا المفهوم هو الذي نزلت الآية لعصمته وطهارته،حتى نبحث بعد ذلك في شمولها لزوجات النبي من عدمه؟…
فهذه العبارة لم تكن إلا إشارة إلى الأشخاص الخمسة،وحتى أم سلمة التي كانت شاهداً نـزيهاً على الحدث بقيت مستثناة وخارجة عن كساء القدس الذي شمل تلك النخبة والصفوة.
زيادة إيضاح:
هذا ولكي يتضح ما ذكرناه لا بأس أن نضيف عليه شيء من التوضيح،فنقول:
إن الأحكام والتبعات التي تحمل على موضوع ما،تحمل تارة بصورة قضية حقيقية،وأخرى على نحو القضية الخارجية،كما يعبر في لغة أهل الفن والإختصاص،ففي القضايا الخارجية قد يحدد موضوع القضية الأشخاص المعينين في الخارج صراحة،وقد يشير إليهم إشارة خاصة تحت عنوان ما يرمز إليهم،ويدل عليهم ولا يمكن أن يضم غيرهم.
مثلاً،تكون القضية بهذا النحو:يجب احترام العالم،فهذه قضية حقيقية،فيجب البحث حيننئذٍ في مفهوم العالم،فيجب احترام جميع مصاديقه،فكل من كان عالماً يجب احترامه.
أما لو جاء شكل القضية بهذا النحو:احترم زيداً وعمرواً،فهذه قضية خارجية،فمن يجب احترامه في هذه القضية هو خصوص زيد وعمرو،اللذان هما شخصان معينان،وقد يقال في القضية الخارجية بنحو آخر،مثلاً:احترم الشخصين ذوي الجبة الخضراء،فالقضية هنا جعلت(الجبة الخضراء)عنواناً يشير إلى لابسي الجبة الخضراء ولنفرض أنهما زيد وعمرو،فمن يجب احترامه هنا هما زيد وعمرو فقط.
ومن الواضح أنه لا يصح بحال من الأحوال أن تكون الجبة الخضراء هي محور البحث في هذه القضية،بحيث يـبحث في مفهوم الجبة،والخضراء،وفي إضافة الجبة إلى الخضراء،ثم يتم في ضوء ذلك استنـتاج أي الناس يجب احترامهم.
إذن موضوع البحث في القضايا الحقيقية يتناول المفهوم،ويتعرض لطبيعة موضوع الحكم،ولكن في القضايا الخارجية سواء في حالة التصريح،بتعيـين الموضوع أو حالة الإشارة له،لا ينبغي البحث في مفهوم ما وقع موضوعاً للقضية،فيـبحث كما في المثال السابق عمن يجب احترامه،إذ من المسلم أن الإحترام يجب أن لا يكون إلا لزيد وعمرو،ولا يتجاوز الحكم موضوعه بأي نحو من الأنحاء.
إن آية التطهير التي جعلت(أهل البيت)مورد اهتمامها وطهرتهم من الرجس والذنب،طهارة أزلية،هي مثل المثال الثالث،حيث انصب اهتمام الآية على عنوان(أهل البيت)ولكن باعتباره عنواناً مشيراً إلى المجتمعين في دار أم سلمة(رض)وكناية عن النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين(ع)،كما أن الجبة الخضراء في المثال السابق عنوان مشير لزيد وعمرو.
وإذا كان الإحترام في المثال الثالث منحصراً في خصوص زيد وعمرو،وغيرهم خارج عن هذا الحكم،كذلك آية التطهير،فإن العناية الإلهية لا تشمل غير هؤلاء الخمسة،وغيرهم خارج عن حكم الآية.
وعلى هذا فلا شك ولا ترديد،ولا معنى لأن يـبحث في من هم أهل البيت؟وما هي سعة وضيق هذا المفهوم؟وأن التطهير يشمل أي الأفراد؟…
نعم سبق وذكرنا أن الكلمة في حين نزول الاية كانت عنواناً مشيراً،ولكن بمرور الأيام اصطبغت بصبغة التعين وأصبحت لقباً واسماً مشخصاً لهؤلاء الخمسة(ع)،بحيث كلما ذكرت هذه الكلمة يتبادر إلى الذهن أصفياء الله تعالى،وهم النبي وأمير المؤمنين والسيدة الزهراء،والسبطان الحسن والحسين(ع).
كما أن مصطلح خاصف النعل،والذي استعمله النبي(ص)بادئ الأمر كعنوان مشير إلى أمير المؤمنين(ع)،وبعد ذلك تحول إلى لقب خاص له(ع).
نعم احتمل المفسر الإسلامي الكبير العلامة الطباطبائي(ره)أن لفظ أهل البيت،مصطلح قرآني خاص بالخمسة من أهل الكساء(ع)[1].
وهذا الإحتمال في نفسه حسن،لكن بملاحظة ما ذكرناه،يتضح أنه لا يمكن المساعدة عليه،حيث تبين مما ذكرنا أنه لم يستعمل في البين أي اصطلاح،بل الموجود في الآية إنما هو عنوان مشير إلى تلك الثلة المختارة التي اجتمعت في بيت أم سلمة.
وقد استشهدنا لعدم كون لفظ(أهل البيت)في الآية مصطلحاً خاصاً بإستعمالها في قصة نبي الله إبراهيم(ع)وزوجته،فلو كانت الكلمة مصطلحاً خاصاً بهم،لما استعملت في القرآن في حق أفراد آخرين.
سؤال:
بعد ثبوت أن المراد من كلمة(أهل البيت)في الآية الشريفة هو خصوص الخمسة،يمكن لسائل أن يسأل:
أليس سائر الأئمة الأطهار(ع)من أهل البيت،وأن آية التطهير تشملهم بالعناية والفضيلة؟…
حينما نود أن نجيب على هذا السؤال،فعلينا أن نراجع كلمات أئمة أهل البيت(ع)،فما نقل عن النبي(ص)عن طريق أبي سعيد الخدري،حيث قال(ص):نزلت هذه الآية فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة[2].
أو ما ورد عنه(ص)بعد نزول الآية:اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي،فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً[3].
هذان النوعان من التعبير الوارد عنه(ص)يوحيان أن عنوان(أهل البيت)في الآية المباركة،يشير إلى خصوص الخمسة،أصحاب الكساء على نحو الحصر.
وقد ذهب الإمام الصادق(ع)،إلى هذا المعنى أعني كون الآية محصورة في خصوص الخمسة،معقباً أن ربط بقية الأئمة الأطهار(ع)بآية التطهير وشمولهم بمدلولها وما تخلعه على مخاطبها من العصمة والطهر يتم من خلال دخولهم(ع)في قوله تعالى:- (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)[4].
فعلى كلامه(ع)لا يتجاوز نطاق الآية هؤلاء الخمسة الذين نزلت في شأنهم،فلو كانت عبارة أهل البيت،مطلقة بحيث تشمل جميع الأئمة،لما استدل الإمام الصادق(ع)بآية(وأولوا الأرحام…الخ…)ويلجأ إلى الربط بين الآيتين ليخلص إلى نتيجة عصمة جميع الأئمة وطهارتهم،والقول:نحن تأويل آية التطهير.
والنـتيجة التي نخلص لها بداية أن دخول بقية الأئمة الأطهار(ع)إنما هو من خلال تأويلها،فشمول الآية لهم جميعاً يكون من خلال الشرح الذي تقدمه آية(وأولوا الأرحام…الخ…)لآية التطهير.
احتجاج الأئمة بالآية:
هذا ولقائل أن يقول:أنه إذا صح أن آية التطهير لم تـنـزل في جميع الأئمة(ع)،فلماذا كانوا يستدلون بها في مواقع المخاصمة والإحتجاج على إمامتهم وعصمتهم،وأولوية تقديمهم على غيرهم؟…
الجواب:
عندما نود أن نجيب على هذا التساؤل والإستفسار،لابد أن نلحظ النصوص التي ورد فيها ذلك،وعندما نلحظها نجدها على طائفتين:
الأولى:ما صدر عن أمير المؤمنين،أو الحسنين(ع)،وواضح أن هذه الطائفة لا علاقة لنا بها،لكونهم المشمولين بالآية المباركة،ولا يعارضون ما ذكرناها.
الثانية:ما صدر عن بقية الأئمة(ع)في مقام الإستدلال والإحتجاج بالآية الشريفة،ونجد في هذه الطائفة نصين:
1-ما عن الإمام زين العابدين(ع)في حديث طويل يقول فيه لبعض الشاميـين:فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقاً خاصاً دون المسلمين؟…
فقال:لا،قال علي بن الحسين(ع):أما قرأت هذه الآية(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[5].
2-ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله الصادق(ع)حيث قال في تفسير الآية:تعني الأئمة(ع)وولايتهم،من دخل فيها دخل في بيت النبي(ص)[6].
هذا والظاهر أن هاتين الروايتين لا تخالفان ما ذكرناه من اختصاص الآية الشريفة بخصوص الخمسة التي نزلت في شأنهم.
نعم عمدة ما يستفاد منهما هو أن آية التطهير تثبت الولاية والتقدم لباقي الأئمة(ع)أيضاً.
نعم هناك نصان يستفاد من خلالهما شمول الاية لبقية الأئمة(ع)وليس ذلك من باب التأويل بل من باب النص،نشير لأحدهما طلباً للإختصار:
جاء في كفاية الأثر،عن علي(ع)قال:دخلت على رسول الله(ص)في بيت أم سلمة،وقد نزلت هذه الآية(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)فقال رسول الله(ص):يا علي،هذه الآية نزلت فيك وفيّ وفي سبطي والأئمة من ولدك.
فقلت:يا رسول الله،وكم الأئمة بعدك؟قال:أنت يا علي،ثم ابناك الحسن والحسين،وبعد الحسين علي ابنه،وبعد علي محمد ابنه،وبعد محمد جعفر ابنه،وبعد جعفر موسى ابنه،وبعد موسى علي ابنه،وبعد علي محمد ابنه،وبعد محمد علي ابنه،وبعد علي الحسن ابنه،وبعد الحسن ابنه،والحجة من ولد الحسن هكذا وجدت اسماميهم مكتوبة على ساق العرش،فسألت الله تعالى عن ذلك،فقال:يا محمد هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون وأعداؤهم ملعونون[7].
وعلى هذا تعم الآية الشريفة الأئمة الأثني عشر المعصومين من ذريته(ص)بأجمعهم،ويكون اختصاصها بالخمسة من أصحاب الكساء بمعنى اختصاصها لهم من بين الموجودين في زمن نزول الآية.
بل إن مقتضى الإنصاف كون رواية الحلبي ظاهرة في هذا المعنى أيضاً،فتكون متعرضة لأمرين:
الأول:بيان المراد من أهل البيت،وأنه يشمل بقية الأئمة المعصومين،فلا يخـتص بخصوص الخمسة.
الثاني:بيان أن لهم الولاية وأن الداخل في ولايتهم كمن دخل بيت النبي(ص).
هذا وقد يؤيد شمول الآية لبقية الأئمة(ع)بملاحظة الحكم الذي تـثبته الآية،وهو الطهارة والقداسة وإذهاب الرجس،إذ أن بقية الأئمة(ع)متساوون مع الخمسة أصحاب الكساء في مفاد آية التطهير،فإن العنوان منطبق عليهم،ويجب القول إنهم من أهل البيت أيضاً.
وإن شئت فعبر،بأن عنوان أهل البيت لا يحمل في حد ذاته أي اعتبار خاص،أو قيمة متميزة لآل الرسول(ص)،بل القيمة والإعتبار هي للكمالات والصفات التي خلعتها آية التطهير على من نزلت في شأنهم،ومن شملتهم من أئمة الهدى(ع).
ولما كانت كلمة أهل البيت عنواناً للتفوق والكمال،واسماً حاكياً عن الطهر والقداسة والفضيلة،فإن كل من يتحلى ويتصل بهذا العالم فإنه ينسب إلى أهل البيت.
——————————————————————————–
[1] الميزان في تفسير القرآن ج 16 ص 312.
[2] جامع البيان في تفسير القرآن ج 22 ص 5.،الدر المنثور ج 5 ص 198.
[3] جامع البيان ج 22 ص 6.
[4] علل الشرائع ب 156 ح 2.تفسير نور الثقلين ج 4 ص 273.
[5] الإحتجاج ج 2 ص 33-34.
[6] الكافي ج 1 ص 423 ح 54.
[7] كفاية الأثر ص 156.