29 أبريل,2024

فقه النذر(4)

اطبع المقالة اطبع المقالة

أحكام الوفاء:

هذا وبعد تحقق الشروط اللازم توفرها في الناذر، وفي الصيغة، وفي متعلق النذر، فإنه يترتب على ذلك لزوم الوفاء النذر. وحتى يتسنى للمكلف الوفاء بالنذر، لابد من الالتفات إلى أن متعلق الالتزام على نحوين، لأنه إما أن يكون متعلقه فعلاً، أو يكون متعلقه تركاً، والكلام فعلاً في كل واحد منهما.

إذا كان متعلق الالتـزام فعلاً:

فإذا كان متعلق الالتـزام فعلاً من الأفعال، فتارة يكون منجزاً غير معلق على شيء، وأخرى يكون معلقاً على شرط وقد تحقق ذلك الشرط، فيجب الوفاء بالنذر، ويتحقق ذلك من خلال الإتيان بالفعل المنذور، مثلاً لو نذر أن يحج بيت الله الحرام قربة لله تعالى، أو نذر أن يطعم عشرة من الفقراء، إذا نجح ولده في الامتحان وجب عليه الوفاء بكلا الأمرين، أما الأول وهو الذهاب لحج بيت الله الحرام فواضح، لأنه أمر غير معلق على شيء، والثاني متى نجح ولده في الامتحان، وجب عليه الوفاء بالنذر في وقته الذي عينه له إذا كان موقتاً.

هذا ولو خالف الناذر بأن عصى وذلك بعدم إتيانه بالمنذور في وقته المحدد له حتى مضى وقته، أو أنه أتى به في وقته لكنه لم يكن بالكيفية التي التـزمها على نفسه، من دون أن يعيدها بما يكون متوافقاً مع ما يجب عليه في المنذور، ومضى وقت النذر، عدّ عندها حانثاً، فلو أتى به بعد ذلك لم ينفعه في شيء.

معنى النذر الموقت:

س: ذكر في الكلام السابق أن النذر موقت، فما هو المقصود من ذلك؟
ج: نقصد من كون النذر موقتاً، أي أن له زمناً خاصاً يؤتى به في ذلك الزمان، مثل لو نذر صيام يوم الخميس من كل أسبوع، أو نذر صيام شهر رجب، أو نذر العمرة في شهر رجب، أو نذر حج بيت الله الحرام في عامه هذا، وهكذا.

ويلحق بالمؤقت نوعان من النذر:

الأول: النذر الذي يكون له مدى زمني ولو بنحو التقريب، بحيث يكون ما بعده خارجاً عن محط النظر جزماً,، وهذا يعني أن وجوب الوفاء بالنذر يكون داخل هذا الحد والمدى. مثلاً لو نذر أن يتصدق على يتيم معين، فلا ريب أن التصدق لابد أن يكون قبل بلوغه سن التكليف، وذلك لأنه لا يتم بعد بلوغ، فمع أنه لم يوقت الوفاء بالنذر بزمان خاص، إلا أنه لما كان بالبلوغ يخرج عن عنوان اليتم الملحوظ في النذر، كان قرينة على تحديد النذر بهذا الزمان.
الثاني: النذر الذي يحرز فيه أن الناذر قصد الفورية في المنذور، فإن التراخي في أدائه يوجب انتهاء زمانه، فلا يكون فورياً، وبالتالي يتحقق الحنث به.
هذا ويقابل الموقت النذر الذي لا يكون لمتعلقه وقت معين بالصورة التي قدمنا ذكرها، ومقتضى ذلك أن الوفاء به يمتد مع العمر، وفي أي ساعة شاء الناذر الوفاء بالنذر، ولا يحصل الحنث به إلا بتركه حتى نهاية العمر.
 
س: في النذر غير الموقت، وبناءً على امتداد وقته بامتداد العمر، فهل يجوز له التأخير لأدائه مطلقاً؟
ج: مقتضى كون النذر مطلقاً غير مقيد بزمان هو البناء على جواز التأخير، وعدم لزوم الفورية في أدائه، إلا إذا كان التأخير بنحو يعدّ معه متساهلاً ومتهاوناً في أداء الواجب، لأنه يعتبر عدم الوفاء به حينئذٍ معصية، حتى مع عدم صدق عنوان الحانث عليه.

إذا كان متعلق الالتـزام تركاً:

أما لو كان متعلق الالتـزام تركاً، كما لو نذر أن يترك عقوق الوالدين، أو نذرت المرأة أن تترك حضور الأعراس المشتملة على الغناء والموسيقى والرقص، أو نذر أن يترك التدخين لما يسببه من ضرر على صحته، فإن كان الترك في وقت محدد، بحيث كان موقتاً، أو كان في مدى زمني تقريبي يقتضيه التعارف، أو طبيعة الشيء، كان الوفاء به بترك إيجاده تماماً في ذلك الوقت، ويكون الحنث بالنذر من خلال إيجاده ولو كان إيجاده مرة واحدة في الزمان الموقت.
أما إذا لم يكن الترك موقتاً، كان الوفاء بالنذر بتركه مدى العمر، ويتحقق الحنث بإيجاده ولو مرة واحدة طيلة العمر، من دون فرق بين كون الترك معلقاً على شيء، وقد تحقق ذلك الشيء، أم كان غير معلق.

الحنث بالنذر:

س: متى يتحقق الحنث بالنـذر، فتجب على الناذر عندها الكفارة؟
ج: إنما يتحقق الحنث من الناذر إذا خالف النذر متعمداً، وهذا يعني أن المخالفة للنذر لو كانت عن نسيان، أو كانت المخالفة عن اضطرار، أو كانت المخالفة عن إكراه، أو كانت المخالفة عن جهل يعذر فيه الجاهل، كما لو كان جهله جهلاً قصورياً، أو كان عن اعتقاد خاطئ بالحكم أو بالموضوع، فلا ينطبق عليه عنوان الحانث، ووجب عليه الاستمرار على المنذور بالصورة التي نذرها، والتـزم بها على نفسه.

وظيفة الحانث:

س: ماذا يترتب على الناذر الحانث بالنذر؟
ج: متى صدق على الناذر أنه قد حنث بنذره، وجبت عليه حينئذٍ الكفارة، وفي بعض الموارد من النذور يجب عليه قضاء ما نذره، كما لو كان المنذور صلاة، أو كان المنذور صوماً، فإنه يجب عليه قضائهما إن كانا نذراً موقتاً، ولم يأت بهما في وقتهما بالصورة التي نذرها.
ولا ينحصر وجوب قضاء الصلاة والصوم في الحنث بهما في النذر في خصوص صورة تعمد المخالفة، بل يجب قضاؤهما أيضاً إذا أخل بالإتيان بهما في النذر ولو كان تركه إياهما في غير حالة العمد.

وبعبارة جامعة، إن قضاء الصلاة والصوم عند مخالفة النذر مطلقة، لا تنحصر بخصوص حالة العمد، بل تشمل النسيان والجهل، وما شابه ذلك.
 
س: هل أن القضاء يشمل غير الصلاة والصوم، لو تحقق الحنث بهما، فمثلاً لو نذر أن يتصدق وحنث، فهل يجب عليه قضاء الصدقة، وكذا لو كان حجاً، أو عمرة، أم لا؟
ج: الظاهر أن وجوب القضاء ينحصر في خصوص الصلاة والصوم، فلا يجري في غيرهما من الأمور المنذور، كما لو نذر عيادة مريض، أو الصدقة، أو الحج أو العمرة، وحنث وقد مضى وقتها، فإنه لا يجب عليه قضاء شيء منها، وإنما تنحصر وظيفته حينئذٍ في خصوص الكفارة.

كفارة النـذر:

س: إذا حنث الناذر بأن خالف نذره، وجبت عليه الكفارة، فما هي كفارة الحنث بالنذر؟
ج: كفارة حنث النذر تسمى كفارة مخيرة، لأنه يتم تخيـير الحانث بنذره بين أمور ثلاثة يختار واحداً منها، وتلك الأمور هي:
1-عتق رقبة.
2-إطعام عشرة مساكين. والأحوط وجوباً  الاقتصار على خصوص الحنطة ودقيقها.
3-كسوة عشرة مساكين. وهو يتحقق غالباً بثوب واحد للفقير أو المسكين، وإن كان الأحوط استحباباً إكساؤه بثوبين  خصوصاً مع القدرة على ذلك.
هذا وفي حالة عجز الحانث عن القيام بأي واحد من هذه الأمور الثلاثة، فإنه ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام متتابعة.