من المعلوم أن الصوم أحد العبادات الشرعية،التي يعتبر فيها أن يأتي بها المكلف بقصد التقرب إلى الله تعالى،ولهذا تعتبر فيه النية،وتفصيل الحديث فيها كالتالي:
س:ما هو المراد من النية المعتبرة في الصوم؟…
ج:مرادنا من النية المعتبرة في الصوم،أن ينوي المكلف الإلتـزام بواجبات الصيام والإجتناب عن مفطراته،قربة إلى الله تعالى.
وبتعبير أوضح:أن ينوي الصائم بصيامه التقرب لله عز وجل،فيـبطل الصوم بالرياء،مثله مثل بقية العبادات التي تبطل بذلك.
س:من المعلوم أن النية هي الباعث على العمل،ومعنى نية القربة أن يكون أمر الله سبحانه هو الذي بعث الإنسان على الإتيان بالعلم،وهذا أمر يصعب تحققه،في جميع حالات الصوم،لأن الصائم قد ينام أكثر أوقات النهار،بل ربما نام كله،كما أنه ربما يكون الداعي له إلى ترك الطعام في بعض الأحيان عزوفه عن الطعام والشراب،أو غفلته عنهما،فليس الباعث له على تركهما هو أمر الله تعالى،بل هو نومه أو غفلته أو عزوفه مثلاً،فهل يـبطل الصيام في مثل هذه الحالات؟…
ج:لا يعتبر في نية الصوم ، حضور النية في جميع الأوقات كما يعتبر ذلك في الصلاة مثلاً،بل يكفي في نية القربة أن يكون في نفس المكلف باعث ودافع إلهي يمنعه عن الطعام والشراب،ونحوهما فيما إذا لم يكن نائماً ولا غافلاً وعازفاً عن الطعام،فالنائم،والغافل،والعازف إذا عرف من نفسه أنه حتى لو لم ينم ولم يغفل ولم يكن عازفاً عن الطعام،فإنه لن يأكل ولن يشرب من أجل الله تعالى كفاه ذلك في نية الصوم.
س:هل يعتبر في صحة الصوم أن يقصد الصائم بصومه الوجوب أو الإستحباب؟…
ج:لا يجب على الصائم في صيامه أن يقصد نية الوجوب أو الإستحباب،بل يكفيه أن يأتي بالعمل بقصد القربة إلى الله تعالى.
س:هل يجب على الصائم أن يقصد نية الأداء،أو القضاء في الصوم الذي يود صيامه؟…
ج:إن ذلك غير معتبر على الصائم،بمعنى أنه لا يجب عليه ذلك،نعم هناك بعض الموارد قصدية فلابد من أن يقصد فيها ذلك كالقضاء،والكفارة،لكن يكفي في القصد في هذه الأمور القصد الإجمالي فلا يشترط القصد التفصيلي،فالقضاء مثلاً يكفي فيه أن يقصد أن الصوم الذي يأتي به بدلاً عما فاته،هذا إذا كان قضاء عن نفسه.
أما لو كان قضاء عن غيره،فيعتبر فيه أن يقصد النيابة عن الغير في إتيانه بالصوم،مطابقاً لما في ذمة ذلك الغير،طلباً لبراءة ذمته مما تعلق بها.
س:عرفنا أنه يعتبر في الصوم العزم على الصوم بالإمتناع عن المفطرات المعلومة،لكن هل يعتبر في تحقق العزم العلم بالمفطرات بنحو التفصيل،والإحاطة بها،أو يكفي أن يكون الصائم عالماً بها إجمالاً؟…
ج:لا يشترط في صحة الصوم العلم بالمفطرات تفصيلاً بمعنى أن يعلم بكل واحد واحد منها،بل يكفي أن يعلم الصائم بوجود مفطرات إجمالاً ويمتنع عن الإتيان بها ليتحقق منه العزم،بل لو اعتقد عدم مفطرية شيء من المفطرات،فإن ذلك لا يضر بصحة صومه.
س:هل يمكن للإنسان أن يصوم صياماً آخر غير صيام شهر رمضان في شهر رمضان؟…
ج:لا يقع في شهر رمضان صوم غيره،فلو أوقع فيه صوماً آخر غير صيام شهر رمضان حكم ببطلان ذلك الصوم إذا كان متعمداً،نعم لو أوقع صيام غيره فيه من باب الجهل بدخول شهر رمضان،كأن كان يصوم قضاء،أو كفارة،فلم يعلم بدخول شهر رمضان،أو أوقع فيه صيام غيره نسياناً منه لدخول الشهر المبارك،فإنه يحكم حينئذٍ بصحة صومه،ويجزئ عن صوم شهر رمضان،لا عن الصيام الذي نواه.
س:متى وقت النية التي يعتبر تحققها في الصوم؟…
ج:وقت النية التي يعتبر تحققها في الصوم على أقسام:
1-صوم شهر رمضان،وغيره من الصيام الواجب المعين،بمعنى الذي حدد له وقت خاص كمن نذر أن يصوم الخميس الأول من شهر شعبان،ووقت النية فيها،من طلوع الفجر الصادق،فلابد من تحقق الإمساك من الصائم مقروناً بعزمه على الصوم،فلا يجوز له تأخيرها عن هذا الوقت اختياراً.
نعم لما كان تحديد الفجر بدقة،أو اكتشافه للرائي أمراً لا يخلو عن صعوبة،فالإحتياط يقتضي بالإمساك قبل ذلك لفترة زمنية،كخمس دقائق مثلاً،من باب المقدمة.
نعم لو نسي الإتيان بالنية،لتصوره أنه لا يجب الإتيان بها في صحة الصوم،أو كان يعلم أنها واجبة لكنه نسي الإتيان بها،أو لأنه يجهل وجوب النية أساساً،ففي هذه الحالة إذا التفت إلى ذلك أثناء النهار،فهنا صور:
الأولى:أن يكون لم يتناول المفطر بعدُ،فعندها يجب عليه تجديد النية إلى قبل الزوال،ويكون صوم ذلك اليوم مجزياً بالنسبة له.
الثانية:أن يلتفت إلى ذلك،لكنه قد تناول المفطر،ففي مثل هذه الحالة عليه الإمساك،بنحو التأدب بقية النهار،ثم يقضيه بعد ذلك.
الثالثة:أن يلتفت إلى ذلك بعد الزوال،ولم يتناول المفطر ففي مثل هذه الحالة يجب عليه على الأحوط وجوباً أن يمسك بقية النهار،ثم يقوم بقضائه بعد ذلك.
2-صوم الواجب غير المعين،كصوم القضاء،وصوم الكفارة،والنذر المطلق غير المحدد بوقت خاص،فإنه يمتد وقتها إلى ما قبل زوال الشمس.
فلو أصبح ناوياً للإفطار لكنه لم يتناول المفطر بعد،ثم بدا له أن يصوم صياماً واجباً غير معين،فإنه يجوز له ذلك إلى قبل زوال الشمس.
نعم لو أراد أن يصوم صياماً واجباً غير معين،بأن يأتي بالنية بعد الزوال،فهنا خلاف بين العلماء،حيث أفتى بعضهم بعدم الجواز،بينما احتاط آخرون في ذلك.
3-الصوم المستحب،فإن وقته يستمر إلى أن يـبقى من النهار مقداراً يمكنه أن يوقع فيه النية.
هذا وينبغي الإلتفات إلى أننا حينما ذكرنا وقت النية لا نعني بذلك وجود وقتين مستقلين،فمثلاً قولنا أن وقتها عند طلوع الفجر لا يعني ذلك أن النية شيء آخر غير طلوع الفجر،فيثبت وقتان،أحدهما للإمساك،والآخر لطلوع الفجر،بل الصحيح أنه وقت واحد،وهو وقت الفجر.
س:لو تضيق وقت القضاء،بمعنى أنه يجب عليه قضاء خمسة أيام من شهر رمضان السابق،ولم يـبق من شهر شعبان إلا خمسة أيام،فهل يدخل هذا في الواجب المعين،فلا يمتد وقت النية إلى قبل زوال الشمس،أو أنه يـبقى على حاله من الواجب غير المعين،حتى لو تضيق وقته؟…
ج:الصحيح أن الواجب غير المعين كالقضاء حتى لو تضيق وقته يـبقى حكم النية فيه ممتداً إلى قبل زوال الشمس.
س:ذكرنا أنه لا يجوز تأخير النية عن طلوع الفجر،فهل يجوز تقديمها على ذلك،بأن ينوي الصيام في الليل؟…
ج:يمكن للصائم أن يأتي بالنية من الليل ويكفيه ذلك،شرط أن لا يعدل عنها،فلو قرر في أول الليل الصيام غداً،ونام على هذا الأساس وطلع عليه الفجر وهو نائم،ثم استيقظ نهاراً وهو لا زال على نيته السابقة صح صومه.
س:هل يشترط في صوم شهر رمضان أن يأتي الصائم بنية لكل يوم،أو يكفي فيه أن يأتي بنية واحدة لصيام الشهر كله؟…
ج:يكفي في صحة صوم شهر رمضان الإتيان بنية واحدة للشهر بأكمله،ما لم يتحقق منه عدول عن تلك النية،وعلى هذا لو أن شخصاً استمر به النوم لسبب طارئ يومين أو ثلاثة وقد تحققت منه النية في أول الشهر للشهر كله،كفاه ذلك،لأنه يعتبر عندها صائماً.
س:هل يختص الإكفتاء بنية واحدة للشهر كله بخصوص شهر رمضان،أو أن يجري ذلك في غيره أيضاً،كصيام الكفارة؟…
ج:الظاهر أنه يكفي في صيام غير رمضان أيضاً الإتيان بنية واحدة،كما في صوم الكفارة،ونحوها.
س:هل يشترط في النية أن تكون مستمرة في تمام الوقت،أو يكفي فيها أن يأتي بها المكلف في أول الوقت ثم يعرض عنه بأن يقصد المفطر مثلاً؟…
ج:تجب النية في الصوم ابتداء واستمراراً إلى آخر النهار،فإذا قصد الإفطار في يوم من شهر رمضان أو تردد في البقاء أو الإستمرار على الصيام،بطل صومه.
س:الإخلال بالنية،وكونه مبطلاً للصوم،هل يفرق فيه بين أقسام،أو أنها كلها سواء؟…
ج:بالنسبةللصوم الواجب المعين،متى تحقق منه الإخلال بالصوم،فقد فسد صومه سواء أكان ذلك منه قبل الزوال،أم بعده،أما بالنسبة لصوم الواجب غير المعين،فإنه إذا أخل بالنية قبل الزوال،ورجع إليها قبل الزوال أيضاً،فإنه يـبنى على صحة صومه،أما لو كان إخلاله بها بعد الزوال،فإن ذلك مفسد لصومه.
س:لو حصل للمكلف تردد من جهة أن صومه صحيح،أو لا،مثلاً قام الصائم بوضع قطرة في عينه،ثم شك هل أن القطرة في العين تبطل الصوم،أو لا،فتردد في صحة صومه على أساس هذا الشك،ثم سأل فعرف أن قطرة العين لا تفطر الصائم،فهل يـبطل صومه بذلك التردد الذي أصابه بسبب الشك في بطلان الصوم؟…
ج:الظاهر أنه إذا كان الصائم متردداً للصحة في صومه فعليه البناء على الصحة،ما دام لا يزال ناوياً للصوم في حالة كون القطرة غير مفطرة.
العدول من صوم لآخر:
س:هل يصح العدول من صوم إلى صوم آخر،سواء أكان وقت المعدول إليه باقياً،أم لم يكن؟…
ج:لايصح للصائم أن يعدل من صوم لآخر،حتى لو كان وقت الصوم الذي سيعدل إليه باقياً،وذلك كأن يعدل قبل الظهر من نية الصيام المستحب إلى نية الصوم الواجب كالقضاء مثلاً.
نعم لو كان الصوم الذي نواه قد بطل لسبب من الأسباب غير تناول المفطر،كالإصباح على جنابة،وهو يود صوم القضاء،بناء على مفطريته،جاز له أن ينوي صوم غيره ما دام وقت المعدول إليه باقياً.
صوم يوم الشك:
س:يحصل أحياناً أن يتردد الناس،من جهة تحقق دخول شهر رمضان أو عدمه،فيصومون ذلك اليوم،فبأي عنوان يصوموا ذلك اليوم؟…
ج:يجب على المكلف أن يصوم اليوم الذي يشك فيه أنه من شهر شعبان،أو من شهر رمضان بنية الإستحباب على أنه من شهر شعبان،لأنه لا يحرز دخول شهر رمضان،ومتيقن ببقاء شهر شعبان،فيـبقى على يقينه،فيصومه بأنه من شهر شعبان مثلاً،بنية الإستحباب.
س:لو صام يوم الشك بنية القضاء،أو بنية أداء النذر المتعلق بذمته،فأنكشف بعد ذلك أنه من شهر رمضان،فما هو الحكم حينئذٍ؟…
ج:إذا تبين للصائم في يوم الشك أن هذا اليوم من شهر رمضان فهنا صورتان:
الأولى:أن يتبين له ذلك،بأن يعلم أنه من شهر رمضان في الليل،فلا إشكال في إجزائه عن شهر رمضان.
الثانية:أن يعلم بذلك أثناء النهار،قبل الزوال،أو بعد الزوال،فهنا عليه أن يجدد النية بالإتيان بنية شهر رمضان،ويجزيه ذلك.
س:شخص صام يوم الشك على أنه من شهر رمضان،فما هو حكم صومه؟…
ج:إذا صام الشخص يوم الشك على أنه من شهر رمضان،فقد بطل صومه،وعليه الإعادة والقضاء إذا انكشف بعد ذلك أنه من شهر رمضان.
س:لو صام الشخص يوم الشك بالنحو التالي:إذا كان يوم غداً من شهر شعبان فهو صوم مستحب،وإن كان من شهر رمضان فهو صوم واجب،فما حكم هذا الصوم؟…
ج:اختلف العلماء في مثل هذا الفرض،حيث ذهب بعضهم إلى أنه إذا صامه بمثل هذه الكيفية يـبنى على عدم صحة صومه،وأختار آخرون أنه يصح صومه في مثل هذا الفرض.
س:عرفنا أن يوم الشك لا يجب صومه،لأنه لو صامه المكلف لكان من الصوم المستحب،فلو أصبح المكلف مفطراً في يوم الشك ثم تبين بعد ذلك أنه من شهر رمضان،فما هو الحكم حينئذٍ؟…
ج:إذا تبين له أنه من شهر رمضان،ولم يكن قد تناول المفطر وكان ذلك قبل الزوال، أتى بالنية،وصام ولا شيء عليه.
أما لو تبين له ذلك بعد الزوال،حتى لو لم يتناول المفطر فعليه إكمال الصوم بنحو الإحتياط أو الفتوى،ثم القضاء بعد ذلك.
أما لو تناول المفطر،فمن الواضح أن حكمه حينئذٍ هو القضاء،أكان ذلك قبل الزوال،أم كان بعده،نعم يحسن منه أن يمسك تأدباً.
ومنه تعرف ما إذا حصل له العلم بأن اليوم كان من شهر رمضان في الليل،وقد تناول المفطر،أو لم يتناوله لكنه لم يكن ناوياً للصوم،إذ عليه القضاء.
س:لو لم تـتحقق النية من المكلف بشكلها الصحيح،أو فات محل تداركها المقرر لها،فما هو الحكم حينـئذٍ؟…
ج:إذا لم يوقع الصائم النية بشكلها الصحيح،أو أنه تعمد الإخلال بها حتى انتهى الوقت المحدد لها للتدارك فيه،بطل صومه،ولزمه الإمساك إلى الغروب،ثم القضاء بعد ذلك.