لعب الحسن والحسين(ع)(1)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
530
2

إن القارئ لسيرة الإمام الحسن(ع)، وكذا سيرة الإمام الحسين(ع) يقف على نصوص تحكي صدور اللعب منهما، وأنهما كانا يمارسانه، كما يقف على صدور فعل منهما أقرب ما يكون للعب، وهو الصعود على ظهر رسول الله(ص) حال صلاته، ما جعله يطيل سجوده، وأوجب ذلك استغراب المسلمين وتعجبهم.

وقد توجب هذه النصوص بصورتها الأولية الرفض لها وعدم القبول، على أساس أنها لا تناسب مقام الإمامة الذي يكتسي بكل معاني الهيبة والوقار، مضافاً إلى عدم تصور صدور اللعب من المعصوم(ع)، لأن مفهومه لا ينسجم وشخصيته (ع).

وقد أوجب هذا التصور وقوع الاختلاف بين أعلامنا تجاه هذه النصوص.فبينما نجد بعضهم لم يجد في ذلك أدنى غضاضة أو حزازة، معتبراً ذلك أمراً طبيعيا، ليس لأن الإمامين لا يختلفان عن بقية الأطفال، وإنما من خلال توجيه نسبة اللعب إليهما، بما يكون متناسباً ومقام الإمامة والعصمة، ومنهم غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(ره)[1]. نجد فريقاً آخر منهم يرفض هذه الروايات ويسقطها عن الحجية والاعتبار، ولا يقيم لها وزناً، كالمحقق الشيخ الإيرواني(قده) في تعليقته على كتاب الحدائق الناضرة[2].

ولا ينجلي الأمر إلا من خلال الإحاطة بحقيقة اللعب، وتحديد المقصود منه، وأنه بقول مطلق لا يناسب مقام الإمامة، وشخصية الإمام، أم أنه يمكن التفصيل فيه، كما يلزم النظر في النصوص المشار إليها، والتي تضمنت لعب الإمامين الحسنين(ع)، والنظر في توفر الأًصالات الثلاث فيها، أعني أصالة الصدور، وأصالة الظهور، وأصالة الجهة. ثم بعد ذلك يلزم ملاحظة ما يتصور مانعاً من النصوص.

اللعب حقيقة وموجب وجوده:

لقد تضمنت كلمات أهل اللغة معنين لحقيقة اللعب:

الأول: أن اللعب عبارة عن المزاح، ويظهر هذا من صاحب المنجد، وصاحب مجمع البحرين أيضاً، ومقتضى هذا التعريف حصر حقيقته في خصوص هذه المفردة، فلا يكون أوسع منها. وقد يحمل على هذا المعنى ما تضمنته النصوص، من ملاعبة الرجل أهله، لو بني على أن المقصود منها المزاح، فتأمل.

الثاني: أن اللعب عبارة عن كل قول أو عمل لا يقصد منه منظور مفيد عقلاً ولا يرغب إليه العاقل[3].

والمتحصل من التعريف المذكور أن المعيار في انطباق عنوانه خارجاً عدم اشتمال العمل الصادر أو القول على هدف أو فائدة، وان لا يرتجى منه منفعة أو مصلحة، فكل ما لا نفع فيه ولا هدف يرتجى منه، يقال له لعباً، وعليه لو كان العمل الصادر متضمناً هدفاً ويرتجى منه مصلحة، فلا يمكن وصفه بعنوان اللعب.

ويظهر من التعريف المذكور، أمران:

الأول: توسعة دائرته ليكون غير منحصر في مصداق خارجي، فيشمل كل ما يوجد خارجاً من قول أو عمل لا يكون مشتملاً على منفعة.

الثاني: حصره في قسم واحد، وليس له أقسام متعددة، فلا يوجد لعب نافع ولعب غير نافع، فما يطلق على بعض الممارسات خارجاً وتسميتها باللعب، إنما هو من باب المسامحة، فتدبر.

ويظهر من الاستعمال القرآني أنه لا يختلف عما ذكره اللغويون في حقيقة اللعب، فلاحظ قوله تعالى:- (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ)[4]

وكذا قوله تعالى:- (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)[5]

وقوله عز من قائل:- (ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)[6]

وكذلك جرى الفقهاء على ما جرى عليه اللغويون في أبحاثهم الفقهية عند تعرضهم للحديث حول ما يرتبط باللعب، فلاحظ.

اللعب عند الفلاسفة:

وقد أرجعالفلاسفة[7] وجودهذا اللعب بهذه الكيفية إلى أحد أمرين: إما ضعف في القوة العاقلة، أو بسبب عدم إعمالها، وتوضيح ذلك:

يوجد في المخلوق البشري قوى ثلاث:

الأولى: القوى العاملة: وهي عبارة عن القدرة التي تكون مبثوثة في عضلات الجسم، وهي مبدأ حركات البدن، مثل حركات الأصابع، وحركة الرجلين، وحركة اليدين، وحركة الجفون، وهكذا.

الثانية: القوى الشوقية: وهي عبارة عن مبادئ الميول الانسانية، سواء منها الطبيعية، أم المكتسبة، مثل الميل للأكل، والميل إلى العلم، والميل إلى العبادة، والميل إلى الجنس الآخر، وهكذا.

الثالثة: القوى المدركة: وهي عبارة عن القوى التي تقوم إما بالإدراك وإيصال المعلومات إلى الذهن، أو تقوم بتجزئة وتحليل وتركيب الصور الذهنية، أو حفظها، وتتمثل إما في الحواس الظاهرية، كالسامعة والباصرة، وإما في الحواس الباطنية كالمتخيلة، والحافظة. وتنقسم القوى المدركة إلى قسمين، قوة العقل، وقوة الخيال.

فالمدركة تصدر التوجيه للشوقية، وهي تصدر التوجيه للعاملة، فيصدر الفعل من الإنسان، فإذا كان مصدر التوجيه من المدركة هو قوة العقل، كان الفعل ذا فائدة وأثر، أما لو كان مصدره قوة الخيال،

كان ذلك الفعل عبثياً من دون هدف أو فائدة، وبالتالي يكون لعباً، وهذا معنى ما ذكرناه في مطلع البحث من عدم إعمال القوة المدركة، أو ضعفها.

نظريات اللعب عند علماء النفس:

وقد أختلف علماء النفس في تحديد دواعي اللعب عند الطفل[8]، على نظريات:

الأولى: نظرية الطاقة الفائضة:

وتسمى أيضاً بالطاقة الزائدة، وأول من نادى بها كان كل من فرديك شيلر في سنة(1759-1805م)، وهربرت سبنسر في سنة(1820-1903م)، وتبناه من أعلامنا السيد الطباطبائي(ره)[9]،وحاصلها، أن اللعب يوجد عادة نتيجة وجود طاقة زائدة لدى الكائن الحي، وليس في حاجة إليها، وهذا يعني أن اللعب إنما هو تعبير عن تراكم الطاقة الفائضة، بسبب عدم وجود التناسب بين نمو الإنسان، والطاقة الموجودة عنده، فإن معدل النمو عند الأطفال عالٍ، إلا أنه لا يستنفذ كل ما يتولد لديهم من الطاقة، فيدفعهم الفائض منها إلى اللعب.

وما يقوم به بعض الآباء رغبة منه في السيطرة على الفائض من الطاقة عند الطفل بحرمانه من الغذاء، وإن كان يؤدي الغرض، ويوجب تقليل الفائض منها، إلا أن له آثاراً سلبية على الطفل، فإنه يؤدي إلى توقف نموه، كما يوجب حصول حالة التبلد لديه.

وقد أرجع أصحاب هذه النظرية وجود المشاعر الجمالية العليا ونمو الملكات الفنية إلى ممارسة اللعب، لأنهم يرون أن اللعب تنفيذ غير هادف للطاقة الزائدة عند الإنسان.

الثانية: النظريةالتلخيصية:

وقد وضعها ستاني هول في سنة(1844-1924م) وحاصلها، أن الماضي هو مفتاح اللعب، فإن مقتضى انتقال الانسان من جيل إلى جيل، يجعل اللعب جزءاً لا يتجزأ من ميراثه، والمجتمع إنما يكرر الأشكال الأساسية للعب التي استخدمها القدماء، ولهذا ما نجده عند الطفل من حب لبعض الألعاب البدائية كتسلق الأشجار مثلاً، يكشف عن بقايا الحياة البدائية لدى أسلافه الأولين.

وبالجملة، فإن هذه النظرية تقرر أن اللعب الصادر من الطفل ليس أمراً مرتبطاً بمواجهة صعوبات الحياة، أو يتضمن دروساً تربوية وتدريبية على ما سيلاقيه، وإنما هي إفراغ لمخزون ذهني متراكم منذ الأجيال السابقة.

الثالثة:نظرية الاستجمام:

وهي تشترك مع نظرية أخرى قريبة منها جداً يسمونها نظرية الترويح، وهما تتفقان على وجود الحاجة إلى اللعب من أجل استعادة الجسم نشاطه وحيويته بعد مرور ساعات من العمل الطويلة، كما أنه يساعد على استعادة الطاقة المستنفذة في العمل، مضافاً إلى أنه يساعد على هدوء الأعصاب، والإجهاد والقلق النفسي.

والحاصل، إن النظرية المذكورة، تقرر أن الموجب لحصول اللعب من الطفل إراحة عضلاته المتعبة، وأعصابه المرهقة، فلاحظ.

الرابعة: النظرية التنفسية:

وهي التي تبنتها مدرسة التحليل النفسي الفرويدية، وهي تقرر أن اللعب يساعد الطفل على التخفيف مما يعانيه من القلق الذي يسعى كل إنسان للتخلص منه بأية طريقة، واللعب إحدى هذه الطرق.

ومن الواضح اشتراك هذه النظرية ونظرية الطاقة الزائدة في أن كليهما تقرر وجود شيء زائد يعمد الطفل إلى افراغه، فبينما تفيد نظرية الطاقة وجود طاقة زائدة تحتاج إفراغاً، فإن النظرية الفرويدية، تفيد الحاجة إلى تفريغ شحنات القلق النفسي.

[1]مرآة العقول ج ص 339.

[2]الحدائق الناضرة ج 5 ص 338 الحاشية رقم 2.

[3]التحقيق في كلمات القرآن الكريم مادة لعب ج 10 ص 218.

[4] سورة المائدة الآية رقم 58.

[5] سورة الأنعام الآية رقم 36.

[6] سورة الأنعام الآية رقم 70.

[7]يمكن ملاحظة ما ذكره الحكيم اللاهيجي في كتاب شوارق الإلهام ج 2 ص 446-450. وكذا روايات لعب الإمامين الحسنين في الميزان.

[8]استفدنا هذه النظريات من خلال البحث في مواقع الإنترنت، فلاحظ مثلاً منتديات ستوب، وقد أشير إليها أيضاً في كتاب روايات لعب الإمامين الحسنين(ع).

[9]أصول الفلسفة والمنهج الواقعي ج 2 ص 298.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة