قبس من سيرة الإمام الهادي (ع)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
429
0

كانت مدة إمامة الإمام الهادي(ع) بعد شهادة أبيه الإمام الجواد(ع) أربعاً وثلاثين سنة، عاصر خلالها مجموعة من خلفاء بني العباس، ولم تختلف سيرة الإمام الهادي(ع) عن سيرة أبيه الإمام الجواد(ع)، ولا عن سيرة جده الإمام الرضا(ع)، في التعامل مع الأحداث التي كانت تجري في عصره، وموقفه منها، وقد أوجب هذا الأسلوب المتخذ منه(ع)، وكذا ممن تقدمه من الأئمة الأطهار(ع)، مجموعة من التساؤلات، فيسأل لماذا لم يعمد الأئمة(ع)، من بعد الإمام الحسين(ع) بالقيام بأي عمل عسكري يسعى من خلاله للوصول إلى الحكم والسيطرة عليه، مع أن الظروف كانت مواتية في بعض الأحيان، بل إننا نجد أن الأئمة الذين وصلوا إلى الحكم تعاملوا مع هذا الوصول بصورة لم تكفل بقائه تحت سيطرة الأئمة الذين جاءوا من بعدهم.

ومن المعلوم أن معرفة الوضع السياسي والأمني في الفترة التي عاش فيها الإمام(ع) يساعد كثيراً على تفسير العديد من الأمور، ويوجد إجابات للعديد من التساؤلات والإستفهامات التي تثار حول شخصيته المباركة، فإذا عرفنا من هو المتوكل العباسي، وماذا كان يحمل في قلبه من أمر تجاه العلويـين، وتجاه أمير المؤمنين(ع)، وأهل البيت(ع)، كان ذلك مساعداً في معرفة المواقف المتخذة من الإمام(ع) في تلك الفترة.

موقف المتوكل من العلويـين:

عرف المتوكل العباسي بحقده وكراهيته لآل البيت(ع)، وكان قلبه ممتلئاً بغضاً لأمير المؤمنين(ع)، ويشهد لما ذكرنا أموراً نص عليها المؤرخون تبرز عن مظاهر العداء والصراع بينه وبين أهل البيت(ع):

منها: كراهيته لأمير المؤمنين(ع)، ومحاولة الحط من سمعته والاستهانة به.

ومنها: هدمه لقبر الإمام الحسين(ع) في القصة المشهورة، وقيامه بالتنكيل بالزائرين لقبره الشريف، ومعاقبته لكل من يقصده أو يقوم بزيارته.

ومنها: فرضه حصار اقتصادي على العلويـين، وقطعه لأرزاقهم، ومنعه الناس من مساعدتهم حتى يموتوا جوعاً.

ومنها: التـزامه بالتضيـيق على الإمام الهادي(ع)، وجلبه من أرض المدينة المنورة، ووضعه تحت الرقابة المشددة.

ومنها: محاولة تشويه منصب الإمامة، من خلال ترشيحه شخصية هزيلة تتولى زعامة أهل البيت(ع)، وهي شخصية موسى أخي الإمام الهادي(ع) للقيام بهذه المهمة.

فإذا كان هذا هو المتوكل، وهذه مواقفه تجاه بني هاشم، فكيف يأمن الإمام(ع) على نفسه، حتى يقوم بقيادة حركة عسكرية تجابه الدولة، وتسعى للانقلاب على السلطة الحاكمة.

هدف الأئمة الأطهار:

وكيف ما كان، فإن الإجابة على مثل السؤال السابق، وهو الموجب لأن يكون منهج الإمام الهادي(ع)، وكذا منهج من تقدمه من الأئمة الأطهار(ع) بهذه الكيفية، تحتاج إلى أن يقف القارئ على الهدف الذي كان يسعى له الأئمة(ع)، لأن المتصور أن لا يخلو حال أئمتنا(ع) عن محتملين:

الأول: أن يكون هدفهم كهدف غيرهم من الذين تسنموا السلطة وسعوا للوصول إليها، وهو مجرد الوصول إلى استلام سدة الحكم والسيطرة على مقدرات الأمة والتسلط على رقابها.

الثاني: أن يكون الهدف الذي يسعى إليه هو تطبيق الإسلام بكل ما يحمل من معاني ومضامين، على أرض الواقع، وذلك بجعل المسلمين يعيشونه نصاً وروحاً ومضموناً، وتطبيقا للعدالة الإلهية بكافة أبعادها على أرض الواقع.

ومن المعلوم عدم تصور المحتمل الأول في شأن أئمتنا(ع)، ما يعني تعين المحتمل الثاني حينئذٍ، وفقاً للقسمة الحاصرة، وهذا يستدعي أن يتعرف على المقدمات أو الأسس التي يلزم توفرها حتى يتم تحصيل هذا الهدف.

عناصر الهدف الأسمى:

ولا يذهب عليك أن تحصيل الهدف الأسمى الذي كان يسعى له الأئمة الأطهار(ع) يتوقف على توفر عنصرين أساسيـين:

الأول: وجود الخلافة الإسلامية بالشكل الذي كان يؤمن به الأئمة الأطهار(ع)، وذلك بأن يكونوا هم المتصدين لهذا الأمر وفقاً لما جاء به الأمر الإلهي إلى نبيه الكريم(ص)، ونص عليه الرسول محمد(ص).

الثاني: توفر القواعد الشعبية الواعية بفهم الإسلام، نصاً وروحاً، واستعدادها للتضحية في سبيله والدفاع عنه، ولا أقل من أن تكون الأكثرية في الوسط الشعبي والاجتماعي متوفرة على ذلك، لو لم يكن المجتمع بأكمله.

وملاحظة العنصر الثاني، تساعد كثيراً على فهم ما صدر من أمير المؤمنين(ع) خلال فترة حكومته الظاهرية للأمة، كما توضح كثيراً موقف الإمام الحسن(ع) السياسي خلال تلك الفترة، وتفيد في معرفة الدواعي لما اتخذه الإمام الرضا(ع)، يوم عرضت عليه ولاية العهد.

دور الأئمة العملي:

ومع أن الهدف الذي كان يسعى له الأئمة(ع) لم تتوفر عناصر تحققه في الخارج، لما عرفت توقفه على توفر عنصرين لما يتوفرا، إلا أن ذلك لا يعني أنهم(ع) لم يكن لهم أدنى دور عملي في الوسط الاجتماعي، وفي حياة المسلمين، بل كان لهم أبرز الأثر في تسيـير الكثير من شأن الحياة الإسلامية، وقد ركزوا على أمرين أساسيـين:

الأول: الحفاظ على المجتمع الإسلامي من الانهيار والانحلال والتفسخ، من خلال الوقوف أما ما يوجب الانهيار القيمي والأخلاقي والروحي في الوسط الإسلامي، فإن القارئ لسيرة الخلفاء السابقين سواء في الدولة الأموية، أم في الدولة العباسية، يجد أن هناك سعياً حثيثاً لسلخ المجتمع المسلم عن قيمه وأخلاقياته، وآدابه وتعاليمه، في محاولة تغريبية له في هذا المجال.

وقد كان دور المعصوم(ع) في كل عصر يقوم على كيفية الوقوف أمام مثل هذا العمل والحد منه، من خلال تصحيح المفاهيم الإسلامية المغلوطة، والوقوف أمام كل ما يحول دون تطبيقها خارجاً. مضافاً إلى بث الكثير من المعارف الدينية التي تساعد على معرفة الإسلام بمعانيه الحقيقية والواضحة.

الثاني: بناء الجماعة الصالحة، لأنه كما عرفت يوجد هدف يسعى المعصومون(ع) لتحقيقه وهو تأسيس المجتمع الإسلامي، ولا ريب في أن الطريق لحصول ذلك يكون من خلال وجود القواعد الشعبية التي تمتلك وعياً كاملاً للإسلام، نصاً وروحاً ومضموناً كما لا يخفى.

وعلى أي حال، فإن هذا يستوجب إعداد هؤلاء الأفراد بنحو متكامل، بحيث يرفع المستوى الإيماني في نفوسهم، تمهيداً لليوم الذي يتم فيه الوصول إلى الخلافة بالصورة التي يرغب فيها أهل البيت(ع).

ومن المعلوم أن هذا الإعداد سوف يكون من خلال مجموعة من الأمور يقوم بها المعصوم(ع) في وسط قواعده الشعبية حتى يكونوا متوفرين على هذه الصفات، ولسنا بصدد الحديث عن ذلك، فإن له مجالاً آخر.

وجود الإمام في جهاز الدولة:

وقد يدعى أن ما ذكرناه من هدف يسعى المعصوم(ع) إلى تحقيقه، وأنه ما لم تتوفر دواعي تحقيقه خارجاً فإنه يبقى يسعى إلى الحفاظ على كيان المجتمع الإسلامي وفق ما ذكر من عمل، يتنافى ووجود الإمام المعصوم(ع) غالباً في جهاز الدولة، إذ يلحظ القارئ لسيرة الإمام الهادي(ع) مثلاً أنه لم يكن يختلف عن جده الإمام الرضا(ع)، ولا عن أبيه الإمام الجواد(ع) في أنه كان يركب إلى بلاط الخليفة يومين في كل أسبوع، يومي الاثنين والخميس، مع أن الإمام الرضا(ع) كان عذره في ذلك أنه ولي العهد، ومن الطبيعي أن يكون متواجداً في البلاط، والإمام الجواد(ع) قد فرض المأمون عليه حصاراً عملياً بطريقة غير مباشرة من خلال مصاهرته، ما أوجب عليه أن يكون أحد أفراد البلاط، إلا أن هذا غير موجود بالنسبة للإمام الهادي(ع) فإنه ليس ولي عهد، ولا مصاهراً للخليفة، فما هو الداعي له لأن يركب يومين من كل أسبوع إلى البلاط، بل يتعدى ذلك إلى أن يخرج ضمن موكب الخليفة في بعض الأحيان عندما يخرج إلى بعض رحلات الصيد، ألا يتنافى هذا وما هو الهدف الذي يسعى إليه، أوليس هذا منافياً لما جاء في القرآن الكريم، من النهي عن الركون إلى الظالمين، وكذا ما تضمنته النصوص الشريفة من المنع عن الإعانة للظالمين، والدخول معهم؟

ولا يخفى أن التساؤل المطروح تتضح الإجابة عنه عند القيام بدراسة الوضع السياسي القائم في فترة إمامة الإمام الهادي(ع)، وملاحظة المنهجية التي كان الحكم في تلك الفترة يقوم عليها، والسياسة المتبعة في مقام التنفيذ، فلو كانت السياسة المتبعة في تلك الفترة تقوم على الحزم وتطبيق القانون من دون أن يكون هناك مجال للمحسوبية والعلاقات الخاصة، فلا ريب أن الإشكال المذكور سوف يكون محكماً، بخلاف ما لو أحرز أن سياسة الدولة في تلك الفترة كان تعتمد بشكل أساس على مبدأ المحسوبيات والعلاقات الخاصة، فإنه سوف تختلف النتيجة تماماً، إذ أن وجود الإمام(ع) والحال هذه سوف يكون سبباً مبرراً، لأنه سوف يجعل الإمام(ع) يستفيد من وجوده في تلك الأماكن في أمور عديدة.

وكيف ما كان، فإنه يمكن أن تذكر عدة إجابات في علاج التساؤل السابق، تستفاد من كلمات الباحثين في سيرة الإمام الهادي(ع)، وغيره من الأئمة(ع):

منها: حماية الإمام الهادي(ع) لنفسه من بطش السلطة الحاكمة، ذلك أن الإمام(ع) كان يتعرض لحملة من التهديد والإكراه على الذهاب إلى قصر الخليفة تصل إلى حد التهديد بالقتل، وهذا يعني أن رفضه(ع) وامتناعه الصريح عن الذهاب إلى قصر الخليفة والامتناع عن الحضور في مجلسه، يعني استفزاز منه للسلطة الحاكمة ضده، والظهور بمظهر الخارج عليها، ومن المعلوم أن القيام بالمواجهة لا يتفق وسياسة الإمام الهادي(ع) المرسومة في تعاطيه مع الدولة في تلك المرحلة.

ومنها: سعيه إلى التخفيف من عمليات الوشاية والتجسس التي كانت تصب عليه، فإن الحكومة العباسية كان تحاول أن ترصد على الإمام(ع) أي موقف يكشف عن قيامه بمعارضة لها لتتمكن من النيل منه، ومن الطبيعي أن هذا قد أغرى الكثيرين أن يتقربوا للدولة بإدعاء الكذب والأباطيل على الإمام(ع)، والوشاية به عندها، فضلاً عما كانت ترصده عيون الدولة المبثوثة في دار الإمام(ع)، وما كانت ترفعه للجهاز الحاكم من تقارير، ويشهد لهذا ما نقله المؤرخون في سيرته(ع) من المحاولات المتعددة لكبس داره(ع)، وماذا كان يجد الهاجمون عليه فيها. وأنه ينحصر في خصوص كتب العلم والأدعية، والقرآن الكريم، وكانوا يجدون الإمام(ع) حال دخولهم عليه في حالة اللا مبالاة، وعدم الاكتراث لما يدور حوله، ما يعطيهم اطمئناناً بأنه لا يملك شيئاً آخر غير ما وجدوه.

وعلى أي حال، فقد وجد الإمام(ع) أن إحدى أهم الوسائل التي يمكنه من خلالها أن يخفف من الاستماع لهذه الإشاعات والوشايات، وأن يخفف من الجواسيس المتابعة له أن يكون متواجداً مع الخليفة، فإن هذا يعطيه اطمئناناً بأنه لا يكيد له أمراً، ولا يدبر له شيئاً.

ومنها: قد أدرك الإمام الهادي(ع) أن طبيعة الحكم العباسي تقوم على المحسوبية والمنسوبية والوساطة، وتأثير المصالح الشخصية، ومن الواضح أن هذا يفسح له المجال أن يستفيد منه في أن يتصدى لقول كلمة الحق في محضرهم، وأن يدافع عن قضيته العادلة بينهم، فيكون قد استفاد من هذا الواقع الموجود وجيره لمصلحة الإسلام.

والشواهد على ما ذكر في حياة الإمام(ع) كثيرة:

منها: يوم استدعاه المتوكل العباسي ليلاً وقد شرب حتى ثمل، في القصة المشهورة، فقد سعي بالإمام(ع) لديه وأدعي عليه أن داره تتضمن كتباً وسلاحاً وأموالاً، بعثها إليه شيعته، وأنه يطلب الأمر لنفسه، فوجه الأتراك إلى داره ليلاً، فهجموا على منزله على غفلة، فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر، وعلى رأسه ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، فأخذ على الصورة التي وجد عليها، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه، وهو يستعمل الشراب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه على جانبه، ولم يكن في منزله شيء مما قيل عنه ولا حجة يتعلل بها، فناوله الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً استحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للشعر. فقال: لابد أن تنشدني شعراً، فأنشده(ع) الأبيات المعروفة:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال ولم تنفعهم القلل

واستنـزلوا بعد عز من معاقلهم واسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكلل

فافصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد ذلك الأكل قد أكلوا

ولما سمع الحاضرون هذه الأبيات من الإمام(ع) ظنوا أن فيها هلاكه، لأن المتوكل بكى بكاء كثيراً جداً، وقال للساقي ارفع شرابك فقد تكدرت علي أيامي، لكنه توجه نحو الإمام(ع) وسأله: يا أبا الحسن، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة الآف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منـزله مكرماً.

ولا ريب أن لهذه القضية مجموعة من الدلالات تنفع في التعريف بالوضع الأمني والسياسي الذي كان يعايشه الإمام الهادي(ع)، فإنها تكشف عن الجو المكهرب الذي كان يعيش في وسطه الإمام(ع)، وكيفية معاملة السلطة له.

ولهذا نجد أن الإمام(ع) كان مستعداً لمثل هذه الظروف من خلال الحالة التي وجدوه عليها، وما كان يقرأه من آيات القرآن الكريم، وموضوع تلك الآيات. مضافاً إلى الموقف الذي تعاطي فيه(ع) مع الحدث، فإنه استطاع أن يقدم للمتوكل نصيحة جعلته يفيق مما هو فيه، من دون أن يكون للمتوكل عليه من سبيل، من خلال الأبيات التي قرأها عليه، وما كانت تتضمنه من تذكير بحقيقة الإنسان، وما هو المصير الذي سيؤول إليه في نهاية المطاف.

ومنها: موقفه مع الوزير ابن الخصيب، أحد وزراء المنتصر، فقد عرف عنه أنه ضيق الصدر، بطئ فيس قضاء حوائج الناس ظالماً، حتى حكي أنه ركب يوماً فتظلم إليه متظلم، فاخرج رجله من الركاب فزج بها في صدره فقتله، فتحدث الناس في ذلك، وأنشد بعض الشعراء في ذلك شعراً.

وقد جاء أن الإمام(ع) كان يسايره يوماً أثناء وزارته وقبل أن ينفى إلى اليونان على يد المستعين، فقصر الإمام(ع) عن المشي، فقال له ابن الخصيب: سر جعلت فداك. فقال له الإمام(ع): أنت المقدم. قال الراوي فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخصيب، وقتل.

ولا ريب في أن عبارته(ع) تتضمن نقداً ضمنياً، وإلقاء للحجة على الوزير المذكور، وإن كان الوزير لم يلتفت إليها.

ومنها: ما حكاه زرافة حاجب المتوكل من أن مشعوذاً هندياً أراد أن يأنس المتوكل بلعبه، وكان الإمام(ع) حاضراً في المجلس فأراد ذلك المشعوذ أن يخجل الإمام ببعض شعوذاته، ووجد من المتوكل رغبة في ذلك، فما كان من الإمام(ع) إلا أن أشار إلى صورة أسد مرسومة على إحدى الوسائد فوثبت الصورة على شكل أسد حقيقي فافترس الهندي المشعوذ وعاد إلى شكله الأول على الوسادة.

وعبثاً حاول المتوكل في الإمام(ع) أن يعيد المشعوذ، فقال(ع): والله لا يرى بعدها، اتسلط أعداء الله على أوليائه، وخرج من عنده، ولم ير الهندي المشعوذ بعدها.

ومنها: ما جرى في وليمة لبعض أولاد الخلفاء وقد دعا الإمام(ع) إلى وليمة، فلما رأوه أنصتوا إجلالاً إليه، وجعل شاب في المجلس لا يوقره وجعل يلفظ ويضحك، ويدعوه إلى ذلك تجاهل وجود الإمام، والتهوين من شأنه أمام جماعة المدعوين، فقال الإمام له: ما هذا الضحك ملء فيك، وتذهل عن ذكر الله، وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور، فكف عما هو عليه، وكان كما قال(ع). حيث مات الشاب بعد ثلاثة أيام.

وبالجملة، لو أردنا أن نستقصي المواقف التي كانت للإمام(ع) مع هؤلاء لطال بنا المقام، ولخرج هذا المختصر عما هو معدود له، إلا أن ما يهمنا أن هذه المواقف كلها كانت تصب في إظهار كلمة حق أمام سلطان جائر، وكانت تتضمن بياناً جلياً واضحاً منه(ع) لقضيته العادلة، كما كانت تتضمن برهاناً جلياً على حقانيته، وأنه الإمام الحجة المفترض الطاعة على الأمة، وأنه الذي ينبغي أن يتبع ويؤخذ بقوله، ويطاع.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة