16 أبريل,2024

تعمد البقاء على الجنابة (2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

الثاني: التمسك بمجموعة من النصوص:

منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمداً حتى أصبح، قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متـتابعين أو يطعم ستين مسكيناً، قال: وقال: إنه حقيق أن لا أراه يدركه أبداً[1].

وتقريب دلالتها على المدعى واضحة، ضرورة أنه لا يتصور ثبوت الكفارة عليه من دون أن يكون العمل الذي صدر منه فاسداً، ومن الواضح أن منشأ الفساد هو تعمد البقاء على الجنابة، ولا يضر عدم تعرضه(ع) لوجوب قضاء ذلك اليوم، لأنه من الواضحات، بل يمكن القول بأنه يستفاد من خلال بيان وجوب الكفارة لأنه ثبوتها عليه يكشف عن لزومه فلاحظ.

أقول: للتأمل في دلالة النص المذكور على المدعى مجال واضح، إذ أن المستفاد منه هو ثبوت الكفارة عليه، وهذا أجنبي عن الإشعار بالفساد، فضلاً عن الدلالة عليه، ضرورة أنه ربما كان الداعي للالتـزام بالكفارة يعود لكونه قد ارتكب محرماً بالحرمة التكليفية، فيلزمه أن يكفر كما ورد ذلك في محرمات الإحرام، وبالتالي لا ملازمة بين الفساد وبين الكفارة.

وليس المقام من صغريات النهي في المركبات حتى يقال بأنه إرشاد إلى المانعية.

ويشهد لما ذكرناه من أنه ناظر إلى ثبوت الكفارة من دون نظر منه إلى الفساد، ما جاء في ذيل الخبر، وهو قوله(ع): إنه حقيق أن لا أراه يدركه أبداً. فكأنه(ع) يريد أن يشير إلى أن التكفير لا يفي بتدارك ما فاته من الصوم الكامل الذي يفعله الصائم دونما فعل منه لما يحرم عليه فعله.

وبالجملة، دلالة الخبر على المدعى غير واضحة، بل لو قيل بعدم دلالتها عليه، وكونها ناظرة إلى الحرمة التكليفية وثبوت الكفارة فقط، لم يكن في ذلك ضير، فتأمل.

هذا كله من حيث الدلالة، وأما حيث السند، فمضافاً لكون الخبر مما تفرد الشيخ(ره) بنقله، وقد سمعت منا مراراً أن ما يتفرد(ره) بنقله يصعب البناء على حجيته ما لم تكن له شواهد مساعدة عليه، أشتمل على إبراهيم بن عبد الحميد، وهو ممن لم يتعرض أحد لتوثيقه إلا الشيخ(ره)، فإنه نص على ذلك في كتابه الفهرست، قال:

وهذا يمنع من الجزم بوثاقته لكون التوثيق انفرد به الشيخ(ره)، لكن الذي يهون الخطب ويدعو للبناء على وثاقته أمران:

الأول: كونه ممن قد روى عنه المشائخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

الثاني: التمسك بمسلك السيد الداماد، وعليه بعض الأعلام المعاصرين(حفظه الله) من أن كل من تعرض له النجاشي في كتابه ولم يتعرض له بقدح أو ذم في جانب العقيدة، فلا مانع من البناء على حسن رواياته، لكونه إمامياً، وهذه الدعوى قائمة على ما ذكره النجاشي في الديباجة من أن غايته من تأليف الكتاب التعرض لبيان مؤلفات أصحابنا الإمامية، وهذا يعني أن من لم ينص على أن معتقده خلاف ذلك، فهو إمامي، وبالتالي يدخل خبره دائرة الحجية، لكونها تشمل أخبار الحسان.

وقد عرفت منا غير مرة عدم تمامية هذا الوجه، فلاحظ وتدبر.

ومنها: خبر سليمان المروزي عن الفقيه (ع) قال: إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متـتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه[2].

ولا يخفى أن الكلام في هذا الخبر هو عين الكلام في سابقه، نعم قد يدعى تمامية دلالتها على المدعى تمسكاً بقوله(ع): مع صوم ذلك اليوم، على أساس أنه يدل على لزوم قضاء اليوم الذي تعمد فيه الإصباح جنباً.

ولا يخفى ما فيه، ضرورة أن العبارة المذكورة قد يتصور وجود احتمالين فيها:

الأول: أن يكون المراد هو الإشارة إلى الإتيان بيوم آخر قضاء عن اليوم الذي أصبح فيه متعمداً البقاء على الجنابة.

الثاني: أن يكون المراد منها لزوم إكمال صيام ذلك اليوم الذي أصبح فيه متعمداً البقاء على الجنابة، وأنه لا يسوغ له الإفطار فيه.

ولا ريب أنها تصلح للمدعى وفقاً للاحتمال الأول دون الثاني، بينما الظاهر أنها واضحة في الاحتمال الثاني دون الأول، لأن الإشارة إلى اليوم الذي أصبح متعمداً البقاء على الجنابة.

فالإنصاف ظهورها في الاحتمال الثاني، وبالتالي تكون أيضاً بعيدة كل البعد عن الدلالة على المدعى، فلاحظ.

ثم إن الخبر المذكور يعاني مشكلة سندية، لا لكونه ما تفرد الشيخ(ره) بنقله، بل لأمرين آخرين:

الأول: وجود سليمان بن حفص المروزي فيه وهو راوي الخبر، وهو مجهول الحال، مما يمنع ذلك من دخول الخبر دائرة الحجية والاستناد إليه في مقام الاستدلال.

الثاني: كون الخبر مضمراً، وليس المضمر مثل سماعة المعدود من أجلاء الأصحاب الذين لا يمنع من قبول إضمارهم.

هذا وقد أجاب بعض الأعاظم (قد) عن الأمر الأول بما ملخصه: بأن الإشكال في السند مدفوع بكون الراوي وهو سليمان المروزي بن حفص لا ابن جعفر لوجود قرينـتين:

الأولى: إن سليمان بن جعفر لا وجود له نهائياً.

الثانية: إن الراوي عن سليمان في هذا الخبر هو محمد بن عيسى بن عبيد وهو يروي كثيراً عن سليمان بن حفص.

وبعد تمامية هاتين القرينـتين وتعين كون الراوي هو سليمان بن حفص المروزي أمكن البناء على وثاقته لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات، وقد عرفت منا غير مرة أننا نبني على تمامية ما صدر من ابن قولويه في ديباجة كتابه في إفادتها توثيق كل من ورد فيه[3].

هذا ولا يخفى المنع عن كلا القرينـتين:

أما الأولى: فلأن سليمان بن جعفر المروزي قد ورد في بعض نسخ هذه الرواية وغيرها.غاية الأمر لم يثبت أنه بن جعفر المروزي لا أنه ثبت عدمه هذا أولاً.

ثانياً: إن الشيخ (ره) قد نقل عنه في الاستبصار في غير مورد كما نقل عنه في التهذيب أيضاً.

ثالثاً: إن احتمال التحريف وإن كان موجوداً خصوصاً مع تشابه الرسم بين حفص وجعفر إلا أن الوثوق والجزم به مشكل.

رابعاً: إن مجرد اشتهار الشخص وكثرة رواياته لا تنفي وجود الشخص الآخر. نعم هو موجب للظن به ولا قيمة له. وهذا يعني أن احتمال كون راوي الخبر هو سليمان بن جعفر المروزي لا زال موجوداً إذن.

وأما الثانية: أن غاية ما توجبه كثرة رواية محمد بن عيسى بن عبيد عن ابن حفص الظن بإلحاق المشكوك بالأعم الأغلب، ولا أثر لهذا الظن ولا يصلح لأن يكون قرينة على أن المراد به هو ابن حفص المروزي.

ثانياً: لو أغمضنا عن المناقشة السابقة في القرينـتين اللتين ذكرتا من أجل تعيـين كون الوارد في الخبر هو جعفر، إلا أننا نمنع تمامية كبرى وثاقة من وقع في أسانيد كامل الزيارات على ما فصلناه في محله. وعليه حتى لو ثبت أن الراوي هو ابن حفص فإنه مجهول لا توثيق له.

هذا وقد حكي عنه(ره) أنه قد عدل(قده) عن هذا المبنى أيضاً.

ثم إنه قد يوثق سليمان المروزي الواقع في السند، سواء كان هو بن حفص أم كان هو بن جعفر استناداً إلى كبرى رواية الجليل عن شخص فإنها تكشف عن وثاقته، وقد روى عن سليمان محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، فيثبت كونه ثقة.

لكنننا ذكرنا في الفوائد الرجالية أننا لم نر وجهاً صناعياً يصلح الاستناد إليه في إثبات هذه الكبرى، وبالتالي يصعب البناء على صغرياتها، فلاحظ.

ومنها: صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم نام حتى يصبح متعمداً؟ قال: يتم ذلك اليوم وعليه قضاءه[4].

أقول: دلالته على المدعى أيضاً صريحة، ولا يأتي فيها ما سبق واحتملناه في النصين السابقين، بل إنه(ع) نص على وجوب القضاء عليه، من دون ملاحظة إلى أن داعي القضاء أنه عقوبة أم لا، بل هي واضحة في أنه يرجع إلى مانعية تعمد البقاء على الجنابة. لكنها كسابقتيها من جهة السند إذ أن الشيخ (ره) قد تفرد بنقلها.

ومنها: موثقة سماعة قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال: عليه أن يتم صومه ويقضي يوماً آخر[5].

أقول: لولا تفرد الشيخ (ره) لما كان للتأمل في دلالتها على المدعى مجال أصلاً. وإضمارها لا يوجب خللاً في سندها لما ذكرناه غير مرة من حجية مثل هذه المضمرات، بل لا يبعد البناء على أن ما يسمى بمضمرات سماعة ليس من المضمر الاصطلاحي، وإنما هو ناجم من تقطيع الأحاديث، لكون سماعة يسأل جملة من الأسئلة.

ثم إنه مما ذكرنا تعرف أن دعوى سيد الرياض (ره) التواتر في هذه النصوص في غير محله، إذ أنها لا تعدو أخباراً معدودة لم تبلغ حد الاستفاضة، فكيف يقال فيها ببلوغها التواتر.

ومنها: ما ورد في لزوم القضاء لو نسي الغسل أياماً وهو صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال: عليه أن يقضي الصلاة والصيام[6].

أقول: هذا الصحيح وإن تفرد الشيخ (ره) بنقله لكن له شواهد تساعد على قبوله كنقل الكليني خبراً بمضمونه وكذا الصدوق. ودلالته على المدعى واضحة لأن أمره (ع) بالقضاء ليس إلا لفساده ببقائه على الجنابة.

ومنها: ما ورد في النوم على الجنابة بالتفصيل بين النومة الأولى والثانية، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما(ع) قال: سألته عن الرجل تصيـبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال: يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه[7].

وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله(ع) أنه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمداً في شهر رمضان حتى أصبح، قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه[8].

وصحيح ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله(ع): الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح؟ قال: يتم يومه، ويقضي يوماً آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له[9].

——————————————————————————–

[1] الوسائل ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2.

[2] المصدر السابق ح 3.

[3] مستند العروة ج 1 ص 145.

[4] المصدر السابق ب 15 ح 4.

[5] المصدر السابق ح 5.

[6] الوسائل ب 30 من أبواب من يصح منه الصوم ح 3.

[7] وسائل الشيعة ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 3.

[8] المصدر السابق ب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.

[9] المصدر السابق ب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 2.