29 مارس,2024

مصارف الخمس

اطبع المقالة اطبع المقالة

المستفاد من الآية الشريفة التي تعرضت لتشريع الخمس، أنه يقسم إلى ست حصص، يصطلح على الحصة الواحدة منها بـ(السهم)، وتلك السهام الستة التي أشارت لها الآية الشريفة هي:

1-سهم الله سبحانه وتعالى.

2-سهم الرسول الأكرم محمد(ص).

3-سهم ذي القربى.

4-سهم اليتامى.

5-سهم المساكين.

6-سهم ابن السبيل.

وهذه السهام الستة محل اتفاق بين علماء المسلمين كافة، بحيث لم يعرف مخالف بينهم فيها، خصوصاً وأنها مفاد الآية القرآنية الشريفة كما عرفنا.

المراد بذي القربى:

لكن وقع الخلاف في المراد بذي القربى في الآية الشريفة، وهم أصحاب الحصة الثالثة، أو السهم الثالث في عملية التقسيم، حيث قال المشهور من الشيعة الإمامية بأن المراد به الإمام المعصوم(ع)، وخالف في ذلك أبناء العامة فقالوا بأن المراد منه مطلق قرابة النبي(ص)[o1] .

هذا ويؤيد مقالة المشهور بين الشيعة أن مقتضى عطف السهام أو الحصص الثلاث على ذوي القربى يستدعي أن تكون مغايرة لها، لأنه سيأتي أن المراد بهذه السهام الثلاثة خصوص المنتسبين لهاشم من جهة الأب، وهذا يعني أنه لو كان المراد من ذوي القربى في الآية مطلق قرابة النبي(ص) لزم أن لا تحصل المغايرة بين السهام الثلاثة التي جاءت بعد ذكر ذي القربى وبين ذي القربى، وعليه كان ينبغي أن تكون السهام أقل من ستة، لكن مقتضى التكرار هو المغايرة بين الأصناف الأربعة، فيثبت أن المراد بذي القربى في الآية ليس قرابة النبي(ص)، فيكون المراد هو الإمام المعصوم(ع).

ويدل على أن المراد بذي القربى في الآية الشريفة الإمام المعصوم(ع) النصوص الواردة عن أئمتنا(ع)، ففي صحيح البزنطي عن الإمام الرضا(ع) قال: سئل عن قول الله عز وجل:- ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله(ص)، وما كان لرسول الله(ص) فهو للإمام[o2] .

وفي حكم الإمام المعصوم(ع) في المراد بذي القربى في الآية الشريفة السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء(روحي لها الفداء).

ثم بناءاً على ما ذكرنا يكون المقصود بذي القربى في هذا العصر هو المولى صاحب العصر والزمان(روحي لتراب مقدمه الفداء).

السهام الثلاثة:

وأما السهام الثلاثة الباقية، فيشترط في من تعطى له أن يكون منـتسباً لهاشم خلافاً لأبناء العامة حيث قالوا بأن المراد منهم يتامى ومساكين المسلمين وأبناء السبيل منهم.

ويدل على أن المراد هم خصوص الهاشميـين، وليس مطلق المتصفين بهذه الأوصاف من المسلمين، النصوص الواردة عن أئمتنا(ع) المفسرة للآية الشريفة، فقد ورد في تفسير الآية: خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، واليتامى يتامى الرسول، والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم[o3] .

وورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) قوله: إن الله تعالى لما حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا حلال.

مضافاً إلى أن هناك قرينة تدل على تخصيص السهام الثلاثة في الآية بالهاشميـين، وهي:

أن الزكاة محرمة على المحتاجين من بني هاشم، مما يستدعي توفير مصدر آخر للمحتاجين منهم يسد حاجاتهم، وهو الخمس.

تخصيص الهاشميـين:

هذا وقد يثار في البين تساؤل، وهو: ألا يعدّ تخصيص الهاشميـين أو بني هاشم بالخمس وعدم التعميم لمطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من المسلمين نوعاً من الطائفية التي يرفضها الإسلام، وتـتنافى وقيمه ومبادئه وأطروحاته؟…

وبعبارة أخرى: أليس في هذا التخصيص شيء من التميـيز العنصري، والتفضيل القبلي بملاحظة العلاقة العائلية، وهو ما لا ينسجم وروح العدالة الإسلامية؟…

ولا يخفى أن هذه الإثارة والشبهة المذكورة غير صحيحة أصلاً، وذلك لأنها تصح لو كان المدفوع من المال يعطى لكافة الهاشميـين، وليس لفئة خاصة منهم، ولا يخفى مدى الفرق، حيث أن التميـيز العنصري أو التفضيل القبلي إنما يتصور لو كان المدفوع يعطى لكافة الهاشميـين فيكون العطاء شاملاً للجميع، لكنه لما كان العطاء مخـتصاً بفئة خاصة من بني هاشم، فهذا يعني أن بقية الهاشميـين ينطبق عليهم العنوان المنطبق على بقية المسلمين، فلا تميـيز ولا تفضيل قبلي للهاشميـين إذن.

على أن المحتاجين من بني هاشم قد حرموا العطاء من الزكاة، فلا يحق لأحد منهم أخذ شيء منها، وقد عوضهم الله سبحانه عن ذلك الخمس.

قسمة الخمس:

بعد ما عرفنا السهام الستة، نود الإشارة إلى أن سهم الله تعالى في حال وجود رسول الله(ص) يكون للرسول(ص) مضافاً لسهمه(ص)، وفي حالة عدم وجود الرسول الأكرم، فإن الإمام المعصوم(ع) هو الذي يتولى سهم الله تعالى وسهم الرسول مضافاً إلى سهمه الشريف، ويصطلح على هذه السهام الثلاثة عند الفقهاء بـ(سهم الإمام).

وفي حالة غيـبة الإمام المعصوم(ع) كما في زماننا هذا، فإن الذي يتولى هذه السهام الثلاثة هو النائب العام للإمام، وهو الفقيه العادل، الذي يصطلح عليه بـ(الحاكم الشرعي).

مصرف سهم الإمام:

هذا ويلزم الحاكم الشرعي حين تصرفه في حق الإمام وصرفه إياه أن يحرز رضا الإمام(ع) فيما يصرف الحق فيه.

ويحرز ذلك غالباً من خلال ملاحظة الأولويات التي لو كان الإمام(ع) موجوداً لكانت محط اهتمامه ونظره، فيسير في توزيع سهم الإمام على ضوء تلك الأولويات التي تختلف باختلاف الظروف.

ويمكن القول بأن هذه الأولويات تنطوي تحت أمرين أساسيـين، بينهما طولية من حيث الأهمية، بمعنى أن الثاني منهما في طول الآخر، وهما:

الأول: صرف سهم الإمام في كل ما فيه نشر لتعاليم الإسلام وترسيخها، بما في ذلك حماية الإسلام وأوطانه من الاعتداء.

وهذا يعني أنه يدخل في ذلك تمويل مراكز الدعوة والتبليغ، وإعداد العلماء والمبلغين، وإنشاء الجامعات والمعاهد الدينية، وطباعة الكتب.

كما أنه يشمل أعمال الدفاع عن المسلمين ومنجزاتهم في حالات السلم والحرب بالنحو اللازم كما يقرره أهل الفن والخبرة في هذا المجال.

ويصرف أيضاً من أجل تقوية الكيان الإسلامي واستقلاله وسيادته وإقامة شريعة العدل فيه ورد غائة الظلم عنه.

الثاني: أن يصرف سهم الإمام في إقامة المشاريع الحيوية للمسلمين من مدارس ومستشفيات ومعاهد علمية ومشاريع اقتصادية ضرورية، ونحوها مما يعجز عنه الأفراد ويحتاجه الناس.

ويصرف أيضاً في مساعدة الفقراء والضعفاء بالمال، ومساعدة المؤسسات والجمعيات التي ترعى شؤنهم وتيسر أمورهم، وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تدخل في ضمن هذا المجال.

الحاكم الشرعي هو المتولي لصرف الخمس:

هذا وينبغي أن يعلم أنه لا يستقل من عليه الخمس بدفع سهم الإمام إلى المستحق من دون مراجعة الحاكم الشرعي أو وكيله. بل الأحوط وجوباً دفعه إلى المجتهد الأعلم.

——————————————————————————–

[o1]كتاب الأم للشافعي ج 4 ص 147، كتاب المغني لابن قدامة ج 7 ص 304-305، الشرح الكبير ج 10 ص 492.

[o2]الكافي ج 1 ص 544 ح 7، وسائل الشيعة ب 1 من أبواب قسمة الخمس ح 6.

[o3]وسائل الشيعة ب ذ من أبواب قسمة الخمس ح 2.