أم كلثوم وجودها وزواجها (1)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
776
0

وقع الخلاف بين المؤرخين في عدد أبناء أمير المؤمنين(ع) من السيدة الزهراء(ع)، فاتفقوا على أن له من الذكور منها ثلاثة، وهم الإمامان الهمامان الحسنان(ع)، وسيدنا المحسّن السقط(ع)، وأما البنات، فاتفقوا على عقيلة بني هاشم السيدة زينب(ع)، واختلفوا في أم كلثوم، حيث أنكر بعضهم وجودها أساساً، وإنما هي السيدة زينب(ع)، وأختار آخرون أنها أحدى بنات السيدة الزهراء(ع)، وهناك قول ثالث يتضمن الالتزام بوجودها، إلا أنها ليست من بنات السيدة الزهراء(ع)، وإنما هي بنت لأمير المؤمنين(ع) من امرأة أخرى، بل ربما ذهب البعض إلى نفي بنوتها لأمير المؤمنين(ع)، وإنما هي ربيبة له.

وربما يظن أن الحديث عن وجود أم كلثوم، وعدمه، لا يخرج عن كونه مجرد بحث في مسألة تاريخية صرفة لا يترتب عليها أدنى ثمرة عملية، بل ربما توقف حتى في ثبوت ثمرة علمية عليه أيضاً.

وهو ظن في غير محله، ذلك أن للحديث عن وجود أم كلثوم أولاً، وتحديد أنها بنت للسيدة الزهراء(ع)، ثمرة عقدية، فإن العامة كثيراً ما يتناولون أن هذه المرأة قد تزوج بها الرجل الثاني، بل يذهبون إلى أنه قد أنجب منها، وأن غايته من هذا الزواج كان الارتباط برسول الله(ص)، لما سمعه منه(ص). ويجعلون المصاهرة المذكورة كاشفاً عن مدى العلاقة الحميمة التي كانت بين أمير المؤمنين(ع) وبينه، كما يترتب على البحث عن وجودها، مجموعة من المسائل الفقهية، فإن النصوص التي تضمنت ذكرها تضمنت مجموعة من الأحكام الفقهية، وبالتالي هل يمكن الافتاء على طبقها، وتلك المسائل مرتبطة بعدة أبواب فقهية:

منها: ما يكون مرتبطاً بالصلاة على الجنازة، فإنه قد ذكر أنها لما ماتت هي وولدها، صلي عليهما دفعة واحدة.

ومنها: ما يكون مرتبطاً بباب النكاح، وأن للأب الولاية على بنته، وأنه يمكنه أن يجعلها وكالة لغيره.

ومنها: ما يرتبط بباب العدة، وبيان أين تعتد المرأة التي يتوفى عنها زوجها.

ومنها: ما له ارتباط بباب الميراث، وأن موت الفجأة يأخذ أحكام من مات غرقاً أو هدم عليه جدار، وهكذا.

وبالجملة، يظهر مما أشرنا إليه، مدى ما للحديث عن وجود هذه المرأة، والتأمل في ما تضمنته المصادر التاريخية من ثمرة عملية مهمة، فلاحظ.

وجودها:

وقع الخلاف بين الكتّاب والمؤرخين في شخصية أم كلثوم بنت أمير المؤمنين(ع)، من ناحيتين:

الناحية الأولى: في أنها من الشخصيات التي لها وجود في الخارج، أو أنها من الشخصيات الوهمية التي لا وجود لها.

الناحية الثانية: بعد الفراغ عن كونها شخصية موجودة، وليست شخصية وهمية، أختلف في تحديد أمها، وأنها السيدة الزهراء(ع)، لتكون أختاً شقيقة للإمامين الحسنين(ع)، وللسيدة زينب(ع)، أو أنها من أم ولد، أو أنها من امرأة أخرى.

أما الحديث عن الناحية الأولى، فهناك قولان للمؤرخين في هذا المضمار:

أحدهما: البناء على نفي وجود امرأة لها ارتباط بأمير المؤمنين(ع) بهذا الاسم، وهو مختار جملة من علماء الفريقين، كالدميري، والسيد المرعشي النجفي(ره)، والسيد عبد الرزاق المقرم(ره)، ويظهر من شيخنا المفيد(ره) في الإرشاد، وغيرهم، بل عدّ هو القول المشهور بين المؤرخين[1].

ثانيهما: البناء على أن أم كلثوم شخصية موجودة وأن لها حضوراً فاعلاً في جملة من الأحداث والوقائع، كما يلحظ ذلك كل من قرأ التاريخ وتأمل في صفحاته، وقد نسب هذا القول للشهرة التاريخية بين علماء الفريقين.

أدلة القول الثاني:

ويمكن الاستدلال لأصحاب القول الثاني بدليلين:

الأول: الشهرة التاريخية:

ويتركب هذا الدليل من قياس منطقي من الشكل الأول:

كبراه، إنه قد تقرر في محله أن الشهرة التاريخية تعدّ دليلاً لإثبات أي موضوع من الموضوعات وتحققه خارجاً، فإذا قامت الشهرة التاريخية على أمر من الأمور، كان ذلك موجباً للحكم بثبوته من الناحية التاريخية، فإن إثبات وجود شخصية السيدة رقية بنت الإمام الحسين(ع) مثلاً، وتحديد أن مرقدها الطاهر، واقع في دمشق، نجم عن وجود شهرة تاريخية على ذلك، فإنه لولا وجود هذه الشهرة، لم يمكن الجزم بوجودها، فضلاً عن البناء على تحديد موقع وموضع قبرها الشريف، وهكذا الكثير من الموضوعات فإن طريق الالتـزام بثبوتها، هو وجود شهرة تاريخية لها.

وعلى العكس تماماً، فإنه يتحفظ في ثبوت الكثير من الأمور والموضوعات، لا لشيء إلا لأنه لا يوجد لها شهرة تاريخية توجب البناء على ثبوتها، فتدبر.

وأما الصغرى، فإنه يلتـزم بأن وجود شخصية أم كلثوم من الموضوعات المشهورة، والتي تم تداولها في المصادر التاريخية وبكثرة، فبضم هذه الصغرى لتلك الكبرى، سوف يلتـزم عندها بكونها من الشخصيات الموجودة، فلاحظ.

ولا يخفى أن إحراز الشهرة التاريخية لموضوع من الموضوعات رهين توفر موجباته، من قرائن وأدلة تثبت ذلك، ما يجعل الجزم بوصف موضوع بذلك يحتاج تثبتاً وتأملاً كثيراً.

ومن القرائن التي تساعد على إحراز الشهرة للموضوع التاريخي، نص المؤرخين في كتبهم على ذلك، خصوصاً المصادر التاريخية الضاربة في القدم، وتتابع النقل عنها، مع تعدد تلك المصادر، واختلاف مناشئها التي تلقت الموضوع منها.

وقد يلتـزم بتحقق هذه القرينة في مقامنا، وأن وجود شخصية أم كلثوم قضية تاريخية مشهورة، لأن الرجوع للمصادر التاريخية التي تعرضت للحديث عن واقعة الطف، يكشف عن وجودها، إذ لا يخلو مصدر من تلك المصادر التي تحدثت عن الواقعة، إلا وأشارت لبعض المواقف التي صدرت عنها، فلاحظ.

الثاني: النصوص التزويج:

وهي النصوص التي تضمنت أن عمر بن الخطاب قد خطبها من أمير المؤمنين(ع)، بل قد تضمن بعضها تحقق الدخول منه بها، وأنه قد أنجب منها ولداً يسمى زيداً، وهو دليل واضح على وجودها، فإنه لو بني على عدم الوجود، فمن هي تلك المرأة التي قد اقترن بها عمر بن الخطاب، وأنجب منها؟!

مناقشة الدليلين:

ويمكن التأمل في كلا الدليلين، بل منع إمكانية الاستناد إليهما في مقام إثبات المدعى. لأنه يمكن أن يجاب عن الدليل الأول منهما، بأن الكبرى وإن كانت مسلمة، إلا أن الصغرى ممنوعة، لأن القول بعدم وجودها لا يقصر شهرة عن القول بوجودها، وقد عرفت أنه المشهور بين المؤرخين، كما عبر عنه في بعض الكلمات، ولا أقل كونه من الشهرة بمكان، بحيث لا يعدّ قولاً شاذاً أو نادراً.

والظاهر أن المقصود من الشهرة التاريخية التي تجعل دليلاً على إثبات الموضوع، الشهرة التي تكون من الوضوح بمكان، والتي لا تكاد تعارض بكثرة من قبل الآخرين، وإلا لم يمكن الاستناد إليها، وهذا ما لا يتوفر في مقامنا، فتأمل.

كما أن هناك مانعاً آخر يمنع من القبول بالشهرة المدعاة، فإنه متى ما أحرز منشأها، كان ذلك موجباً لعدم القبول بها، والظاهر أن هذه الشهرة المدعاة في المقام، لا يخرج منشأها عن أحد أمرين، فإنه لا يبعد أن تكون متولدة إما من النصوص التي تضمنت زواجها من عمر بن الخطاب، أو مما تضمنته كتب المقاتل عند الحديث عن واقعة الطف، وما جرى بعدها من أحداث السبي في الكوفة والشام.

على أنه لو سلم تمامية هذه النصوص، إلا أنها تضمنت أن من تزوجها عمر قد توفيت قبل شهادة الإمام الحسن(ع)، وهذا يعني عدم حضورها واقعة الطف، فقد روى الشيخ(ره) في الخلاف عن عمار بن ياسر قال: أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر، وفي الجنازة الحسن والحسين وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس وأبو هريرة، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الإمام والمرأة وراءه، وقالوا هذا هو السنة[2].

نعم للمنع من القبول بالخبر المذكور مجال واسع، إذ من المعلوم أن عمار بن ياسر قد استشهد يوم واقعة صفين على يد الفئة الباغية، وهذا يمنع أن يكون حاضراً حين وفاتها بعد شهادة أمير المؤمنين(ع)، لأنه المتصور، إذ من المستبعد أن تتوفى ابنة أمير المؤمنين(ع)، ولا يكون أمير المؤمنين(ع) حاضراً في جنازتها.

وقد يعالج المنع المذكور بأحد محتملين:

أحدهما: أن يبنى على أن وفاة أم كلثوم المذكورة لم يكن بعد شهادة أمير المؤمنين(ع)، وإنما كان بعد وفاة عمر بن الخطاب، وهذا قبل شهادة الإمام(ع)، وليس في الخبر المذكور ما يشير إلى أن وفاتها كانت بعد شهادته(ع)، ومجرد استبعاد أن تموت إحدى بنات أمير المؤمنين(ع)، ولا يحضر جنازتها، يدفعه الظروف الموضوعية المحيطة بموضوع هذه المرأة وتزويجها من الرجل الثاني، كما سيتضح إن شاء الله تعالى، على أنه قد يكتفى عن حضوره(ع) بوجود ولديه الإمامين الهمامين الحسنين(ع) في الجنازة، فتأمل.

ثانيهما: أن يكون المقصود من عمار بن ياسر في الخبر شخصاً آخر، وإلا فإن من المستبعد جداً أن يفوت مثل هذا الأمر على مثل الشيخ(ره)، وهو خريت علم الفن، وأحد مهرة علم الرجال. ويساعد على ذلك، نقل هذا الخبر من قبل غير واحد من الأعلام، كالشيخ الحر(ره)، وغيره[3].

وأما الدليل الثاني، فلا يذهب عليك أنه يتوقف على الالتـزام بثبوت هذه النصوص، وتماميتها على المدعى، بعد الفراغ عن احراز صدورها، وإلا فلا يصلح الاستناد إليها في مقام الاستدلال.

ثم إنه بعد التسليم والقبول بالنصوص المذكورة، فإن من المحتمل جداً أن تحمل أم كلثوم الواردة في هذه النصوص على ربيبة لأمير المؤمنين(ع)، وليست إحدى بناته، فضلاً عن أن تكون بنتاً لسيدتنا الزهراء(ع)، وقد ألتـزم بهذا القول السيد المرعشي النجفي(ره) في موضعين من إحقاق الحق، فقد قال في الموضع الأول منهما: ثم ليعلم أن أم كلثوم التي تزوجها الثاني كانت بنت أسماء وأخت محمد هذا، فهي ربيبة مولانا أمير المؤمنين، ولم تكن بنته، كما هو المشهور بين المؤرخين والمحدثين، وقد حققنا ذلك، وقامت الشواهد التاريخية في ذلك، واشتبه الأمر على الكثير من الفريقين، وإني بعد ما ثبت وتحقق لدي أن الأمر كان كذلك، استوحشت التصريح به في كتاباتي، لزعم التفرد في هذا الشأن، إلى أن وقفت على تأليف في هذه المسألة للعلامة المجاهد السيد ناصر حسين الموسوي الكنوي أبان عن الحق وأسفر وسمى كتابه: إفحام الخصوم في نفي تزويج أم كلثوم[4]. وفي موضع آخر عند تعرضه لترجمة أسماء بنت عميس، قال(قده): تزوجت بعد جعفر أبو بكر، فتولدت له منها عدة أولاد منهم أم كلثوم، وهي التي رباها أمير المؤمنين(ع)، وتزوجها الثاني، فكانت ربيبته(ع)، وبمنـزلة إحدى بناته، وكان(ع) يخاطب محمد بابني، وأم كلثوم هذه ببنتي، فمن ثم سرى الوهم إلى عدة من المحدثين والمؤرخين، فكم لهذه الشبهة من نظير[5].

أدلة المانعين من وجودها:

ويمكن أن يستدل لأصحاب القول الأول، وهم الذين ينفون وجودها، بأمور:

منها: افتقار المصادر التاريخية عن التعرض لذكرها والحديث عنها، فإن الذي يرجع لها لا يجد فيها ذكراً لسنة ولادتها[6]، وحتى ما تضمن منها ذكراً لسنة الولادة، كانت غايته محاولة التقريب لمسألة زواجها من عمر بن الخطاب، وقد كان ذكر ذلك بنحو الاحتمال، وهل أن ذلك كان في السنة السابعة من الهجرة النبوية، أم كان ذلك في السنة الثامنة منها، وليس على نحو الجزم والتحديد، فلاحظ.

كما افتقرت المصادر التاريخية للحديث عن سنة ولادتها، فإنك لا تجد فيها إشارة من قريب أو بعيد إلى سنة وفاتها أيضاً، وتحديد مكان الوفاة، وأن ذلك كان في المدينة المنورة أم لا. نعم تضمنت بعض الروايات أنها قد توفيت قبل شهادة الإمام الحسن الزكي(ع)، وأن الإمامين الهمامين(ع)، قد حضرا جنازتها، وصليا عليها[7]، كما في خبر عمار بن ياسر المتقدم، فلاحظ.

ولا يذهب عليك، أن الالتزام بهذا، يستوجب رفع اليد عن وجودها في واقعة الطف، وحضورها مأساة كربلاء، والأحداث التي تلتها من السفر إلى الكوفة والشام، وقد عرفت أن أحد الأدلة التي استند لها القائلون بالقول الثاني، ما تضمنته كتب المقاتل من وودها في طف كربلاء، فلاحظ.

كما أن المصادر التاريخية لم تذكر شيئاً من طفولتها، وكيف عاشت مع جدها رسول الله(ص)، وقد نقلت مثل ذلك عن أخوتها الإمامين الحسنين(ع)، والسيدة زينب(ع)، بل حتى سيدنا المحسّن السبط، فقد ورد أن الذي أسماه بذلك هو النبي(ص) قبل خروجه من عالم الدنيا، فلاحظ.

كما أنها لم تنقل شيئاً أيضاً عن سيرتها مع أبيها أمير المؤمنين(ع)، وما كان لها من دور في الكوفة خلال فترة خلافة أمير المؤمنين(ع) الظاهرية، كما حكت ذلك عن السيدة زينب(ع).

ولا وجه للاعتذار عن كل هذا بأن وجود السيدة زينب(ع) كان موجباً لاندثار ذكرها، وعدم تسليط الضوء عليها، لما للسيدة زينب(ع) من موقعية توجب تسليط الأضواء عليها[8]، فإنه هذا يمنعه، ما ينقله لنا المؤرخون عن شخصيات أخرى لم يوجب وجود السيدة زينب(ع) اندثار ذكرهم، فلاحظ ما يذكر في التاريخ حول السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(ع)، وكذا ما يحيكه المؤرخون عن السيدة أم البنين(ع)، وغيرهما من النساء.

وقد قصرت المصادر التاريخية ذكر أولادها في خصوص زيد بن عمر، ولم يذكر لها أولاد غيره مع نصها على أنها قد تزوجت بواحد من أبناء عمومتها، ولم ينص المؤرخون على أنها لم تعقب، فلاحظ.

ومنها: وجود الاختلاف بين القائلين بوجودها في تحديد اسمها، إذ بنى بعضهم على أن اسمها زينب، وكنيتها أم كلثوم، كما هو رأي شيخنا المفيد(ره)[9]، وأختار آخرون أن اسمها أم كلثوم، كالمسعودي، وابن أبي الحديد، وأختلف القائلون بتسميتها زينب، فجعلها بعضم زينب الصغرى، وقال آخر بأنها الوسطى، وهكذا.

ومن الطبيعي جداً، أن هذا الاختلاف يكشف عن عدم وجود شهرة أساساً، لأنه لو كانت في البين شهرة لم يقع الاختلاف المذكور، كما أنه يوجب عدم الوثوق والاطمئنان بمثل هكذا نقل، لأنه أقرب ما يكون للقضية الحدسية، إعمالا للاجتهاد في الإثبات، فتأمل.

ومنها: إن ما تمسك به القائلون بوجودها وهو ما ورد في كتب المقاتل، من حضورها وقاعة الطف، فمع أنك قد عرفت التشكيك فيه، كما تقدم، فإن شيئاً منه لا يصلح أن يثبت وجود الشخصية المذكورة، لأن جميع ما حكي عنها، يصح انطباقه على السيدة زينب(ع)، وهذا ما أكده السيد المقرم(ره)، في مقتله[10]، فلاحظ. بل لا ينحصر الأمر في خصوص ما ذكر في واقعة الطف، فإن الظاهر إمكانية انطباق جميع ما ذكر عنها في المصادر التاريخية على عقيلة بني هاشم، إذ لم أظفر[11] بمورد تضمن ذكراً للاثنتين معاً، وإنما الذي يذكر عادة إما ذكر السيدة زينب(ع)، أو ذكر أم كلثوم، ولا مانع من اتحادهما، خصوصاً وأنه قد ورد في بعض المصادر تكنية عقيلة بني هاشم(ع)بأم كلثوم، فلاحظ.

وأما الحديث عن الناحية الثانية، فإنه بعد التسليم بكونها شخصية موجودة، يلزم تحديد أمها، وهل أنها واحدة من بنات السيدة الزهراء(ع)، أو أنها أبنة لأمير المؤمنين(ع)، من امرأة أخرى، أو غير ذلك؟

للمؤرخين في البين أقوال ثلاثة:

الأول: البناء على أن أم كلثوم هي بنت السيدة الزهراء(ع)، فتكون شقيقة للسيدة زينب(ع)، وللإمامين الهمامين الحسنين(ع).

الثاني: الالتـزام بأنها أبنة أمير المؤمنين(ع)، لكن أمها ليست السيدة الزهراء(ع)، نعم اختلف القائلون بهذا، فقيل: أن أمها امرأة من النساء اللاتي تزوج بهن الإمام علي(ع) بعد وفاة السيدة الزهراء(ع)، وقيل أنها بنت لأم ولد كانت تحت الإمام(ع)[12].

الثالث: البناء على عدم كونها ابنة لأمير المؤمنين من الأساس، وإنما هي ربيبته، وهي ابنة أبي بكر، وأخت محمد بن أبي بكر، وأمهما هي أسماء بنت عميس، فكما قام أمير المؤمنين(ع) بتربية محمد، فقد قام بتربية أخته أيضاً، وكان اسمها أم كلثوم[13].

والظاهر أن منشأ القول الأول، هو ما تضمنته كتب المقاتل من ذكر لأم كلثوم، مضافاً إلى النصوص التي تضمنت أن عمر قد تزوج بها، وما تضمنته مصادر القوم من تعليل إقدام الرجل على خطبتها رغبيته في مصاهرة رسول الله(ص)، لما سمعه منه(ص) أن كل نسب ينقطع يوم القيامة، إلا نسبه(ص). وهذا يثبت أنها أبنة السيدة الزهراء(ع)، لأن الاتصال برسول الله(ص) يستوجب أن تكون أمها هي فاطمة(ع).

وقد عرفت عند الحديث عن الناحية الأولى، أن الأمرين المذكورين متعارضان، إذ أن مقتضى الالتـزام بنصوص زيجتها من عمر بن الخطاب، يستلزم القول بأنها قد توفيت قبل شهادة الإمام الحسن(ع)، وهذا يمنع أن تكون مشاركة في واقعة الطف وما تلاها من الأحداث، كما أن البناء على حضورها واقعة كربلاء، والذهاب في السبي مع النساء والأطفال إلى الكوفة والشام، يستوجب التوقف، بل منع وقوع الزواج منها لعمر بن الخطاب.

على أننا لو رفعنا اليد عن وفاتها قبل الذهاب لكربلاء، لما عرفت من موانع في خبر الوفاة، إلا أن ذلك لا يثبت أنها أبنة السيدة الزهراء(ع)، لعدم وجود ما يفيد ذلك، خصوصاً وأن كل ما ذكر عن أم كلثوم، منطبق على عقيلة الطالبيـين، فلاحظ.

والقول الثاني، وإن أمكن أن يستند القائلون به لأحد الوجهين السابقين، لأنه يمكن البناء على أنها ابنة أمير المؤمنين(ع)، التي تزوج منها عمر، ولا مانع من أن تكون قد توفيت قبل واقعة الطف، إلا أن المانع من هذا ما تضمنته نصوص العامة من أن داعي تزوجه بها رغبيته في المصاهرة مع النبي(ص)، كما عرفت. وهذا يمنع من القبول بأن تكون المرأة التي تزوجها ليست ابنة السيدة الزهراء(ع). نعم لو استند القائلون بهذا القول للوجه الثاني، لم يكن في ذلك إشكال، بعد عدم وجود ملازمة بينهما، وأنه لا مانع من أن تكون ابنة لأمير المؤمنين(ع) قد حضرت واقعة الطف، اسمها أم كلثوم.

لكن قد عرفت في ما تقدم، ما يمنع من هذا، إذ أن جميع ما تضمنته كتب السيرة، يمكن انطباقه على السيدة زينب(ع)، وهذا يوجب التوقف في صحة وجود هذه الشخصية، كما عرفت، فلاحظ.

ويبقى عندنا القول الثالث، وهو البناء على أنها ربيبة لأمير المؤمنين(ع)، وليست ابنة له، ولا يهمنا كثيراً إقامة الدليل على هذا القول، خصوصاً أن البعد العقائدي الذي يظهر من الحديث حول وجودها سوف يكون منتفياً، إذ لن يكون بإمكان أبناء العامة الاستناد لحادثة التـزويج، والاستفادة منها فيما يودون قوله، فتدبر.

والحاصل، إنه قد يلتـزم بوجود شخصية تحمل هذا الاسم، وهو أم كلثوم، أو تكون كنيتها أم كلثوم، إلا أنه يصعب البناء على أنها واحدة من بنات السيدة فاطمة الزهراء(ع)، بل أن أقصى ما يمكن القبول به، كونها ابنة أو ربيبة لأمير المؤمنين(ع)، ومع التنـزل والتسليم بكونها أبنة لها، فالمفروض أنها قد توفيت قبل واقعة الطف، ولم تحضرها، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور.

[1] إحقاق الحق ج 10 ص 426، السيدة سكينة للمقرم ص 38، مقتل الحسين(ع) للمقرم في أكثر من موضع، فلاحظ مثلاً ص 310 في أحداث الكوفة، الإرشاد ج 1 ص 354، بحار الأنوار ج 42 باب أحوال أولاده وأزواجه وأمهات أولاده(ع) ص 74.

[2] كتاب الخلاف ج 1 مسألة 541 من كتاب الجنائز ص 722، وسائل الشيعة ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 11.

[3] لاحظ على سبيل المثال مهذب الأحكام ج 4 ص 163.

[4] إحقاق الحق ج 2 ص 376.

[5] إحقاق الحق ج 3 ص 315 في الحاشية رقم 3.

[6] لقد وجدت في بعض الكتب ذكراً لسنة ولادتها، إلا أنه لم ينسب ذلك لواحد من المصادر التاريخية، فلاحظ حياة السيدة فاطمة الزهراء ص 309، د. جعفر شهيدي طبع دار الهادي الطبعة الأولى

[7] قد ألتـزم بوفاتها قبل واقعة الطف السيد الأمين(ره) في كتابه أعيان الشيعة ج 1 ص 327.

[8] ظلامة أم كلثوم ص 7-10.

[9] الإرشاد ج 1 ص 354.

[10] مقتل الحسين(ع) ص 310.

[11] إن ما قمت به من بحث مجرد استقراء ناقص، وليس تاماً، فليلاحظ.

[12] حكي ذلك عن تاريخ مواليد الأئمة ص 16، نور الأبصار ص 103، نهاية الأرب ج 20 ص 222-223، المعارف لابن قتيبة ص 185.

[13] الأنوار العلوية للشيخ النقدي ص 426، إحقاق الحق ج 2 ص 376.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة