شيعة أهل البيت وتهمة الغلو(1)

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
157
0

ورد في الحديث القدسي: لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما.

مدخل:

من الشبه والاتهامات التي يرمى بها شيعة أهل البيت(ع)، مسألة غلوهم في أئمتهم والمعصومة فاطمة الزهراء(ع).

ولا ينحصر الاتهام في خصوص بعض الفرق والطوائف الإسلامية بل تعدى الأمر حتى أصبح شرذمة من الشيعة، يتهمون أتباع أهل البيت(ع)، بالغلو متى ما أبرز عنصر الولاء بصورة جلية وواضحة.

هذا ولكي يتضح عدم ورود هذه الشبهة، وأنها مجرد توهم وعدم فهم ووضوح رؤية حقيقية للانتماء لأهل البيت(ع)، وبراءة شيعتهم عن هذه التهمة، نتعرض لتوضيح ذلك.

كيفية حصول محبة أهل البيت عند الناس:

لا ريب في أنه لابد لكي تحصل محبة أهل البيت(ع) عند فرد من الأفراد من وجود سبيل إلى ذلك، بحيث يقال إن السبيل إلى تحصيل هذه المحبة يكون عن طريق ذلك، كما في معرفة الله سبحانه وتعالى، إذ يذكر أن هناك معرفتين له سبحانه، يعبر عن الأولى بالمعرفة البرهانية، وعن الثانية بالمعرفة الشهودية.

ويراد من المعرفة البرهانية: هي التي تعتمد اعتماداً كلياً على الدليل والبرهان بحيث لا يتسنى للإنسان أن يصل إلى ذلك إلا من خلال ما يثبت لديه من برهان ودليل، وأحد أدلة هذه المعرفة، المعرفة الآفاقية، والمعرفية الأنفسية، إذ يمكن للمكلف أن يصل إلى معرفة الله سبحانه وتعالى من خلال النظر في الآفاق فيكون برهاناً، أو من خلال النظر في النفس فيكون برهاناً، أو من خلال برهان النظم، أو غير ذلك من البراهين التي توصل الإنسان في نهاية المطاف إلى معرفة الله سبحانه وتعالى.

والحاصل، كل هذه السبل تؤدي إلى حصول معرفة المكلف لله تعالى، لكن معرفته للباري سبحانه معرفة مبنية على المعرفة البرهانية.

ويراد من المعرفة الشهودية: هي المعرفة اليقينية، وهي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى أن يرى الله تعالى في كل شيء، فلا يرى أحداً إلا ورأى الله تعالى فيه، ولعله يشير إليه قول أمير المؤمنين(ع): ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده.

وهذا المعنى أيضاً يمكن استفادته من دعاء الإمام الحسين(ع) في يوم عرفة، قال(ع): كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون له من الوجود ما ليس لك. فإن هذا المقطع يشير فيه(ع) إلى أنني لا احتاج إلى ما يدلني عليك، كيف ولو كان دليلي عليك محتاج إليك لكي يكون له وجود، فإذا كان الدال بحاجة إليك، فأنت لست محتاجاً إلى دليل.

وعلى هذا فنحتاج إلى معرفة كيفية حصول محبة أهل البيت(ع) عند الفرد، فنقول: ذُكر أن هناك طريقين يمكن للمكلف من خلالهما أن يحصل على محبة أهل البيت(ع)، وهذان الطريقان، أحدهما موهوبي، والآخر كسبي.

الطريق الموهوبي:

ونعني به الطريق الذي يحصل عليه الإنسان نتيجة هبة إلهية مفاضة عليه من قبله سبحانه وتعالى، لكن هذه الهبة تستند إلى وجود مقدمات لولا وجودها لما حصل الإنسان على هذا الأمر، وتلك المقدمات أمور عدة، نشير إلى بعض منها:

دعاء الآباء والأجداد:

فمنها: أن يكون ذلك بواسطة دعاء الآباء أو الأجداد، كما ذكر ذلك في حق غواص بحار الأنوار، فقد روي عن العلامة التقي المجلسي(ره)، أنه قال بعد الفراغ من التهجد والعبادة في السحر، عرضت لي حالة عرفت أني لا أسأل من الله شيئاً إلا استجاب لي، وإذا بصوت محمد باقر(غواص بحار الأنوار)فقلت من غير مهلة: إلهي بحق محمد وآل محمد، اجعل هذا الطفل مروج دينك، وناشر أحكام سيد رسلك، ووفقه بتوفيقاتك التي لا نهاية لها.

وقد بلغ (قده) مرتبة لو سمي دين الشيعة باسمه(ره) لما كان في ذلك مبالغة.

إلقائه تعالى محبتهم دفعة في القلوب:

ومنها: أن يلقي سبحانه وتعالى حبهم دفعة واحدة في قلوب من شاهدهم في اليقظة، ومن أمثلة ذلك ما ورد من أمر زهير بن القين(ع)، إذ ذكروا أنه كان في مبدأ أمره عثماني الهوى، وأنه تجنب ملاقاة الإمام الحسين(ع) حتى أنه خرج من الكوفة طلباً لذلك، لكنه اجتمع به في الطريق، فأرسل الإمام(ع) يطلب لقائه ويدعوه إليه، وجاءه الرسول وهو جالس مع زوجته، فأبى أن يجيـبه، فأعابت عليه زوجه ذلك، وقالت له أن أمضي للقياه وأنظر ما عنده، فلعل لك في ذلك خير، فمضى للقاء الإمام(ع) وهو كاره، لكنه بمجرد أن رأى أبا عبد الله(ع)، ألقى الله محبته في قلبه، وقد ذكره الإمام(ع) أمراً في غزوة من الغزوات، فإزداد به شغفاً وتعلقاً، فحول رحله إلى رحل الإمام(ع) ونال سعادة الدارين(ع).

رؤيتهم في المنام:

ومنها: أن يلقي الله سبحانه وتعالى محبتهم في قلوب من شاهدهم ولو كان ذلك في عالم الرؤيا، لا في عالم اليقظة، فيتعلق قلب الرائي بهم، مع أنه لم يلقه وإنما رآهم في منامه ويشغف بهم حباً.

الطريق الكسبي:

ونعني به أن يعمد الإنسان إلى الطرق البرهانية، والأدلة التي تجعله يتعلق بهؤلاء، ويرتبط بهم ويحبهم، فيعمد مثلاً إلى دراسة سيرتهم، وما هم عليه من أخلاق حميدة، أو يلحظ البعد المعنوي عندهم، ومدى علاقتهم بالله سبحانه وتعالى، وما لهم من مكانة سامية لديه تعالى، أو يرى غير ذلك من الأمور التي تبعث على المحبة، كنـتيجة حتمية.

وعلى أي حال، فإن هنا أيضاً جملة من الطرق يمكن للإنسان من خلالها أن يحصل هذا الطريق، وهي:

التأمل في مكارم أخلاقهم:

فإن المتابع لسيرتهم العطرة، وما تنطوي عليه من قيم ومبادئ وأخلاق حميدة، لا ريب أنه ينساب إليهم ويرتبط بهم ارتباطاً وثيقاً، ضرورة أن هذه الصفات لا تكون إلا في الأنبياء والرسل، وأولياء الله الصالحين، فمن يرى التقوى، والعلم والحلم، والكرم، والزهد والعبادة والشجاعة، والرأفة والرحمة، وغير ذلك من مكارم الأخلاق لا ريب في أنه ينساب إليهم انسياباً، وخير شاهد على ذلك ما نراه خارجاً من قضايا، فقد روي أن شامياً دخل المدينة المنورة، وكان شديد البغض لعلي(ع) فلاقى الإمام الحسن الزكي(ع)، فصار يسبه ويشتمه ويسب علياً ويشتمه، والإمام السبط(ع) ملتـزم الصمت، فلما فرغ من سبابه وشتمه، أجابه(ع) بأنه إن كان غريـباً آواه، وإن كان فقيراً أغناه، وإن كان محتاجاً قضى حاجته، إلى آخر ما يذكر في القصة، فما كان من الشامي إلا أن قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته، دخلت المدينة وليس فيها أحد أبغض إلى قلبي منك ومن أبيك، وها أنا أخرج منها وليس فيها أحد أحب إليّ منك ومن أبيك.

وكذا قضية العمري مع الإمام الكاظم(ع)، فإنه كان يدخل المسجد والإمام(ع) بين أصحابه، فينال من الإمام، فلما هم أصحابه أن يـبطشوا به، نهاهم(ع)، وسار إلى مزرعته، فوطئ زرعه بدابته، فاستشاط العمري غضباً، فقال له(ع) كم غرمت عليه، وكم تؤمل منه، وبعد حديث بينهما، أرضاه(ع) بما يطيب به قلبه، فدخل المسجد والإمام(ع) بين أصحابه وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

مشاهدة الكرامات منهم:

لما أعطوه من القدرات من الباري سبحانه وتعالى، فهم السبيل إلى الله، بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم ينـزل الغيث، وبهم تحبس السماء خيرها وبركاتها، كما أن بهم تنـزل بركاتها وعطائها لأهل الأرض.

فمتى ما أطلع الفرد على ما يجري على أيديهم بإذن الله تعالى من كرامات، وأمور خارقة للعادة، فإنه يذعن بأن هؤلاء مؤيدين من الله، وأنهم أوليائه، وخلفائه في أرضه، فتحصل محبتهم في قلبه.

أتباع أوامرهم، واجتناب نواهيهم:

والعمل بما صدر عنهم من أوامر، والاجتناب عن كل ما نهوا عنه، والتأسي بهم وبسنـتهم، والتشبه بهم في كل أمر، في حركاتهم وسكناتهم، ومن الواضح أن هذا لا يكون إلا نتيجة حتمية للمحبة، لأنه لو لم يكن الإنسان محباً لشيء أو لشخص، فإنه لا ينقاد إليه هذا الانقياد، وبهذه الصورة، بحيث يكون متبعاً، بل مقلداً له في كل شيء، وفي كل أمر.

حال الناس في محبة أهل البيت:

بعدما تعرفنا سبل ووسائل تحصيل محبة أهل البيت(ع)، فلنحظ حال الناس بالنسبة إلى هذا الأمر، فكيف هم في محبة أهل البيت(ع)، هل هم سواء في المقبولية والمحبة، أم لا؟…

في الحقيقية عندما نلحظ الناس في محبتهم إلى أهل البيت(ع)، نجد أنهم بين إفراط وتفريط،

فأما أصحاب القول بالإفراط، فهؤلاء الذين عمدوا إلى تأليههم، فقالوا بألوهيتهم، أو زعموا أنهم شركاء الله تعالى في العبودية، أو في الخلق والرزق استقلالاً، أو أن الله تعالى حلّ فيهم واتحد بهم، وأنهم يعلمون الغيب من دون إعلام من الله تعالى، أو قالوا بأنهم أنبياء.

وأما جماعة التفريط، فأنكروا الكثير من فضائلهم(ع)، بل جعلوهم مسلوبين من كل كرامة وفضيلة، حتى ما عاد لهم من شيء يميزهم عن غيرهم من البشر، لا في علم أو خلق أو في عبادة.

بل قالوا، أنهم لا يعرفون شيئاً من الأحكام، وأنهم يعملون بالظنون والرأي، وجعل بعضهم أن من الغلو الالتـزام بنفي السهو عنهم(ع)، كما أن من الغلو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون، إلى غير ذلك من الآراء.

الطريقة الحقة:

وما بين هذين الطريقين، والقولين، يوجد المذهب الحق الذي دعا له أئمتنا(ع)، ووجهوا شيعتهم إليه، ألا وهو الطريقة الوسطى، وهو ما التـزم به علمائنا الأبرار في كل عصر وزمان، من أن الله تعالى هو الخالق الرازق، وأنه واحد لا شريك له ولا شبيه، وأن الرسول هو محمد المصطفى(ص)، والأئمة(ع) عبيد مخلوقون، مربوبون مكلفون بلوازم العبودية، لا يحتمل فيهم النبوة، وما جرى على أيديهم من أمور وأسباب إنما هي بإذن الله تعالى، وليسوا مستقلين في شيء منها أصلاً[1].

وهذا يعني براءة الشيعة والتشيع من تهمة الغلو الموجهة إليهم من قبل الآخرين، ضرورة أنهم قد اختاروا الطريقة الوسطى، وقد أتضح من خلال ما تقدم الفرق بينها وبين القسمين الآخرين كما سبق وأشرنا.

——————————————————————————–

[1] القطرة من بحار مناقب النبي والعترة ص 24-46.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة