الدخول بالصغيرة (1)

لا تعليق
خواطر حوزوية
219
0

[size=6][/size]

[font=arial]المشهور بين الأصحاب على ما قيل، أن الزوج لو دخل بزوجته الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين، فأفضاها، حرم عليه وطئها مؤبداً، لكنها لا تخرج من حبائله.

وقد خالف في هذه المسألة بعض الأصحاب(رض)، فحكموا بعدم الحرمة الأبدية عليه ولو بعد الإفضاء.[/font]

هذا ولما كانت المسألة من المسائل الأصلية المعنونة في كلمات الأصحاب، فينبغي أولاً نقل بعض الكلمات، ثم النظر فيما هو مقتضى الأدلة، فنقول:

قال الصدوق في كتابه المقنع: ولا تـتزوج امرأة حتى تبلغ تسع سنين، فإن تزوجتها قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فأنت ضامن[1].

أقول: أشار(ره) إلى ثبوت الضمان على الداخل بالصغيرة قبل إكمالها تسع سنين، لكنه لم يتعرض إلى ثبوت الحرمة الأبدية بينهما، أو انقضاء علقة الزوجية بينهما وبقائها، كما لم يتعرض لثبوت النفقة لها عليه حتى الموت من دون ذلك.

وظاهر عبارته(ره) على هذا عدم ثبوت الحرمة الأبدية بينهما، فيكون قوله خلاف ما هو المنسوب للمشهور، فلاحظ.

قال ابن الجنيد على ما حكاه عنه في المختلف: فإن أولج عليها فأفضاها قبل تسع سنين فعليه ألا يطلقها حتى تموت، وينفق عليها، ويقوم بأمرها، فإن أحب طلاقها اُغرم ديتها ولزمه مع ذلك مهرها[2].

أقول: المستفاد من عبارته(قده) أمور:

الأول: أنه متى أفضاها، ألزم عدم تطليقها، وإن شاء فعل ذلك، غرم حينئذٍ ديتها.

الثاني: أن عليه أن يقوم بعملية الإنفاق عليها، والقيام بأمرها حتى تموت.

الثالث: أنه متى تحقق الإفضاء منه، فهو مطالب بدفع المهر إليها.

هذا ولم يتعرض(ره) إلى ثبوت الحرمة الأبدية، وعدمها، حيث أن عبارته خالية من ذلك.

وجاء في المقنعة لشيخنا المفيد(ره) قوله: والرجل إذا جامع الصبية، ولها دون تسع سنين فأفضاها، كان عليه دية نفسها، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما[3].

أقول: تضمنت عبارته(قده) الإشارة إلى أمرين:

أولهما: ثبوت الدية على الزوج المفضي للصغيرة دون تسع سنين.

ثانيهما: أنه يجب عليه أن ينفق عليها لحين الوفاة.

نعم لم تشتمل عبارته الإشارة إلى الحرمة الأبدية، كما أن ثبوت النفقة عليه لها لعله يشعر ببقاء علقة الزوجية بينهما، وعدم انتفائها.

وجاء في كتاب النكاح من كتاب النهاية: وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين، فوطئها فرق بينهما ولم تحل أبداً[4].

وفي نفس الكتاب في باب النكاح، قال أيضاً: ولا يجوز للرجل أن يدخل بامرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين، فإن دخل بها قبل أن يأتي لها تسع سنين، فعابت، كان ضامناً لعيبها، ويفرق بينهما ولا تحل له أبداً[5].

أقول: المستفاد من عبارته(قده) بيان أمرين، وهما:

الأول: ثبوت التفريق بينهما بمجرد تحقق الإفضاء.

الثاني: ثبوت الحرمة الأبدية، بحيث لا يحل له نكاحها.

ولا يخفى خلو عبارته(قده) من الإشارة إلى ثبوت النفقة عليه لها، كما تضمنت ذلك عبارة المفيد(قده) في المقنعة، كما أنه لم يتعرض لثبوت الدية عليه لقيامه بذلك العمل.

مضافاً إلى أن عبارته مطلقة من حيث اعتبار الإفضاء وعدمه، فلم يجعل مناط الحرمة فيها عبارة عن الإفضاء، بل المعتبر هو تحقق الوطئ.

اللهم إلا أن يقال: بأن لازم الوطئ تحقق الإفضاء فيه، فلا معنى لما ورد في كلام العلامة(ره) في المختلف[6] من كون عبارته(قده) مطلقة، وإن كان استظهر أنه مراده، فلاحظ وتأمل.

نعم جاء في الكتاب نفسه في كتاب الديات في ضمان النفوس: ومتى وطئ امرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها، كان عليه ديتها، وألزم النفقة عليها، إلا أن يموت، لأنها لا تصلح للرجال[7].

وقد تضمنت هذه العبارة الإشارة إلى ثبوت الدية عليه، كما ورد ذلك في عبارة المقنعة، كما أنها تضمنت ثبوت النفقة عليها إلى حين موته. نعم لم تتعرض العبارة إلى ثبوت الحرمة الأبدية بينهما كما لا يخفى بخلاف العبارة المتقدمة.

وقال في الخلاف: مسألة 41: من وطأ امرأة فأفضاها-ومعنى ذلك: أنه صيّر مجرى البول ومدخل الذكر واحداً-فإن كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حية، وعليه مهرها وديتها كاملة، وإن كان بعد تسع سنين لم يكن عليه شيء غير المهر.

هذا إذا كان في عقد صحيح، أو عقد شبهة، فأما إذا كان مكرهاً لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال، ولا مهر لها، وسواء كان البول مستمسكاً أو مسترسلاً.

وقال الشافعي: عليه مهرها وديتها ولم يفصل بين قبل تسع سنين وبعده.

وقال أبو حنيفة: إن أفضى زوجته فلا يجب عليه بالإفضاء شيء، وإن كانت أجنبية نظرت فإن كان الوطء في نكاح فاسد، فإن كان البول مسترسلاً فلها مهر مثلها، ولها كمال الدية، وإن كان مستمسكاً فلها المهر وثلث الدية، كالجائفة. وإن استكره امرأة على هذا فلا مهر لها، والدية على ما فصلناه.

وقال مالك: عليه حكومة.

والكلام في المسألة في كتاب الديات، وهاهنا ما يختص بالزوجية.

دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وطريقة الاحتياط لبراءة الذمة تقتضيه[8].

أقول: لم يشر(ره) إلى ثبوت الحرمة الأبدية بين الزوجين بتحقق الإفضاء، بل مقتضى ما ذكره(قده) من ثبوت نفقتها عليه ما دامت حية بقاء علقة الوجية، وهذا قد يوجب القول بثبوت الحلية، وعدم ثبوت الحرمة.

هذا وقد جعل دليل المسألة أمران، وهما الإجماع، والاحتياط. والمقرر في الأصول عدم حجية إجماعات الشيخ(ره) وبالأخص في كتابه الخلاف لكونها من الإجماعات على القاعدة، أو لكونها من الإجماعات الإسكاتية للخصم.

نعم فصل شيخنا الأستاذ(دامت بركاته) في إجماعات الخلاف بحسب التعبير الوارد، فلو كان التعبير الوارد إجماع أهل العصر، أو إجماع الطائفة إلا من انقرض مثلاً، فإنه لا يمكن الاستناد إليه، بخلاف ما لو ان مثل التعبير الوارد في المقام: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك. فإنه يشير إلى اتفاق الكل على هذه المسألة، وبالتالي يحرز الاتفاق والإجماع من الأصحاب في المسألة، فما لم يكن هناك مانع آخر أمكن الاعتماد عليه.

لكن الإنصاف أنه لا يمكن القبول حتى بهذا التفصيل، لأن قوله(ره) لا يختلفون، لا يوجب الجزم باجماع كافة أفراد الطبقة الأولى من العلماء على هذه المسألة، على أن المتأمل في منهج شيخ الطائفة، وبالخصوص في كتابه الخلاف يطمأن بل ربما يجزم بأن الاجماعات كلها أخذت بنحو المسايرة والإسكات للخصم، فلا معنى لهذا التفصيل، فلاحظ.

وقال الشيخ في المبسوط: إذا وطئ زوجته فأفضاها-والإفضاء أن يجعل مدخل الذكر ومخرج البول واحداً-فمتى فعل هذا فعليه الدية عندنا، سواء كان البول مسترسلاً أو مستمسكاً[9].

أقول: العبارة المذكورة أعم من المدعى، لأنها لا تختص بخصوص الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين كما لا يخفى، كما أنها لم تشر إلى ثبوت حرمة أبدية بين الزوجين، ولا لثبوت نفقة بينهما حتى الموت، وإنما تعرضت لخصوص ثبوت الدية.

وقال ابن حمزة عند تعداده للمحرمات: والتي أفضاها بالوطئ وهي في حباله ولها دون تسع سنين، وتبين منه بغير طلاق[10].

أقول: نص(ره) على انقضاء العلقة الزوجية بينهما بغير طلاق، بمعنى أنها تبين منه من دون حاجة إلى طلاق بينهما.

وقال ابن إدريس: وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين، فوطأها، فرق بينهما، ولم تحل له أبداً.

معنى قوله(ره):فرق بينهما، المراد بذلك في الوطء، دون بينونة العقد وانفساخه، لأن الإجماع منعقد منه(ره) ومن أصحابنا بأجمعهم، أن من دخل بامرأة ووطأها ولها دون تسع سنين، وأراد طلاقها، طلقها على كل حال، ولا عدة عليها منه بعد الطلاق، على الأظهر من أقوال أصحابنا، فإذا كانت قد بانت بوطئه لها قبل بلوغها التسع، فلا حاجة إلى طلاقها، ولا يتقدر ذلك بحال[11].

أقول: لم يتعرض(ره) إلا لبيان انتفاء العلاقة الزوجية بينهما، وعدمه، دونما إشارة منه إلى المسألة محل البحث من ثبوت الحرمة الأبدية، وثبوت النفقة، والدية. اللهم إلا أن يقال: بأن مقتضى عدم تعقيبه عبارة الشيخ(ره) التي نقلها، يشعر بكونه موافقاً له فيما جاء فيها، فلاحظ.

وقال ابن سعيد في الجامع عند تعداده المحرمات في النكاح: والتي دخل بها الزوج لدون تسع سنين فأفضاها حرم عليه وطأها أبداً، وعليه مهرها وديتها ونفقتها حياتها، وإن شاء طلق أو أمسك[12].

أقول: أشار إلى ثبوت الحرمة الأبدية عليه بالنسبة إليها، كما أنه ملزم بدفع الدية، وعليه أن ينفق عليها حياتها، ومقتضى ما أشار له(ره) في ذيل كلامه من تخيـيره بين التطليق والإمساك، يفيد ثبوت الزوجية بينهما، وعدم بينونتها منه، وواضح أن هذا خلاف ما تقدم في بعض الكلمات فلاحظ.

وقال المحقق الحلي في الشرائع: إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها، حرم عليه وطؤها ولم تخرج من حباله، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح[13].

أقول: أشار(قده) إلى أمرين في مقالته:

الأول: ثبوت الحرمة الأبدية بينهما، فلا يحل له الاستمتاع بها.

الثاني: أنها لا تبين منه، بل تبقى في حبائله.

وقد خلت عبارته كما هو واضح عن أمرين أشير لهما في كلمات الأصحاب، وهما النفقة حتى تموت، والدية.

قال في المسالك: نبه بالأصح على خلاف الشيخ في النهاية، حيث أطلق تحريمها بالدخول بها قبل بلوغ التسع من غير تقيـيد بالإفضاء، استناداً إلى إطلاق الروايات بالتحريم كذلك. ولم نقف على خبر واحد يدل على اشتراط التحريم بالإفضاء، ولكن الأصحاب قيدوه بذلك.

والعجب مع ذلك من العلامة، فإنه-مع نقله الأخبار الدالة على ما ذكرناه في المختلف-قال: فإن إطلاق الشيخ مشكل، قال: والظاهر أن مراده ذلك. يعني مع الإفضاء.

وهذا الظاهر ليس بظاهر، لأن الشيخ في النهاية تابع للروايات، وهي دالة بإطلاقها على التحريم من غير تقيـيد، وهي مع ذلك ضعيفة مرسلة، وليس في الباب خبر معتبر الأسناد.

ثم تعرض لنقل ما هو الأصل في المسألة، وقال بعد ذلك: والمراد بالتفريق بينهما تحريمها عليه مؤبداً، لكنها لا تخرج عن الزوجية بذلك على ما اختاره المصنف وجماعة، تمسكاً بالاستصحاب، وعدم منافاة التحريم لذلك، ولرواية بريد العجلي….الخ…وهذا صريح في بقاء النكاح.

وقيل: تبين منه بذلك، لأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح، إذ ثمرته حل الاستمتاع، ولأنه يمنع النكاح سابقاً فيقطعه لاحقاً، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصماء والخرساء. وهذا هو الظاهر من الرواية الأولى، والطريق فيهما مظلم فينبغي التوقف[14].

أقول: تضمنت عبارته عدة أمور:

الأول: بيان أن المسألة خلافية بين الأصحاب، ذلك لأن المستفاد من عبارة الشيخ
(ره) في النهاية الإشارة إلى ثبوت الحرمة بمجرد تحقق الدخول، سواء حصل الإفضاء أم لم يحصل، وهذا يستفاد من عبارة الشيخ المطلقة.

وحمل العلامة(ره) عبارة الشيخ على ما إذا حصل الإفضاء مرفوض، لعدم ظهور هذا المعنى من العبارة. خصوصاً وأن الشيخ(ره) عمل بمقتضى النصوص، إذ أنها مطلقة من هذه الناحية، غير مقيدة بقيد الإفضاء.

الثاني: إن التقيـيد بالإفضاء وارد في كلمات الأصحاب، وليس في أدلة المسألة ما يشير إلى ذلك.

الثالث: إن أدلة المسألة كلها، روايات ضعاف الأسناد لا يمكن الاعتماد على شيء منها.

الرابع: هناك خلاف بين الأصحاب في التفريق بينهما، إذ بنى بعضهم على أن المراد من الحرمة المؤبدة بمعنى حرمة الاستمتاع بها، مع بقاء علقة الزوجية وعدم انقطاعها، بينما قال آخرون بأنها تبين منه، وتنتهي العلقة الزوجية بينهما.

وقال في الجواهر: لا يحل وطء الزوجة حتى تبلغ تسع سنين إجماعاً بقسميه ونصوصاً، بل في الموثق…الخ…، لكنه شاذ يمكن حمله على الدخول في العشر أو على الكراهة أو غير ذلك، نحو قوله(ع) في الخبر: لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين، المحمولتين على الترديد من الراوي، أو استحباب التأخر إلى العشر، أو اختلاف النساء في تحمل الوطء.

ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمستمتع بها إجماعاً أيضاً بقسميه، مضافاً إلى إطلاق النصوص، بل صرح غير واحد بإلحاق المملوكة بذلك، بل في التنقيح ومحكي نهاية المرام والكفاية وظاهر المجمع الإجماع عليه، وهو الحجة بعد إطلاق الخبرين، واشتراك علة المنع، وعدم تحمل الصغيرة الوطء، وإفضائه إلى الإفضاء، وقبح وطء ذات الثلاث والأربع، فيستصحب المنع إلى التسع، ولا ينافي ذلك اقتصار جملة من العبارات على الزوجة، لأن التخصيص بالذكر لا يقتضي تخصيص الحكم، ولأنها مسوقة لبيان التحريم المؤبد، والخروج عن حبال الزوجية، وعدمه والثاني مختص بالزوجة، وكذا الأول على أظهر القولين، كما ستعرف.

ثم تعرض لنقل بعض النصوص التي يظهر منها خلاف ما أفاده(ره)، وقام بعلاجها، وسيأتي هذا عند استعراض الأدلة على المسألة، إن شاء الله فأنتظر. وقال(ره) بعد ذلك: وكيف كان فالظاهر أن الدبر كالقبل في الحرمة، لاشتراكهما غالباً في الأحكام، ولإطلاق المنع من الدخول المتناول لهما نصاً وفتوى، كإطلاق معقد الإجماع المحكي على تحريمه، نعم لا بأس بالاستمتاع بغير الوطء للأصل السالم عن المعارض.

ومشتبهة السن كالمعلوم صغرها في الحرمة، للأصل وتعليق الحل في النص على بلوغ التسع، فالشك فيه شك في المعلق، كما هو واضح.

ثم أشار إلى بقائها على الزوجية، وأن هذا هو مقتضى الإجماع، المحكي عن الإيضاح والتنقيح، وكنـز الفوائد، وغاية المرام، ويظهر من المسالك أيضاً، ويحكى عن شف الرموز والمقتصر والمهذب البارع، بل هو صريح السرائر.

نعم حكى خلاف في المسألة عن ابن سعيد في كتابه النـزهة، وإن صرح في الجامع بوفاق من ذكرناهم، وكذا يحكى ذلك عن الفاضل الهندي.

وقد يلوح ذلك من المفيد وابن الجنيد والصدوق، لكن لم يسند أحد من الأصحاب القول بذلك إليهم.

ثم قال: وأما إطلاق ابن البراج في المحكي من جواهره جواز وطء المفضاة إذا تحقق اندمال جرحها، فهو محمول على الزوجة الكبيرة، فإن الصغيرة لا يتصور فيها ذلك إلا بفرض الإفضاء قبل البلوغ والاندمال بعده، وهو فرض بعيد لا ينصرف إليه الإطلاق.

إلا أن الإنصاف مع ذلك كله عدم خلوه عن القوة، للعمومات وخلو جميع النصوص المعتبرة مع التصريح في بعضها بالبقاء على الزوجية، كخبر بريد العجلي…الخ…وصحيح حمران عن أبي عبد الله…الخ…وغيرهما من النصوص التي لا ينبغي ترك بيان الحرمة المؤبدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من الأحكام، بل لعل قوله(ع): أمسكها، في الخبرين ظاهر في ذلك أيضاً.

مضافاً إلى ما في تعطيل هذا الفرج وعدم استنمائه(استمتاعه)المنافي لغرض الشارع، بل لقوله تعالى:- (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)وخصوصاً إذا اندمل جرحها وعادت على ما كانت الذي احتمل السيوري فيه الجواز، بل في كشف اللثام عن بعضهم التصريح به، إلا أنه جزم بالعدم معللاً له بالاستصحاب، وظاهر فتوى الأصحاب، إلا أنهما كما ترى بعد الإحاطة بما عرفت.

نعم لم أقف إلا على مرسل يعقوب بن يزيد عن أبي عبد الله(ع)…الخ…وهو خبر واحد ضعيف مرسل، بل ظاهره يقتضي التحريم المؤبد بالدخول مطلقاً قبلاً أو دبراً، أفضى أو لم يفض، عالماً كان بالصغر أو جاهلاً، وحصول البينونة بمجرد ذلك، وهو خلاف فتوى المعظم، بل الكل في المسألتين، وخلاف النص المعتبر الدال على بقاء الزوجية مع الإفضاء فكيف بدونه، فالمتجه طرحه، ودعوى التمسك به فيما لا تنافيه الأدلة بعد جبر سنده بالشهرة ممكنة موافقة لصناعة الفقه، إلا أنها لا تورث الفقيه ظناً[15].

أقول: نقلنا كلامه(ره) بطوله لكونه مشتملاً على عدة أمور مربوطة بالبحث، ولا بأس بالإشارة إلى شيء مما ورد فيه:

الأول: يشترط بلوغ الزوجة تسع سنين حتى يحل وطئها، وهذا الحكم إجماعي، كما تدل عليه النصوص أيضاً، وما يظهر منه خلاف ذلك مردود.

الثاني: أن الحكم السابق لا يفرق فيه بين الزوجة الدائمة والمستمتع بها، بل يشمل المملوكة أيضاً، ويدل عليه الإجماع، مضافاً إلى إطلاق بعض النصوص، وجملة من التعليلات، كعدم تحمل الصغيرة للوطء مثلاً.

إن قلت: لقد خص جملة من النصوص الزوجة بالذكر، فيكون هذا بمثابة القرينة المانعة من انعقاد الإطلاق.

قلت: إن ذكر جملة من النصوص الزوجة، بلحاظ مجموعة من الأحكام الأخرى غير الاستمتاع، كبقاء الزوجية، أو انتفائها مثلاً، فيكون التخصيص لعلة دعت إلى ذلك، فلاحظ.

الثالث: إ الحكم بحرمة الوطء، لا يفرق فيه بين الوطء في القبل، والوطء في الدبر.

الرابع: المشتبه في بلوغها تسع سنين لكي يجوز وطئها، وعدم إكمالها إياها، تعامل معاملة من لم تكمل تسع سنين، فلا يجوز وطئها.

الخامس: إن الصغير المفضاة بالوطء تبقى على الزوجية، ولا تخرج من حبال زوجها بوطئه إياها.

السادس: لا يخلو قول ابن البراج بجواز وطئها بعد اندمال جرحها عن قوة.

وقال المحقق في المختصر النافع: السابعة: إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعاً فأفضاها، حرم عليه مؤبداً وطؤها، ولم تخرج من حباله.

قال السيد في الرياض في تحديد مفهوم الإفضاء بعدما بيان الإفضاء يتحقق بالوطء: بأن صير مسلك الحيض والبول واحداً-كما هو الغالب المشهور في تفسيره- فإنه الإيصال، وقيل: أو مسلك الحيض والغائط، والأول في المطلق يقتضي المصير إلى الأول، بناءاً على كونه الغالب، ولعل إلحاق الأخير به من باب فحوى الخطاب، وعموم تعليل بعض الأحكام المترتبة عليه من التعطيل للأزواج له، ولا قائل بالفرق، فتأمل جداً.

ثم أشار إلى حرمة الاستمتاع بها مؤبداً/ فقال: بل مطلق الاستمتاع في قولٍ أحوط في المشهور بين الأصحاب، بل قيل: بلا خلاف، وعن صريح الإيضاح وظاهر غيره الإجماع عليه.

للمرسل المتقدم، المعتضد ضعفه هنا بالشهرة، ولا يقدح فيه عدم ذكر الإفضاء فيه بعد عمومه له، بل وظهوره فيه، للغلبة..فالقول بالحل كما عن النـزهة، محل مناقشة.

وتعرض بعد لذلك لبقائها على زوجيته، وعدم خروجها من حباله، فقال: بل زوجته على الأظهر، وفاقاً لجماعة، كما في الشرائع والروضة والسرائر والجامع، للأصل، وظاهر الخبرين…الخ….وقيل بالخروج، لظاهر المرسل المتقدم، ويحتمل التفريق فيه: الكناية عن الطلاق والإرشاد إليه، خوفاً من الوقوع في المحرم، فلا يعارض شيئاً مما قدمناه.

وعلى المختار تحرم الأخت والخامسة مع عدم الطلاق، أو الخروج عن العدة إن قلنا بها.

وعليه الإنفاق عليها في الجملة جماعاً، للصحيح….ولإطلاقه يتجه إطلاق القول بوجوبه حتى مع الطلاق ولو بائناً، بل ولو تزوجت بغيره في وجه، وفي آخر: العدم، اقتصاراً فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر من المستند.

ولكن الاستصحاب يؤيد الأول، فهو الأحوط لو لم يكن أولى، وأولى منه بالوجوب لو طلقها الثاني بائناً أو رجعياً وتمّ عدتها، وكذا لو تعذر إنفاقه عليها لغيبة أو فقر.

قيل: ولا فرق في الحكم بين الدائم والمتمتع بها.

وفيه-لو لم يكن إجماع-نظر، لمخالفته الأصل، فيقتصر على المتبادر من النص الدال عليه…وعموم التعليل بالإفساد والتعطيل عن الأزواج في الصحيح مختص بمعلوله، وهو وجوب الدية، ولا كلام فيه.

ومنه ينقدح قوة القول باختصاص الحكم بالزوجة دون الأجنبية، بل هو أقوى، لعدم شمول النص لها بالمرة، ولا أولوية إلا على تقدير كون الأحكام للعقوبة، وهي ممنوعة…وعلى تقديرها فلعله لا ينفع الأجنبي، لزيادة إثمه وفحش فعله، كذا قيل، فتأمل.

والتحقيق أن يقال: إن العمدة في ثبوت الأحكام المخالفة للأصل هو الإجماع، لضعف الرواية، وهو فيما نحن فيه مفقود، للاختلاف.

والأولوية لعلها لا تجري فيما مستند أصله الإجماع، فتأمل. مضافاً إلى اختصاصها بالزناء، فلا يعم الشبهة.

ولا ريب أن التعميم أحوط وأولى في التحريم، بل والإنفاق، وإن قيل بعدم لزومه ولو مع القول بسابقه، كما عن الخلاف والسرائر في الزناء.

وفي الأمة: الوجهان، وأولى بالتحريم، ويقوى الإشكال في الإنفاق لو أعتقها.

إلى أن قال: وفي تعدي الحكم في الإفضاء بغير الوطء وجهان، أجودهما: العدم، اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن، وإن وجبت الدية في الجميع، والله أعلم[16].

أقول: كلامه(ره) بطوله قد أشتمل على عدة أمور مهمة، نشير لبعض منها:

الأول: بيان معنى الإفضاء من خلال ذكر احتمالين فيه، والإشارة إلى أن مقتضى الإطلاق يستدعي الالتزام بأولهما، خصوصاً وأنه الغالب.

الثاني: لا تنحصر الحرمة في خصوص الوطء، بل يحرم عليه مؤبداً مطلق الاستمتاع بها، وهو القول الموافق للمشهور، وهو الأحوط.

الثالث: إنه مع ثبوت الحرمة فيما بينهما، إلا أنها لا تخرج عن زوجيته، فيجب عليه أن يقوم بالنفقة عليها. نعم هناك قول بخروجها عنها.

ولا يخفى أنه بناءاً على بقاء علقة الزوجية بينهما، سوف تـترتب جميع آثار الزوجية، فلا يجوز له الزواج من أختها، لكونه من الجمع بين الأختين، كما لا يجوز له الزواج بخامسة، لأنه تعدّ رابعة زوجاته. كل هذا ما دامت باقية على زوجيته، بحيث لم يطلقها، وإلا انتفى الأمر كما هو واضح.

الرابع: مقتضى إطلاق القول بوجوب النفقة عليها من قبله، يشمل حتى ما بعد الطلاق، سواء كان طلاقاً رجعياً أم كان طلاقاً بائناً، بل يشمل ما لو تزوجت بغيره أيضاً في وجه، وهناك وجه بعدم الشمول.

الخامس: التأمل في شمول الحكم للمتمتع بها، والاقتصار على الزوجة الدائم. ومنه يتضح خص الحكم المذكور بالزوجة، فلا يشمل إفضاء الأجنبية. نعم لا ريب في كون الالتـزام بالتعميم في الموردين-المتمتع بها، والأجنبية-أحوط.

وقال العلامة في القواعد: لا يحل وطء الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعاً، فإن فعل لم تحرم على الأصح إلا مع الإفضاء، وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحداً، أو مسلك الحيض والغائط على رأي، فتحرم مؤبداً. قيل: ولا تخرج من حباله، وفيه نظر.

ويجب عليه الإنفاق عليها، إلا أن يموت أحدهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على إشكال.

وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم، وفي النفقة إشكال.

وهل يشترط في التحريم المؤبد في طرف الأجنبي نقص السن عن تسع؟ فيه نظر ينشأ: من كون التحريم المؤبد مستنداً إلى تحريم الوطء في طرف الزوج، وهو هنا ثابت في التسع، والإشكال في الأجنبي قبل التسع أضعف. والأقرب عدم تحريم الأمة، والمفضاة بالأصبع[17].

قال فخر المحققين في الإيضاح: أقول: هنا مسألتان:

أ-لو وطئ زوجته قبل بلوغها تسعاً، قيل تحرم مطلقاً سواء أفضاها أو لا، وهو قول الشيخ في النهاية، وقال ابن حمزة إن أفضاها حرمت عليه أبداً، احتج الشيخ بما رواه يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا، عن الصادق(ع)…الخ…والجواب أنها مرسلة، والحق أن التحريم منوط بالإفضاء، قال والدي في المختلف الظاهر أن مراد الشيخ في النهاية ذلك.

ب-أنه إذا أفضاها حرمت عليه أبداً إجماعاً.

وعرف الإفضاء فقال: الإفضاء صيرورة مسلك البول والحيض وهو مدخل الذكر واحداً، وهذا هو الصحيح، وقال بعضهم مسلك الحيض والغائط واحداً، وهو بعيد، لبعد ما بين المسلكين، وهذه المسألة ليست من هذا العلم، بل إما من علم التشريح إن نظر إلى المعنى، وإما من علم اللغة إن نظر إلى وضع اللغوي، فالفقيه يتسلمه تسليماً ثم يرتب عليه الحكم[18].

قال في جامع المقاصد: لا خلاف في أنه لا يحل الدخول بالزوجة حتى تبلغ تسع سنين، فإن أقدم على ذلك لم تحرم على أصح القولين إلا مع الإفضاء.

ثم نقل كلام الشيخ في النهاية، ومستنده، وقال بعد ذلك: والأصح الأول اقتصاراً في التحريم المؤبد على موضع الوفاق، والرواية مرسلة فلا تنهض حجة على الإطلاق، أما مع الإفضاء فلا بحث في التحريم.

قال المصنف في المختلف: إطلاق الشيخ في النهاية مشكل، والظاهر أن مراده ذلك، يريد به اختصاص التحريم بالإفضاء.

ثم تعرض لتعريف الإفضاء، فذكر: المشهور أن الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحداً بذهاب الحاجز بينهما، ونقل المصنف قولاً آخر، وهو صيرورة مسلك الغائط والحيض واحداً، وبعده ظاهر، لشدة بُعد ما بين المسلكين وقوة الحاجز بينهما فلا يكاد يتفق زواله بالجماع، والأول أصح، وسيأتي إن شاء الله تعالى لذلك مزيد تحقيق في الديات.

وأشار إلى أنه متى تحقق الإفضاء، فقد حرمت مؤبداً: قد قررنا أنه إذا تحقق الإفضاء حرمت الزوجة مؤبداً، وعلى هذا فهل تخرج من حباله، أي: تبين منه، وينفسخ نكاحها، أم تبقى على الزوجية مع التحريم المؤبد؟…فيه قولان:

أحدهما: وأختاره ابن إدريس أنها لا تخرج من حباله استصحاباً للنكاح، ولا منافاة بين التحريم وبينه، لرواية يزيد العجلي عن الباقر(ع)…دل على أن له امساكها وتطليقها، لقوله: فإن أمسكها ولم يطلقها، وذلك يقتضي بقاء النكاح.

وطعن المصنف في هذا القول بقوله: وفيه نظر، ووجهه: أن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح، إذ ثمرته حل الاستمتاع، ولأن التحريم المؤبد يمنع النكاح سابقاً فيبطله لاحقاً، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصماء.

وثانيهما: واختاره ابن حمزة، أنها تبين منه بذلك، وهو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية، ويدل عليه قوله(ع) في الرواية الأولى: فرق بينهما، ولم تحل له أبداً، وتوقف المصنف في المختلف لعدم الظفر بقاطع من الجانبين.

وقول ابن حمزة ليس ببعيد، والتوقف طريق السلامة.

ثم أشار إلى أن من أحكام المفضاة لزوم النفقة عليها: من أحكام المفضاة وجوب الإنفاق عليها إلى أن يموت أحداهما، والأصل فيه ما رواه الحلبي عن الصادق(ع)…

وهذا الحكم لا كلام فيه إذا لم يتزوج، فإن طلقها بناء على عدم خروجها من حباله بالإفضاء فتزوجت بغيره، ففي وجوب الإنفاق إشكال ينشأ: من عموم الرواية، فإن(ما)من أدوات العموم فيعم ما إذا تزوجت.

ومن أن الظاهر أن إجراء النفقة عليها إنما وجب لأنها بالإفضاء خرجت عن أن يرغب فيها الأزواج، فأوجب الشارع على المفضي النفقة ارتفاقاً بحالها، فإذا تزوجت انتفى المقتضب للإنفاق، ولأن نفقة امرأة لا تجب على اثنين.

ولا يخفى أن الوجه الثاني مشتمل على تخصيص النص بغير دليل مخصص، وهو باطل. والذي يجب أن يقال: إن الرواية إن كانت معتبرة وجب العمل بظاهرها، فلا يسقط وجوب الإنفاق بالتـزويج.

وفي ثبوت هذه الأحكام للأجنبية ذكر(قده): أي: هل تثبت هذه الأحكام المذكورة-وهي: التحريم المؤبد، ووجوب الإنفاق إلى أن يموت احداهما، واحتمال السقوط لو تزوجت-في الأجنبية إذا أفضاها بوطئه إياها قبل البلوغ بزنا أو شبهة؟…

ووجه القرب أن هذا الفعل حيث اقتضى التحريم المؤبد في الزوجة ففي الأجنبية أولى، لأنه أفحش فيناسبه زيادة العقوبة، ولأن النكاح سبب للحل فيمتنع كونه سبباً للتحريم، وانحصر السبب في الصغيرة والإفضاء بالوطء، وذلك قائم في محل النـزاع.

ويقرب منه القول بوجوب الإنفاق دائماً، فإن المقتضي في الزوجة وهو العقوبة بارتكاب الوطء المحرم، وهو في الأجنبية أفحش، ولحصول الضرر بعدم رغبة الأزواج فيها للإفضاء.

وعلى هذا فلو تزوجت وقلنا بوجوب الإنفاق ففي بقاء الوجوب وعدمه إشكال، ومقتضى كلام المصنف أن ما ثبت في الزوجة، ثبت هنا.

ويحتمل عدم ثبوت شيء من هذه الأحكام هنا، لورود النص على الزوجة، وهذه الأحكام على خلاف الأصل، فيقتصر فيها على مورد النص، لأن القياس عندنا باطل، وألحق في الخلاف بإفضاء الزوجة الإفضاء بالوطء الشبهة في التحريم ووجوب الإنفاق، ومنعه ابن إدريس.

والذي يقتضيه النظر ثبوت التحريم المؤبد بإفضاء الأجنبية بزنا أو شبهة من باب مفهوم الموافقة، فإن وطء الزوجة قبل البلوغ وإن حرم، إلا أن وطء الأجنبية أبلغ منه في التحريم وأفحش.

وأما باقي الأحكام فإن إثباتها مشكل، إذ لا دليل قوياً عليه، وهذا المعنى هو الذي حاوله المصنف بقوله: وفي النفقة إشكال، بعد قوله: وهل تثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟… الأقرب نعم، فإنه لا يراد بالأحكام إلا ما ذكرناه، فيكون قوله: وفي النفقة إشكال، كالاستـثناء مما قربه في الأحكام المذكورة.

ثم تعرض بعد ذلك إلى حكم الأجنبية فيما لو أفضيت، فقال: هل يشترط في ثبوت التحريم المؤبد لو وطأ أجنبي أجنبية فأفضاها في أقل من تسع سنين؟ فيه نظر ينشأ: من أن التحريم المؤبد يستند إلى تحريم الوطء حينئذٍ، والتحريم ثابت في الأجنبية قبل التسع وبعدها، فحينئذٍ تلخص كون علية التحريم المؤبد ترتب الإفضاء على الوطء المحرم، فيكون إفضاء الأجنبية بعد البلوغ بمنـزلة إفضاء الزوجة قبله.

وهذا إن تم فإنما يثبت في الزنا دون وطء الشبهة، لانتفاء التحريم فيه بعد تحقق البلوغ، ومن أن مورد النص هو الزوجة قبل بلوغ التسع، فإن ثبت الإلحاق اقتصر فيه على ما قبل البلوغ، لأن شرط مفهوم الموافقة تعقل العلة قطعاً، والعلم بثبوتها في المسكوت عنه.

ولا ريب أن الصغر جزء من العلة في المنصوص، ولهذا لو كان وطء الزوجة بعد البلوغ لم يحرم بالإفضاء قطعاً، فكيف تحرم الأجنبية قبل البلوغ.

وعقب على جعل العلامة(ره) الإشكال في الأجنبي أضعف، بقوله: لما كان الأقرب عنده تحريم الأجنبية مؤبداً إذا أفضاها بالوطء قبل التسع، ظهر الإشكال أن تحريمها حينئذٍ أضعف من الإشكال في تحريمها بعد التسع. فإن قيل: مع ترجيح أحد الطرفين لا يـبقى الإشكال.

قلنا: إذا لم يكن الترجيح قاطعاً يـبقى أصل الاحتمال، فلا يمتنع معه إطلاق اسم الإشكال مجازاً.

ويمكن أن يكون المراد بالإشكال: هو الطرف الآخر، وهو عدم التحريم استعمالاً لاسم الكل في الجزء مجازاً[19].

وقال العلامة في التحرير عند تعرضه لبيان باقي الأسباب الموجبة للتحريم المؤبد: الأول: لا يجوز للرجل أن يدخل بزوجته إذا لم يبلغ سنها تسع سنين، فإن دخل فعل حراماً، ثم إن أفضاها فرق بينهما، ولم تحل له أبداً، وعليه ديتها والإنفاق عليها حتى يموت أحدهما، وإن لم يفضها ففي التحريم الأبدي إشكال، والشيخان(ره) أطلقا القول بالتحريم على من وطأ امرأته لدون تسع سنين، ولم يشترطا الإفضاء، وكذا أطلق ابن إدريس التحريم الأبدي بمجرد الوطء قبل التسع، لكنه قال: إنها لا تبين منه إلا بطلاق أو موت، ولا يلزم من التفريق بينهما والتحريم أبداً بينونتها منه.

والظاهر أن مراد الشيخين بالتحريم ووجوب التفريق أبداً، البينونة، وفي الحديث ما يساعد قول ابن إدريس[20].

ولنكتفي بما نقلناه من كلمات الأصحاب راجينا من الله سبحانه وتعالى أن تكون كافية لتحقيق الغرض.

——————————————————————————–

[1] حكاه في جواهر الكلام ج 10 ص 596.

[2] مختلف الشيعة ج 7 ص 44.

[3] المقنعة ص 747.

[4] النهاية ص 453.

[5] المصدر السابق ص 486.

[6] مختلف الشيعة ج 7 ص 46.

[7] النهاية ص 761.

[8] الخلاف ج 4 ص 395, كتاب الصداق.

[9] المبسوط ج 4 ص 318.

[10] الوسيلة ص 292.

[11] السرائر ج 2 ص 531.

[12] الجامع للشرائع ص 428.

[13] شرائع الإسلام ج 2 ص 291.

[14] مسالك الأفهام ج 7 ص 345,

[15] جواهر الكلام ج 10 ص 594-597.

[16] رياض المسائل ج 11 ص 68-72.

[17] قواعد الأحكام ج 3 ص 33.

[18] إيضاح الفوائد ج 3 ص 76.

[19] جامع المقاصد ج 12 ص 330-335.

[20] تحرير الأحكام الشرعية ج 3 467-468.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة