المعارضة الحكمية في ثبوت الهلال

المعارضة الحكمية في ثبوت الهلال

 

من الطرق المذكورة في كلمات الأعلام لإثبات الهلال البينة الشرعية، وهي شاهدة عادلين برؤيتهما للهلال، واعتبروا في حجيتها عدم وجود معارض حقيقي لها، وأضاف السيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، عدم وجود معارض حكمي لها، فلا يمكن البناء على حجية البينة حال وجود معارضة حكمية لها.

 

المعارضة الحكمية:

ويقصد من المعارضة الحكمية، نفي جماعة من المستهلين رؤيتهم للهلال مع عدم نفيهم لوجوده في الأفق، توضيح ذلك:

إذا خرج جمع من المؤمنين لرؤية الهلال، وقد كانوا من حيث الأهلية والاستعداد للرؤية في مستوى واحد لا يتفوق بعضهم على البقية، كما أن الظروف الموضوعية التي خرجوا للاستهلال فيها متشابهة ومتماثلة جداً، سواء قل عدد الخارجين أم كثروا، كما لو بلغ مجموعهم عشرة، أو وصل عددهم إلى مائة، ورجعوا بعد ذلك منقسمين إلى فريقين:

 

أولهما: من يدعي رؤيته للهلال، سواء قل عددهم، بأن كانوا اثنين مثلاً، أو خمسة، أم كثر بأن كانوا ثمانين.

ثانيهما: من ينفي رؤيته للهلال لكنه لا ينفي وجوده في الأفق، لأن عدم رؤيته له لا تعني عدم وجوده، فقد يكون موجوداً لكنه لم يملك القابلية والقدرة على الرؤية.

ومن الواضح، أن نفي الفريق الثاني للرؤية يعارض إثبات الفريق الأول إليها، إلا أن المعارضة الحاصلة بينهما ليست معارضة حقيقة، وإنما هي في حكم المعارضة، وتأخذ نفس أحكامها، وهو ما يعبر عنه بالمعارضة الحكمية.

ومقتضى ما ذكرناه، أنه لا عبرة بعدد معين في تحقق المعارضة الحكمية للرؤية في مقام الإثبات، فلو كان النافون لرؤيته اثنين مثلاً، وكان المثبتون له أكثر من ذلك وقعت المعارضة.

نعم قد لا يعتنى بنفي الاثنين في بعض الموارد كما لو حصل الاطمئنان باشتباههما، ومن الواضح أن هذا يرجع لنفي وجود معارضة أساساً، فيكون خارجاً عن حريم البحث.

 

شروط المعارضة الحكمية:

ويشترط في تحقق المعارضة الحكمية توفر شرطين، وهما:

 

الأول: اتحاد الظروف الموضوعية للطرفين:

أعني المثبتين للرؤية، والنافين لها، من حيث صفاء الجو، وعدمه، وعدم وجود ما يمنع من الرؤية لأحدهما من جبال، أو غيوم، وما شابه ذلك، فلو كانت الظروف الموضوعية لرؤية أحدهما تغاير ظروف الآخر، بأن كان وجود أحدهما في موضع أفضل حالاً من حيث الظروف الجوية من الآخر مثلاً، لم تحصل المعارضة الحكمية حينئذٍ.

الثاني: تساوي الرائيـين في قابلية الرؤية:

فلا يكون أحد الطرفين أكثر خبروية من الطرف الآخر، كما لا يكون أحدهما أكثر حدة في الإبصار من الآخر، وإلا لم تقع المعارضة الحكمية بينهما.

 

تنبيهات:

الأول: تنتفي المعارضة الحكمية حال وجود اطمئنان بثبوت الهلال ولو من خلال قول الفلكي إذا كان مستنداً للمحاسبات الرياضية، ككون الهلال موجوداً في الأفق الذي يكون المكلف موجوداً فيه، بنحو يكون قابلاً للرؤية بالعين المجردة لولا الموانع الكونية من الغبار والسحاب، وليس مستنداً للحدس والتجربة، وذلك لأن الاطمئنان علم عادي، كما قرر في محله، والبينة ظن، ولا تصل النوبة إليها مع وجود العلم، ولا يعارض الظن العلم كما هو واضح.

نعم لا فرق في من حصل له الاطمئنان بين كونه اطمئناناً شخصياً أو نوعياً في ترتيب الأثر عليه في ثبوت الهلال، لكن لا يمكن للآخرين ترتيب أثر على اطمئنانه، فلو اطمأن المتصدي لإثبات الهلال، لثبوت الهلال بنحو من أنحاء الاطمئنان، لم يجز له الإعلان للمؤمنين بالثبوت، ولم يجز لهم ترتيب الأثر على اطمئنانه.

وكذلك لا يحصل الاطمئنان بشهادة من ينفرد برؤيته للهلال مع نفي البقية الذين يماثلونه في ظروف الرؤية لرؤيته، لوجود احتمال الخطأ والاشتباه عنده.

 

الثاني: لا يعتبر في حصول المعارضة الحكمية بين البينتين، أو البينات وحدة المكان الذي استهل فيه، بأن تكون الجماعتان المثبتة للرؤية والنافية لها في مكان واحد، بل المعتبر هو وحدة الأفق بينهما، ولو كانا في مكانين مختلفين، بحيث كانت الجماعة المثبتة لرؤيته في المنطقة الأولى، وكانت الجماعة النافية في المنطقة الثانية، وقد تشابهت الظروف الموضوعية للرؤية، مع الظروف المعتبرة في الرائيين، بني على وقوعها.

الثالث: الظاهر عدم اختصاص المعارضة الحكمية بالعين المجردة، بل تشمل النفي الحاصل من خلال متابعة الهلال بالعين المسلحة، والأجهزة الحديثة، فلو نفى رؤية الهلال من استند للعين المسلحة، أو الأجهزة الحديثة، دون نفي وجوده، في المكان الذي أثبت الرآئون له رؤيته بالعين المجردة، وقعت المعارضة الحكمية.

 

الرابع: لا يختص حصول المعارضة الحكمية بحالة صفاء الجو وقابلية الهلال للرؤية فيه، بل الظاهر حصولها حتى لو لم يكن الجو صافياً، ما دام المستهلون متفقين في القابلية للرؤية، ولا يوجد ما يميز بعضهم على بعض.

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة