25 أبريل,2024

قصة أصحاب الكهف(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

قصة أصحاب الكهف(2)

 

وقد ذكر السيد العلامة الطباطبائي(قده) أن من البعيد جداً أن يذكر الله تعالى في كلامه البليغ قصتين، ولا يتحدث إلا عن واحدة منهما، ولا يتعرض للثانية أبداً، ولو بصورة مجملة، هذا أولاً.

ثانياً: إن ما ذكر من عرض لقصة أصحاب الرقيم، لا يلائم السياق الذي استدعى ذكر قصة أصحاب الكهف، فقد عرفت فيما تقدم أن موجب ذكرها هو التحدي والإجابة على سؤال كفار قريش، وليس في هذا علاقة بقصة أصحاب الرقيم.

وبكلمة أخرى، لا يوجد سبب واضح يدعو إلى ذكر أصحاب الرقيم، لأن سبب ذكر أصحاب الكهف كان عبارة عن الإجابة على سؤال القرشيـين، ولم يكن هناك شيء عن أصحاب الرقيم. مضافاً إلى أن هذا مخالف لأساليب المحاورة العقلائية بأن يتضمن الكلام ذكر حديثين ثم يركز على أحدهما دون الآخر فقط.

 

وعلى أي حال، فقد نوقش دليل الاحتمال الثاني، وهو قوله تعالى:- (ثم بعثناهم ليعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً)، بأنه ليس المقصود من الحزبين في الآية الشريفة أصحاب الكهف والرقيم، بحيث يكون الكلام عائداً إليهما، بل هو عائد إلى الناس الذين قد اختلفوا في مدة لبثهم في الكهف، حيث قال بعضهم أنهم قد لبثوا يوماً، أو بعض يوم، في حين أحال الفريق الآخر علم ذلك إلى الله سبحانه وتعالى.

وأختار السيد العلامة(قده) أن الحزبين في الآية هم نفس أصحاب الكهف، فإنهم عندما بعثوا واستيقظوا من نومهم اختلفوا في مقدار المدة التي قد ناموها، فاختلفوا على فريقين، بين من حدد ذلك بيوم، ومن حدده بأقل من ذلك فجعله بعض يوم، فقال ثالث بأن الله تعالى أعلم بما قد لبثتم.

وبالجملة، الأقوال الواردة في كلمات المفسرين تحدد المقصود بالحزبين بما يمنع من الحكم بالتعدد والبناء على الاتحاد.

وليس في الأقوال المذكورة ما يدل عليه من نص، وإنما هي مجرد أقوال ذكرها المفسرون، فتكون أموراً اجتهادية.

 

ويبقى احتمال كون المقصود بالحزبين، الإشارة إلى الفريقين، إلا أن الموانع التي قد سمعت ذكرها في ما تقدم تمنع من حمله على ذلك، وعليه سوف يكون المتعين هو خصوص الاحتمال الأول، وهو اتحاد الجماعة وتعدد الوصف.

وبعبارة أخرى، إن الموجود في البين مجرد تعدد للنعت، وقد قرر في اللغة أنه حال تعدد النعوت فإنه يفصل بينها بالواو، نظير ما جاء في سورة الأعلى، قال تعالى:- (سبح اسم ربك الأعلى* الذي خلق فسوى* والذي قدر فهدى* والذي أخرج المرعى)[1]، فإنه لا يظن بأحد أن يتوهم أن العطف في البين يقتضي المغايرة الموجب للتعدد، وإنما هو منعوت واحد ذكرت له عدة نعوت، قد عطف بعضها على بعض بالواو، وكان ذلك للإشارة أو الدلالة على أمر ما، كأهمية المنعوت، وبيان عظمته، وهكذا.

ومثله أيضاً ما جاء في زيارة عاشوراء، في قوله(ع): اللهم اللعن ابن زياد وابن مرجانة، فقد يتوهم البعض أن العطف يقتضي المغايرة، وابن زياد غير ابن مرجانة، بينما هما نعتان لمنعوت واحد، وقد جيئ بأداة العطف بسبب تعدد النعت على منعوت واحد، وقد كان ذلك من أجل الدلالة على أهمية الموضوع ببيان خسة المنعوت من خلال عرض هذين الوصفين له، وهكذا.

والحاصل، إن وجود الواو في البين، لا توجب تغاير الكهف عن الرقيم، بل هما نعتان مشيران لعنوان واحد، وقد كان العطف بسبب التعدد، وللدلالة على أهمية الموضوع.

 

قصة أصحاب الكهف:

كثرت الروايات في كتب الفريقين في الحديث حول قصة أصحاب الكهف، إلا أنها متنافية بعضها مع بعض ولو في بعض الجزئيات، فقد اشتمل بعضها على أمور لا تشتمل عليها الروايات الأخرى، وقد تذكر بعضها بعض التفصيلات لم تتضمنها البقية، وهنا احتمالان:

1-أن يكون المورد من الدوران بين أصالتي عدم الغفلة في طرفي الزيادة والنقيصة فأيهما يقدم جانب الزيادة أم جانب النقيصة؟  كلام عند الأعلام:

وقد بنى بعضهم على التساقط في هكذا موارد لأنهما أصلان عقلائيان متعارضان. وللتشكيك في هكذا أمر مجال، ليس هذا مورد ذكره.

2-أن يلتزم بذكر الجميع، بحيث ما كان اضافة في القصة يقبل ويلتزم به، لأنه ليس من اللازم أن تعرض الرواية لجميع الأحداث، بل قد تركز على جانب دون البقية. نعم تبقى المشكلة إذا  كان هناك تعارض بين النصوص. فعندها تطبق قواعد التعارض.

 

فمن الاختلافات في النصوص، ما ورد في أصل داعي ذكر القصة، ففي بعض الروايات أن سؤالهم كان عن أربعة أمور، نبأ أصحاب الكهف، نبأ موسى والعالم، نبأ ذي القرنين، وعن الساعة متى تقوم؟ وفي بعضها الآخر أن السؤال عن خبر أصحاب الكهف وذي القرنين، وعن الروح.

ومنها: الاختلاف في اسم الملك الذي قد هربوا منه، ففي بعضها اسمه دقيانوس، وفي بعضها اسمه دقيوس، وقد يتصور البعض عدم أهمية هذا الجانب، إذ لا مدخلية للملك في أصل القصة، وهذا صحيح، لكن عدم الالتفات إلى أن هناك تفاوتاً زمنياً بين الاثنين يصل إلى خمسين سنة فإن ذلك يجعل تحديد الملك له دخالة لأنه يتضمن تحديد العصر الذي عاش فيه هؤلاء ومعرفة هويته.

 

ومنها: ديانة الملك، فقد تضمنت بعض النصوص أنه كان يعبد الأصنام ويقتل أهل التوحيد. وفي بعضها أنه كان مجوسياً يدعو إلى دين المجوسية.

ومنها: الاختلاف في نسب أصحاب الكهف، ففي بعض النصوص أنهم من أبناء الملوك وفي بعضها أنهم من أبناء الأشراف وفي قسم ثالث أنهم من أولاد العلماء. وفي بعضها أنهم كانوا من عامة الناس فقد ورد أنهم حاميـيون يعملون في بعض حمامات المدينة، وفي بعضها أنهم كانوا وزراء الملك يستشيرهم في اموره.

 

ومنها: اطلاع الملك على حالهم وعدمه، فقد جاء في بعض النصوص أنهم أظهروا المخالفة للملك وعلم بها قبل خروجهم، وفي بعضها أنه لم يعلم بذلك إلا لما خرجوا.

ومنها: الاختلاف في معرفتهم بعضهم بعضاً حال الخروج، فقد تضمنت بعض النصوص أنهم لم يكونوا على معرفة بأمر بعضهم بعضاً، فعن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله(ع) قال: خرج أصحاب الكهف على غير معرفة لا ميعاد فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق، فأخذ هذا على هذا، وهذا على هذا، ثم الوا أظهروا أمركم، فأظهروه فإذا هم على أمر واحد[2].

ومنها: كيفية استيقاظهم.

 

عرض القصة:

عند عرضها تواجهنا مجموعة من الاسئلة، ما الذي دعى هؤلاء الى الايمان بالله، وكيف وصلوا الى ذلك، هل قرأوا كتاباً، أو سمعوا نبياً، أم ماذا؟

والآن سوف نعرض القصة وفقاً لما تضمنته النصوص، وسوف نحاول جمع ما جاء فيها بنحو لا يوجب تعارضاً، ويمكن تقسيم القصة إلى عدة فصول:

 

الأول: وصول دقيانوس إلى ملك مدينة أصحاب الكهف، وقد جاء في قصص الأنبياء التالي: أنه لما كان في عهد الرجل الثاني جاءه قوم من أحبار اليهود فسألوه عن عدة مسائل، ولم يملك الرجل جواباً وأحال الاجابة على ذلك إلى أمير المؤمنين (ع) وقد اشترط الامام (ع) الاجابة على ذلك أن يدخلوا في الاسلام وقبلوا ذلك منه (ع).

وقد اسلم اثنان من الأحبار الثلاثة بعد إجابة بعض الاسئلة، وبقي الثالث، فقال: يا علي، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ولكن بقيت خصلة اسألك عنها، فقال علي (ع) : سل ، قال : أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة وتسع سنين ، ثم أحياهم الله ما كان قصتهم ؟ فابتدأ علي (ع) وأراد أن يقرأ سورة الكهف، فقال الحبر: ما أكثر ما سمعنا قرآنكم، فإن كنت عالماً بهم أخبرنا بقصة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم واسم كلبهم واسم كهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم. فقال علي (ع): لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود حدثني محمد (ص) أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها أُقسوس، وقيل: طرسوس وكان اسمها في الجاهلية اُقسوس ولما جاء الاسلام سموها طرطوس. وكان لها ملك صالح فمات ملكهم، فاختلف كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس، وقيل دقيوس.

 

الثاني: بداية تجبر دقيانوس، وذلك من خلال ما قام به من أعمال فإنه قد أقبل في مائة ألف حتى دخل مدينة اُقسوس فاتخذها دار مملكته، واتخذ فيها قصراً طوله فرسخ في عرض فرسخ واتخذ في ذلك القصر مجلساً طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الرخام الممرد وقيل من الزجاج الممرد. واتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف اسطوانة من ذهب واتخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج بأطيب الادهان ، واتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة ، ولغربيه كذلك ، وكانت الشمس إذا طلعت، طلعت في المجلس كيفما دارت واتخذ فيه سريراً من ذهب طوله ثمانون ذراعاً في عرض أربعين ذراعاً ، له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر ، وعلاه بالنمارق ، واتخذ من يمين السرير ثمانين كرسياً من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر فاجلس عليها بطارقته ، واتخذ من يسار السرير ثمانين كرسياً من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر فاجلس عليها هراقلته، ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه .

 

فوثب اليهودي فقال: مم كان تاجه؟ قال: من الذهب المشبك، له سبعة أركان على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضيء كضوء المصباح في الليلة الظلماء، واتخذ خمسين غلاماً من أولاد الهراقلة، فقرطهم بقراطع الديباج الأحمر، وسرولهم بسراويلات الحرير الأخضر، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم، وأعطاهم أعمدة من الذهب، ووقّفهم على رأسه، واتخذ ستة غلمة وزراء، فأقام ثلاثة عن يمينه، وثلاثة عن يساره ، فقال اليهودي : ما كان أسماء الثلاثة والثلاثة ؟ فقال (ع) : الذين عن يمينه أسماؤهم تمليخا ومكسلمينا وميشيلينا وأما الذين عن يساره فأسماؤهم مرنوس ، وديرنوس ، وشاذريوس ، وكان يستشيرهم في جميع أموره ، وكان يجلس في كل يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره ، ويدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المسحوق ، وفي يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد ، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر ، فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه ، ثم يقع على جام المسك فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه ، ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على تاج الملك فينفذ ما في ريشه وجناحه على رأس الملك .

 

الثالث: ادعاء الملك الربوبية وسبب ذلك:

جاء في العرائس: أنه مكث في ملكه ثلاثين سنة من غير أن يصيبه صداع ولا وجع ولا حمى ولا بصاق ولا مخاط، فلما رأى ذلك من نفسه وماله عتا وتجبر فادعى الربوبية من دون الله، ودعا إلى ذلك وجوه قومه، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه، وكل من لم يبايعه قتله، فاستجابوا له رأساً واتخذ لهم عيداً في كل سنة مرة.

 

الرابع: سبب هداية أصحاب الكهف:

ثم إن السبب الذي أوجب حصول الهداية لأهل الكهف، والوصول إلى الله سبحانه وتعالى مع أنهم يعيشون في جو بعيد عن الإيمان وملوث بملذات أهل الدنيا، أنهم بينما هم ذات يوم في عيد والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه فاغتم لذلك حتى سقط التاج من على رأسه ، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له تمليخا : وكان غلاماً، فقال في نفسه : لو كان دقيانوس إلهاً كما يزعم إذاً ما كان يغتم ولا يفزع وما كان يبول ولا يتغوط وما كان ينام ، وليس هذا من فعل الاله . قال : وكان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم وكان ذلك اليوم عند تمليخا ، فاتخذ لهم من طيب الطعام ، ثم قال لهم : يا إخوتاه قد وقع في قلبي شيء منعني من الطعام والشراب والمنام ، قالوا : وما ذاك يا تمليخا ؟ قال: أطلت فكري في هذه السماء ، فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا عمد ولا علاقة من فوقها ؟ ومن أجرى فيها شمساً وقمراً آيتان مبصرتان؟ ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت الفكر في الأرض، فقلت: من سطحها على ظهر اليم الزاخر؟ ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنيناً من بطن أمي؟ ومن غذاني؟ ومن رباني؟ إن لها صانعاً ومدبراً غير دقيوس الملك، وما هو إلا ملك الملوك وجبار السماوات، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها.

 

الخامس: الفرار إلى الله:

ولا يختلف الفرار إلى الله سبحانه وتعالى عن معناه اللغوي الذي هو الهروب، نعم قد يكون الهروب من شيء، وقد يكون الهروب إلى شيء.

ولا ريب أن الفرار إلى الله سبحانه وتعالى من الثاني، لأنه فرار إلى رحمة الله تعالى ورضوانه، وليس من الأول، نعم لو كان المقصود من الفراد منه سبحانه وتعالى يعني الفرار من سخطه وغضبه ونقمته، كان النحو الأول أيضاًم تصوراً.

وكيف ما كان، فإن الإنسان يفر إلى الله سبحانه وتعالى عادة من ذنوبه وخطاياه، التي يكن مصدرها نفسه والشيطان، وإليه يشير الدعاء: اللهم إليك فررنا من ذنوبنا فآونا تائبين، وتب علينا مستغفرين، واغفر لنا معوذين، واعذنا مستجيرين.

 

ولما كان الفرار إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي، فإن تحقيقه يكون من خلال التوبة النصوح فمتى أوجدها الإنسان خارجاً يكو قد حقق الفرار فعلاً.

نعم قد ورد فسر الفرار إلى الله تعالى في بعض النصوص بالحج، والظاهر أن هذا بلحاظ كونه أحد الأسباب الموجبة للتوبة، والعودة إلى الله تعالى، لا أنه تمام الموضوع بما هو هو.

 

[1] سورة الأعلى الآيات رقم

[2] البرهان في تفسير القرآن ج 5 ح 6 ص 10.