المشهور بين علمائنا[1] أنه لا ينطبق عنوان الصدقة على المال المدفوع بقصد الصدقة إلا إذا قبضه المتصدق عليه أو وكيله، ولذا لو أخرجت المرأة مبلغاً من المال على أنه صدقة ووضعته تحت وسادة ولدها في الليل لكي تجنبه المرض، فلا يعتبر المبلغ المدفوع صدقة، وكذا لو أراد الإنسان السفر فأخرج مبلغاً من المال وعزله على أساس أنه صدقة، فلا يكون كذلك، وكذا لو كان الإنسان يجمع المال في بيته في علبة أو ما شابه على أنها صدقات ليخرجها في نهاية كل شهر، فلا تكون المبالغ المجموعة صدقات، ومثل ذلك العلب التي توزعها الجمعيات الخيرية على أساس جمع صدقات الناس فيها، فإنها جميعاً لا ينطبق عليها عنوان الصدقة.
والسر في ذلك، أنه يعتبر في صدقة عنوان الصدقة كما عرفت القبض، وفي جميع الصور التي عرضناها لم يتحقق قبض لا من قبل المتصدق عليه، ولا من قبل وكيله.
إلا أن علمائنا المعاصرين[2]، يلتـزمون بالتفصيل في مسألة القبض فيفرقون بين الموارد بحسب القصد المخرج به المال، وذلك لأن الإنسان يدفع المال للمتصدق عليه بصور أربع:
الأولى: أن يكون المال المدفوع للمتصدق عليه هبة من قبل المتصدق، فهنا لابد من قبض المتصدق عليه المال، لأن الهبة متقومة بالقبض، فما لم يتحقق القبض من المتصدق عليه لا تقع الهبة خارجاً، فلا ينطبق على المال المدفوع عنوان الصدقة، ولذا لا تكون الأموال المودعة في العلب الموزعة من قبل الجمعيات الخيرية في المنازل، أو المحلات التجارية وفقاً لهذه الصورة صدقة، ومثل ذلك أيضاً الصناديق المنصوبة في المساجد، بل حتى ما يقوم به بعض المؤمنين من جمع للمال أثناء التجمعات الكبيرة مثل صلاة ليلة القدر، أو صلاة يوم العيد، أو في أيام عشرة محرم الحرام، فإن جميع ذلك لا ينطبق عليه عنوان الصدقة، لما عرفت أن المدفوع لما كان بعنوان الهبة، وهي متقومة بالقبض، فلابد من قبضها من قبل المتصدق عليه أم وكيله، وهو غير متحقق في جميع ذلك.
الثانية: أن يكون المال المدفوع من قبل المتصدق على المتصدق عليه بنحو الوقف الخاص من المتصدق على المتصدق عليه، بمعنى أن المتصدق أوقف هذا المال على خصوص المتصدق عليه، وهنا أيضاً يجري فيه عين ما قدمناه في الحديث حول الصورة السابقة من اعتبار القبض، فلا ينطبق عنوان الصدقة بدونه، فلاحظ.
الثالثة: أن يكون المال المدفوع من المتصدق على المتصدق عليه بعنوان البذل، بمعنى أن المتصدق قد بذل ماله للمتصدق عليه، فهنا لا يعتبر القبض في انطباق عنوان الصدقة.
الرابعة: أن يكون المال المدفوع من المتصدق على المتصدق عليه بعنوان الإبراء، بمعنى أن ذمة بكر مشغولة لعلي بمائة ريال، ولما كان اليوم يوم الجمعة، وتستحب فيه الصدقة، فقد أبرأ علي ذمة بكر مما اشتغلت به، وتنازل عما له عليه صدقة منه عليه.
وقد يقول البعض: بناءاً على ما ذكرتموه من اعتبار القبض لصدق عنوان الصدقة في بعض الصور يلزم من ذلك الحرج على المؤمنين، خصوصاً وأن الأغلب ربما كان دفعهم إياها بعنوان البذل؟…
ويجاب: بأنه لا يوجد حرج في البين، بل علينا أن نشيع بين المؤمنين أن خير وسيلة لتحقيق مفهوم الصدقة ما لم يكن قادراً على إيصالها للمتصدق عليه مباشرة أو لوكيله أن يدفعها بنية البذل، لا بنية الهبة، فتعتبر صدقة، ولا يعتبر فيها القبض كما عرفت.
[1] وقد وافق المشهور في ذلك الإمام الخميني، وفي المسائل الإسلامية للسيد صادق مسألة 2589قد يستظهر موافقة رأي المشهور.
[2] هذا هو رأي السيد الخوئي، والسيد السيستاني، والشيخ الوحيد، والسيد الحكيم.