ولادة الموكل بحفظ الدين

لا تعليق
كلمات و بحوث الجمعة
206
0

قال تعالى:- (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين)[1].

اختلفت الأساليب التي عرضها القرآن الكريم في سبيل تسلية النبي(ص)، وتسكين فؤاده، وتخفيف ما يلاقيه من معاناة وشدة أثناء تبليغ رسالته المباركة من قبل عتاة قريش وكفارها.

وتعدّ الآية التي افتتحنا بها المقام واحدة من الآيات التي تضمنت تسليته(ص)، وقد كان الأسلوب المتبع فيها عبارة عن طمأنة نفسه الشريفة بأن رسالته محفوظة ومحروسة، لن تنالها يد العابثين مهما حاولوا، وذلك بتهيئة أناس يتولون حفظها ورعايتها، فمن هم هؤلاء الناس الذين تتحدث الآية الشريفة عن أن الله سبحانه وتعالى قد أوكل إليهم حفظ رسالة النبي(ص)، وحفظ الكتاب والحكم والنبوة؟!!!

إن أول ما نلاحظه في الآية الشريفة كونها واردة في سياق الآيات المتحدثة عن خليل الرحمن(ع)، وبيان اتصال سلسلة الهداية من ذريته المهديـين إلى الصراط المستقيم، قال تعالى:- (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين* وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين* وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين* ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم)[2]

وهذا يوجد تساؤلاً عند القارئ في أن هذا التصنيف والتقسيم للأنبياء المذكورين في الآيات الشريفة، هل كان لغرض ما، أم أنه كان نحواً من أنحاء العرض دونما أن يكون هناك ما يشير إلى شيء؟!!!.أختار بعض المفسرين كالسيد السبزواري(ره)، الثاني[3]. والمعروف من الفخر الرازي، وكذا الشيخ محمد عبده، والسيد العلامة الطباطبائي(ره) الأول.

وقد ذكر الرازي بياناً في وجه الجمع بين أفراد كل مجموعة، وكذا كان لصاحب المنار الشيخ محمد عبده كلام آخر، وما ذكره الشيخ محمد عبده أوفق وأقبل، قال: إنه سبحانه وتعالى ذكر في الآيات الثلاث أربعة عشر نبياً جعلهم على ثلاثة أقسام لمعان جامعة في ذلك:

الأول: داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، والمعنى الجامع بينهم أنه سبحانه وتعالى آتاهم الملك والإمارة والحكم والسيادة، مع النبوة والرسالة.

الثاني: زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وقد امتازوا في الأنبياء بشدة الزهد في الدنيا والإعراض عن لذاتها والرغبة عن زينتها وجاهها وسلطانها ولذا خصهم بوصف الصالحين.

الثالث: إسماعيل واليسع ويونس ولوط، ذكرهم لعدم الخصوصية، لا من الأول، ولا من الثاني.

وقد قبل السيد العلامة الطباطبائي(قده) التوجيه الذي التـزم به الشيخ محمد عبده، إلا أنه خالفه في خصوص القسم الثالث، فلم يقبل بما أفاده من أن جعل القسم الثالث من دون وجود خصوصية، فذكر أن أصحاب القسم الثالث هم أصحاب خصائص مختلفة، ومحن إلهية عظيمة يختص كل نبي منهم بشيء من المميزات. فإسماعيل(ع) قد ابتلاه الله بأمر الذبح فصبر على ما امتحنه الله تعالى به، قال تعالى:- (فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين-إلى أن قال-إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين)[4]، وهذا من الخصائص الفاخرة التي اختص الله بها إسماعيل(ع)، حتى جعل الله تعالى التضحية في الحج طاعة عامة مذكرة لمحنته في جنب الله. وكذلك يونس النبي(ع) امتحنه الله تعالى بما لم يمتحن به أحداً من أنبيائه، وهو ما التقمه الحوت فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وأما لوط فمحنه في جنب الله مذكورة في القرآن الكريم، فقد قاسى المحن في أول أمره مع إبراهيم(ع)، حتى هاجر قومه وأرضخ في صحابته، ثم أرسله الله إلى أهل سدوم، وما والاه مهد الفحشاء التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين حتى إذا شملهم الهلاك لم يوجد فيهم غير بيت من المسلمين، وهو من بيت لوط خلا امرأته.

وأما اليسع فلم يذكر له في القرآن قصة، وإنما ورد في بعضا لروايات أنه كان وصي إلياس، وقد أتى قومه بما أتى به عيسى بن مريم(ع)، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه، والأبرص، وقد ابتلى الله قومه بالسنة والقحط العظيم.

والحاصل، ينبغي أن توسم المجموعة الثالثة، بأنهم أولوا خصائص مختلفة ومحن إلهية عظيمة يختص كل بشيء من المميزات[5].

وعلى أي حال ما يهمنا هو الحديث حول الآية محل البحث، وبيان من هم الموكلون عن الله سبحانه وتعالى ليكون وجودهم بمثابة التسلية الصادرة منه سبحانه وتعالى لله سبحانه.

بيان مفردات الآية:

هذا وأول ما ينبغي الحديث عنه هو بيان ما يحتاج بياناً من مفردات الآية الشريفة، واستعراض الأقوال الواردة فيها. والمفردات التي تحتاج بياناً ثلاث كلمات، وهي:

المقصود من الكتاب:

الأولى: الكتاب: وهو من المفاهيم المعروفة، ويتبادر إلى الأذهان بمجرد ذكره أنه الصحائف التي تضبط فيها طائفة من المعاني والأمور. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم كثيراً، وقد استعمل في الآيات الشريفة في ثلاثة معان:

أحدها: الكتب المنـزلة من الله سبحانه وتعالى على الأنبياء والمرسلين، وهي تشتمل على شرائع الدين، وقد عدّ منها كتاب نوح، وكتاب إبراهيم وموسى(ع)، وكتاب عيسى، وكتاب النبي محمد(ص).

ثانيها: الكتب التي تتضمن ضبط أعمال العباد من حسنات أو سيئات، والظاهر من الآيات المباركة عدم انحصار هذا النوع في قسم واحد، فقد يكون مختصاً بالنفس الإنسانية، وقد يكون منظوراً فيه ضبط أعمال الأمة، وقد يكون ما يشترك فيه الناس جميعاً، والتفصيل حول هذا النوع يوكل إلى محله.

ثالثها: الكتب التي تضبط تفاصيل نظام الوجود والحوادث الكائنة فيه، فمنها الكتاب المصون عن التغير المكتوب فيه كل شيء، ومنها الكتب التي يتطرق إليها التغيـير ويداخلها المحو والإثبات.

هذا والظاهر أن المقصود من الكتاب في الآية محل البحث هو المعنى الأول، ضرورة أن الكتاب متى نسب في كلامه سبحانه إلى الأنبياء(ع)، كان المراد منه الصحف التي تشتمل على الشرائع، كي ما يقضى بها بين الناس فيما اختلفوا فيه.

المقصود من الحكم:

الثانية: الحكم: وهي المفردة الثانية التي نحتاج معرفة المقصود منها، ومنشأ الحاجة يرجع إلى أنها استعملت في القرآن الكريم في ثلاثة معانٍ أيضاً، فلابد من تحديد أي واحد منها هو المقصود في الآية الشريفة، والاستعمالات الواردة لها في القرآن هي:

الأول: أن يكون المقصود من الحكم هو العقل والإدراك، وهذا يعني أن المعنى سوف يكون كالتالي، مضافاً إلى إنزاله سبحانه وتعالى كتاباً سماوياً عليهم، فإنه قد وهبهم أيضاً القدرة على التعقل والفهم، لأن وجود الكتاب مع فقد القدرة على فهمه كاملاً عميقاً، لا جدوى فيه.

الثاني: أن يكون الحكم الوارد في الآية الشريفة بمعنى القضاء، وهذا يعني ثبوت وصفين للمعطيـين الحكم، وهما: القدرة على استنباط القوانين الإلهية من الكتب السماوية، والقدرة على القضاء بين الناس، لامتلاكهم جميع شروط وصفات القاضي العادل.

الثالث: أن يكون الحكم الوارد فيها بمعنى الحكومة والإمساك بزمام الإدارة، فيكون لهم مضافاً إلى مقام النبوة، مقام الحكومة والقيادة.

هذا وعند محاولة اختيار واحد من المحتملات الثلاثة التي ذكرناها، يتعين إرادة المحتمل الثاني، أعني أن المقصود منه هو القضاء، والقرينة المعينة لذلك هي ذكره سبحانه وتعالى الكتاب في الآية المباركة، فيكون المعنى عندها أنهم قد أعطوا شرائع الدين، وعليهم القضاء بين الناس وفقاً لما جاء فيها، وعلى طبقها.

الموكلون بحفظ الدين:

الثالثة: الموكلون بحفظ الدين: ولا كلام في أن التوكيل من قبل الله سبحانه وتعالى يتضمن توفيقاً للإيمان بالهداية المأمور الأنبياء بإبلاغها ورعايتها، وأن ذلك يكشف عن مزيد عناية منه سبحانه وتعالى بمن وكل بهكذا مهمة، إنما الكلام في تحديد من هم الموكلون بهكذا أمر، والذين أنيطت بهم هذه المسؤولية؟…أختلف المفسرون في تحديد المقصود بالموكلين الذين عنتهم الآية الشريفة اختلافاً كبيراً، وتعددت الآراء فيما بينهم:

منها: إن المقصود بالموكلين في الآية الشريفة هم الأنبياء، وقد انقسم أصحاب هذا القول إلى فريقين، حيث خص بعضهم الأنبياء المعنيـين بالمقام، بخصوص الأنبياء الذين تعرضتهم الآيات الشريفة، وهم ثمانية عشر نبياً، بينما ألتـزم الفريق الآخر بعدم التحديد بعدد معين، بل بنى على أن المقصود بذلك هم مطلق الأنبياء، سواء من ذكرتهم الآيات الشريفة، ومن لم تتطرق إليهم أساساً.

وطبقاً لهذا القول بشقيه، سوف يكون المراد من التوكيل في الأمر، بما هو أعم من إجراء أحكامها، كما هو شأنهم في حق كتابهم، ومن اعتقاد حقيتها، كما هو شأنهم في حق سائر الكتب.

وأجيب عنه: بأن هذا المعنى مخالف لسياق الآية الكريمة، الدال على أن القوم لهم شأن في هذا الدين في المستقبل، وهذا لا ينسجم مع ما قيل من أن المقصود بهم الأنبياء الماضيـين، ضرورة أن الأنبياء عند نزول الخطاب القرآني ما كانوا أحياءً حتى يتصور فيهم الغرض المراد، وهو رعاية الدعوة المحمدية، والحفاظ عليها، فلاحظ.

ومنها: أن المقصود بالموكلين في الآية هم خصوص الملائكة، ويتصور التوكيل لهم في المقام، وذلك من خلال إنزالهم إلى الأرض، وإنزال الرسالة المحمدية، ويتولون عملية حفظها واعتقاد أحقيتها.

والجواب عنه بأمرين، أولاً: إن لفظة القوم-كما قيل-لا تطلق على الملائكة، وإنما هي من الألفاظ ذات الاختصاص عند الإطلاق على العنصر البشري الإنساني. ويساعد على هذا المعنى الانصراف والإنسباق الذهني بمجرد ذكر هذا اللفظ.

ثانياً: إن حمل الآية الشريفة على الملائكة يتنافى والغرض الأساس الذي هي بصدده، إذ قد عرفت في مطلع البحث أنها بغرض تسلية النبي محمد(ص)، وتخفيف ما كان يعانيه من أذى قومه، وهذا لا يتحقق من خلال إيمان الملائكة برسالته بعد كفر قومه وعنادهم، بل مقتضى التسلية أن يكون الإيمان بمن بعث إليهم، وجاءهم داعياً وهادياً، فلاحظ.

ومنها: أن يقصد بهم المؤمنون به(ص) وأختلف القائلون بهذا القول أيضاً، فخصه بعضهم بخصوص المؤمنين الذين آمنوا به في أرض مكة، فلا يشمل من آمن به(ص) بعد ذلك في المدينة. بينما ألتـزم البقية أن المدار على انطباق عنوان الإيمان عليهم، فلا يفرق بين كونهم قد آمنوا به في مكة، أم أنهم آمنوا به بعد هجرته(ص) إلى أرض المدينة.

ولا ريب في تمامية هذا الوجه وحسنه في نفسه، إلا أن الالتـزام به يتوقف على تحقق الشرط الذي تضمنته الآية الشريفة، فلاحظ قوله تعالى:- (ليسوا بها بكافرين)، فإن المستفاد منه اعتبار الاستمرار على الإيمان بالرسالة وعدم الكفر بها ولو آناً ما من الزمان، ولا يختلف اثنان في عدم تحقق هذا الأمر بالنسبة للمؤمنين بالنبي(ص)، سواء من آمن به في مكة، أم من آمن به في المدينة، ضرورة أن التأريخ قد نقل ارتداد جملة منهم، وإصابة آخرين منهم بالنفاق، وغير ذلك، فلا ينطبق عليهم الشرط المعتبر، وهو عدم الكفر بها، فلاحظ.

ومنها: أن يكون المقصود بهم الأنصار والمهاجرين جميعاً، أو أنهم أصحاب النبي(ص) الذين مدحهم الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد بأبلغ مدح، وأجل وصف، ذلك لأنهم نصروا دين الله سبحانه، وروجوا لهذه الدعوة المباركة وأقاموها بالجهاد والتضحية.

ولا يختلف حال هذا القول عن سابقه، فيجري فيه عين ما تقدم ذكره في سابقه، فلاحظ.

ومنها: المقصود بالموكلين في الآية الشريفة بالكتاب والحكم والنبوة، هم العجم، الذين وفقوا للإيمان بالأنبياء والكتب المنـزلة عليهم، والعاملون بما فيها من أصول التشريع وفروعه الباقية في شرعنا. وكأن منشأ هذا القول الاستناد إلى قوله تعالى:- (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأتِ بقوم آخرين)[6]، فقد ورد في تفسيرها أن المراد بالآخرين هم العجم.

وهذا القول خلاف الظاهر، ضرورة أنه ليس في الآية الشريفة ما يعين على حمل المقصود منها على خصوص هذا المعنى دون غيره، فتدبر.

ومنها: إن المقصود بالموكلين بالكتاب والحكم والنبوة هم خصوص المؤمنين، وقد خصه بعضهم بخصوص المؤمنين من أمة النبي محمد(ص)، وألتـزم آخرون بالسعة والشمولية، فحكم بأنهم المؤمنون في جميع الأمم.

وهذا القول أيضاً لا يخرج عما تقدمه من الأقوال، فهو مضافاً لكونه خلاف الظاهر، لا يوجد ما يعينه من قرينة داخلية أو خارجية، مقالية، ولا مقامية[7].

مختار السيد العلامة:

هذا وقد أختار السيد العلامة(قده) رأياً آخر في بيان المقصود من الموكلين في الآية الشريفة، وقبل الإشارة لذلك نشير لما ذكره أيضاً بالنسبة للمقصود من الضميرين الواردين في الآية، وحاصل كلامه(ره):

لقد اشتملت الآية الشريفة على ضميرين، في قوله تعالى:- (يكفر بها)، وقوله تعالى:- (وكلنا بها)، فإلى ماذا يرجع الضميران؟…هناك احتمالان في رجوعهما:

الأول: أن يكونا راجعين إلى الهدى، ولا يضيره التأنيث، ضرورة أنه يجوز فيه التأنيث، كما يجوز التذكير، من جهة أنه هداية. وعندها سوف يكون المعنى: فإن يكفر مشركو قومك بهدايتنا وهي طريقتنا، فقد وكلنا بها من عبادنا من ليس يكفر بها، ومن الواضح أن الإيمان والكفر متعلقان بالهداية، خصوصاً إذا كانت الهداية بمعنى الطريقة.

الثاني: أن يكون الضميران راجعين إلى الكتاب والحكم والنبوة، وهي من آثار الهداية الإلهية. وعندها يكون المعنى، فإن يكفر بالكتاب والحكم والنبوة وهي التي تشتمل على الطريقة الإلهية والدعوة الدينية، مشركو مكة، فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين.

ولا ريب في أن المعنى الثاني أقرب، فضلاً عن كونه أوضح وأظهر، وهذا بعكس الأول، فإنه لا يخلو عن بعد.

وعلى أي حال، وطبقاً لما تقدم، يتبقى الآن بيان المقصود من الموكلين في الآية، وحتى يتضح كلامه(ره) سوف نعرضه في عدة أمور:

أولها: إن الآيات الشريفة تصف التوحيد الفطري والهداية الإلهية الطاهرة من شوب الشرك بالله سبحانه وتعالى.

ثانيها: لقد أكرم الله سبحانه وتعالى بهذه الهداية سلسلة متصلة من أنبيائه، واصطفاهم بها ذرية بعضها من بعض، واجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم، لا ضلال فيه، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة.

ثالثها: إن قوله تعالى:- (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليس بها بكافرين)، متفرع على ما تقدم من صدور التكذيب من كفار مكة وعتاتها، وغرض ذكره هو الاعتزاز والتسلية للنبي محمد(ص)، ورفع معنوياته، وتطيـيب نفسه كي لا يوهنه الحزن، ويفسخ عزيمته في الدعوة الدينية ما يشاهده من كفر قومه، واستكبارهم وعمههم في طغيانهم.

وطبقاً لهذه الأمور الثلاثة سوف يكون معنى الآية حينئذٍ: يا رسول الله(ص) لا تحزن بما تراه من كفر مشركي مكة بهذه الهداية الإلهية والطريقة التي تشتمل عليها الكتاب والحكم والنبوة التي آتيناها سلسلة المهديـين من الأنبياء الكرام، فإنا قد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين، فلا سبيل للضيعة والزوال إلى هذه الهداية،لأنّا قد وكلناهم بها، واعتمدنا عليهم فيها، وأولئك غير كافرين بها البتة.

ولا ريب أن هؤلاء الذين يكونون بهذه الكيفية لابد وأن لا يكون الكفر متصوراً في حقهم، ولا يدخل الشرك قلوبهم، لأن الله تعالى وكلهم بها واعتمد عليهم فيها، وجعلهم حفظة لها، فلو جاز عليهم الشرك وأمكن فيهم التخلف كان الاعتماد عليهم فيها خطأ وضلالاً، فتدل الآية الشريفة على أن لله سبحانه وتعالى في كل زمان عبداً أو عباداً موكلين بالهداية الإلهية، والطريقة المستقيمة التي يتضمنها ما آتاه أنبياءه من الكتاب والحكم والنبوة، يحفظ الله بهم دينه عن الزوال، وهداياته عن الانقراض، ولا سبيل للشرك والظلم إليهم، لاعتصامهم بعصمة إلهية، وهم أهل العصمة من الأنبياء والكرام، وأوصيائهم(ع)[8].

ولادة المهدي الموعود:

هذا وطبقاً لهذا التفسير الذي جادت به يراع السيد العلامة الطباطبائي(قده)، وهو المنسجم تماماً مع مضمون الآية الشريفة، يتضح لنا صحة ما تقوله الشيعة الإمامية من ولادة الإمام الثاني عشر(روحي له الفداء)، ضرورة أنه اليوم هو المقصود بالآية الشريفة، فهو الموكل بحفظ الكتاب والحكم والنبوة، وهو الذي ينطبق عليه عنوان ليسوا بها بكافرين، وهذا يفيد إثبات أمرين كما قلنا:

الأول: إثبات الولادة.

الثاني: إعطاء منصب العصمة، وحفظ الكتاب والحكم والنبوة.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وأظهر كلمتك التامة، ومغيبك في أرضك، الخائف المترقب، اللهم انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأعز به الدين بعد الخمول، وأطلع به الحق بعد الأفول، وأجل به الظلمة، واكشف به الغمة، اللهم وآمن به البلاد، واهد به العباد، اللهم املأ به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً إنك سميع مجيب.

———————————————————–

[1] سورة الأنعام الآية رقم 89.
[2] سورة الأنعام الآيات رقم 85-87.
[3] مواهب الرحمن ج 14 ص 116-118.
[4] سورة الصافات الآية رقم 108.
[5] الميزان في تفسير القرآن ج 7 ص 245-246.
[6] سورة النساء الآية رقم 133.
[7] الميزان في تفسير القرآن ج 7 ص 256-258، مواهب الرحمن ج 14 ص 131-134.
[8] الميزان في تفسير القرآن ج 7 ص 259-260.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة