19 مارس,2024

المرأة في الاقتصاد الإسلامي

اطبع المقالة اطبع المقالة

سأل الفهفكي أبا محمد(ع): المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبو محمد(ع): إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة، إنما ذلك على الرجال.

تمهيد:

اشتملت الشريعة الإسلامية على جملة من التشريعات الموجهة للمكلفين، ولا ريب في أنها لمصلحة المكلف، لكن ربما لا يحرز المكلف ذلك.

ونتيجة لقصور الإدراك البشري عن الوصول للمصالح التي تـتضمنها التشريعات السماوية دائماً، قد يتراءى له في بعضها نحواً من أنحاء الظلم لبعض أفراد البشرية.

ومن أمثلة ذلك، التشريعات السماوية الموجهة للأنثى، حيث أن قصور الإنسان عن إدراك المصالح التي من أجلها شرع الباري سبحانه وتعالى تلك التشريعات، أوجبت وجود فئة تنادي بأن الإسلام قد ظلم المرأة وأنقص من شأنها وهظمها حقها.

هذا وينبغي أن يلتفت إلى أن هذه النداءات التي تترتفع بين فينة وأخرى ليست من الأمور وليدة الزمان الحديث، بل إنها موجودة في عصر المعصوم(ع)، فالرواية التي افتـتحنا بها حديثنا تشير إلى ذلك، ضرورة أنها بصدد الرد على واحد من المزاعم التي توجه للإسلام في هذا المضمار، وينبغي أن يلحظ أن هذا المضمون بنفسه قد ورد عن إمامنا الصادق(ع)، في إجابته على إشكالات ابن أبي العوجاء.

وعندما نلتفت إلى هذه الناحية، نصل إلى منعطف مهم في هذا المضمار مفاده أن مثل هذه النداءات هدفها الأول هو النيل من قدسية الإسلام وعظمته، إذ يكفي لهذا أنها نداءات صدرت من مثل ابن أبي العوجاء وهو هو، وبعد ذلك توالت ممن جاء على شاكلته، وينهج نهجه وطريقه.

الإشكالات التي تثار:

هذا وينبغي أن نشير في البداية إلى الإشكالات التي تـثار حول الأطروحة الإسلامية والتشريعات السماوية في قضية المرأة، وبيان ما يدعيه المدعي من أن الإسلام قد ظلمها، فنقول:

يذكر هؤلاء جملة من الأمور يدعون من خلالها دعواهم في مظلومية المرأة من قبل الإسلام، نشير إليها:

الأمر الأول: إن الإسلام قد فضل الرجل على المرأة، وذلك عندما عمد إلى حرمانها من جملة من المناصب، وخصها بالرجال، وتلك المناصب هي:

1-منصب القضاء، فإنه ليس للمرأة أن تتولى القضاء ولا بين النساء أنفسهن.

2-الإمارة.

3-مدى قيمة الشهادة، فإن الإسلام قد جعل شهادة رجل واحد بشهادة امرأتين.

الأمر الثاني: قد ظلم الإسلام المرأة في الحقل الاقتصادي، حيث أنه لم يساو بين الرجل والمرأة، بل عمد إلى تفضيل الرجل عليها، فجعل نصيب رجل واحد، يعادل نصيب امرأتين.

الأمر الثالث: إن الإسلام لم ينصف المرأة في مجال الوداد والوفاء والعاطفة، وذلك من خلال سماحه للرجل أن يعدد الزوجات، فيحق له أن يتزوج أكثر من امرأة، بينما ليس للمرأة القيام بذلك.

الأمر الرابع: لقد عمد الإسلام إلى تقيـيد حرية المرأة الشخصية، وذلك من خلال الأمور التي فرضها عليها، كالحجاب مثلاً، فإنه يوجب إعاقة لحركة المرأة، وكذا جعل الرجال قوامين على النساء، وهذا أوجب تقيـيد حريتها.

الأمر الخامس: وهو أشدها، فإن الإسلام قد ميز بين الرجل وبينها وفضله عليها، وذلك عندما لم يساوها به في حق الحياة والسلامة، فلم يجعلها بمستوى الرجل، بل جعل ديتها تساوي نصف دية الرجل.

ولكي يتضح مدى مصداقية هذه الإشكالات على الإسلام وتعاليمه، لابد من الحديث ضمن جهات، مع ملاحظة أننا لن نعمد إلى الإجابة عن هذه الأمور بأكملها، بل سوف نقتصر على ما جاء في حديث الإمام العسكري(ع)، وإن كانت الإجابة عن البقية تتضح من خلال ما سوف نذكره.

النظرة للمرأة:

إن أول ما ينبغي أن يتم التعرف عليه في البين هو التعرف على النظرة للمرأة، فكيف ينظر إليها؟…

إن هناك ثلاث نظرات للمرأة:

الأولى: نظرة الجاهلية الأولى، وهي التي كانت موجودة في الزمان الذي بعث فيه النبي(ص)، أو ما قبله، وهي التي تنظر للمرأة على أنها حيوان، بل ربما أقل، وكانت المرأة تسام وتباع، وتنقل وتورث كما يورث الأثاث والمتاع والمال، وغير ذلك.

وقد عرض القرآن الكريم في بعض آياته صورة موجزة عن هذه الحالة، فقال تعالى:- (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم*يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب)[1]، وقال سبحانه:- (وإذا المؤودة سئلت*بأي ذنب قتلت)[2].

الثانية: نظرة جاهلية اليوم، وتتمثل هذه النظرة في أنها تساوي بين المرأة والرجل ولا ترى أدنى تفاوت أو تفاضل بينهما، بحيث يكونا مشتركين في كل شيء، ولهما كافة الحقوق والاحتياجات التي تكون للآخر.

وهذه النظرة وإن كانت في نفسها جيدة، لكنها تضمنت خطأ كبيراً يمنع من قبولها، ولذا وسمناها بأنها جاهلية، وذلك لأنها قد أغفلت الفوارق الفسيولوجية والسكيولوجية الثابتة بين الرجل والمرأة، لأن عدم ملاحظة هذه الفوارق أوجبت وقوع المرأة في جملة من المشاكل مما أدى بها إلى الإصابة بالكثير من الأمراض النفسية والأخلاقية.

الثالثة: وهي نظرة الإسلام، وتتمحور في ناحيتين:

أولاهما: أن الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة في الجملة، ويرى أنهما مشتركان.

ثانيهما: إن هناك جملة من الفوارق الموجودة في كل منهما بحسب طبيعة الخلقة، سواء كانت فوارق فسيولوجية، أم كانت فوارق سكيولوجية، يراعيها الإسلام.

فالإسلام مثلاً يراعي أن المرأة كتلة من العواطف، وذلك يعني أن عواطفها قد تغلب على عقلها، بعكس الرجل في هذا الجانب، وهكذا.

نظرة الإسلام للمرأة:

ومما يؤكد هذا المنظار وهو المساواة مع مراعاة الفوارق، العديد من الآيات القرآنية الشريفة، فإنها تضمنت الحديث عن مساواة المرأة للرجل فيما لا يكون للفوارق الطبيعية بحسب الخلقة مدخلية، نشير إلى بعض منها:

حق الإنسانية:

فإن القرآن الكريم لم يعمد إلى التفريق بين الرجل والمرأة، بل هما متساويان في هذا الجانب، فلا يمتاز الرجل على المرأة في إنسانيته، وليست المرأة في إنسانيتها أقل شأناً منه، فلاحظ قوله تعالى:- (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)[3]، إذ لا يخفى أن المراد من الإنسان في الآية الشريفة هو الرجل والمرأة، ولا فرق بينهما.

حق الكرامة:

فإن الباري سبحانه وتعالى عندما تحدث عن تكريم العنصر البشري لم يفرق بين الذكور والإناث، بل هما معاً في مرتبة واحدة، مما يثبت ما ذكرناه من المساواة، يقول تعالى:- (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)[4]

حق التعليم:

فكما أن للرجل حق التعلم كذلك للمرأة ذلك، يقول المولى جل وعلا في محكم كتابه وبليغ خطابه:- (علمه البيان)[5]فإن الضمير راجع للإنسان وهو كلا الرجل والمرأة.

حق الهداية:

فإن الهداية مودعة في المرأة كما هي مودعة في الرجل، يقول تعالى:- (إنا هديناه السبيل إما شاكراً أو كفوراً)[6].

وغير ذلك من الموارد التي يمكن للقارئ أن يجدها عند قراءته للقرآن الكريم، ولا نطيل بذكرها.

النظرة الإسلامية للمال:

بعد اتضاح الصورة حول رؤية الإسلام ونظرته للمرأة، واتضاح مقدار التقدير والاحترام الذي يكنه الإسلام للمرأة، وأنه لا صحة لما يقال من أن الإسلام يظلمها، نحتاج أن نركز الحديث حول النص الذي افتـتحنا به البحث، وهو الذي تضمن الإجابة عن واحد من الإشكالات المثارة في هذا المجال، وهو الجانب الاقتصادي، ولكي نستكمل البحث ينبغي أن نتعرف على نظرة الإسلام للمال، فنقول:

هناك أطروحتان بالنسبة للمال:

الأولى: هي التي ترى أن للمال قيمة ذاتية.

الثانية: هي التي ترى أن المال ليست له قيمة ذاتية، وإنما قيمته بمقدار ما يلبي من احتياجات ويقضي من أغراض.

والأطروحة الإسلامية هي الأطروحة الثانية، حيث أن الإسلام لا يرى للمال قيمة في ذاته، بل يرى أنه وسيلة من وسائل التنظيم للمعاش وشؤونه، وتوفير ما يحتاج إليه الإنسان من كافة احتياجات، كالملبس والمسكن والمأكل وغير ذلك.

ومن هنا لا يرى الإسلام موضوعية لتملك الإنسان للمال، ما دام يمكنه أن يحصل أغراضه منه حتى لو لم يكن ملكاً له، فالابن الذي يحتاج إلى النفقة، لا يلزمه أن يكون مالكاً للمال ما دام أن الأب سوف يتولى القيام بهذه المسؤولية، ومثل ذلك الزوج، وهكذا.

ولو دققنا النظر لوجدنا أن منشأ إشكال المستشكل في الناحية محل البحث وهي البعد الاقتصادي للمرأة في الإسلام يرجع إلى عدم فهمه إلى أطروحة الإسلام ورؤيته للمال، فلأن المستشكل يرى الأطروحة الأولى وهي التي ترى أن للمال قيمة ذاتية، فإنه يطرح إشكاله المشار إليه آنفا، بينما لو أنه ترفع عن الانحراف الذي وقع فيه أغلب العنصر البشري من خلال التكالب على المادة، وجعلها أمراً هاماً ورئيسياً لما كان ذلك.

فالمرأة ما دامت قد كفيت مؤونتها وتولى لها من يقوم بشؤون عيشها فلا أهمية حينئذٍ لأن تكون مالكة أم لا.

مسؤولية الرجل المالية:

ومع أنه قد أتضح الجواب عن الإشكال المذكور من خلال ما قدمنا، إلا أننا نزيد ذلك إيضاحاً من خلال النص الذي افتـتحنا به المقام، فنقول:

إن هناك مسؤوليات مالية تلقى على عاتق الرجل لا علاقة للمرأة بها، وتلك المسؤوليات هي:

1-الجهاد.

2-النفقة، ويقصد بها النفقة الواجبة عليه، لأنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته حتى لو كانت غنية، بل لو كان الزوج معسراً عدت نفقة الزوجة عليه ديناً يجب عليه أن يدفعه متى تيسر حاله، وحسن شأنه، كما يجب على الأب أن ينفق على أولاده.

3-العاقلة، ونعني بها أنه لو أن أحد أفراد أسرة أو عائلة ما قتل شخصاً آخر خطئاً محضاً، فإن الذي يجب عليه دفع الدية هم أفراد أسرته من الذكور، وليس على النساء أن يدفعن شيئاً من ذلك.

ولا يفرق في كون القاتل رجلاً أم امرأة، بمعنى أنه كما يجب تحمل الدفع من قبل العاقلة لو كان القاتل ذكراً، كذلك لو كان القاتل أنثى فإنه يجب عليهم تحمل المسؤولية.

فالإمام(ع) يقرب للسائل السبب الذي أوجب أن يكون للرجل سهمان وللمرأة سهم واحد وذلك من خلال بيانه للمسؤوليات المالية الملقاة على عاتق الرجل، ولا تتحمل المرأة شيئاً منها.

——————————————————————————–

[1] سورة النحل الآيتان رقم 58-59.

[2] سورة التكوير الآيتان رقم 8-9.

[3] سورة الإنسان الآية رقم 1.

[4] سورة الإسراء الآية رقم 70.

[5] سورة الرحمن الآية رقم 4.

[6] سورة الإنسان الآية رقم 3