26 أبريل,2024

إختلاف فتوى المرجع الحي والميت

اطبع المقالة اطبع المقالة

إختلاف فتوى المرجع الحي والميت

إذا قلد المكلف مجتهداً يقول بأمر ما وعمل على وفق ذلك الأمر، ثم مات ذلك المجتهد وقلد مجتهداً آخر يقول بخلاف ما كان يقول به المجتهد الأول، فهل يلزمه إعادة الأعمال التي أداها وفقاً لقول المجتهد الأول، والتي تخالف رأي المجتهد الثاني، أم يحكم بإجزائها وصحتها، وعدم حاجته إلى إعادتها؟

لا يخفى أن الأعمال التي يختلف المجتهدان فيها قد ترتبط بالعبادات، وقد ترتبط بالمعاملات، فهنا قسمان:

الأول: ما يكون مرتبطاً بالعبادات: وله عدة أمثلة:

منها: ما يقع في باب الطهارة:

1-لو قلد مجتهداً يقول بجواز مسح القدمين معاً في الوضوء، أو يقول بجواز تقديم مسح الرجل اليسرى على اليمنى، وصلى بهكذا وضوء، ثم مات فقلد مجتهداً يقول بلزوم تقديم الرجل اليمنى في المسح على اليسرى، ولا يجوز مسحهما معاً.

2-لو قلد مجتهداً يقول بعدم وجوب الترتيب في الغسل بين الجانبين الأيمن والأيسر بل يجوز غسلهما معاً، واغتسل من الجنابة وصام، ثم قلد من يقول باعتبار الترتيب بينهما.

3-لو قلد من يقول بكفاية مرة واحدة في التيمم، وصلى وصام معتمداً على هذا التيمم، ثم قلد من يقول بلزوم ضربتين فيه، وعدم كفاية ضربة واحدة في تحققه.

وكذا يجري الأمر في التعامل مع الأعيان النجسة، والأمثلة عديدة في باب الطهارة.

ومنها: ما يرتبط بباب الصلاة:

1-لو قلد مجتهداً يقول بعدم وجوب قراءة السورة بعد الفاتحة، بل يكفي في الركعتين الأولى والثانية الاقتصار على قراءة الفاتحة فقط، ويستحب أن يقرأ بعدها سورة، فأقتصر المكلف على قراءة الفاتحة فقط، ثم قلد من يقول بوجوب قراءة سورة كاملة بعدها، أو بعض السورة.

2-لو قلد من يقول بعدم لزوم تعيـين البسملة للسورة قبل قراءتها، وصلى بناء على ذلك، ثم قلد من يقول بلزوم التعيـين، وعدم صحة القراءة لو حصلت دون تعيـين.

3-لو قلد من يقول بكفاية الإتيان بالتسبيحات الأربع مرة واحدة في الركعتين الثالثة والرابعة، وبعدها قلد مرجعاً يقول بلزوم الإتيان بها ثلاثة مرات.

ومنها: ما يرتبط بباب الصوم:

كما لو قلد من يقول بعدم مفطرية الارتماس، واغتسل في نهار شهر رمضان مرتمساً، ثم قلد من يقول بمفطرية الارتماس، فهل يلزمه قضاء الصيام الذي ارتمس في نهاره، أم يحكم عليه بالصحة.

ومنها: ما يكون مرتبطاً بباب الخمس:

كما لو قلد من يقول بعدم وجوب الخمس في الأرض التي للسكنى، أو الدار التي للسكنى، ثم قلد من يقول بوجوب الخمس فيهما، فهل يلزمه إخراج الخمس منهما، أم لا يلزمه ذلك.

وهكذا يأتي الكلام أيضاً في بقية العبادات كالحج وغيره.

الثاني: ما يكون مرتبطاً بباب المعاملات:

ونقصد بالمعاملات معناها الأعم، فلا تنحصر في خصوص العقود، والأمثلة هنا كثيرة أيضاً:

منها: ما يكون مرتبطاً بباب البيع:

كما لو قلد من يقول بصحة إيقاع عقد البيع بغير اللغة العربية، كاللغة الفارسية مثلاً، فباع أو اشترى، ثم قلد من يقول بشرطية اللغة العربية في العقد، فهل تثبت الملكية لما اشتراه، أو باعه أو لا.

ومنها: ما يكون في باب الطلاق:

فلو أوقع الطلاق بغير اللغة العربية كالهندية مثلاً، لتقليده من يقول بصحة ذلك، ثم قلد من يشترط في وقوعه أن يكون باللغة العربية، فهل يقع الطلاق أم لا زالت الزوجة في حبائله، فلا يمكنه الزواج من أختها، ولا يمكنه التزويج بخامسة، وهكذا.

ومنها: ما يكون متربطاً بباب الذباحة:

كما لو قلد من يقول بصحة الذبح بغير الحديد، وذبح وتناول اللحم المذبوح بغير الحديد، ثم قلد من يشترط في حلية اللحم وذكاته ذبحه بالحديد وأن المذبوح بغير الحديد ميتة، لا يحل أكله. فهل يكون قد تناول الميتة، أم لا.

ولا ينحصر الأمر في خصوص ما ذكرناه، بل يجري في بقية أبواب المعاملات كالإجارة وغيرها.

ولا يذهب عليك، أن المسألة المذكورة فيها ناحيتان للبحث:

الأولى: صحة الأعمال الصادرة من المكلف وفقاً لرأي المجتهد الميت، مع مخالفتها لرأي المجتهد الحي الذي يقلده وعدم صحتها. ولذا لا معنى للبحث في المسألة لو كانت الأعمال الصادرة من المكلف باطلة على رأي المجتهد الميت، كما لا يخفى.

الثانية: بناءً على القول بصحة الأعمال السابقة الموافقة لرأي المجتهد الميت، هل يمكن الاستفادة من الأمور الباقية، كالثوب الذي حكم بطهارته على رأي المجتهد الأول، فيصلى فيه وإن كان نجساً على رأي المجتهد الثاني. أو اللحم الذي يبنى على حليته وذكاته على رأي المجتهد الأول وهو ميتة على رأي المجتهد الثاني. والمرأة التي يحكم بزوجيتها طبقاً لرأي المجتهد الأول، وحرمتها وفقاً لرأي المجتهد الثاني، أم لا يمكن الاستفادة منها؟

وسوف يتضح حكم الناحية من خلال ما نذكره في الناحية الأولى.

أما الناحية الأولى: وهي صحة الأعمال وعدمها:

وقبل ذكر أراء الفقهاء فيها، نشير لمقدمة مهمة في المقام، حاصلها:

إن الحديث عن صحة العمل الصادر من المكلف ومن ثمّ إجزاء فتوى المجتهد الميت مع مخالفتها الحي يختص بأمرين:

أحدهما: الموضوعات التي لها آثار باقية إلى زمان تبدل الفتوى، فلا معنى للنزاع في الموضوعات المنتفية، مثلاً لو قلد من يقول بحلية الذبح بالمكائن الحديثة وتناول اللحم المذبوح بواسطتها، ثم قلد من يقول بعدم حلية الذبح بها، لم يكن محصل للنزاع في الإجزاء وعدمه، والصحة وعدمها، لعدم وجود ثمرة عملية مترتبة على ذلك.

ثانيهما: الفتاوى التي كانت على خلاف الاحتياط، كما لو قلد من يقول بعدم اشتراط الطواف بين البيت والمقام، وحج طائفاً خلف المقام، ثم قلد من يشترط الطواف بينهما في صحة الطواف.

أما إذا كانت فتوى المجتهد الميت موافقة للاحتياط، وكانت فتوى المجتهد الحي على خلافه، فلا معنى للبحث عن الصحة والإجزاء، كما لو كان الميت يقول بعدم إجزاء غسل الجمعة عن الوضوء، وقال الحي بإجزائه.

وبالجملة، إنما يختص النـزاع والبحث فيما إذا كانت فتوى الميت على خلاف الاحتياط لا ما إذا كانت موافقة إليه.

وبعد الفراغ عن المقدمة، نشير لأقوال الفقهاء في المسألة:

الأول: ما أختاره جمع منهم، كالسيد اليزدي صاحب العروة، والإمام الخميني(ره)، من التفصيل بين المسائل التي ينتهي موضوعها ولا يبقى أثرها عند تقليد المجتهد الحي، فيحكم فيها بعدم الحاجة للإعادة والإجزاء، بل هي خارجة تخصصاً عن حريم البحث، كما لو مسح القدمين معاً في الوضوء، أو قدم مسح الرجل اليسرى على الرجل اليمنى، وكذا لو صلى بدون سورة مثلاً، أو طاف خلف المقام، فإن هذه الأعمال ينتهي موضوعها بأدائها، فيحكم فيها بالصحة والإجزاء.

أما المسائل التي يبقى موضوعها إلى ذلك الوقت فيحكم بعدم الصحة وعدم الإجزاء، بل يلزمه الإعادة، كما لو كان عنده ماء الغسالة المحكوم بالطهارة وفقاً لرأي المجتهد الميت، والمحكوم بنجاسته وفقاً لرأي المجتهد الحي، فلا يجوز له استعماله في ما يعتبر فيه الطهارة.

وكذا لو كان عنده لحم حكم عليه بالتذكية طبقاً لفتوى المجتهد الميت، إلا أنه محكوم بكونه ميتة على رأي المجتهد الحي، وجب عليه الاجتناب عنده وعدم جواز أكله.

الثاني: ما أختاره الإمام الخوئي(ره) من التفصيل بين العبادات والمعاملات، فذكر في العبادات أنه يلزم ملاحظة الفعل الصادر من المكلف وفقاً لرأي المجتهد الأول، وأنه ناقص برأي المجتهد الثاني، فهنا فرعان:

الأول: أن يكون النقص الحاصل في العمل يوجب ضرراً على صحة العمل مطلقاً، سواء صدر عن عمد أم عن جهل، أم عن سهو. كما لو أخلّ بالطهارة، كما لو اغتسلت الفتاة من دون ترتيب بين غسل الرأس وغسل البدن، بل غسلت ذلك كله مرة واحدة.

وقد ذكر (ره) أن هذا يعتمد على الدليل الذي استند إليه الفقيه، فإن كان من باب الأخذ بالقدر المتيقن، وقاعدة الاحتياط لزم التفصيل بين بقاء الوقت وانقضائه، فلو كان الوقت باقياً لزمت الإعادة. أما لو انقضى الوقت لم يلزمه القضاء.

الثاني: أن لا يوجب النقص الحاصل في العمل ضرراً على صحة العمل حال الجهل والسهو وفقاً لرأي المرجع الثاني، كما لو قلد من يقول بعدم وجوب السورة في الصلاة ثم قلد من يقول بوجوبها فيها، لم تجب عليه إعادة الصلاة التي صلاها بغير سورة ما دام الوقت باقياً، كما لا يجب عليه قضاء الصلاة بعد انتهاء الوقت.

هذا بالنسبة للعبادات، وأما بالنسبة للمعاملات، فهنا صورتان:

الأولى: أن لا يكون هناك أثر مترتب على العقد الصادر ناقصاً مثلاً وفقاً لرأي المجتهد الأول، كما لو عقد على امرأة باللغة الفارسية وطلقها قبل وفاة المرجع الأول، أو ماتت قبل تقليده للمجتهد الثاني.

وكذا لو قام بذبح ذبيحة مستجمعاً لكافة الشروط المعتبرة في التذكية عند المجتهد الأول، إلا أنها فاقدة لبعضها عند المجتهد الثاني بسبب ذبحها بسكين مصنوعة من الأستيل، وقام بتناول ذلك اللحم، ولم يبق منه شيء، فلا إشكال هنا في البناء على الصحة.

الثانية: أن يكون هناك أثر مترتب على المعاملة، كما لو بقي شيء من لحم الذبيحة التي ذبحت فاقدة لبعض شرائط التذكية عند المجتهد الثاني. وكذا طهارة اللباس، وكذا ما يتعلق بالملكية والزوجية، وهكذا.

وفي جميع هذه الفروض، لا يجوز البناء على الصحة، وعليه لا يحل له وطئ تلك المرأة، كما لا يحل له أكل ذلك اللحم، ولا ترتيب آثار الملكية، وهكذا.

الثالث: ما أختاره السيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، وهو التفصيل بين ما يكون الإخلال به موجباً لفساد العمل مطلقاً من دون فرق بين حالة العلم والجهل، وبين ما يكون الإخلال به لا يمنع من الصحة لو صدر عن جهل قصوري بنظر المجتهد الثاني، فإذا كان من الأول لم يحكم بالصحة والإجزاء، أما لو كان من الثاني، حكم عليه بالإجزاء والصحة.

ولا يفرق في ما ذكرناه بين العبادات والمعاملات، بل الحكم في كليهما واحد.