30 أبريل,2024

آداب المجالس الحسينية

اطبع المقالة اطبع المقالة

آداب المجالس الحسينية

 

تضمنت النصوص الشريفة الصادرة عن المعصومين(ع) حثاً على حضور مجالس الذكر، فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال: ارتعوا في رياض الجنة، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر.

ومن أجلى مصاديق مجالس الذكر هي المجالس التي يذكر فيها محمد وآله(ع)، والتي تتضمن إحياء أمرهم(ع)، فقد جاء عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

وجاء عن الإمام الصادق(ع) أنه قال لفضيل: تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا.

وأوضح مصداق وأجلى عنوان لمجالس الذكر التي يحيى فيها أمرهم(ع) هي المجالس الحسينية والتي تعقد لذكر مصيبة المولى أبي عبد الله الإمام الحسين(ع).

 

وكما تضمنت النصوص حثاً على حضور مجالس الذكر، فقد تضمنت أيضاً عرضاً وبياناً للآداب التي ينبغي مراعاتها في حضور تلك المجالس، وسوف نسلط الضوء على شيء من تلك الآداب اللازم مراعاتها في حضور المجالس الحسينية، ومن ذلك يعرف آداب بقية مجالس الذكر.

وقبل أن نشير لشيء من الآداب ينبغي الالتفات إلى أن ما نذكره وإن كان آداباً بمعنى أنه قد لا يكون مستحباً، ولا مكروهاً، فضلاً عن أن يكون واجباً أو محرماً بحسب حكمه الأولي، إلا أنه قد يصبح محرماً وفقاً لحكمه الثانوي كما لو دخل ذلك تحت عنوان الإيذاء للمؤمن، أو إهانته، أو استنقاصه، أو إذلاله، ومن ذلك بهتانه أو غيبته.

 

والآداب التي ينبغي مراعاتها تشمل عناصر المجلس الحسيني الثلاثة، وهم:

1-الآداب الخاصة بالقائمين على المجلس الحسيني.

2-الآداب الخاصة بالخطيب.

3-الآداب الخاصة بالمستمع.

ويمكن تصنيف الآداب المذكورة إلى صنفين: مشتركة بحيث يشترك فيها جميع العناصر السابقة، ومختصة وذلك لاختصاصها بكل واحد من هذه العناصر الثلاثة.

 

الآداب المشتركة:

هناك العديد من الآداب التي ينبغي لكل من يحضر المجالس الحسينية مراعاتها والالتـزام بها، خصوصاً وفق ما نعتقده نحن أبناء الطائفة المحقة من حضور سادة الخلق وأشرفهم محمد وآله(ع) فيها، كما يحضرها أيضاً الملائكة.

ومن الطبيعي أن حضور أمثال هؤلاء يستدعي آداباً معينة، مضافاً لذات المجلس الحسيني بما هو هو، وقد نسب للإمام الحسين(ع)، وكفى بهذه النسبة أن تدعو لمراعاة تلك الآداب.

 

وعلى أي حال، فالآداب التي ينبغي مراعاتها كثيرة، نشير لبعضها:

منها: قصد القربة لله سبحانه، سواء من القائمين على المجلس، أم من الخطيب، أم المستمع، وعلامة ذلك في صاحب المجلس عدم الاهتمام بعدد الحضور، لأن الأجر يترتب على ما يقوم به هو لا بما يقوم به الآخرون، فما عليه إلا أن يفتح بابه ويضع بساطه.

وأما قصد القربة بالنسبة إلى المستمع، فإن الصورة فيه جلية واضحة لا تحتاج بياناً وإيضاحاً.

 

ومنها: بناءً على ما تقدم ذكره من أن المجالس الحسينية هي أجلى وأوضح صور مجالس ذكر الله تعالى، فينبغي توقيرها بأن يبدأ دخولها بالتسمية، وأن يكون على طهارة، لأنها مجالس العلم والمعرفة والقرب من الله تعالى.

ومنها: يحتاج الإنسان قبل حضور هذه المجالس إلى الاستعداد والتهيؤ النفسي لها، وذلك بذكر الله سبحانه والصلاة على النبي وآله(ع) حتى ينال النفحات الالهية في ذلك المكان المبارك.

ومنها: مراعاة آداب المكان، فلو كان المجلس الحسيني يقام في مسجد من المساجد، فيلزم القيام بمراعاة آداب المسجدية، وذلك بأن يبدأ حال دخوله مثلاً بصلاة ركعتين تحية المسجد. وكذا للحسينية آدابها الخاصة بها التي لابد من مراعاتها لو كان المجلس الحسيني مقاماً فيها، بل إن لكل موقع فتح لعقد المجلس الحسيني آداباً لابد من مراعاتها.

 

آداب المستمع:

ولنكتفي بما ذكرناه من الآداب المشتركة ولنبدأ بعرض الآداب الخاصة، وأول ما نذكره هي آداب المستمع لهذه المجالس، والذي يعدّ أحد عناصرها:

منها: حسن الاستماع:

وهذا لا يكون إلا من خلال الاستماع، بل من خلال الإصغاء والذي هو أعلى مرتبة من مراتب الاستماع، ويكون ذلك بترك الاشتغال بكل ما يحول بينه وبين ذلك، وطريق تحقيق ذلك أن ينقطع المستمع إلى الله تعالى من خلال الارتباط التام بالخطيب وليعتبر نفسه في صلاة فريضة بين يدي الله، أو في طواف حول الكعبة، فكما أن المصلي لا يشغله شيء مهما كان عن حبيبه الذي قام بين يديه، والطائف معلق قلبه بمن يكون طريقه لله سبحانه، وهو صاحب الزمان(عج)، الذي يحتمل أنه يطوف معه، فلا ينشغل عنه بأي شيء مهما كان، كذلك الحاضر للمجالس الحسينية لا ينشغل عني الخطيب بأي شيء مهما كان، لأنه طريق ارتباطه بالله تعالى وسبيل مواساته لمحمد وآله(ع).

 

مراتب الاستماع:

ولا يخفى أن للاستماع مراتب، فهناك سمع وسماع واستماع، وانصات، وهو أعلاها، واستعمال كل مرتبة تشير إلى مدى عناية الإنسان بالموضوع والقضية المطروحة ومقدار اهتمامه وعنايته بصاحبها.

نعم ليس مطلوباً من المستمع أن يكون خشبة ساكنة لا حراك فيها، فإن ذلك ليس من صفات المستمع الجيد، بل المطلوب منه أن يشعر الخطيب بتفاعله معه، وذلك من خلال بعض الحركات والإيماءات التي تكشف عن ذلك، مثل الابتسامة، وحركة الراس الكاشفة عن المتابعة والانسجام مع الموضوع، وما شابه ذلك، ويكون ذلك في الأوقات المناسبة.

والحاصل، إن الانصات من المستمع للخطيب يظهر مدى ما لديه من رزانة ومدى تفهمه واهتمامه بما يكون لدى الآخرين.

 

ومنها: استغلال ساعة الدعاء في نهاية المجلس:

فإنها ساعة من ساعات الاستجابة ومن المستحسن أن لا يكتفي المستمع بما يدعو به الخطيب، بل يكون له دعاؤه الخاص.

 

ومنها: البكاء:

وذلك بأن يعيش الأجواء التي تحرك فيه العواطف، وتنـزل الدمعة باستذكار أحداث واقعة الطف وما جرى فيها، فإن لم يوفق للبكاء فعليه بالتباكي والتظاهر بالحزن والأسى والتلهف لما جرى على المولى الحسين وأهل بيته(ع).

وعليه، أن لا يعتني لمن حوله فيجعل وجودهم مانعاً له من البكاء أو التباكي أو الصرخة.