11 مايو,2024

سؤال حول رواية وردت في كتاب روضة الكافي

اطبع المقالة اطبع المقالة

س: جاء في كتاب روضة الكافي الرواية التالية: عن بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج، فبعث إلى رجل من قريش، فأتاه، فقال له يزيد: أتقرّ لي أنك عبد لي إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك؟ فقال له الرجل: والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت بأفضل مني في الدين، ولا بخير مني، فكيف أقرّ لك بما سألت  فقال له يزيد: إن لم تقرّ لي والله، قتلتك، فقال له الرجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي(ع) ابن رسول الله(ص)، فأمر به فقتل. ثم أرسل إلى علي بن الحسين(ع)، فقال له مثل مقالته للقرشي، فقال له علي بن الحسين(ع): أرأيت إن لم أقرّ لك، أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس؟ فقال له يزيد-لعنه الله-: بلى، فقال له علي بن الحسين(ع): قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره، فإن شئت فأمسك، وإن شئت فبع، فقال له يزيد-لعنه الله-: أولى لك، حقنت دمك، ولم ينقصك ذلك من شرفك[1]. فما هو تعليقك على هذه الرواية، وهل هي رواية صحيحة؟

ج: لا يخفى أن اعتبار رواية من الروايات يعتمد على دراستها ونقدها سنداً ومتناً، بعد الفراغ عن تمامية مصدرها، وهذا يعني أنه حتى يصح لنا القبول بهذه الرواية المذكورة، نحتاج أولاً ملاحظة مصدرها، ثم ملاحظة سندها، وأخيراً العمد إلى نقد متنها، ومجرد كونها منقولة في كتاب شيخنا الكليني(ره) لا يوجب البناء على صحتها، لما قرره غير واحد من الأعلام من البناء على عدم صحة جميع ما جاء فيه، نعم هناك قول بالبناء على صحة جميع رواياته، وعلى أي حال، فالحديث عن الرواية المذكورة يكون من جهات:
الجهة الأولى: في مصدر الرواية:
أما مصدرها فهو كتاب الروضة من الكافي، لشيخنا الكليني(ره)، وقد أختلف أعلامنا في صحة نسبته للشيخ الكليني(قده)، فقال الخليل بن غازي القزويني المتوفى سنة 1089 هـ، بعدم كونها من تأليفه(ره) وفقاً لما ذكره صاحب رياض العلماء، في تعداد ما انفرد به من الأقوال، وقد نسب القول بذلك أيضاً إلى الشهيد الثاني(ره).

ولعل منشأ القول المذكور اختلاف منهجية الروضة من حيث العرض عما جاء في بقية الكتاب، فإن القارئ للكافي يجد تبويباً وترتيباً خاصاً فيه، لا يجده في الروضة، فعوضاً عما يوجد في الأصول والفروع من التصنيف، فإنه ينقل الروايات في الروضة من دون جعلها تحت عنوان أو أبواب، وكتب، بل ظاهرها كونها كلها كتاباً واحداً غير مصنف، وهذا الأسلوب كما ذكرنا يختلف مع أسلوب الشيخ الكليني(ره) في بقية الموارد.

نعم هذا القول يعدّ من الأقوال الشاذة التي لا يُسمع لها، والمعروف بين أصحابنا الالتـزام بثبوت نسبة كتاب الروضة لشيخنا الكيني(ره).
وبالجملة، لا وجه للمناقشة في مصدر الرواية كما لا يخفى.

الجهة الثانية: الدراسة السندية:

وأما من حيث السند، فسند الرواية على ما جاء في المصدر كالتالي: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا جعفر(ع)…الخ….
ولا يخفى أن السند المذكور ليس فيه من يتوقف فيه سوى إبراهيم بن هاشم، فإنه لم ينص على وثاقته، إلا أن البناء على اعتبار مروياته، ولا أقل من حسنه متعين، والشواهد على ذلك في كلمات الأعلام كثيرة، فلاحظ.

وأما أبو أيوب الواقع في السند، فهو إبراهيم بن عيسى المعروف بأبي أيوب الخزاز، وقد نص على وثاقته في كلمات الرجاليــين، كشيخ الطائفة والنجاشي، فلاحظ.
ووفقاً لما تقدم يتضح أن الرواية المذكورة من الصحيح، بل من الصحيح الأعلائي كما لا يخفى، إلا أن ذلك لا يستوجب الاستناد إليها إلا بعد أن يتم دراستها ونقدها متناً، فإن سلم متنها، دخلت دائرة الحجية، وإلا فلا.

الجهة الثالثة: نقد المتن:

ثم إنه بعد الفراغ عن تماميتها من ناحية السند، لابد وأن ينطبق عليها السلامة من ناحية المتن، وذلك بعرضها في مقام النقد للمتن على القاعدة العقلائية والقاعدة الشرعية، بحيث لا تكون صغرى لأحد الموانع الموجودة في القاعدة العقلائية، بتوفر أحد الموانع الموجبة لرفضها، كمنافاتها مثلاً للعقيدة والدين، بأن تشتمل الرواية على ما ينافي عقيدة التوحيد، أو ينافي عقيدة النبوة، أو تكون مخالفة لما هو المعلوم والمتيقن تاريخياً، أو تكون مخالفة للكتاب العزيز نتيجة عرضها على آيات الكتاب زاد الله عزة وشرفاً.

أما لو كانت الرواية محل البحث صغرى لأحد الموانع الثابتة في القاعدة العقلائية، فلا ريب في أن ذلك سوف يكون مانعاً من القبول بها والاستناد إليها، بل سوف يلتـزم بكذبها، وأنها من النصوص الموضوعة.

هذا وعندما نلحظ القاعدة العقلائية لنقد متن الرواية محل البحث نجدها تخالف ما هو المعلوم والمتيقن تاريخياً، ذلك أن المعروف بل المجمع عليه من قبل المؤرخين، وأهل السير أن اللعين يزيد بن معاوية، لم يخرج من الشام بعد قتله الإمام الحسين(ع)، حتى هلك فيها، فكيف يقال بأنه دخلها ودار بينه وبين الإمام(ع) الحوار المذكور.
ووفقاً لما تقدم، سوف تكون الرواية المذكورة ساقطة عن الاعتبار، وإن كانت صحيحة السند، إذ أن مجرد صحة سندها لا يكفي للقبول بها، بل لابد وأن تكون سالمة من النقد المتني، وإلا لم تقبل.
هذا وقد حملها شيخنا الحر العاملي(قده) في كتابه الوسائل على التقية، فجعلها تحت عنوان جواز إقرار الحر بالرقية مع التقية، وإن كان سيداً[2].
ولا يخفى أن ما ذكره(قده) إنما يصار إليه بعد إحراز صدور الخبر، وقد عرفت أن إحراز صدوره منوط بتوفر أمرين، بالنقد السندي، وبالنقدي المتني، فما لم يتوفرا، فذلك يعني عدم إحراز الصدور، فلا وجه عندها لحملها على التقية، لأن الحمل عليها فرع حجيتها، فلاحظ.

ولعل قريب من ذلك ما يظهر من الفيض الكاشاني(ره)، في وافيه، إذ أنه نقل الرواية المذكورة وجعلها تحت عنوان باب جحود بني أمية وكفرهم، فيستكشف من ذلك حمله الرواية على التقية، لأنهم قد كفروا، فيعمد إلى التعامل معهم بهكذا أمر، فلاحظ[3].

هذا وقد أحتمل شيخنا المجلسي غواص بحار الأنوار(قده)[4]، وجود اشتباه في البين، إما من النساخ، أو من الرواة، والمقصود بالمحدّث عنه ليس يزيد بن معاوية، وإنما مسلم بن عقبة، لما عرفت من عدم خروج يزيد من أرض الشام بعد قتله الإمام الحسين(ع)، وإنما الذي دخل المدين
ة المنورة، هو مسلم المذكور، فيكون الحوار المذكور بينه وبين الإمام زين العابدين(ع).
وهذا المعنى وإن كان من حيث الثبوت محتملاً، وبالتالي قد يتصور البعض عدم وجود ما يمنع من القبول به، لتوفر القاعدة العقلائية في متنه، كما أن القاعدة الشرعية متحققة فيه، لعدم منافاته للقرآن الكريم، وفقاً لنصوص العرض، فيكون ما أفاده شيخنا الحر(ره) تاماً بحمله على التقية، كما عرفت.

إلا أن الصحيح عدم تمامية ما ذكر، ضرورة أن القاعدة العقلائية غير متوفرة في المقام أيضاً حتى على هذا الاحتمال، لأن المضمون المذكور في الخبر يتنافى وما هو المعلوم والمتيقن تاريخياً، فقد ذكر ابن الأثير وغيره أن يزيد لما سير مسلم بن عقبة إلى أرض المدينة، وأباحها له ثلاثة أيام بما فيها من مال أو دابة، أو سلاح فهو  للجند، إلا أنه أوصاه بالإمام زين العابدين(ع) خيراً، وأمره أن يكفّ عنه وأن يستوصي به خيراً، وعلل ذلك بأنه لم يدخل مع الناس.

ولما ظفر مسلم بن عقبة على المدينة واستباحهم دعا الناس إلى البيعة ليزيد، على أنهم خِول[5]ٌ له، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاءـ فمن امتنع من ذلك قتله، فقتل لذلك جماعة، ثم أتى مروان بعلي بن الحسين فجاء يمشي بين مروان وابنه عبد الملك حتى جلس بينهما عنده، فدعا مروان بشراب ليتحرم بذلك فشرب منه يسيراً، ثم ناوله علي بن الحسين فلما وقع في يده قال مسلم: لا تشرب من شرابنا، فأرعد كفه ولم يأمنه على نفسه وأمسك القدح، فقال: جئت تمشي بين هؤلاء لتأمن عندي؟ والله لو كان إليهما لقتلتك، ولكن أمير المؤمنين أوصاني بك وأخبرني أنك كتابته، فإن شئت فاشرب، فشرب ثم أجلسه معه على السرير، ثم قال: لعل أهلك فزعوا؟ قال: إي والله، فأمر بدابته فأسرجت له، ثم حمله عليها فرده، ولم يلزمه البيعة ليزيد على ما شرط على أهل المدينة[6].
وبالجملة، لا مجال للقبول بالخبر المذكور وإن صح سنداً، ما دام لم يسلم متنه من النقد، والله العالم بحقائق الأمور.

[1] كتاب الروضة من الكافي ج 15 ص 536  تحقيق قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث ح 15130.
[2] وسائل الشيعة ب 37 من أبواب الأمر والنهي ح 1، ج 16 طبعة مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث ص 255.
[3] الوافي ج 2 ب 21 باب جحود بني أمية وكفرهم ح 3 ص 217 طبعة مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي(ع) أصفهان.
[4] بحار الأنوار ج 46 ص 138.
[5] في نهاية ابن الأثير أن اخول حشم الرجل وأتباعه، واحدهم خائل، وقد يكون واحداً، ويقع على العبد والأمة، وهو مأخوذ من  التخويل: التمليك، وقيل من الرعاية.
[6] الكامل لابن الأثير ج 4 ص 51، نقلاً عن كتاب بحار الأنوار ج 46 ص 139.