19 مارس,2024

أسئلة و أجوبة حول قضية السيدة الزهراء عليها السلام

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

س: ما هو السبب الذي جعل السيدة الزهراء(ع) هي التي تقوم لفتح الباب، ولم يقم أمير المؤمنين(ع) بذلك؟

ج: لا ريب في وجود الصديقة الزهراء(ع) خلف باب دارها عندما هجم القوم عليها، وإنما الكلام، هل أن وقوفها خلف الباب كان بغرض فتح الباب، كما لعل السائل تصور ذلك، أم أن وقفوها خلفه كان بغرض صد الهجوم الذي وقع على دارها بحيث كانت(ع) ترغب الحيلولة دون دخول القوم الدار، ولم تكن بصدد فتح الباب قبل تعرضها لما تعرضت له.

 

إن المستفاد سواء من المصادر التأريخية التي تعرضت لذكر الحادثة، أم النصوص الواردة فيها، هو الثاني، فمن الثاني ما جاء على لسان السيدة الزهراء(ع) أنها قالت: فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب، وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا[1]. فإن التعبير بقولها(ع): فوقفت بعضادة البيت، يدل على أنها لم تكن بصدد فتح الباب، وإنما كانت بصدد دفع القوم عن ما هم مقدمون عليه من الهجوم على دارها.

ومن ذلك أيضاً ما رواه قنفذ من قدوم القوم إلى بيت الزهراء(ع)، قال: فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها، أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها[2].

 

بل جاء هذا المعنى أيضاً على لسان بعض الهاجمين على الدار، فقد ورد على لسانه: فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه[3]. وهو صريح في أن وجود الصديقة(ع) خلف الباب لم يكن بغرض فتح الباب، وإنما كان بغرض صد الهجوم، وإنما قامت بذلك عسى أن القوم يذكرون أباها(ص) فيها، فيكون ذلك مانعاً وحائلاً لهم عن الهجوم على دارها.

 

إن قلت: ألم يكن الأولى أن يتصدى لذلك أمير المؤمنين(ع)، فيقوم بصد القوم عن الهجوم على الدار ودخولها؟

قلت: قد أشرنا قبل قليل أن هناك غرضاً من قيامها(ع) بذلك دونه، وهو ملاحظة مكانتها الموجودة في الوسط الإسلامي فهي ابنة النبي الأكرم محمد(ص)، والذي سمعوا منه مكرراً أنها بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، وأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.

 

مضافاً إلى غرض آخر أرادته الصديقة الزهراء(ع) من قيامها، فإن الدعوى التي جعلت القوم ينطلقون لبيت أمير المؤمنين(ع)، ويريدون الهجوم عليه وإحراقه، أنه أصبح معقلاً للمعارضة، وأن جميع من تخلف عن البيعة للرجل الأول، يحتمون ببيت علي(ع)، وجعلوه مركزاً لهم يخططون فيه لما سوف يقومون به، وقد جاء هؤلاء من أجل القضاء على هذه الحركة المعارضة، وقد أرادت السيدة الزهراء(ع) أن تدحض هذه التهمة وتنفيها، وتثبت للقوم أن بيتها ليس مركزاً للمعارضة، وأنه لا يوجد فيه أحد ممن جاءوا يبحثون عنه، فقامت لأجل هذا، وقالت كلمتها المعروفة بأنهم مشغولون بمصابهم برسول الله(ص)، ولما خاطبت الزهراء القوم(ع) تكلم بعض الحاضرين معهم بأن في البيت فاطمة(ع)، وهذا يمنع من وجود المعارضين، كما يوجب حقاً لها، فيلزم مراعاته، ولا ينبغي إغضابها، فضلاً عن إيذائها، إلا أن الرجل أبى ذلك، وقد نقل ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة أن جمعاً ممن جاءوا معه انسحبوا بمجرد أن سمعوا صوت السيدة الزهراء(ع).

والحاصل، لقد كان هناك غرض آخر هو الذي دعى الصديقة(ع) للقيام والوقوف خلف الباب والحيلولة دون دخول القوم، لأجل نفي تهمة موجهة ومقصودة للبيت العلوي كما سمعت.

 

س: لماذا لم يقم أمير المؤمنين(ع) بالدفاع عن الصديقة الزهراء(ع) عندما أقدم القوم عل فعلتهم الشنيعة تجاهها وقاموا بضربها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها.

ج: حتى يعرف منشأ ذلك بعد التسليم بأن أمير المؤمنين(ع) لم يقم بالدفاع عن زوجته الطاهرة(ع) عند هجوم القوم عليها، لابد من ملاحظة الظروف المحيطة بالحدث، فربما يكون هناك ما يمنع من قيامه بذلك، وهذا الذي تؤكده النصوص، فإنها قد تضمنت أمراً صادراً من رسول الله(ص) إلى أمير المؤمنين(ع)، وهو المعبر عنه بالوصية يمنعه من مواجهة القوم ومجابتهم، وهذا يعدّ مانعاً من القيام بأي شيء امتثالاً لأمر رسول الله(ص) كما هو واضح.

 

وقد وردت هذه الوصية بألسنة متعددة، ما يشير إلى صدورها من رسول الله(ص) في أماكن مختلفة وأزمنة متعددة، ويكشف عن تكرر ذلك منه، والظاهر أنها موجودة في مصادر المسلمين أيضاً كوجودها في مصادرنا، وسوف أشير إلى واحد من تلك النصوص: فقد روى سليم بن قيس في كتابه في وصية رسول الله(ص) الأخيرة ساعة وفاته، أنه قال: يا علي، إنك ستلقى بعدي من قريش شدة من تظاهرهم عليك، وظلمهم لك، فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم، وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعواناً فاصبر، وكف يدك، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فإنك مني بمنـزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة، إنه قال لأخيه موسى:- (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).

 

مع أن الثابت أن أمير المؤمنين(ع)، لم يسكت عند الهجوم على السيدة الزهراء(ع) وضربها، فقد جاء في كتاب سليم بن قيس، عن سلمان الفارسي(رض)، قوله: فوثب علي(ع) فأخذ بتلابيبه، ثم نتره فصرعه، ووجا أنفه ورقبته، وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله(ص) وما أوصاه به، فقال: والذي كرّم محمداً بالنبوة…….لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله(ص) لعلمت أنك لا تدخل بيتي.

ولا ينحصر هذا المعنى في كتاب سليم، بل جاء قريب منه في تاريخ اليعقوبي أيضاً.

 

 

 

 

 

 

[1] بحار الأنوار ج 30 ص 349.

[2] تفسير العياشي ج 2 ص 67.

[3] بحار الأنوار ج 30 ص 294.