28 مارس,2024

الصيد اللهوي

اطبع المقالة اطبع المقالة

الصيد اللهوي

اشترط الفقهاء شروطاً يلزم توفرها في المسافر حتى تكون وظيفته القصر في الصلاة، عبروا عنها بشرائط أو شروط التقصير، فلو انتفى واحد منها وجب على المسافر التمام في صلاته، ولم يشرع له التقصير، وقد عدّوا منها أن يكون السفر مباحاً، فلو كان السفر محرماً كما لو سافرت الزوجة مثلاً بدون إذن زوجها، أو أتخذ المديون السفر وسيلة يهرب بواسطتها عن أداء دينه الذي حل وقت سداده، لم يجز له التقصير، وكانت وظيفته التمام. نعم لا يشمل الحكم المذكور ما إذا كان السفر مباحاً في نفسه، لكنه تضمن ارتكاب المسافر للحرام، كما لو سافر الإنسان للترفيه والنـزهة، لكنه استغاب في سفره، كانت وظيفته التقصير.

ولا يخفى أن للسفر مصاديق متعددة، فقد يكون السفر للتنـزه والترفيه والسياحة، وقد يكون السفر للزيارة المستحبة، وقد يكون السفر لأداء مناسك الحج الواجب أو المستحب، والحكم في جميع ذلك هو التقصير للمسافر، متى توفرت الشروط الأخرى المعتبرة في القصر.

إنما الكلام لو كان السفر لغاية الصيد، الذي يعدّ مصداقاً من مصاديق السفر أيضاً، فهل تكون وظيفة المكلف التقصير في الصلاة، أم يلزمه الصلاة تماما؟

من المعلوم أن الصيد على ثلاثة أنحاء:

الأول: أن يكون الصيد صيداً لأجل قوت العيال، بمعنى أن الغاية التي يتوخاها الصائد من صيده أن يكون ما يصطاده طعاماً يتغذى عليه عياله، فهو يجعل الأسماك التي اصطادها أو الحيوانات أو الطيور البرية غذاء لهم.

ولا إشكال في أن هذا عمل محلل، بل قد يكون واجباً لو انحصر تحصيل نفقة العيال فيه، وهذا يعني أنه يشرع في حقه التقصير.

الثاني: أن يكون الصيد من أجل التجارة، فالصائد لن يستخدم ما يصطاده سواء من صيد البحر أم من صيد البر لإطعام العيال، وإنما سوف يتجر به ببيعه في السوق، إما للإنفاق عليهم، أو للتوسعة في نفقتهم.

ومن الواضح أن هذا من الأمور الواجبة، أو المستحبة، وبالتالي لا يكون منافياً لشرط إباحة السفر، فلو توفرت الشروط الأخرى المعتبرة في مشروعية التقصير، كانت وظيفته القصر.

الثالث: أن يكون الصيد لهوياً، سواء قلنا بحرمة الصيد اللهوي، فيكون منافياً لشرطية الإباحة في السفر، أم قلنا بأن الصيد اللهوي ليس محرماً في نفسه، لكن دل الدليل على عدم مشروعية التقصير فيه، فالوظيفة في مثل هذا السفر لأجل هذه الغاية هي التمام في الذهاب، والتقصير في العودة إذا لم يكن العود أيضاً من سفر صيد اللهو.

معنى صيد اللهو:

نعم تبقى الحاجة إلى تحديد المقصود من عنوان الصيد اللهوي، فهل يقصد منه كل ما كان مقابلاً للصيد لقوت العيال، ولصيد التجارة، بحيث يشمل ما إذا كان الصيد للترفيه والتنـزه، أو ما إذا كانت الغاية من الصيد إدخال السرور على النفس، أو تمضية الوقت، كما لو اصطاد أسماكاً لكنه لم يكن بحاجتها، فأتلفها بإلقائها على الشاطئ عند عودته من البحر مثلاً، أم لا؟

إن الصحيح أن شيئاً مما ذكر لا ينطبق عليه عنوان الصيد اللهوي، فهو وإن كان قسيماً لصيد القوت وصيد التجارة، لكنه ليس بالصورة التي ذكرت، ما يعني أن ليس كل صيد ليس فيه فائدة، أو لم تكن لصائده غاية وهدف، يعبر عنه بأنه صيد لهوي، بل المقصود من الصيد اللهوي، هو الصيد الذي يكون موافقاً لما عليه أهل الدنيا، ونقصد بأهل الدنيا الملوك والحكام والأمراء ومن كان على نسقهم ونهجهم، فإننا لو تأملنا سيرهم وجدنا أن لهم طريقة خاصة يمارسون من خلالها الصيد تتمثل في انتخاب أدوات الصيد الخاصة من الصقور مثلاً، وكذا انتخاب الحيوانات المصطادة، وعمليات الصيد، وهكذا.

ولذا نجد أنهم يقصدون ذلك غالباً في أوقات خاصة، وفي أمكان خاصة، ولا يطلبون كل صيد، بل ربما اصطادوا شيئاً وأعرضوا عنه لكونه لا يتوافق وما يطلبون، والله العالم.