28 مارس,2024

آداب المريض وآداب زيارته (4)

اطبع المقالة اطبع المقالة

آداب المريض وآداب زيارته(4)

الإقرار بالعقائد الحقة:

ومنها: أن يستغل المريض فترة وجود المؤمنين من العائدين له أثناء مرضه فيقر أمامهم بالعقائد الحقة، من التوحيد، والنبوة، والإمامة، والمعاد، وسائر العقائد الحقة، من ديانته بالإسلام، وأن قبلته الكعبة الشريفة، وأن القرآن الكريم معجزة النبي محمد(ص) الخالدة، كتابه ودستوره الذي يتعبد بما جاء فيه، والإيمان بالقبر وسؤال منكر ونكير فيه، وضغطته، والميزان، والصراط، وتطاير الكتب، والنشور، وغير ذلك.

ولا يخفى أن الإقرار بالعقائد الحقة من الأمور الراجحة التي ينبغي أن يداوم عليها المؤمن حتى في حال الصحة وعدم المرض، إلا أنها في حال المرض تكون أرجح، لوجود احتمال موت المريض، وانقضاء حياته، وقد أشير إلى هذا في ما صدر عن النبي الأكرم محمد(ص) بياناً لكيفية الوصية إذا حضرته الوفاة، واجتمع إليه الناس، فقد جاء عنه(ص)قوله: وإني أعهد إليك في دار الدنيا أني رضيت بك رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبعلي ولياً، وبالقرآن كتاباً، وأن أهل بيت نبيك(ع) أئمتي.

ولا يخفى أن هذه واحدة من الثمرات والفوائد التي تعود على المريض من خلال زيارة المؤمنين له أثناء مرضه، وعيادتهم إياه، فلاحظ.

ثم إن الظاهر أنه لا يعتبر أن يكون الإقرار بالعقائد الحقة بخصوص هذه الألفاظ، وبهذه الكيفية والصيغة، بل يعتبر أن تكون بكل ما يكون محققاً للغرض المرجو منه، أعني الإقرار والاعتراف، فتدبر.

ترتيب شأن أبنائه الصغار:

ومنها: أن يعمد إلى تعيـين من يتولى إدارة شأن أولاده الصغار-لو كان له أولاد صغار-بأن ينصب لهم من يقوم بشؤونهم، ويتولى إدارة أمورهم، ويجعل على هذا المشرف من يرقب إدارته، وقيامه بمسؤولياته تجاههم، فيكون ناظراً عليه.

ولا ريب في مرجوحية مثل هذا العمل لدى العقلاء، فإنهم يلومون كل من لا يقيم على عياله من يصلح شأنهم، ويقوم بأمرهم حال سفره عنهم مدة زمنية قصيرة، فكيف وهو سوف ينقطع عنهم في سفر لا عودة ولا رجعة فيه.

ولا يبعد أن يقتنص هذا المعنى من ملاحظة سيرة المعصومين(ع)، فلاحظ ما قامت به مولاتنا الزهراء(ع) من وصية بأولادها، وكيف أنها طلبت من أمير المؤمنين(ع) أن يجعل لهم يوماً، وكذا ما جاء في وصية الإمام الحسن الزكي(ع)، وأنه عهد بشأن أولاده للإمام الحسين(ع)، وكذلك عندما أراد الإمام أبي الضيم أبي عبد الله الحسين(ع)، الخروج إلى ملاقاة القوم بمهجته الشريفة، أوصى بشأن أولادهم إلى أخته الحوراء زينب(ع)، وهكذا.

الوصية بثلث ماله:

ومنها: أن يوصي بثلث ماله إذا كان غنياً، شريطة أن لا يكون الإيصاء بهذا المقدار من المال موجباً للضرر على الورثة، كما لو كان الورثة كلهم أغنياء مثلاً، فعن أبي عبد الله(ع) أنه قال: إن براء بن معرور الأنصاري أوصى بثلث ماله، فجرت به السنة. وجاء عنه(ع) أيضاً قوله: من أوصى فلم يجفِ ولم يضار كان كمن تصدق في حياته.

نعم لو كان الإيصاء بالثلث مضراً بالورثة، لفقرهم وإعوازهم وضيق ذات يدهم، فإنه يبنى على كراهته، ويزداد الأمر كراهية إذا كانت وصيته بالتصرف في أكثر من الثلث، لما هو المعلوم من أن الميت لا يحق له التصرف في أكثر من ثلث تركته، وأن جميع ما أوصى به زائداً عليه لا ينفذ إلا إذا أجاز الورثة ذلك.

هذا وقد تضمنت توصيات الأئمة المعصومين الأطهار(ع) أن الأفضل أن يوصي بخمس ماله، ثم بربعه، فلاحظ.

إعداد الكفن وتهيئته:

ومنها: أن يعدّ كفنه ويهيئه، تأسياً بالأئمة الأطهار(ع)، لما ورد من قيامهم(ع)، بإعدادهم أكفانهم قبل موتهم، بل إعدادهم حتى حنوطهم، وقد ورد عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين، وكان مأجوراً كلما نظر إليه[1]. وجاء عنه(ع) أيضاً أنه قال: إذا أعدّ الرجل كفنه فهو مأجور كلما نظر إليه[2]. وقد روي عنه(ع) أيضاً أنه قال: من كان كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين، وكان مأجوراً كلما نظر إليه[3].

وقد جرت سيرة أصحاب الأئمة الأطهار(ع) على إعداد أكفانهم كما يستكشف ذلك من خلال ما كانوا يطلبوه من الأئمة(ع)أن يبعثوا لهم شيئاً من ملابسهم ليجعلوها في كفنهم، فعن محمد بن إسماعيل بن بزيع مثلاً أنه قال: سألت أبا جعفر(ع) أن يبعث إلي بقميص من قمصه أعدّه لكفني، فبعث إلي به، قال: فقلت له: كيف أصنع به؟ قال: انزع أزراره[4].

وينبغي للميت حال إعداده كفنه أن يأمنه بما يكون سبباً للنجاة والتأمين من ضغطة القبر، فقد أشير إلى أمور لو عملت في الكفن كانت منجية من ضغطة القبر، وعذاب البرزخ:

1- غسل الكفن بأحد مائين، إما بماء الفرات، أو بماء زمزم.

2- مسح الكفن بالأضرحة الطاهرة للأئمة المعصومين(ع).

3- أن يكون كفنه في إحرامه الذي قد حج به أو اعتمر، أو في الثياب التي كان يديم أداء صلاة الليل فيها. فقد جاء عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: كفنت أبي في ثوبين شطويـين كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه.

وجاء عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: إذا أردت أن تكفن الميت فإن استطعت أن يكون كفنه في ثوب نظيف كان يصلي فيه فافعل، فإنه يستحب أن يكفن فيما كان يصلي فيه.

4- كتابة ما تيسر عليه من سور القرآن الكريم، كسورة الرحمن، ويس والملك، لما ورد من أنها توجب المغفرة والرحمة لمن كتبت في أكفانه.

5- كتابة دعاء الجوشن الكبير، ودعاء الجوشن الصغير، لما ورد في فضلهما أن من كتب واحداً منهما غفر الله له ذنوبه، وأبدل سيئاته حسنات، وكفاه الله عذاب القبر، وهول المطلع.

6- كتابة حديث سلسلة الذهب، وكتابة ما كتبه أمير المؤمنين(ع) على كفن سلمان المحمدي، وغير ذلك من الأمور التي يجد القارئ في الكتب المعدة لمثل هذه الأمور.

وينبغي أن تكون كتابة ما تقدم بلون غير الأسود، وأن يكون فيه شيء من طين قبر الإمام الحسين(ع).

نظم الوصية وإحكام أمرها:

هذا ويلزم المريض والحال هذه أن يقوم بإحكام وصيته، ويعتبر هذا الأمر من أهم الأمور والأحكام التي يلزمه الاعتناء بها، والالتفات إليها، فيذكر فيها كل ما تشتغل به ذمته من الواجبات، التي يلزم قضائها عنه، وما يود أن يعمل له من عبادات أو صدقات ومبرات وصلات، كما يذكر ما تشتغل به ذمته من حقوق شرعية، أو ما تشتغل به من حقوق للآخرين، كالديون والأمانات، وما شابه ذلك، حتى يتم إيصالها إلى ذويها. وعليه في جميع هذا أن يعلم الوصي الذي قد نصبه وصياً له بذلك، وأن يكون محيطاً بهذه الأمور، كما يكون الناظر على الوصي حال جعله ناظراً عليه عارفاً بهذا أيضاً، ويملك دراية به.

حسن الظن بالله سبحانه وتعالى:

ومنها: أن يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى حال نزول الموت به، وقال بعض الفقهاء بأن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى واجب مطلقاً، ولا ينحصر في خصوص نزول الموت وحلول ساعة الاحتضار ونزع الروح. ولعله لمثل ما ورد عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: وجدنا في كتاب علي(ع) أن رسول الله(ص) قال على منبره: والذي لا إله إلا هو، لا يعذب الله مؤمناً بعد التوبة والاستغفار، إلا بسوء ظنه بالله، وتقصيره من رجائه له، وسوء خلقه، واغتيابه للمؤمنين[5].

وقد تضمنت النصوص أنه واجب حال نزع الروح من البدن، فعن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل، فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة[6].

——————————————————————————–

[1] وسائل الشيعة ب استحباب إعداد الإنسان كفنه وجعله معه في بيته وتكرار نظره إليه ح 2.

[2] المصدر السابق ح 1.

[3] فلاح السائل ص 72 نقلاً عن مستدرك الوسائل.

[4] وسائل الشيعة ب عدد قطع الكفن الواجب والندب وجملة من أحكامها ح 21.

[5] أصول الكافي ج 2 باب حسن الظن بالله عز وجل ح 2.

[6] وسائل الشيعة ب 31 من أبواب الاحتضار ح 2.