28 مارس,2024

الشهادة الثالثة (2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

شرعنة الشهادة الثالثة في الأذان:

هذا وبعد الإحاطة الإجمالية بأهم الأقوال المعروفة بين أعلامنا ينبغي إضفاء جنبة الشرعية على الإتيان بالشهادة الثالثة سواءً في الأذان أم في الإقامة، وفقاً للقول بالجزئية كما لا يخفى، وقد يشار إلى أن الدليل على جزئيتها منحصر في خبر الاحتجاج، وهو عليل من ناحية السند، أو نتيجة الاستناد لخبرين وردا في كتاب لم يعرف، وسوف نأتي على هذا الكلام إن شاء الله تعالى.

إلا أن الصحيح أن الاستدلال لشرعنة الشهادة الثالثة في الأذان بنحو الجزئية يمكن برهنته من خلال أدلة ثلاثة:

الأول: الدليل الكنائي:

وتقريب الاستدلال به يعتمد على مقدمتين:

الأولى: بيان جزئية(حي على خير العمل)في الأذان، وأن المقصود بها الولاية لأمير المؤمنين(ع).
الثانية: كاشفية الشهادة الثالثة عن مضمون الحيعلة الثالثة.

أما بالنسبة للمقدمة الأولى:

فلا ريب في دلالة الأدلة على شرعية الحيعلة الثالثة، وهي: حي على خير العمل، وقد تضافرت النصوص على ذلك، فقد روى ابن أبي عمير أنه سأل الإمام أبا الحسن الكاظم(ع) عن (حي على خير العمل)، لم تركت في الأذان؟ قال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً. فقال: أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالاً على الصلاة، وأما الباطنة فإن(خير العمل) الولاية، فأراد من أمره بترك(حي على خير العمل)من الأذان أن لا يقع حث عليها ودعاء إليها[1]. وجاء عن محمد بن مروان عن الإمام الباقر(ع) قال: أتدري ما تفسير(حي على خير العمل)؟ قال، قلت: لا. قال: دعاك إلى البر، أتدري بر من؟ قلت: لا. قال: دعاك إلى بر فاطمة وولدها[2].

وكذا أيضاً النصوص التي تضمنت تشريع الأذن في الإسراء والمعراج قد اشتملت على ذكر الحيعلة الثالثة.
وبالجملة، إن المستفاد من النصوص جزئية(حي على خيرا لعمل من الأذان)، وقد أذن بذلك كبار الصحابة.

ولا يخفى أن ما تقدم من نصوص يثير تساؤلاً مفاده: ما هو سر الترابط بين خير العمل والولاية من جهة، وبينه وبين بر فاطمة وولدها؟ قد أجيب بأن معرفة ذلك تتضح من خلال الجمع بين ما جاء عن ابن عباس وحديثه مع عمر بن الخطاب بعدما استلم الخلافة وتساؤله عن أن أمير المؤمنين(ع) هل لا زال في نفسه شيء من موضوع الخلافة، وهل لا زال يصر على أن رسول الله(ص) قد نص عليه، فكانت إجابة ابن عباس إيجابية، وعلل عمر أن ما صدر منه من اتهام للنبي(ص) بالهجر، ومنعه النبي(ص) من التنصيص على أمير المؤمنين(ع) باسمه وقد أراد ذلك إلا خوفه على الإسلام، والحيطة عليه. وبين قول النبي(ص) آئتوني بدواة وكتف، وموقف عمر بن الخطاب من ذلك, وأن الزهراء(ع) ماتت واجدة على أبي بكر، وعمرـ يتضح عندنا حينئذٍ مدى المفارقة بين ترك بر فاطمة وترك الدعوة للولاية وبين تأكيدات النبي(ص) على الاهتمام بالعترة تلويحاً وتصريحاً، لأن ذلك ينبئ عن ترابط عميق بين بر فاطمة وولدها ومسألة الصلاة، وبين الولاية والعبادة.

ويتجلى هذا واضحاً أن جميع من جاء بعد الرجل من الخلفاء قد تفطن لهذه الحقيقة ولذا عمد إلى الإصرار على حذف الحيعلة الثالثة من الأذان والإقامة.
وبالجملة، إن المتحصل مما ذكر وما لم يذكر في هذا المضمار أن خير العمل، كناية عن إمامة أمير المؤمنين(ع)، فيلزم إظهار سمات الولاية وملامحها الكنائية في الأذان، وهذا معنى تعبير أعلام الطائفة(ره) بالشعارية عنها تأكيداً على القول بها.

وأما المقدمة الثانية، فإن الحيعلة الثالثة إذا كانت بمعنى الشهادة لأمير المؤمنين(ع) بالولاية، فلا ريب في كون التصريح بذلك من خلال الشهادة الثالثة كاشف عنها، وموجب لمشروعيتها، بل رجحانها، بل جزئيتها لأن اللفظين بمعنى واحد، إذ القول بالشهادة الثالثة لا يخرج عن كونه بياناً للحيعلة الثالثة ليس إلا.
وبالجملة لقد عمد الشيعة إلى الكشف عن الولاية الثابتة لأمير المؤمنين(ع)، والمطلوبة للشارع المقدس وفقاً لدلالة حي على خير العمل على ذلك بالشهادة لأمير المؤمنين(ع) في الأذن بالولاية والإمامة.

إشكال:

هذا وقد يعترض على الاستدلال المذكور بإشكال:

بعد الفراغ عن كون الحيعلة الثالثة تعني الولاية وفقاً للنصوص المتقدمة، فما هو الداعي للإتيان مرة أخرى بما يدل عليها، وهو عبارة: أشهد أن علياً ولي الله؟
والجواب عن ذلك يتضح بعد الالتفات إلى أن بعض الأحكام المباحة قد تصبح أحكاماً واجبة بعنوانها الثانوي، ومقامنا من هذا القبيل، فبيان الإمام الكاظم(ع) لسبب حذف عمر الحيعلة الثالثة من الأذان، غايته الحث على الولاية والدعوة إليها، لأن هدف الرجل الثاني كان إماتة مفهوم الحيعلة الثالثة، وهدف الإمام الكاظم(ع) إحيائه، وعليه لما كان هدف الحكام والولاة حذف الولاية وإماتتها، كانت عبارة أشهد أن علياً ولي الله، مطلوبة بعنوانها الثانوي، للوقوف أمامهم في عملهم المذكور.

ويزداد التأكيد على الشهادة الثالثة في الأذان اليوم، وقد أصرّ خصومنا على اتهامنا بإلوهية أمير المؤمنين(ع)، فندفع ذلك الافتراء عن أنفسنا بشهادتنا بعدم وجود الشريك له تعالى، والشهادة للرسول(ص) بالرسالة، ولأمير المؤمنين(ع)، وأولاده(ع) بالولاية والإمامة والخلافة.
ثم إنه لا وجه بعد ذلك للقول بعدم صحة تقديم المفسِر على المفسَر في اللغة العربية، فإن الشواهد في كلام العرب على وقوع ذلك كثيرة، فلاحظ.

الثاني: إمضاء المعصوم(ع):

ويعتمد هذا الدليل على مقدمتين أيضاً:

الأولى: لقد ثبت في محله أن السنة الشريفة عبارة عن قول المعصوم، أو فعله أو تقريره وإمضائه، وهذا يعني أن ما يمضيه المعصوم(ع)، ويقره يعتبر مصدراً من مصادر التشريع كما لو فعل فعلاً، أو قال قولاً من دون فرق بين الثلاثة.

الثانية: لقد تقرر في علم الكلام أن وجود المعصوم(ع) في الأمة لطف، وإحدى الآثار المترتبة على كون وجوده(ع) لطفاً يستوجب أن يحفظ الأمة ويصونها من الوقوع في الخطأ والاشتباه، فضلاً عن المخالفة لله سبحانه وتعالى.

ومع ضم المقدمتين يستفاد حينئذٍ مشروعية ومحبوبية الشهادة الثالثة في الأذان، بل جزئيتها، ذلك أن ما قدم من معنى للسنة المباركة شامل للمولى صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وهذا يستدعي أنه(بأبي وأمي) مطلع ومحيط بما عليه شيعته اليوم، فلو كان في ما يفعلون وما يصدر منهم على المآذن عند كل فريضة من الفرائض، وفي صلواتهم، أذاناً وإقامة مخالفة للشرع الشريف لاستدعى ذلك بمقتضى كون وجوده لطفاً أن يتدخل ليعرفهم خطأ ما هم عليه، وما سكوته(بأبي وأمي) عن ذلك، مع قدرته على إبراز الخطأ وإظهار عدم مشروعية وصحة العمل المأتي، كاشف بطريق الإن عن شرعية ذلك، بل حتى لو كان الإتيان به بعنوان الجزئية غير مشروع لألقى خلافاً يشير إلى أنه مطلوب بنحو المحبوبية فقط لا الجزئية وأنه فصل، فعدم صدور شيء منه خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة والمتقادمة يدل دلالة واضحة على أن الإتيان بها بعنوان الجزئية ولو الواجب، فضلاً عن المستحبة، فضلاً عن المحبوبية والمشروعية مما لا ضير فيه.

الدليل الثالث: النصوص المشار إليها في عبارتي الصدوق، والشيخ(ره):

فإن الرجوع لعبارتي هذين العلمين(ره) تفيد أن هناك نصوصاً كانت تتضمن الشهادة الثالثة على أنها فصل من فصول الأذان، إلا أنهما قد عمدا إلى حذفها، لعدم توفر موجبات الحجية بنظرهما، ولا يخفى أن مقتضى فتح باب الاجتهاد في الفقه الشيعي يستدعي غالباً اختلاف الفقهاء في اعتبار النصوص وعدمه، خصوصاً مع ملاحظة اختلاف مبنى حجية الخبر من جهة، والمباني الرجالية من جهة أخرى، وقد نعود لإيضاح ذلك أكثر في ما يلي فأنتظر.

وعلى أي حال، فلننقل عبارة الصدوق، وعبارتي شيخ الطائفة(ره). قال شيخنا الصدوق(قده) بعد نقله رواية الحضرمي، وكليب الأسدي عن أبي عبد الله الصادق(ع)، وقال مصنف هذا الكتاب(من لا يحضره الفقيه): هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان(محمد وآل محمد خير البرية)مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد(أشهد أن محمداً رسول الله)،(أشهد أن علياً ولي الله)مرتين، ومنهم من بدل ذلك(أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً مرتين).

ولا شك في أن علياً ولي الله، وأنه أمير المؤمنين حقاً، وأن محمداً وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا[3].

ولا يخفى أن المستفاد من عبارته(قده)أنه لا يمنع من الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان مطلقاً كما ربما ينسبه البعض إليه، وإنما ظاهرها، بل صريحها منعه من الإتيان بها بنحو الجزئية والشطرية، أما لو أتي بها بعنوان الاستحباب من باب المرجوحية، والشعارية والمحبوبية، فلا ريب في التزامه بجواز ذلك.
ومع ذلك، فإنه(ره) قد نص على وجود نصوص تضمنت ذكر الشهادة الثالثة، وظاهر تعبيره أنه فهم من تلك النصوص كونها مذكورة في الأذان بنحو الجزئية والشطرية، إلا أنه لم ينقلها إلينا. بل قد رمى رواتها بالتفويض.

ومجرد اتهام شيخنا الصدوق(ره) لهؤلاء بالتفويض لا يوجب رفع اليد عن تلك الروايات، لما تقرر من أنه(ره) يبني على أن من لم يقل بسهو النبي(ص) فهو من المفوضة، تبعاً لشيخه ابن الوليد.
مضافاً إلى أن الخبر الذي حكم شيخنا الصدوق(ره) بكونه الأذان الصحيح من الأخبار الشاذة التي لم يعمل بها الأصحاب، لتضمنه ما لم يلتـزم به أحد من أصحابنا. كما أن هناك ما يوجب حمل كلامه بالنسبة لهذا الخبر على التقية، لقوله بعدم البأس بقول: الصلاة خير من النوم، مرتين تقية.

وعلى أي حال، ما يهمنا هو كيفية الاستفادة من عبارة شيخنا الصدوق(ره) في الدلالة على المدعى، فنقول:

لقد تضمنت عبارة شيخنا الصدوق(ره) السابقة نقله لمتون جملة من النصوص التي تضمنت تعداد فصول الأذان، من خلال عرضه لصيغ الشهادة الثالثة التي زادتها المفوضة في الأذان، وهذا يعني أن الموجود بأيدينا هو متون روايات لم تذكر أسنادها.

وقد بنى بعض أعلامنا، كالمحقق السيد البروجردي(ره)، والإمام الخميني(ره) على أنه متى فقدنا نصوصاً في مسألة ما، فإنه يمكن الرجوع لفتاوى بعض أصحابنا لكونها تمثل متوناً للأخبار، ويعتمد عليها في الفتوى، وقد ذكرا أن شيخنا الصدوق(ره) واحد من هؤلاء، لأن ديدنه نقل متون الروايات والإفتاء بها دون تغيـير، كما في كتابيه الهداية والمقنع، ونتعدى من الكتابين المذكورين لكل مورد أحرزنا فيه أنه(ره) نقل متون الروايات دون تصرف فيها، فيعتمد عليها، فلاحظ.

وأما شيخنا شيخ الطائفة، الشيخ الطوسي(ره)، فقد قال: والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً: ثمانية عشر فصلاً الأذان، وسبعة عشر فصلاً الإقامة-إلى أن يقول-ومن أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان، وزاد فيها: قد قامت الصلاة مرتين، ومنهم من جعل في آخرها التكبير أربع مرات، فأما قول: أشهد أن علياً أمير المؤمنين، وآل محمد خير البرية، على ما ورد في شواذ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان، ولا كمال فصوله[4].

وفي النهاية بعدما عمد إلى الالتـزام بأن فصول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً، وأشار إلى ما فيه من اختلاف مروي، عدّد الأقوال في ذلك، ثم قال: فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات، لم يكن مأثوماً. وأما ما روي في شواذ الأخبار من قول: أشهد أن علياً ولي الله، وآل محمد خير البرية، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل بها كان مخطئاً[5].

ولا تختلف عبارة شيخ الطائفة عما تقدم في عبارة شيخنا الصدوق(ره)، لأنه يشهد بوجود نصوص تتضمن ذكر الشهادة الثالثة، وأنها أحد فصول الأذان، عمدة ما كان هو يرميها بالشذوذ، ومن المعلوم أن الشاذ كما قرر في الدراية هو الخبر الصحيح، المخالف للمشهور، ولم يتضح وجه عدم عمله بها في المقام، مع أنه(ره) قد عمل في غير مورد من كتبه الحديثية بالأخبار الشاذة.

كما أن ما يلحظ أنه(ره) لم يمنع من الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان، بل قرر أن الآتي بها فيه ليس مأثوماً، وكأن هذا على أقل التقادير إشارة إلى جواز الإتيان بها بعنوان الاستحباب، فضلاً عن المحبوبية والمرجوحية والشعارية، فلاحظ.

وبالجملة، إن عبارة شيخ الطائفة صريحة في نصوص متضمنة للشهادة الثالثة، وعندها يمكننا الاستفادة مما قدمنا ذكره عن العلمين الكبيرين، الإمام البروجردي، والإمام الخميني(ره)، وبالتحديد في كتاب النهاية الذي هو متون أخبار، فعندها يمكن الاستناد إلى ما جاء فيه للإفتاء، فتأمل جيداً.

على أنه يمكن الاستناد للنصوص المشار إليها في كلام هذين العلمين والإفتاء على طبقهما بالجزئية المستحبة من خلال الاعتماد على قاعدة التسامح في أدلة السنن، وفقاً لمختار المشهور، ذلك أن هذه النصوص ضعيفة الأسناد لكونها مراسيل، لعدم ذكر العلمين أسنادها، وقد تقرر في محله أن قاعدة التسامح تفيد الحكم باستحباب كل ما ورد في الدليل الضعيف، لدلالة أخبار من بلغ على ذلك، فلاحظ.

هذا ويمكن أن يستند للبناء على الجزئية أيضاً بأحد دليلين في المقام:

الأول: خبر الاحتجاج، عن القاسم بن معاوية عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فليقل علي أمير المؤمنين[6].
والمانع من الاستناد لهذا الخبر ضعفه السندي، فإن صاحب الاحتجاج(ره) لم يذكر طريقه إلى القاسم بن معاوية، وبالتالي يكون الخبر مرسلاً. نعم وفقاً لما عليه المشهور من تمامية أخبار من بلغ في الدلالة على استحباب الحكم الوارد في الخبر الضعيف، فإنه يمكن الإفتاء على طبقه، كما لا يخفى.

ولا مجال للمناقشة في دلالته على المدعى، ضرورة أن الأمر الوارد في الخبر لا مجال لحمله على الوجوب، ولو بمناسبة الحكم والموضوع، ما يستدعي حمله على الاستحباب، فيكون مفاد الخبر هو استحباب ذكر أمير المؤمنين(ع) عند كل مورد ذكرت فيه الشهادتان كما لا يخفى.

كما لا مجال لمنع دلالته على المدعى، لكونه وارداً في غير الأذان، إذ أن مقتضى إطلاقه، يفيد إمكانية الاستناد إليه لإثبات ذلك في المقام، فتدبر.
وبالجملة، إن البناء على استحباب ذكر الشهادة الثالثة في الأذان من باب الجزئية المستحبة، بالبيان المتقدم، لو لم يكن متعيناً، فهو غير بعيد، فلاحظ.

الثاني: ما حكاه غير واحد من أعاظم الطائفة(ره)[7]، عن كتاب السلافة في أمر الخلافة للشيخ عبد الله المراغي المصري، وهو من أعلام السنة في القرن السابع، فقد حكى الشيخ عبد النبي العراقي(ره) ذلك عن الميرزا هادي الخطيب الخراساني في النجف، وغيره عن الشيخ محمد طه نجف أنه سمع من يثق بدينه أنه قد وقف على كتاب السلافة في أمر الخلافة، في مكتبة المدرسة الظاهرية بدمشق، من وجود روايتين تضمنتا تأذين اثنين من أكابر الصحابة بالشهادة الثالثة في عصر رسول الله(ص)، وقد أمضى(ص) ما فعلاه، رغم اعتراض بعض الصحابة على ذلك، والروايتان هما:

الأولى: ما روي عن سلمان الفارسي(رض) بأنه ذكر في الأذان والإقامة الشهادة بالولاية لعلي(ع) بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي(ص)، فدخل رجل عليه، فقال له(ص): سمعت أمراً لم أسمع قبل ذلك، سمعت سلمان في أذانه يشهد بالولاية لعلي(ع). فقال(ص): سمعتم خيراً.
الثانية: ما روي عن أبي ذر(رض) من أنه جاء بعض الأصحاب عند النبي(ص)، فقال: إن أبا ذر في أذانه شهد بولاية علي بن أبي طالب(ع) بعد الشهادة بالرسالة، وقال: أشهد أن علياً ولي الله، فقال(ص): الأمر كذلك. ثم قال معاتباً: أوَنسيتم قولي في غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فمن ينكث فإنما ينكث على نفسه.

وقد يمنع من الاستناد إليهما كونهما عاميتين، فلا تصلحان للدلالة على المدعى. وضعف مثل هذا الإشكال بيّن، ذلك أن الأصحاب قد استندوا لجملة من الأخبار النبوية، وأفتوا على طبقها، مما يعني أن الميزان ليس مجرد كون الخبر عامياً، وإنما المعيار حصول ما يوجب دخوله دائرة الحجية، فمتى كانت موجبات الحجية فيه أمكن الاستناد إليه، وإن كان من أخبار العامة، ومتى افتقد لما يوجب حجيته، رفعت اليد عنه، وإن كان من أخبار الخاصة، وقد أشير لمثل هذا المعنى العلامة التقي المجلسي(ره) كما سيأتي عند نقل كلامه، فأنتظر.

على أن موجبات الحجية فيهما قوية جداً، فإن رائحة الصدق تلوح منهما، كما أن قرائن الصحة فيهما غير بعيدة، إذ يكفي الالتفات إلى أنهما من مرويات المخالفين، والفضل ما شهدت به الأعداء، ولا يتصور أن يضع أعداء أمير المؤمنين(ع) أخباراً في فضائله.
على أنه يمكن البناء على اعتبارهما أيضاً من خلال الاستناد لقاعدة التسامح في أدلة السنن وفقاً لمسلك المشهور، وبالتالي سوف يكون مدلولهما هو البناء على جزئية الشهادة الثالثة من الأذان بنحو الجزئية المستحبة.

والحاصل، إن أضعف ما يمكن تصوره في البين، كون خبر الاحتجاج، وخبري كتاب السلافة مؤيدان لما تقدم ذكره من أدلة تفيد الجزئية والشطرية للشهادة الثالثة من الأذان، فلاحظ.

لا يقال: لو كانت الشهادة الثالثة فصلاً من فصول الأذان في عصر رسول الله(ص)، فلم يأذن بها من الصحابة إلا خصوص من ذكر، وهو سلمان وأبو ذر(رض)؟
قلنا: لا يخفى على أحد أبتناء تبليغ الأحكام على التدريج، وأن هناك أحكاماً أُخرّ تبليغها لمصالح اقتضى ذلك ككون المسلمين حديثي عهد بالإسلام، ولا يبعد أن واحداً منها هو الشهادة لعلي(ع) بالولاية في الأذان، إذ لو أمر بذلك صريحاً وبصورة جلية لظن المسلمون أن رسول الله(ص) يريد أن يحيل المسألة ملكاً لبني هاشم، كيف وقد أتهم بذلك يوم أقام أمير المؤمنين(ع) خليفة بعده في غدير خم، فراجع ما ذكر في سبب نزول سأل سائل بعذاب واقع.

[1] علل الشرائع العلة 89 ص 368.
[2] المصدر السابق العلة السابقة ص 368.
[3] من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 289-291.
[4] المبسوط ج 1 ص 148.
[5] النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص 68.
[6] الاحتجاج ج 1 ص 158، بحار الأنوار الباب الأول ح 1 ج 27. و ج 81 ب 13 ص 112.
[7] كصاحب كتاب الصراط المستقيم، والشيخ عبد النبي العراقي في كتابه الهداية، والشيخ عبد العظيم في كتابه السياسة الحسينية.