19 مارس,2024

سؤال و جواب: حول شخصية شمر بن ذي الجوشن الضبابي

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

س: ما هو تعليقكم على وصف الإمام الحسين(ع) لشمر بن ذي الجوشن يوم عاشوراء بابن راعية المعزى، وهل يناسب صدور ذلك من الإمام الحسين(ع) بأن يقوم بتعيـير الرجل بوظيفة أمه؟

 

ج: لقد نص الطبري على صدور هذا التعبير من الإمام الحسين(ع) يوم عاشوراء قبل بدء المعركة، وجاء ذلك أيضاً في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد(ره) في سياق رواية الإمام السجاد(ع) لدعاء الإمام الحسين(ع) صبيحة يوم عاشوراء، وقد يستوحى من ذلك أن الإمام السجاد(ع) ينقل صدور ذلك من الإمام الحسين(ع)، لكنه ليس واضحاً، بل الظاهر أن المروي عنه(ع) خصوص الدعاء الصادر من الإمام الحسين(ع)، وأما بقية ما جاء بعد ذلك فهو نقل من الشيخ المفيد(ره) عن المصادر التاريخية.

 

وعلى أي حال، ليس في التعبير المذكور أدنى إهانة ولا مسبة أو تعيـير لأن شمر بن ذي الجوشن يعرف بالضبابي، والضبابي نسبة إلى بني ضبة، وبنو ضبة كانوا يعرفون منذ القديم عند العرب بأبناء راعية المعزى، لحادثة تاريخية أشير إليها في بعض المصادر التاريخية مثل كتاب أنساب الأشراف للبلاذري، نعم لم يعرف منشأ توصيفهم منذ ذلك الوقت بهذه الصفة، لكنها صفة أطلقت على المنتمين لهذه العائلة، وصاروا يعرفون بها، وقد تشير لشيء من التوهين والاحتقار، لكنه أمر معروف ومشهور، وليس أمراً خفياً.

 

ومنه يظهر عدم تمامية الجواب عن ذلك بالطعن في نسبه، وأنه ولد من فاحشة لقصة تذكر أن أمه خرجت يوماً وأصابها العطش واستسقت راعياً فلم يقبل أن يسقيها إلا تمكنه نفسها وقد حملت بشمر جراء ذلك اللقاء، وينسبون ذلك لكتاب المثالب لهشام بن محمد الكلبي، إلا أنها غير موجودة في ذلك الكتاب. على أنه لو سلم ورود هذه القصة، فإنه لا معنى لأن يوصف بابن راعية المعزى، لأن القصة لا تذكر أن أمه كانت تقوم بذلك، ولو بني على أنه تعبير كنائي أراد منه الإمام الحسين(ع) تعريفه بحقيقته وأصله ونسبه، فإنه من التعبير الخفي، وليس جلياً واضحاً.

 

ثم إنه لو سلم بوجود هذه القصة في الكتاب المذكور، فإنه سوف يحمل الفعل الصادر من الإمام الحسين(ع) على التعيـير والنبز، وهو ما لا يليق بشأن الإمام الحسين(ع).

 

اللهم إلا أن يلتـزم بالتوجيه الذي ذكره العلامة الجليل السيد عبد الرزاق المقرم(ره) في كتابه مقتل الحسين(ع)، فقد جاء في الحاشية تعقيباً على قول الإمام الحسين(ع) لمروان بن الحكم: يا ابن الزرقاء، التالي:

 

غير خفي أن أدب الشريعة وإن حرّج على المؤمن التنابز بالألقاب والطعن في الأنساب، ومن تستفاد منه الحكم والآداب الإلهية أحرى بالأخذ بها، إلا أن إمام الأمة والحجة على الخليقة العارف بالملابسات لا يتعدى هذه المقررات. وابتعادنا عن مقتضيات أحوال ذلك الزمن يلزمنا بالتسليم للإمام المعصوم(ع) في كل ما يصدر منه، خصوصاً مع مطابقته للقرآن العزيز الذي هو مصدر الأحكام، والتعيـير الصادر من الحسين لمروان صدر مثله من الجليل عز شأنه مع الوليد بن المغيرة المخزومي، إذ يقول في سورة القلم:- (عتل بعد ذلك زنيم)، والزنيم في اللغة الدعي في النسب، اللصيق به. وورد في حديث النبي(ص) كما في كنـز العمال: العتل الزنيم، الفاحش اللئيم. ويروي الآلوسي في روح المعاني: أن أباه المغيرة ادعاه بعد ثمان عشرة سنة من مولده. فإذا كان ينبوع الأدب والأسرار يغمز في حق رجل معين ويسمه بالقبيح في كتابه الذي يتلى في المحاريب ليلاً ونهاراً فلا يستغرب من ابن النبوة إذا رمى مروان بالشائنة، وهو ذلك المتربص بهم الغوائل[1].

 

 

 

[1] مقتل الحسين ص 130-131.