19 أبريل,2024

نفي السهو(1)

اطبع المقالة اطبع المقالة

تضمنت مصادر المسلمين الحديثية نصوصاً تحكي صدور ما يخالف العصمة المطلقة للنبي الأكرم محمد(ص)، فقد جاء في بعضها أنه(ص) قد حصل له سهو أثناء أدائه صلاته سواء كان بنقيصة في الصلاة، أم كان بزيادة فيها، كما أن بعضها قد تضمن أنه(ص) قد نام عن صلاة الصبح حتى أنتهى وقتها وقام بأدائها قضاء.

ولقد قبل هذه النصوص بعض أعلامنا، وعمل على طبقها على أساس أنها تتضمن منهجاً تربوياً يهدف إلى منع الغلو في شخص النبي الأكرم محمد(ص)، وأنه لا يخرج عن حدود البشرية، وإن كانت العصمة ثابتة إليه، إلا أن ثبوتها في الجملة، فلاحظ ما تبناه شيخنا الصدوق(ره)، تبعاً لأستاذه ابن الوليد(ره).

ولم يلق مختار هذين العلمين قبولاً عند أعلامنا بعدهما، فكان قولهما عرضة للنقد، وتعددت الردود عليه، تارة ببيان عدم صلاحية ما استند إليه في الإثبات لهذه المقالة، وأخرى بأنه يتنافى وما قام عليه الدليل.

ومن الطبيعي توقف تمامية أي دعوى على تمامية ما يثبتها ويدل عليها، وهذا يجعل أن من يريد الحكم على مقالة سواء بالقبول والتبني، أم بالرفض والرد، بحاجة إلى ملاحظة ما يستند إليه برهاناً لإثباتها، وتشيـيداً لمفادها. وقد عرفت وجود رأيـين متباينين في المقام، ما يستدعي ملاحظتهما معاً.

إلا أنه لما كان البحث عن أدلة الطرفين يوجب طولاً، لذا سوف نعمد إلى ملاحظة النصوص التي تضمنت نسبة ما ينافي المسلمات الإسلامية للنبي(ص)، فإن لم تنهض في مقام الإثبات، كان ذلك كافياً للالتـزام بما هو الموافق للمسلمات الإسلامية، نعم لو تمت أوجب ذلك ملاحظة نسبتها لما دل على المسلم الإسلامي، فتدبر.

هذا وسوف نقصر الحديث على خصوص ما تضمنته مصادرنا الحديثية، ولن نعمد إلى عرض ما تضمنته المصادر الأخرى، لوجود احتمال الوضع والدس فيها، وأنها من الإسرائيليات التي بثت في المصادر من قبل الحكومة الأموية، رغبة منها في تشويه صورة النبي(ص)، ومحاولة الحط من شأنه، كما يشهد لذلك مواقف متعددة.

قواعد تأسيسة:

هذا ويلزم قبل البدء في عرض النصوص المتضمنة لصدور السهو من المصطفى الحبيب(ص)، وحصول النوم منه عن صلاة الصبح، أن نؤسس لمجموعة من القواعد والتي تمثل الأركان التي يعتمد عليها في التعاطي والتعامل مع النصوص الروائية، وليس ما سوف نذكره كل ما هو المطلوب، وإنما سوف نقصر على عرض ما له مدخلية في محل الحديث.

الميزان في حجية الرواية:

يتوقف القبول برواية من الروايات في الأساس على توفر أصالات ثلاث بحيث يكون انتفاء واحدة منها مانعاً من حجيتها، والاستدلال بها، وتلك الأصالات هي:

1-أصالة الصدور: وهي تظهر في أمرين، في سلسلة السند الواصلة بين الإمام(ع) وبين المصدر الذي نقل الرواية، فلو كانت الرواية موجودة في كتاب الكافي للشيخ الكليني(ره)، يقصد منها السلسلة التي يتصل من خلالها(ره) بالإمام(ع)، فيعتبر فيهم أن يكونوا من الثقات الصادقين في الإخبار، ولا يكونوا من المعروفين بالكذب، كما لا يكونوا من المجهولي الحال، أو الذين أهملوا في الكتب الرجالية، فلم يذكروا بمدح ولا ثناء، مضافاً إلى ملاحظة المعتقد، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، في الجملة، فلاحظ.

كما تظهر في ملاحظة متن الرواية، لأن عندنا ميزاناً في القبول بالمتن، من خلال عرضه على قاعدتين، وهما القاعدة العقلية، والقاعدة الشرعية، ونعني بالثانية أن لا يكون الخبر المراد إثبات صدوره مخالفاً للقرآن الكريم، فإن ذلك يمنع من حجيته، لأن من الشروط المعتبرة عندنا عدم مخالفة الخبر للقرآن الكريم، ونقصد بالمخالفة المخالفة على نحو التباين، فلا تغفل، كما أنه يعتبر أن لا يكون الخبر مخالفاً لما ثبت قطعية صدوره من السنة المباركة.

وأما القاعدة العقلية، فلا يكون متن الخبر الذي يراد إثبات حجيته وصدوره متضمناً لما لا يمكن الالتزام به، من خلال اشتمالها على منافاة أمور، كمخالفته لحكم العقل القطعي، أو مخالفته لما ثبت تاريخياً واشتهر، أو ما كان ثابتاً من الحقائق الكونية والبديهيات العقلية، وما شابه ذلك.

2-أصالة الظهور: ويقصد بها ملاحظة متن الرواية ومقدار ما يستفاد منها، وما تدل عليه من أمر.

3-أصالة الجهة: وهي أن يكون المتكلم قاصداً لما تكلم به، وأنه ليس مريداً لأمر خلاف ما يظهر من كلامه الذي ألقاه، بأن لا يكون في مورد التقية، فيعرض كلاماً خلافاً لما يريد، فلاحظ.

مصادرنا الحديثية:

من المعلوم أن هناك مصادراً حديثية ألفها أعلامنا(رض) تكفلت نقل الروايات حتى وصلت إلينا، ككتاب الكافي للشيخ الكليني، وكتاب الفقيه للشيخ الصدوق، وكتابي التهذيبين للشيخ الطوسي، وغيرها من المصادر، وقد قسمت في كلمات علماء الحديث إلى ثلاثة أقسام، لسنا بصدد الحديث عنها، وعرف منها المصادر الأربعة الأولى، وهي التي ذكرنا، للمحامدة الثلاثة، كما أن هناك مصادر المرحلة الثانية للمحامدة الثلاثة أيضاً، المجلسي والحر العاملي، والفيض الكاشاني(ره).

وقد ساوى أعلامنا(ره) بين المصادر الحديثية المذكورة، بحيث لا يوجد امتياز لبعضها على البعض الآخر، ذلك أنه لا يوجد عندنا مصدر يلتـزم بصدور كل ما فيه، ويقطع بحجيته واعتباره، بل يتساوى الجميع في حاجته إلى ملاحظة توفر أصالة الصدور، كما يحتاج إلى وجود أصالة الجهة، ومجرد كون الرواية منقولة في كتاب الكافي مثلاً، لا يعطيها امتيازاً على غيرها من الروايات، وإن كان الشيخ الكليني(قده)، كما قيل في حقه أنه أعرف أصحابنا بعلم الحديث، لكن ذلك لا يوجب حجية مروياته، فلاحظ.

وكما عرفنا أنه لا يوجد امتياز لمصدر من مصادرنا الحديثية من حيث الاعتبار والقبول بمروياته على البقية، ينبغي أن يحاط بدواعي تأليف بعضها، فإن لتأليف كتاب التهذيب سبباً دعى إلى ذلك، أشار إليه الشيخ(ره) في المقدمة، وحاصله، أنه(ره) إنما ألفه من أجل علاج التعارض المتصور بين النصوص الصادرة عن أهل البيت(ع) حتى جعلت بعض أبناء الطائفة، يتحولون إلى غير مذهب الحق، ظناً منهم بضعف هذا المذهب، وهذا يعني أن النصوص المنقولة في الكتاب المذكورة ليس بالضرورة مما يعتقد الشيخ(ره) حجيتها، فضلاً عن صدورها واعتبارها، لأنه ينقلها من أجل علاج المعارضة، وله في علاج المعارضة طرق تبدأ من الجمع العرفي، وتنتهي إلى الترجيح بموجبات الترجيح بما فيه الترجيح بالخلل السندي، كما يجد ذلك من راجع الكتاب.

على أن هناك أمراً مهماً لا يقل عن سابقه، وهو أن جملة من مرويات الكتاب المذكور مما أعرض عن نقله الشيخ الكليني والشيخ الصدوق(ره)، مع أنهما نقلا من المصادر التي تضمنتها بعض هذه النصوص، وهذا يكشف عن توقفهما(ره) فيها، فلا تغفل.

سلامة معتقد الراوي:

من الأمور التي يلزم التوجه إليها أنه يعتبر في من ينقل النصوص العقدية أن يكون سليم المعتقد، فلو كان منحرفاً عقدياً، وروى نصاً متضمناً لأمر عقدي ولم يكن محتوى النص متوافقاً والعقائد الحقة، كان ذلك موجباً للتوقف فيه، بل رفضه وعدم القبول به، والسر في ذلك أن سيرة العقلاء التي هي العمدة في حجية الخبر لا تنعقد على حجية مثل هذه الأخبار، إذ لا ريب في كون العقلاء يتوقفون في القبول بمثل هكذا خبر يكون منقولاً من شخص يحكي ما يوافق مدعاه ليحتج به على من يعتقد خلاف ما ينقل إليه، فلاحظ.

العصمة المطلقة:

وآخر ما ينبغي الإلتفات إليه في هذه القواعد التأسيسية أن الذي عليه المذهب الحق، وفقاً لما دلت عليه الأدلة القرآنية، والنصوص المعصومية، هو ثبوت العصمة المطلقة للأنبياء والمرسلين والأئمة الأطهار(ع)، فلا يتصور أن يصدر من أحد منهم سهو أو نسيان، ولا غلط أو خطأ، في جميع أبعاد الشريعة الإسلامية، سواء في تلقي الوحي، أم في تبليغه، أم في تطبيقه، كما أننا نعتقد بثبوت الدليل على العصمة المطلقة حتى في الشؤون الحياتية، فتدبر.