19 أبريل,2024

مسائل حول نبي الله يعقوب و ابنه يوسف (عليهما السلام)

اطبع المقالة اطبع المقالة

س: هل كان النبي يعقوب(ع) عالماً بمكان وجود أبنه النبي يوسف(ع)، أم لا؟

ج: لا ريب في أن المستفاد من النصوص الشريفة أن النبي يعقوب(ع) كان عالماً بحياة النبي يوسف(ع)، فقد ورد أنه سأل ملك الموت إن كان قد قبض روحه، فعن حنان بن سدير عن أبي جعفر(ع) قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب(ع) لبنيه:- (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أكان يعلم أنه حي، وقد فارقه منذ عشرين سنة؟ قال: نعم. قال: قلت: كيف علم؟ قال: إنه دعا في السحر، وسأل الله عز وجل أن يهبط عليه ملك الموت، فهبط عليه تربال وهو ملك الموت، فقال له تربال: ما حاجتك، يا يعقوب؟ قال: أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعمة أو متفرقة؟ قال: بل أقبضها متفرقة روحاً روحاً. قال له: أخبرني هل مر بك روح يوسف فيما مر بك؟ قال: لا. فعلم يعقوب أنه حي، فعند ذلك قال لولده:- (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه)[1].

وأما تحديد المكان الذي هو فيه، فقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمي، بعدما نقل قريـــباً من الرواية السابقة من نزول ملك الوت على نبي الله يعقوب(ع)، وسؤاله منه عن النبي يوسف(ع): وكتب عزيز مصر إلى يعقوب: أما بعد فهذا ابنك قد اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة-وهو يوسف-واتخذته عبداً، وهذا ابنك بنيامين أخذته-وقد سرق-واتخذته عبداً. فما ورد على يعقوب شيء كان أشد عليه من ذلك الكتاب. فقال للرسول: مكانك حتى أجيبه، فكتب إليه يعقوب(ع):

بسم الله الرحمن الرحيم: من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله. أما بعد، فقد فهمت كتابك تذكر فيه أنك اشتريت ابني واتخذته عبداً، فإن البلاء موكل ببني آدم، إن جدي إبراهيم ألقاه نمرود ملك الدنيا في النار، فلم يحترق، وجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وإن أبي إسحاق أمر الله تعالى جدي أن يذبحه بيده، فلما أراد أن يذبحه، فداه الله بكبش عظيم، وإنه كان لي ولد لم يكن في الدنيا أحد أحب إليّ منه، وكان قرة عيني وثمرة فؤادي، فأخرجه إخوته ثم رجعوا إليّ وزعموا أن الذئب أكله، فاحدودب لذلك ظهري، وذهب من كثرة البكاء عليه بصري، وكان له أخ من أمه كنت آنس به، فخرج مع إخوته إلى ما قبلك ليمتاروا لنا طعاماً، فرجعوا وذكروا أنه سرق صواع الملك، وأنك حبسته، وإنا أهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة، وأنا أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا ما مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته إلي[2].

ومع الغض عن التوقف في كون الكتاب الموجود بأيدينا اليوم هو كتاب تفسير علي بن إبراهيم، أم كتاب مجموع، إلا أن هناك مانعاً آخر يمنع من الاستناد للنص المذكور، ذلك أنه قد تضمن في مطلعه أن عزيز مصر هو المخاطب ليعقوب النبي(ع)، وأنه يبلغه أنه قد استعبد ولده النبي يوسف(ع)، إلا أننا نجد أن الكتاب الصادر من يعقوب لا يتضمن إلا حديثاً عن المطالبة ببنيامين دون إشارة منه إلى يوسف النبي(ع) من قريب أو بعيد، مضافاً إلى أن ذيل الحديث يتضمن أن المستلم للخطاب كان يوسف، وهو الذي كان عزيز مصر.

هذا ولا يعتبر اشتمالها على أن الذبيح هو إسحاق، وليس إسماعيل مانعاً من القبول بها، لتضمن بعض النصوص ذلك، وليس هذا محل تحقيق ذلك، بل يطلب من محله.
وبالجملة، إن في متن الرواية المذكورة في كتاب التفسير اضطراباً، قد يمنع من الركون إليها، فلاحظ.

هذا وقد يقال: إن مقتضى قوله تعالى:- (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أنه كان عالماً بمكان وجود النبي يوسف(ع)، لأن صدور هذا الخطاب منه لهم كان بعدما عادوا من أرض مصر وأبلغوه بموضوع بنيامين، فطلب منهم الذهاب إلى مصر، والتحسس عن يوسف وأخيه، فيوحي ذلك بعلمه بموضوع وجوده.
إلا أن يقال: بأن أقصى ما يستفاد من الآية هو دعوتهم إلى عدم قطع الأمل من الله سبحانه وتعالى في شأن يوسف، وأنه لا زال حياً، ويساعد على ذلك تعقيب الخطاب بقوله تعالى:- (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا يـيأس من روح الله إلا القوم الكافرون).

إلا أنه بعيد، لأن المقصود من التحسس كما ذكر في كلمات أهل اللغة تعرف الخبر، وهذا يعني أنه طلب منهم أن يعمدوا إلى تعرف خبر يوسف وخبر أخيه، نعم وجود(من) يحتمل أن تكون للتبعيض كما قيل، وبالتالي يكون المطلوب هو التحسس ولو عن بعض أخبار يوسف.
ثم لا يذهب عليك أن جميع ما ذكر إنما هو بملاحظة ظاهر الأدلة، وإلا فمقتضى علم النبي الغيبي يستوجب أن يكون محيطاً، والله العالم.

…………

س: هل كان النبي يوسف(ع) عالماً بمدة الغياب التي سيقضيها بعيداً عن والده؟

ج: إن مقتضى العلم الغيبي الثابت للأنبياء والمرسلين(ع) يستوجب أن يكون عالماً بذلك، إلا أن يقال بأنه مما لم يطلع عليه، لزيادة الامتحان، ورفع الدرجات، وهو محتمل، والله العالم.

………….

س: ما هي الحاجة التي كانت في نفس النبي يعقوب(ع) وقضاها من خلال دخول أبنائه من أبواب متفرقة؟

ج: لقد تعددت الآراء المذكورة في كلمات المفسرين في بيان المقصود من الحاجة التي كانت في نفس يعقوب، وإن كان الغالب فيها دوران ذلك بين أمرين:
الأول: الخوف من العين، وذلك لأن أخوة يوسف كانوا يتمتعون بشيئين:

1-قسط كافٍ من الجمال وإن لم يصلوا إلى مستوى جمال يوسف(ع).
2-إمتلاكهم أجساماً قوية ورشيقة.

وقد كان أبوهم قلقاً عليهم من أن تصيبهم العين من أهل مصر، عندما يجدون أحد عشر شخصاً بتلك المواصفات، وهم في نفس القوت غرباء عن أرض مصر.
الثاني: الحذر من وقوع الحسد عليهم، لما كانوا يملكونه من صفتين أشير إليهما في الأمر الأول، وحصول البغضاء ضدهم فيعمدون إلى السعاية والشكوى عليهم عند الملك، بأنهم مجموعة أجنبية تريد العبث والفساد في البلاد، والإخلال بأمنها واستقرارها.

وقد أشير إلى محتمل ثالث في بعض التفاسير، وحاصله: أن النبي يعقوب(ع) أراد أن يعلم أبنائه دستوراً اجتماعياً هاماً، وهو البحث عن الضالة من خلال طرق متعددة وسبل شتى بحيث لو سد عليه طريق كان بمقدوره الاستفادة من طريق آخر، فلا يتعسر عليه الحصول على النتيجة المقصودة.

وقد علق بعض المفسرين، على أن ما ذكر في كلماتهم من تفسير للحاجة التي في نفسه، ومبررات، لا يخلو عن تكلف، والله العالم.

………

س: ما هو السبب الذي دعى النبي يوسف(ع) إلى أن يبني مخازن متعددة، ولم يكتف ببناء مخزن واحد، وقد سأله ذلك الكفار وأجابهم بأنهم سوف يعرفون ذلك لاحقاً؟

ج: لم أجد في ما بيدي من كتب التفاسير، أو كتب الحديث، وما يتعلق بسير الأنبياء(ع) ما يبرر ذلك، وإن كان من المحتمل أن مرجع ذلك إلى ناحية اقتصادية، والله العالم.

………………

س: لماذا لم يكتب نبي الله يوسف لأبيه(ع) بعدما استتب له المقام في بيت عزيز مصر وصار متنعماً، ويطمأنه على نفسه، أو كان بإمكانه السفر وزيارة أبيه، ثم العودة إلى مصر، فلماذا لم يفعل ذلك وأخفى مصيره عن أبيه؟

ج: لا يخفى أن التصرفات الصادرة من الأنبياء(ع) تكون رهينة الإرادة الإلهية، فما لم يؤمر النبي فلا يتصرف من نفسه، وهذا يعني أن يوسف لم يكن مأموراً بالكتابة لأبيه وإبلاغه عن موضعه، وأنه بأحسن حال، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن الله تعالى أراد أن يرفع لهذين النبيـين العظيمين مكاناً ومنـزلة عنده من خلال ابتلائهما بألم الفراق، ووحشة الغربة في يوسف، وفراق الأحبة في يعقوب، والله العالم.

………….

س: إن المستفاد من كلام الدكتور الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي أن يكون المال المنذور مملوكاً للناذر وقت النذر، فلو نذر صدقة ما لا يملكه لم يصح بالاتفاق. أما لو نذر ما يملكه في المستقبل صدقة، بأن قال: كل ما أملكه في المستقبل فهو صدقة، أو كل ما أشتريه أو أرثه فهو صدقة، صح عند الحنيفية والإمامية، خلافاً للشافعية، فما هو رأي مدرسة أهل البيت(ع)؟

ج: لقد تضمن الكلام المنقول عن الدكتور الزحيلي بيان رأي مدرسة أهل البيت(ع)، فإنهم المقصودون بقوله الإمامية، والله العالم.

[1] روضة الكافي ج 8 ح 238 ص 199.
[2] تفسير القمي ج 1 ص 352.