29 مارس,2024

محمد بن الحنفية بين رؤيتين(4)

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

 

ادعاء الإمامة:

الثالث من موجبات الذم: دعواه الإمامة بعد الإمام الحسين(ع)، ومنازعته للإمام زين العابدين(ع) في ذلك، بدعوى أن الإمام الحسين(ع) مات ولم يوص، فيكون هو أحق الناس بالإمامة، لعاملين، وهما: قربه من أمير المؤمنين(ع)، وأنه أكبر سناً من الإمام زين العابدين(ع). والروايات التي تضمنت ذلك لو لم تكن متواترة، فلا أقل من كونها مستفيضة، ومقتضى البناء على تواترها، ولو الإجمالي يغني عن الحاجة إلى نقد أسنادها، ذلك أن تواترها يجعلها مفيدة للعلم، فيحرز صدورها، فلا موجب لملاحظة السند. وقد تعددت الواقعة المتضمنة لهذا الأمر، إذ جاء في بعضها أنه تحاكم مع الإمام(ع) إلى الحجر الأسود، وفي بعضها أنه حاكمه إلى قبر ميت، وفي بعضها كانت المحاكمة لشيء آخر. ولنشر لنصين في المقام:

الأول: صحيحة أبي عبيدة وزرارة عن أبي جعفر(ع) قال: لما قتل الحسين(ع)، أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين(ع)، فخلا به، فقال له: يا ابن أخي، قد علمت أن رسول الله(ص) دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين(ع)، ثم إلى الحسن(ع)، ثم إلى الحسين(ع)، وقد قتل أبوك(رض) وصلى على روحه، ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي(ع) في سني وقديمي، أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجنني.

فقال له علي بن الحسين(ع): يا عم، اتق الله، ولا تدع ما ليس لك بحق(إني أعظك أن تكون من الجاهلين)إن أبي يا عم(ص)أوصى إليّ من قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله(ص) عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله-عز وجل-جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين(ع)، فإذا أردت أن تعلم ذلك، فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه، ونسأله عن ذلك.

قال أبو جعفر(ع): وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله-عز وجل-وسله أن ينطق لك الحجر، ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء، وسأل الله ثم دعا الحجر، فلم يجبه، فقال علي بن الحسين(ع): يا عم، لو كنت وصياً وإماماً، لأجابك.

قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي، وسله، فدعا الله علي بن الحسين(ع) بما أراد، ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين، لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي(ع)؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم انطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي(ع) إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وابن فاطمة بنت رسول الله(ص).

قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين(ع)[1].

وقد قرب الشيخ المجلسي(رض) دلالة النص على الذم، بالبيان التالي: إن ادعاء الإمامة بغير حق كفر، لا سيما مع العلم بالإمام، لا ريب في أن محمداً كان على علم ودراية بالإمام من بعد الإمام الحسين(ع)، لأنه قد سمع مراراً من أبيه وأخويه(ع)، النص على الاثنا عشر(ع)، وقد مر أنه كان حاضراً عند وصية أمير المؤمنين(ع)، وقد نص على علي بن الحسين(ع) بمحضره، فيثبت المطلوب[2].

وممن يظهر منه دلالتها على الذم للرجل، شيخنا الكليني(ره)، فإن عنونته الرواية المذكورة في باب التميـيز بين الدعوى المحقة والدعوى الباطلة، صريح في التزامه بكون الرجل مدعياً للإمامة، وممتنعاً من التسليم في البداية بإمامة الإمام زين العابدين(ع). بل يمكن القول بأن أغلب أعلامنا يسلمون بالدعوى، عمدة ما كان يتمسك كثير منهم بما جاء في ذيل الصحيحة من أن محمداً رجع وهو يتولى الإمام زين العابدين(ع)، فيقولون بأنه قد أقرّ بالإمامة بعدما كان منكراً لها لما تبين له الحق.

وهذا منهم نظير ما يقال في حق الواقفة الذين وقفوا على إمامة الإمام موسى(ع) وامتنعوا عن إمامة الإمام الرضا(ع)، إلا أن جملة منهم لما رأوا الآيات الباهرة والدلالات الظاهرة منه(ع) آمنوا بإمامته، وأذعنوا أنه الإمام بعد أبيه موسى(ع).

الثاني: ما رواه ثوير بن سعيد ابن علاقة، قال: دخل محمد بن الحنفية(رض) على سيد العابدين علي بن الحسين(ع) فرفع يده فلطمه، وهو في عينه صغير، ثم قال: أنت الذي تدعي الإمامة؟ فقال له علي بن الحسين(ع): اتق الله، ولا تدعين ما ليس لك. فقال: هي والله لي، فقال له علي بن الحسين: قم بنا نأتي المقابر حتى يتبين لي ولك. فذهبا حتى انتهيا إلى قبر طري، فقال له: هذا ميت قريب العهد بالموت، فادعه وأسأله عن خبرك، فإن كنت إماماً أجابك، وإلا دعوته فأخبرني. فقال له: أو تفعل ذلك؟ قال: نعم. فقال له محمد بن الحنفية فلا أستطيع أن أفعل ذلك، قال: فدعا الله تعالى علي بن الحسين(ع) بما أراد، ثم دعا صاحب القبر فخرج ينفض التراب عن رأسه، وهو يقول: الحق لعلي بن الحسين دونك. قال: فأقبل محمد بن الحنفية وانكب على رجل علي بن الحسين يقبلها، ويلوذ به، ويقول: استغفر لي[3].

ودلالتها على المدعى واضحة، ذلك أنه لم يكتف بدعوى الإمامة، وإنكاره لإمامة الإمام زين العابدين(ع)، بل نجده يتجرأ فيعمد إلى ضرب الإمام(ع)، مستنكراً عليه قوله في الإمامة إلى نفسه. ولا مجال للخدشة في سندها، لما سمعته من أن نصوص ادعائه الإمامة متواترة.

وبالجملة، إن المستفاد من النصوص المتضمنة لذكر الحادثة المذكورة على اختلافها في بعض مفرداتها، هو أن محمد بن الحنفية، قد نازع الإمام زين العابدين(ع) في مسألة الإمامة، وأدعى أنه الإمام بعد الإمام الحسين(ع)، ولا ريب ولا إشكال في أن هذا يوجب قدحاً وذماً له، ونفياً لصلاحه.

وقد أجيب عن النص الأول، أولاً: إن الرواية لا تصلح أن تكون شاهداً على ذمه والقدح فيه، وذلك لأنها قد تضمنت أنه آمن بالإمام عل بن الحسين(ع)، وأقره له بالإمامة كما جاء في ذيلها.

وفي الذيل المذكور احتمالان:

1-أن يكون ما جاء فيه صادراً عن الإمام الباقر(ع)، وعندها سوف يبنى على صلاحه، على أساس أنها شهادة من الإمام المعصوم(ع)، وهي كافية لإثبات حسن الحال والاستقامة والاعتدال.

2-أن يكون الوارد في الذيل كلام صادر عن الراوي، وليس عن الإمام الباقر(ع)، فيكون الإخبار، أو الشهادة من الراوي، وليس من الإمام(ع)، والراوي وإن كانا زرارة وأبي عبيدة، إلا أنه لا يعول على شهادتهما فيا لبين، لكونها شهادة حدسية، وليست حسية. نعم لو كان الصادر عنهما منشأه ما سمعاه من المعصوم(ع)، فعندها سوف يعود إلى الاحتمال الأول، وهذا يوجب النظر في النصوص التي يمكن تصور ذلك منها.

ولو لم يكن الظاهر من النص أن الإخبار من الراوي، لا أقل من الإجمال بعدم الجزم بكونه صادراً عن الإمام(ع)، وعليه يكون المحرز هو إنكاره للإمامة، أما إيمانه بإمامة الإمام زين العابدين(ع) يبقى غير محرز، فتأمل جيداً.

ثانياً: إننا نشكك في المراد الجدي لهذه النصوص، فهي ليست صادرة على نحو الحقيقة بما هو الظاهر منها، بل كانت الغاية منها شيء آخر، وهو النص على إمامة الإمام زين العابدين(ع)، ويساعد على ذلك أنه لو كان مدعياً للإمامة، فلن يقبل بالإيمان بإمامة الإمام السجاد(ع)، حتى لو رأى الآيات والمعجزات.

واحتمال كونه جاهلاً بإمامة الإمام زين العابدين(ع)، بعيد غايته.

والحاصل، إن تسليمه السريع بإمامة الإمام(ع)، يساعد على كونه متظاهراً وليس إلا من أجل إظهار الإمام الحقيقي. ويساعد على ذلك أنه قد جهل إماماً من قبل الإمام الحسين(ع)، ظاهراً يرجع إليه الناس.

وقد قربه الخصيبي بنحو آخر، حاصله: أن الإمام الحسين(ع) قد جعله إماماً ظاهراً من بعده ليمثل المرجعية الدينية، واستند في ذلك لما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: دخل أبو هاشم محمد بن الحنفية على سي العابدين علي بن الحسين(ع) لإظهار أمر كان من شيعته بمكة والمدينة مكتوم عندما رحل الحسين بن علي(ع) بالعراق وسيد العابدين ابنه معه، وكانت تلك وصية من الحسين(ع) إلى أخيه محمد بن الحنفية أن يظهر للناس إمامته لئلاً يرجعوا عن محبتهم أهل البيت إلى أن يعود علي بن الحسين(ع) من الشام إلى المدينة بعد أ تحمل من العراق إلى الشام. فنصب محمد نفسه للشيعة وأظهر لهم بأنه الإمام وخرج المختار…..ثم تعرضت دعوى محمد الإمامة ومحاكمته مع الإمام للحجر الأسود[4].

وقد أضاف الشيخ المازندراني(ره) إلى ذلك أنه عمد إلى هذا كي لا يتوهم الناس أنه الإمام بعد الإمام الحسن(ع)، لكونه الأكبر سناً، وأنه الأقرب نسباً إلى أمير المؤمنين(ع).

وفي الإجابة المذكورة، وقفات:

الأولى: إن تعدد الواقعة وتكررها أكثر من مرة، يمنع من القبول بالتوجيه المذكور، فإن تكررها موجب للتغرير بالمكلفين، لأنه قد يكون مستمع دعوى الإمامة حاضراً، ولا يقف على برهان نفيها.

الثانية: إنه لم يتضح وجه لهذه التأويلات، فإنه لو كان المقصود هو نفي توهم المسلمين فيه بالإمامة، فلماذا لم يتوهموا ذلك في أخيه عمر الأطرف. مع أن المفروض أنهم يعتقدون أنها بالانتخاب والاختيار، وهذا مانع من التوهم.

وإن كان المقصود رفع ذلك عند الشيعة، والبرهان على أن الإمام هو زين العابدين(ع)، فلا وجه له لأنهم يعتقدون أن الإمامة بالنص من الله سبحانه وتعالى، وليست بالنسب، ومع وجود النص على الإمام السجاد(ع) لن يصغي أحد لمقولته. إلا أن يدعى أنه لم يكن النص على الإمام زين العابدين(ع) واضحاً أو جلياً عند الشيعة، ولهذا احتيج إلى ذلك. إلا أنه يمنعه النصوص الموجودة في النص على إمامته، ولو لم يكن إلا خبر سليم بن قيس الآتي.

الثالثة: إن المتابع في النصوص يطمأن أنه لم يقل بالإمامة إلا بعد حين، ويؤيد ذلك ما ذكره في السرائر بسند غير صالح، عن شعيب عن أبي عبد الله(ع) أن أباه حدثه أن علي بن الحسين(ع) أتى محمد بن علي الأكبر، قال: إن هذا الكذاب أراه يكذب على الله وعلى رسوله وعلينا أهل البيت، ذكر أنه يأتيه جبرئيل وميكائيل(ع)، فقال له محمد بن علي: يا ابن أخي أتاك بهذا من يُصدّق؟ قال: نعم، قال: اذهب فاروِ عني لا أقول هذا وإني أبرأ ممن قال به، فلما انصرف من عنده دخل عليه عبد الله بن محمد وامرأته وسريته، فقالوا له: إنما أتاك علي بن الحسين بهذا أنه حسدك لما يبعث به إليك، فأرسل إليه محمد بن علي لا ترو علي شيئاً فإنك إن رويت عني شيئاً قلت: لم أقله[5].

الأربعة: إن التأويل المذكور لا ينسجم مع بعض النصوص الأخرى المتضمنة لدعواه الإمامة، فإنه لو قبل في بعضها لم يقبل في البقية، إذ كيف ينسجم هذا التأويل مع تعديه على الإمام السجاد(ع) بالضرب، كما سمعت ذلك في الرواية الثانية.

وأما ما ذكره الخصيبي، فيكفي لرفع اليد عنه أن الراوية المستند إليها ضعيفة السند، فإن سندها قد اشتمل على الصابوني، علي بن الطيب، وهو غير مذكور في كتب الرجال، كما أن محمد بن علي بن الحسن الواقع في سندها مشترك ويصعب تميـيزه. وأما محمد بن أبي العلاء، فإنه وإن ذكر في الكتب الرجالية، إلا أنه لم يذكر بقدح ولا مدح.

ولو رفعنا اليد عن المناقشة السندية، فإن ما تضمنه متنها يخالف الكثير من الثابت تاريخياً مثل تعرضها لوقت خروج المختار، واشتمالها على قيامه بقتل عبيد الله، وغير ذلك.

وقد أجاب الشيخ المازندراني(ره) عن صحيحة أبي عبيد وزرارة، بوجوه:

أولاً: لقد تضمنت الصحيحة شهادة من محمد على نفي الوصية، وهذا ممنوع عقلاً وشرعاً، فإن العقل يحكم بلزوم الإيصاء من قبل الإمام السابق للإمام اللاحق، كما أن الشرع قد تضمن النص على الإمام اللاحق.

ثانياً: إن النص المذكور يتضمن اعترافاً من محمد بأن الإمامة لا تكون إلا بالوصية من خلال إقراره أن إمامة أمير المؤمنين(ع) كانت بوصية من رسول الله(ص)، وأن إمامة الإمام الحسن(ع)، كانت بوصية من الإمام علي(ع)، وأن إمامة الإمام الحسين(ع) كانت بنص من الإمام الحسن(ع). ولم يدعَ محمد أن أحداً قد أوصى إليها بها، فكيف يدعيها لنفسه؟!

ثالثاً: إن من الثابت أنه قد صدرت الوصية من أمير المؤمنين(ع) للإمام زين العابدين(ع) قبل وفاته، وقد كان ذلك بمحضر محمد بن الحنفية، فقد ورد عن سليم بن قيس، قال: شهدت وصية أمير المؤمنين(ع) حين أوصى إلى ابنه الحسن(ع)، وأشهد وصيته الحسين ومحمداً(ع)، وجميع ولده، ورؤساء شيعته، وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن(ع): يا بني أمرني رسول الله(ص) أن أوصي إليك، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله(ص)، ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على ابنه الحسين(ع)، فقال: وأمرك رسول الله(ص) أن تدفعها إلى ابنك هذا. ثم أخذ بيد علي بن الحسين(ع)، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله(ص) أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي، وأقرئه من رسول الله(ص) ومني السلام[6].

وهذا يمنع من القبول بهذا النص، ولا أقل من أنه يكون معارضاً للنصوص الدالة على علمه بإمامة الإمام زين العابدين(ع)، والتقديم لتلك النصوص[7].

وما صدر منه(قده)، ليس تبرئة منه لمحمد بن الحنفية، بل هو ردّ على ما تضمنه حديثه من دعاوى، ومعنى ذلك تسليمه بصدور هذا الأمر منه، أعني ادعاء الإمامة، عمدة ما كان دعواه وفقاً لكلامه(ره) ليست بحق، بل دعوى باطلة.

وكيف ما كان، فإنه يلاحظ على كلامه(ره)، أولاً: إن الكلام الصادر من محمد لا يتضمن إقراراً منه أن الإمامة لا تكون إلا بالوصاية، بل عمدة ما جاء فيه إخباره أن الإمامة لمن ذكرهم قد حصلت بهذه الكيفية، وليس هذا إقرار أنها لا تكون إلا بهذا النحو.

ثانياً: إن مقتضى رواية سليم بن قيس هو تأكيد ذمه، وزيادة الأمر مشكلة وعقدة عما هو عليه. نعم لعل نظره(ره) أن من سمع ذلك من الإمام علي(ع) فمن الطبيعي أنه لن يكون قاصداً للمدلول الجدي، وهذا يعني جعل رواية سليم بن قيس قرينة توجب صرف الصحيحة عن ظاهرها، وأنه لم يكن مريداً لمدلولها جداً.

ويمنع من القبول بذلك، ما تضمنه صدر الصحيحة من أن الحديث قد حصل بينه وبين الإمام(ع) منفردين، ومثل هذا يمنع من الحمل على خلاف المراد الجدي، لأن ذلك يتصور لو لم يكن بهذه الهيئة، فلاحظ.

على أننا لو قبلنا ذلك في شأن صحيحة أبي عبيدة وزارة، فإن هذا لا يستقيم ورواية الثاقب في المناقب، والتي تضمنت لطمه للإمام(ع).

وقد يتمسك لإثبات إيمانه بإمامة الإمام زين العابدين(ع)، بما رواه الصدوق(ره) مرسلاً في كتابه إكمال الدين، قال: قال الصادق(ع): ما مات محمد بن الحنفية حتى أقرّ لعلي ابن الحسين(ع)، وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة[8]. ودلالته على أنه لم يخرج من الدنيا حتى عرف الحق واتبعه لا تنكر، إلا أن هذا يؤكد كونه منكراً لإمامته منذ البداية، وإلا لو كان مقراً بالإمامة له(ع) لم يحتج أن يخبر الإمام(ع) ويفصح عن إقراره بالإمامة قبل وفاته.

واحتمال أن يكون صدور ذلك منه(ع) بنحو المجاراة، لكون المعروف أنه لم يكن مؤمناً بإمامة الإمام زين العابدين(ع)، بعيد، لأنه تأكيد لعدم كونه مؤمناً، وأن ذلك كان متداولاً ومعروفاً.

وبالجملة، إن النص المذكور، يفيد حصول الإقرار منه بإمامة الإمام زين العابدين (ع)، وهذا سوف يرفع موجب الذم، لأن من الممكن أنه لم يكن مطلعاً على إمامته، أو لا أقل قد أصابته شبهة في ذلك.

والاحتمالان، يرفعهما خبر سليم بن قيس المتقدم، لما عرفت من صراحته أنه كان حاضراً عندما أبلغ الإمام علي(ع) الإمام زين العابدين(ع) أنه الوصي بعد أبيه الإمام الحسين(ع)، وأوصاه أن يوصي إلى ولده الإمام الباقر(ع).

إلا أنه يصعب البناء على حصول الإقرار منه بإمامة الإمام زين العابدين(ع)، وذلك لعدم تمامية الخبر المذكور سنداً، لأنه مرسل، وإن كان المرسل شيخنا الصدوق(ره)، وكان الخبر من مراسيله الجزمية، إلا أن المقرر في محله، عدم حجية مراسيله، من دون فرق بين الجزمي منها وغيره. نعم وردت الرواية بسند صحيح عن الإمام الصادق(ع)، فقد نقلها ابن بابويه القمي في كتابه الإمامة والتبصرة، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع) قال: ما مات محمد بن الحنفية حتى آمن بعلي بن الحسين[9].

وقد يقال بوجود المعارض لهذا النص، المانع من البناء عليه، فإنه ينافيه ما ذكره في السرائر عن شعيب عن أبي عبد الله(ع) أن أباه حدثه أن علي بن الحسين(ع) أتى محمد بن علي الأكبر، قال: إن هذا الكذاب أراه يكذب على الله وعلى رسوله وعلينا أهل البيت، ذكر أنه يأتيه جبرئيل وميكائيل(ع)، فقال له محمد بن علي: يا ابن أخي أتاك بهذا من يُصدّق؟ قال: نعم، قال: اذهب فاروِ عني لا أقول هذا وإني أبرأ ممن قال به، فلما انصرف من عنده دخل عليه عبد الله بن محمد وامرأته وسريته، فقالوا له: إنما أتاك علي بن الحسين بهذا أنه حسدك لما يبعث به إليك، فأرسل إليه محمد بن علي لا ترو علي شيئاً فإنك إن رويت عني شيئاً قلت: لم أقله[10]. فإنه صريح في عدم تسليمه بإمامة الإمام زين العابدين(ع)، وأنه قابل بما كان يقوله المختار عنه، نعم هو ساقط عن الاعتبار للمشكلة السندية، فإن أبان بن تغلب متأخر عن صفوان بطبقتين، فكيف يثبت حديثاً عنه في كتابه. نعم يصلح للتأيـيد. ولشيخنا المجلسي(ره) كلام في البين يؤيد ما ذكرناه، فلاحظ[11].

إلا أن الخبر المذكور كما عرفت في ما تقدم ضعيف سنداً، فلا يصلح لمعارضة صحيح هشام الدال على إيمانه بالإمامة قبل وفاته. نعم عمدة ما سوف يدل عليه صحيح هشام أنه إمامي، توفي مقراً بإمامة الإمام زين العابدين(ع) وليس له دلالة على أكثر من ذلك.

[1] أصول الكافي كتاب الحجة باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ح 5 ص 83-184.

[2] مرآة العقول ج 4 ص 86.

[3] مدينة المعاجز ح 92 ص 318.

[4] الهداية الكبرى ص 218.

[5] بحار الأنوار ج 42 ص 88 ح 17.

[6] أصول الكافي ج 2 باب الإشارة والنص على الحسن بن علي ح 1 ص 34-35.

[7] شرح أصول الكافي للمازندراني ج 6 ص 290.

[8] بحار الأنوار ج 42 ص 81 ح 11. في البحار: (أقرت)، وما ذكرناه موافق للمصدر.

[9] الإمامة والتبصرة ص 60.

[10] بحار الأنوار ج 42 ص 88 ح 17.

[11] المصدر السابق.