29 مارس,2024

كريم أهل البيت(ع)

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

 

وقع الخلاف بين المؤرخين في سنة ولادة الإمام الحسن الزكي(ع)، فاختار الكليني(ره)أن ولادته كانت في السنة الثانية من الهجرة، والمشهور بين المسلمين أنها كانت في السنة الثالثة من هجرة النبي(ص)، وقد حاول العلامة المجلسي(ره) التوفيق بين القولين، فذكر أن منشأ الخلاف يعود للاختلاف في مبدأ السنة الهجرية، لأن هناك محتملات ثلاثة فيه:

 

الأول: أن مبدأها شهر ربيع الأول، لأن هجرة النبي(ص) كانت فيه، وقد كان التحديد المذكور معروفاً بين الصحابة حتى سنة ستين من الهجرة.

الثاني: أن مبدأها كان في شهر رمضان المبارك السابق على شهر ربيع الأول الذي حصلت فيه هجرة النبي(ص)، لأنه أول السنة الشرعية، والظاهر أن الرواية مبنية على هذا.

الثالث: ما أخترعه عمر بن الخطاب، وهو أن مبدأ السنة الهجرية هو شهر محرم الحرام موافقاً لما زعمه أهل الجاهلية، وقد جعلت البداية من محرم الذي سبق هجرة النبي(ص)، وهو ساقط وإن اشتهر بين العوام[1].

 

ولا يمكن القبول بالمحاولة المذكورة، لأنها لا تخرج عن عملية جمع تبرعي بين القولين، فإنه لا يوجد عليها شاهد يسندها بحيث يجعلها موضع قبول. مضافاً إلى أنه لم يتضح أن مستند القائلين بالتحديد سواء في السنة الثانية أم السنة الثالثة هو الاختلاف في مبد السنة الهجرية.

وعليه، فلا مناص من العمد في مقام الترجيح من ملاحظة موجبات الترجيح، والظاهر أنه يكون للقول بأن الولادة في السنة الثالثة، لأنه المشهور بين الفريقين، وقد عرفت غير مرة أن أحد الموجبات لثبوت القضايا التاريخية هو شهرتها.

وقد وقع الخلاف بينهم أيضاً في شهر الولادة، فذكرت أقوال ثلاث:

 

أحدها: ما أختاره الشيخ الكليني(ره) من أنها كانت في شهر صفر المظفر.

ثانيها: ما هو المشهور بين المؤرخين من أن ولادته(ع) كانت في شهر رمضان المبارك، وفي ليلة النصف منه.

ثالثها: ما أختاره الشهيد الأول(ره) في كتابه الدروس من أن ولادة الإمام الحسن الزكي(ع) كانت في شهر شعبان المعظم، وفي ليلة النصف منه.

وربما كان منشأ الخلاف بين المؤرخين في تحديد شهر ولادته، ما ورد من أنه لم يكن بين ولادة الإمام الحسن(ع)، والحمل بالإمام الحسين(ع) إلا طهر واحد، وأن مدة حمل الإمام الحسين(ع)، كانت ستة أشهر، وأن ولادة الإمام الحسين(ع) كانت في ليلة الثالث من شهر شعبان المعظم، وقد ورد بذلك النص، فإن ضم هذه المقدمات بعضهما إلى بعض يمنع من البناء على أن ولادة الإمام الحسن(ع) في شهر رمضان، بل سوف تكون ولادته في شهر صفر المظفر، وهو ما أختاره الكليني(ره)، نعم لا يظهر وجه واضح لمختار الشهيد الأول(ره) في أن الولادة كانت في شهر شعبان.

 

والصحيح ما عليه المشهور، لبيان قدمنا ذكره عند الحديث عن ولادة الإمام الحسين(ع)، وحاصله، أن منشأ الخلاف المتصور في تحديد تاريخ ولادة الإمامين الهمامين(ع)، وأنها كانت في أي شهر، يعود لحمل الطهر المشار إليه في الفرق بين ولادة الإمام الحسن(ع)، والعلوق بالإمام الحسين(ع) على أقل الطهر وهو عشرة أيام، وليس في الأدلة ما يشير إلى ذلك، إذ يمكن أن يكون الطهر وهو الفترة الزمنية الفاصلة بين الولادة والعلوق أكثر من ذلك فقد تبلغ خمسة أشهر مثلاً، أو أكثر، ومع البناء على هذا المعنى نجد أنه ينسجم الأمر تماما مع ما عليه المشهور من أن ولادة الإمامين الهمامين(ع)، كانت في النصف في شهر رمضان، وفي شهر شعبان.

 

كريم أهل البيت(ع):

قد عرف الإمام الحسن(ع) بكريم أهل البيت(ع)، وعرف أمير المؤمنين(ع) بالشجاعة، وعرف الإمام الحسين(ع) بالصبر والتضحية، كما عرف الإمام زين العابدين(ع)، بالعبادة، وكان الإمامان الصادقان معروفين بالفقه والحديث، والإمام موسى(ع) بكظم الغيظ، وهكذا. فهل أن وجود هذه الصفة لكل واحد منهم تستوجب أن يكون متفوقاً بها وأنها أكمل بالنسبة إليه دون بقية الصفات الأخرى.

ربما يجاب عن ذلك بالإيجاب، ويقرر أن وجود هذه الصفة عند كل واحد منهم تعطيه امتيازاً بها دون بقية الصفات الأخرى، وأن وجودها يوجب أكملية له بها من هذه الناحية.

ويواجه الجواب المذكور إشكالين يحولان دون القبول به، وهما:

 

الأول: من الأمور الثابتة عندنا، والتي نعتقد بها أن جميع الأئمة الأطهار(ع) مشتملون على هذه الكمالات التي ورد ذكرها لكل واحد منهم، فلا معنى لأن يتحدث عن تفوق أحدهم على البقية. نعم لا ريب في أنهم متفاوتون في المنـزلة، إلا أن نورهم واحد، وطينتهم واحدة.

الثاني: إننا نعتقد بأن كل واحد من الأئمة الأطهار(ع) أكمل أهل زمانه من جميع الجهات، وبكل الصفات، فلا معنى لكمال صفة له دون أخرى.

 

نعم يندفع التساؤل المذكور عند الإلتفات إلى أمور:

أحدها: إن التساؤل المذكور إنما يتصور صدوره من شخص لا يملك معرفة ودراية بالمعصومين(ع)، ويفتقر للإحاطة بسيرتهم العطرة، فإن من يملك إطلاعاً وإحاطة بها لا يمكن أن يطرح هذا السؤال، لأنه سوف يكون محيطاً بأن هذه الفضائل المذكورة ثابتة لكل واحد منهم قد نقلت عنهم جميعاً، فإن صفة الشجاعة الثابتة لأمير المؤمنين(ع)، ثابتة للإمامين الهمامين الحسنين(ع)، كما أن صفة الكرم الثابتة للإمام الحسن(ع)، ثابتة لأمير المؤمنين(ع)، وللإمام الحسين(ع)، كما أن رباطة الجأش والصبر والتضحية ثابتة لأمير المؤمنين(ع)، وللإمام الحسن(ع)، وهكذا.

ثانيها: إن ظهور هذه الصفات للآخرين يكون من خلال آثارها، ومن الواضح أن حصول آثارها متوقف على توفر وتحقق موضوعاتها، والمواقف التي تبرزها، وتكشف عنها، ولهذا لما كان زمن أمير المؤمنين(ع) زمن حرب وقتال، سواء في عهد رسول الله(ص)، أم أيام خلافته الظاهرية، فقد بدت شجاعته بوضوح.

 

وأيضاً لما كان تكليف الإمام الحسين(ع) هو المواجهة، وكان تكليف غيره التقية، بدا عنصر الصبر والتضحية جلياً في سيرته العطرة(ع).

وبسبب ما كانت تعانيه المدينة المنورة من حالة فقر وضيق ذات يد عند الناس، أو لكثرة انتشار ظاهرة الاسترقاق والعبيد، برزت في شخصية الإمام زين العابدين(ع) صفة السخاء والعتق للعبيد، أو صفة العابدة مثلاً، وهكذا.

ولما أتيحت الفرصة للإمامين الباقرين(ع)، لبث العلوم والمعارف، وفتح باب الفقه والحديث، كان ذلك موجباً لبروز هذا الجانب في سيرتهما(ع) دون البقية.

وبالجملة، إن هناك مجموعة من الظروف الدخيلة ذات التأثير في أن تبرز للمجتمع صفة معينة من الصفات الخاصة للمعصوم(ع)، دون بقية الصفات الأخرى، لكن هذا لا يعني أنه لا يملك إلا هذه الصفة، أو أنها أكمل من بقية الصفات الأخرى، فضلاً عن أن لا يكون بقية المعصومين(ع) مالكين لهذه الصفة.

 

ثالثها: إن السؤال المذكور ينشأ من ضيق فهم للصفات والملكات الحميدة، حيث أنه قد قصر مفهوم الشجاعة على خصوص المواجهة والضرب بالسيف، فلا يوجد لها مصداق آخر غيره. وهو تصور خاطئ، إذ أن مفهوم الشجاعة والذي يعني المواجهة أوسع دائرة من هذا المعنى، وعليه، لا يختلف اثنان في توفر هذه الصفة بصورة علنية ظاهرة للأئمة الأطهار(ع)، فإن المواجهة التي حصلت من الإمام زين العابدين(ع)، وهو يقف أسيراً مكبلاً أمام يزيد بن معاوية، ويخطب في مجلسه ويفضحه، تكشف عن قمة الشجاعة.

كما أن تحديد الإمام الكاظم(ع) لفدك أمام هارون الرشيد، واستيعابه لجميع رقعة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت تكشف عن قوة وشجاعة.

ومثل ذلك موقف الإمام الهادي(ع) عندما جبه المتوكل بالقصيدة المعروفة التي جعلته يسيل دموعه على لحيته، ويأمر الساقي برفع الشراب لأنه قد تنغصت عليه أيامه دليل على القوة والبطولة والشجاعة.

وبالجملة، إن الحديث عن ثبوت صفة ما عند فرد ونفيها عن الآخرين يحتاج أن يكون المتحدث محيطاً بحقيقة تلك الصفة حتى يتسنى له أن يثبتها أو ينفيها.

رابعها: إن المعروف أن مثل هذه الأوصاف قد أعطيت للمعصومين(ع) من قبل رسول الله(ص)، وهذا يقوي أن مصدرها الباري سبحانه وتعالى، وعليه يكون ذكرها لمناسبة اقتضت ذلك، لا أن ذلك يعود لنفي وجودها عن البقية.

 

الموارد المالية للإمام الحسن(ع):

إن قراءة سيرة الإمام الحسن الزكي(ع) تشير بصورة واضحة للعطاءات والهبات التي كانت تصدر منه، حتى أنه قد عرف بكريم أهل البيت(ع)، وهذا يعني أن للإمام الحسن(ع) روافد مالية متعددة كان يعتمد عليها في هكذا مجال:

منها: أنه كان ولياً على أوقاف أمير المؤمنين(ع)، وكان له أن يأكل منها بالمعروف، وينفق منها بالمعروف.

ومنها: ما كان يصله من الخمس، وقد كان له ثلاثة أسهم، وهي سهم الله، وسهم رسول الله(ص)، وسهم ذي القربى.

ومنها: أنه كان يملك الأراضي، وكان يستفيد منها بزراعتها، إما بنفسه(ع)، أو بإيجاره إياها لآخرين، وكان يستفيد من عائداتها.

ومنها: ما كان له من عطاء في بيت مال المسلمين، فقد أعطاه عمر عشرين درهماً.

ومنها: خراج بلنجر الذي اشترطه على معاوية أن يكون له عندما أوقع معه الصلح.

نعم هناك قول أنه كان يصله عطاء خاص من معاوية بعدما أوقع معه الصلح، إلا أنه غير مسموع.

 

المشاركة في الحروب الإسلامية:

وقد ذكر بعض المؤرخين أن الإمام الحسن(ع) شارك في الحروب الإسلامية التي حصلت في عهد عثمان بن عفان، فقد ذكر ابن خلدون أنه لما أراد عثمان فتح أفريقية جهز العساكر من المدينة، وفيهم جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وابن جعفر، والحسن والحسين، وابن الزبير، وساروا مع عبد الله ابن أبي سرح سنة ست وعشرين[2].

 

ولا مجال للقبول بمثل هذا الزعم، لوجود موانع تمنع من القبول به، فإنه يعتبر في الجهاد أن يكون بإذن من الإمام المعصوم(ع)، ولم يحرز رضا أمير المؤمنين(ع) بذلك، بل إن أقصى ما يمكن البناء عليه إذنه(ع) في فتح العراق أيام عمر بن الخطاب، ولا يحرز صدور غير ذلك منه. ويساعد على هذا أنه لم يشارك أمير المؤمنين(ع)، وهو البطل الذي شهدت له جميع غزوات النبي(ص) في شيء من هذه الحروب منذ البداية إلى النهاية، بما في ذلك هذه الحرب الذي زعم مشاركة الإمامين الحسنين(ع) فيها.

 

كما أن القراءة للتاريخ تكشف عن أن هناك أهدافاً خاصة كان يسعى للوصول إليها من خلال هذه الحروب، ولم تكن الدوافع متمحضة في خصوص الدعوة إلى الإسلام وتوحيد الله تعالى وعبادته. بل كانت الحركة التوسعية، والغنائم الموجودة في تلك البلاد دوافع أصلية لهذه الحروب.

كما أنهم كانوا يستخدمون هذه الحروب من أجل الزج بالمعارضين للسلطة، والناقمين عليها، فقد ورد أنه لما كثر الناقمون على عثمان وكثرت مطالبتهم له بتغيـير عماله، استشار بعض مستشاريه، كعمرو بن العاص، وعبد الله بن عامر في ذلك، فأشار عليه عبد الله بن عامر، بقول: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي، حتى يذلوا لك، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه، وما فيه منه دَبَرة دابته، وقَمَل فروه[3].

 

 


 

[1] مرآة العقول ج ص

[2] تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 128.

[3] تاريخ الطبري ج 3 ص 373-374.