18 أبريل,2024

كتاب الصلاة

اطبع المقالة اطبع المقالة

فرض الله سبحانه وتعالى على عباده مجموعة من التكاليف وجعل لكل تكليف منهم مجموعة من الآثار التي تـترتب عليهم، بعض تلك الآثار آثار مادية يتلمسها كل أحد، وبعضها آثار معنوية، هذا بالإضافة للمصالح التي يشتمل عليها كل تكليف من تلك التكاليف التي دعت إلى تشريعه.

فمثلاً شرّع سبحانه وتعالى الصوم وجعل من آثاره التي يتلمسها المكلف التقوى، حيث قال تعالى:- (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)[1].

وكذلك مما شرعه الباري سبحانه وتعالى وأشار إلى مجموعة من آثاره التي يتلمسها الإنسان الصلاة، فهي أحد السبل إلى النهي عن الفاحشة والمنكر، مضافاً لكونها سبيلاً من سبل التقويم السلوكي للإنسان.

وتعدّ الصلاة عمود الدين، الذي إن قبلت قبل ما سواها من العبادات والطاعات، ومتى ردت ردّ ما سواها من العبادات والطاعات، وواضح أن هذا يشير إلى ما لهذه العبادة من أهمية خاصة.

وكما ورد الحث الشديد على الاعتناء بها والقيام بأدائها، تعرضت النصوص المباركة أيضاً إلى ما يناله تاركها من عقاب شديد، بل أشارت النصوص إلى أن الشفاعة التي وعد النبي(ص) وأهل بيته الطاهرين(ع) المؤمنين بها يوم القيامة، لا تنال مستخفاً بصلاته. بل قد ورد في بعض النصوص عنه(ص) التبرأ ممن يستخف بالصلاة، فقال(ص): ليس مني من استخف بصلاته.

وقد يعلل منشأ الاهتمام بهذه العبادة من خلال ما تكتنـزه من مضامين عالية، إذ أنها تمثل الرابط الأساس بين العبد وربه، كما أن لها أبعاداً أساسية في البناء التكاملي للفرد والمجتمع، كما أنها تؤكد على بعد الترابط والتكافل الاجتماعي بين أفراده.

هذا وينبغي الالتفات إلى نقطة مهمة، ونحن بصدد الحديث عن الصلاة، أن حديثنا سوف ينصب على أساس بيان الأمور التي توجب أن تكون الصلاة صحيحة، لكنه لا ربط له بما يوجب قبولها، لأن هناك فرقاً بين كون الصلاة صحيحة، وبين كونها مقبولة، لأنه ليس كل صلاة صحيحة تكون مقبولة، ذلك لأن الصلاة الصحيحة مُفرِغةٌ للذمة من التكليف، لكنها ربما لا تصل إلى مرحلة القبول، بينما يحكم بعكس ذلك، إذ يقال: بأن كل صلاة مقبولة عند الله سبحانه وتعالى فهي صحيحة إن شاء الله.

ومردُّ ذلك يعود إلى أنه يعتبر توفر مجموعة من الشروط في الحكم والبناء على قبول الصلاة، لكننا بصدد الحديث عنها.

هذا وليعلم أن كتاب الصلاة يشتمل على عدة أمور نشير إليها تباعاً:

أعداد الصلاة:

لا يخفى أن الصلاة في البداية تنقسم إلى صلوات واجبة وصلوات مستحبة، ولا مجال لحصر الصلوات المستحبة في عدد من الأعداد، لأنه يجوز للإنسان أن يصلي في كل وقت من الأوقات متى شاء متقرباً بصلاته التي يصليها إلى سبحانه وتعالى.

نعم بالنسبة للصلوات الواجبة، فإنه قد تم حصرها من قبل الفقهاء(رض) في عدد معين، وأشير إليها في رسائلهم العملية، وقد حدد بأن الواجب منها على المكلف أصالة عن نفسه بمعنى أنه تجب عليه بسبب أمر الله سبحانه وتعالى بذلك، لا لسبب آخر، لأنه ربما وجب على الإنسان صلوات أخرى غير ما سنذكره لكن وجوبها عليه لا بالأصالة، وإنما لكونه الولد الأكبر مثلاً، فيجب عليه قضاء ما فات أباه كما سيأتي تفصيله إن شاء في بحث القضاء.

وعلى أي حال، فالواجب أصالة عبارة عن خمس صلوات:

الأولى: الصلوات اليومية:

ونعني بها الصلوات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على المكلفين في اليوم والليلة، وألزمه بالإتيان بها، وهي خمس صلوات:

1-صلاة الصبح.

2-صلاة الظهر.

3-صلاة العصر.

4-صلاة المغرب.

5-صلاة العشاء.

ويدخل في الصلوات اليومية صلاة الجمعة، لأنها تكون بديلة عن صلاة الظهر يوم الجمعة، بمعنى أنه لو صلى المكلف يوم الجمعة ظهراً صلاة الجمعة، لم يحتج إلى الإتيان بصلاة الظهر، بناءاً على القول بإجزاء صلاة الجمعة عن صلاة الظهر في زمان الغيـبة.

وهذه الصلوات اليومية يخـتلف حالها أثناء الأداء بالنسبة لعدد الركعات، بين السفر والحضر أو ما بحكم الحضر، فإن المصلي إذا كان في الحضر بمعنى أنه كان في وطنه، أو ما يكون بحكم وطنه كمحل إقامته، أو مكان عمله، أو ما شابه، فإنه يلزم بأداء هذه الصلوات تماماً بمعنى أنه لا ينقص شيئاً من عدد ركعاته، بل يؤديها كاملة.

أما لو كان مسافراً، فإنه سوف يخفف في الصلاة فينقص بعض ركعاته، لكن التخفيف لن يكون في الفرائض الخمس، بل سوف ينحصر التخفيف في خصوص الفرائض الرباعية، وهي صلاتي الظهرين، وصلاة العشاء، فإنه يصليها حينئذٍ قصراً، فبدل أن تكون أربع ركعات، يصلي كل واحدة منها ركعتين، أما بالنسبة لصلاة الصبح، وكذا صلاة المغرب، فإنهما يصليهما كما هما من دون نقصان في عدد ركعاتهما.

وهذا يعبر عنه ببحث صلاة المسافر، وله مجموعة من الأحكام الخاصة سوف تأتي الإشارة إليها إن شاء الله في مطاوي البحوث القادمة.

الثانية: صلاة الآيات:

وهي ما تجب نتيجة حدوث كسوف للشمس أو خسوف للقمر، أو تجب بسبب كل آية مخوفة أو غير مخوفة، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى عند الحديث عن صلاة الآيات.

الثالثة: صلاة الطواف الواجب:

فإن من واجبات الحج وكذا العمرة المفردة، صلاة الطواف، فمتى أتم الطائف طوافه الواجب عليه، وجب عليه الإتيان بصلاة الطواف مباشرة، ومن دون تواني حذراً من فوات الموالاة.

الرابعة: صلاة الأموات:

فتجب الصلاة على كل ميت مسلم، سواء كان عادلاً أم كان فاسقاً، مات حتف أنفه، أم بسبب مرض أم بسبب قتل، أم بسب انتحار، فإنه يجب الصلاة عليه في جميع هذه الموارد، حتى الصغير إذا بلغ ست سنين.

الخامسة: صلاة العيدين:

فإنهما واجبتان في عصر حضور الإمام(ع)، أما في عصر الغيـبة، فإنهما مستحبتان.

الصلوات الواجبة لا بالأصالة:

وهناك موردان آخران تجب فيهما الصلاة، لكن وجوبهما ليس بالأصالة، بمعنى أنهما تجبان بسبب آخر غير الإلزام الصادر من الشارع المقدس من البداية، وهذا يعني أنه لولا وجود هذا السبب لما كان هناك إلزام ووجوب على الإنسان أصلا.

والموردان هما:

الأول: الصلاة التي يجب على الولي كالولد الأكبر قضاؤها عن الميت لكونها قد فاتـته أثناء حياته.

الثاني: الصلاة التي يلزم الإنسان نفسه بها بحيث يوجب على نفسه نتيجة نذر أو عهد أو يمين، أو نتيجة إجارة بحيث يستؤجر لأداء صلوات عن بعض الأموات.

الصورة التركيـبية للصلاة:

ولما كان الداخل في دائرة الابتلاء هي الصلوات اليومية، فلا بأس بتسليط الضوء على الحديث عنها، خصوصاً وأن بقية الصلوات الواجبة تشترك معها في كثير من الأمور، نعم بالنسبة للأمور التي تختلف معها فيها سوف نتعرض للحديث عنها، مثلاً لما كانت كيفية صلاة العيدين مخـتلفة في الجملة عن كيفية الصلوات اليومية، فلابد من بيان كيفيتها، وكذا لما كانت كيفية صلاة الجمعة تـتفاوت معها فلابد من بيان كيفيتها، وكذا الكلام أيضاً بالنسبة إلى صلاة الآيات.

وعلى أي حال، فلنبدأ ببيان الهيئة العامة لصورة الصلاة:

تـتركب الصلاة من عدة أجزاء وواجبات، تمثلان الصورة التركيـبية للصلاة بحيث أن الإخلال بأي واحد منها يسبب انتفاء صورة الصلاة-بعيداً عن البناء على صحة الصلاة وفسادها- فإذا عرفنا تلكم الأجزاء والواجبات أمكننا أن نتعرف الصلاة، ولكي نتعرف تلك الأجزاء سوف نتعرض لبيان كيفية الصلاة وسوف تكون تلك الأجزاء منطوية في ضمنها، ولكي مثالنا بصلاة الصبح لكونها أقل مقداراً من حيث عدد الركعات:

يـبدأ المصلي عندما يعمد إلى الإتيان بالصلاة بالنية، فيحدد الصلاة التي يرغب في الإتيان بها، ويكفي أن يكون عازماً منذ بداية حركته على الإتيان بصلاة الصبح. ولا يحتاج في النية إلى قصد أنها صلاة واجبة أم صلاة مستحبة، بل يحتاج فقط إلى أمر واحد وهو قصد القربة إلى سبحانه وتعالى، خالصاً في عمله إليه ومتقرباً به. كما لا يحتاج إلى قصد أن هذه الصلاة، صلاة أدائية، أم صلاة قضائية.

ثم يقوم بالتكبير، تكبيرة الإحرام، قائلاً(الله أكبر)، ويعتبر في التكبير مجموعة من الشروط سوف نعرض لها عند حديثنا عن ذلك، لكننا نركز هنا على أهمها، وهو الإتيان بها من قيام، فلا يجرئ الإتيان بها من جلوس مثلاً.

ثم عليه أن يقرأ سورة الفاتحة قراءة صحيحة على الطريقة المتعارفة التي يقرأ بها المسلمون، وبعد الفراغ عنها عليه أن يقرأ سورة كاملة من سور القرآن الكريم بعد أن يقوم بتعيينها قبل قرائتها، لكي تكون البسملة التي قرأت من آيات السورة المقروءة.

وبعد الفراغ من قراءة السورة، يكبر ليحقق القيام المتصل بالركوع، ثم يهوي إلى الركوع، فإذا استقر به الحال في الركوع، أتى بالذكر فيقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، وبعد الفراغ منه، يرفع منه معتدلاً مستقيماً، ويستحب له أن يقول: سمع الله لمن حمده.

ثم يهوي إلى السجود، ويعتبر في صحته أن يكون على ما يصح السجود عليه، وأن يكون على الأعضاء السبعة التي سوف يأتي بيانها عند حديثنا عن السجود، فإذا استقر به الحال في السجود فعليه أن يأتي بالذكر، وهو: سبحان ربي الأعلى وبحمده.

فإذا فرغ من السجود استوى جالساً، ثم عاد إلى السجود مرة ثانية، فكرر ما فعله في المرة السابقة.

وبعد الفراغ والجلوس مستوياً يقوم للإتيان بالركعة الثانية، فيفعل فيها ما فعله في الركعة الأولى، بإضافة القنوت فيها بعد الفراغ من قراءة السورة، مع الالتفات إلى أن القنوت في الصلاة مستحب، وليس واجباً فيجوز للإنسان تركه.

فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية، جلس للتشهد، فيقول: أشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي على محمدٍ وآل محمد.

وبعد الفراغ من التشهد عليه أن يقوم بالتسليم، فيقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ويستحب له في البداية أن يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

ويضاف لما ذكرناه في بيان صلاة الصبح الإتيان بالتسبيحات الأربع: سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر، في الركعة الثالثة، وكذا لو كانت الصلاة رباعية يأتي بها في الركعة الرابعة، وهكذا.

——————————————————————————–

[1] سورة البقرة الآية رقم 186.