19 أبريل,2024

فقه البنوك(7)

اطبع المقالة اطبع المقالة

البنوك الحكومية:

بعد الفراغ عن الحديث حول البنوك الأهلية، واتضح عدم جواز الاقتراض منها بشرط الزيادة من دون فرق بين القول بملكية الدولة، أو القول بعدم ملكيتها، يقع الحديث حول البنوك الحكومية. والحديث تارة بناءً على القول بملكية الدولة. وأخرى بناءً على القول بعدم ملكية الدولة، فهنا صورتان:

الأولى: أن يلتـزم بأن الدولة مالكة:

فلا إشكال في عدم جواز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط الزيادة، لأنه ينطبق عليه عنوان القرض الربوي، ويدل على المنع عنه جميع ما سبق ذكره في الحديث حول حرمة القرض الربوي في البنوك الأهلية فلا نعيد، كما تجري الوسائل التخلصية التي سبق وذكرناها في الحديث حول معالجة القرض الربوي في الاقتراض من البنك الأهلي، فراجع.

الثانية: أن يلتـزم بأن الدولة غير مالكة:

فلا إشكال في أنه لا يجوز الاقتراض بشرط الزيادة لانطباق عنوان القرض الربوي، وبالتالي يشمله جميع ما دل على حرمة القرض الربوي. نعم يختلف الحال في البنك الحكومي عن البنك الأهلي أنه يبطل القرض والشرط معاً، أما بطلان الشرط فلما سبق وذكرناه عند الحديث عن البنك الأهلي فلا نعيد. وأما بطلان القرض، فلأن المفروض أن الدولة لا تملك، وهذا يعني أن المال الموجود في البنك ليس مملوكاً للبنك، فلا يحق له أن يتصرف فيه.

تساؤل وجواب:

لكنه قد يسأل: بناءً على القول بأن الدولة لا تملك، فالمفروض أن المال الموجود في البنك مال مجهول المالك، فلا ينطبق عليه عنوان القرض، لأن القرض إنما يكون بين طرفين، ولا يوجد طرف آخر، وهو المقرض، وهذا يعني أن القرض في البين إنما هو قرض صوري، وليس قرضاً حقيقياً، فلا معنى للقول بحرمة القرض الربوي من البنك الحكومي.

وبعبارة أخرى، إن التعبير بأن هناك قرضاً غير صحيح، لأنه لا يوجد مقرض أساساً لعدم ملكية الدولة.

ويمكن أن يبرر تعبير غير واحد من الفقهاء بحرمة الاقتراض الربوي من البنك الحكومي بأحد أمور:

الأول: إن ما دل على حرمة الربا، سواء من القرآن الكريم، أم من النصوص الشريفة، أم من حكم العقل والعقلاء، مطلق شامل للمعاملة الربوية الحقيقية، والمعاملة الربوية الصورية، ويتأكد هذا المعنى أيضاً من خلال التشديد والتغليظ الصادر من الشارع المقدس في موضوع الربا، فلاحظ.

الثاني: إن القبول بالتساؤل السابق يعتمد على الالتـزام بأن حرمة الربا تنحصر في خصوص المعاملة الربوية الصحيحة المستجمعة للشروط المعتبرة في المعاملة لولا الزيادة الربوية، أما لو قيل بأن المعتبر في حرمة الربا هو الوجود العرفي، وهذا يعني أنه في كل مورد حكم العرف بانطباق الزيادة الربوية فإنه يحكم فيه بالفساد، ويرتب عليه أثر الحرمة الشرعية، ومقامنا من هذا القبيل ضرورة أن العرف يرى أن الزيادة المأخوذة من قبل البنك الحكومي ينطبق عليها عنوان الربا بوجوده العرفي، فيكون مشمولاً لما دل على حرمة الربا، فتدبر.

الثالث: إنه قد تقرر في محله أن هناك تلازماً بين الحرمتين، الحرمة التكليفية، والحرمة الوضعية، وهذا يعني أنه متى ثبتت حرمة وضعية، فإنه يلازم ذلك البناء على وجود حرمة تكليفية أيضاً، ولا إشكال في فساد القرض الربوي من البنك الحكومي، فيلزم من ذلك ثبوت حرمة تكليفية أيضاً[1].

وسيلة تخلصية:

هذا ولما كان القرض الموقع مع البنك الحكومي باطلاً، للقول بعدم ملكية الدولة، فلا يكون المال الموجود في البنك مملوكاً له، فلا يسوغ له التصرف فيه، فنحتاج إلى البحث عن وسيلة شرعية يتم التخلص بواسطتها عن المشكل الشرعي، وتحويل التصرف الصادر من المكلفين تصرفاً شرعياً، فيتم ذلك من خلال قبض المال على أنه مجهول المالك، وتوضيح ذلك أن يقال:

إن الأموال الموجودة في خزانة البنك على نوعين:

الأول: أن يكون هذا المال الموجود في خزانة البنك مال لشخص من المسلمين جاء وأودعه في البنك، فيقال قد سبقت على هذا المال يد مسلم من المسلمين.
الثاني: أن لا يكون المال مملوكاً من قبلُ لأحد من المسلمين، بل جيء به جديد من مؤسسة النقد مثلاً المتصدية لاستصدار الأوراق النقدية.
أما في الفرض الأول، فيعامل المال المذكور معاملة المال المجهول مالكه، وسوف يأتي بيان حكمه إن شاء الله فأنتظر.
وأما الفرض الثاني، فإنه يملكه كل من وضع يده عليه، ويسمى هذا في الفقه بالحيازة، لأن من حاز شيئاً فقد ملكه، والموجب لصدق عنوان الحيازة أنه لم يسبق عليها يد مسلم، فتكون بلا مالك، فيملكها من يحوزها، فلاحظ.

مجهول المالك وأحكامه:

هذا وينبغي أن نتعرف على المقصود من المال مجهول المالك، ببيان حقيقته، ومن ثمّ نعمد لبيان الأحكام المرتبطة به، فنقول:

تعريف مجهول المالك:

يعرف المال المجهول مالكه بأنه: كل مال عرف صاحبه فعلاً مع  عدم الطريق إلى تعيينه وجداناً أو تعبداً. وهذا يعني أنه لا يعتبر فيه الضياع، وإنما يعتبر فيه عدم معرفة المالك، وهو بهذا التعريف يختلف عن اللقطة، لأن اللقطة متقومة كما ذكر ذلك في تعريفها بأمرين، وهما:
الأول: الضياع.

الثاني: عدم معرفة المالك.
وطبقاً لهذا لن يكون مال البنك الحكومي، ولا البنك المشترك-بناءً على القول بعدم ملكية الدولة-لقطة، لعدم توفر الشرطين المعتبرين في مفهومها، فلاحظ.

[1] فقه المصارف والنقود ص 343-344 بتصرف.