19 أبريل,2024

شرطية القدرة

اطبع المقالة اطبع المقالة

من المعلوم أن التكاليف الموجهة للإنسان مشروطة بشروط، كالبلوغ، والعقل، والإسلام -على قول بين الفقهاء- ومعنى اعتبار هذه الشروط في المكلف يعني أن اشتغال ذمته ولزوم العمل عليه مشروط بكونه مستجمعاً إياها، ولذا لو لم يكن ممتلكاً لها، أو كان فاقداً بعضاً منها، فإن ذلك يستدعي عدم توجه التكليف إليه، فالصغير الذي بعدُ لم يبلغ، أو المجنون، وكذا الكافر-على القول بكونه غير مكلف-لا يطالب بالتكاليف الإلهية، ولكل واحد من هذه الشروط دليله الدال عليه، والمتضمن تعليق الإلزام على حصوله.

هذا ومن الشروط المعتبرة في تنجز التكليف وتوجهه للإنسان غير ما قدمنا شرطية القدرة، بمعنى أنه يعتبر في توجه التكليف للإنسان وتنجزه عليه أن يملك القدرة على امتثاله والإتيان به، فلو لم يكن كذلك بحيث كان عاجزاً عن العمل بما طلب منه الإتيان به، فإنه لن يكون مكلفاً. ولهذا اشتهر على الألسن دائماً استحالة التكليف بغير المقدور. إلا أن السؤال الذي يطرح هو: هل أن العجز عن الإتيان بالمكلف به نتيجة فقدان المكلف للقدرة يوجب سقوط التكليف عنه، مثلاً يعتبر في الصلاة إتيانها عن طهارة، فلو عجز المكلف عن الطهارة بقسميها، المائية والترابية، فهل يعني ذلك سقوط التكليف عنه، فلا تجب عليه الصلاة، وكذا يعتبر في الصلاة أن تكون عن قيام، فلو عجز المكلف عن إيقاعها عن قيام، إذ لا يمكنه إلا الإتيان بها جالساً، فهل يعني ذلك سقوط الصلاة عنه من رأس، أم لا؟…حتى نستطيع الإجابة عن هذا السؤال، نوقع الحديث ضمن أمور:

أين تكون القدرة:

في البداية نحتاج أن نتعرف أن شرط القدرة إنما يكون معتبراً في المرحلة الأولى من مرحلتي الحكم الشرعي، وذلك لأن للحكم الشرعي مرحلتين:

الأولى: وهي مرحلة الثبوت.

الثانية: مرحلة الإثبات.

وعالم الثبوت يتضمن ثلاثة عناصر:

الملاك، ونقصد به المصالح والمفاسد التي تكون منشأ لتشريع الأحكام الإلهية، وسبباً لجعلها، ومرحلة الإرادة والشوق والرغبة للإتيان بهذا العمل، ومرحلة الجعل والاعتبار وتشريع الحكم. نعم القدرة المعتبرة شرطاً في التكليف دخيلة في أي واحد من هذه العناصر الثلاثة، فهي هل دخيلة في عنصر الملاك أعني المصالح والمفاسد، بحيث يشترط في عنصر الملاك أن يكون مشروطاً بالقدرة، أم أنها يعتبر توفرها في عنصر الإرادة، أم في عنصر الجعل والتشريع؟…

المعروف بين علمائنا أن القدرة دخيلة في عنصر الجعل والتشريع، وهذا يعني أنه لا يتصور جعل من قبل الله سبحانه وتعالى لتكليف من التكاليف إلا في حدود قدرة الإنسان واستطاعته، فالعاجز لا يتوجه له تكليف أصلاً.

والسر في عدم توجه التكليف للعاجز، يعود للقاعدة المعروفة والمتداولة على الألسن، وهي قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور.

استحالة التكليف بغير المقدور:

هذا ونقصد من قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور: أن الله سبحانه وتعالى يستحيل أن يكلف إنساناً بما لا يكون مقدوراً له، فكل ما كان خارجاً عن قدرته وطاقته، وكل ما لا يتحمله فإن تكليفه به مستحيل، لأنه يستحيل أن يكلف بغير المقدور، وهذا ما يحكم به العقل، ومع أن أعلامنا قد حددوا مركز اشتراط القدرة، وأنه في عالم التشريع، إلا أنهم ذكروا في معنى أنه سبحانه وتعالى يستحيل أن يكلف بما ليس مقدوراً احتمالين:

الأول: أن يكون المنفي في هذه القاعدة هو العقاب، بمعنى أن الإنسان لا يكون مستحقاً العقاب والعذاب على العمل الذي لا يقدر على الإتيان به، فلو أن الله سبحانه وتعالى كلف الإنسان بما يفوق طاقته وقدرته، فكان عاجزاً عن امتثاله والإتيان به، فإنه لا يكون مستحقاً للعقاب عندما لا يأتي به، مع أن القاعدة تقضي بأن من كلف بأمر صار ملزماً أن يأتي به، فلو عصى فلم يأتِ بما أمر به، فإن العقل والعقلاء يحكمان بكونه مستحقاً العقاب، إلا أن هذا الحكم العقلي والعقلائي مقيد بما إذا كان الإنسان قادراً ومستطيعاً للإتيان به، وإلا فإنهم يحكمون-العقل والعقلاء-بعدم استحقاقه العقاب، بل يحكمون بقبح معاقبته، فلاحظ.
ولا يذهب عليك أن الاستحالة المنفية في المقام ليست الاستحالة الذاتية، وإنما الاستحالة في البين يقصد بها الاستحالة المستفادة من العقل العملي، وهي قبح صدور الظلم منه سبحانه، فإنه ليس مستحيلاً ذاتاً في حقه تعالى، لكنه لا يليق بساحة قدسه، فإنه العدل العادل الذي لا يجور وحكمته ورحمته وسعت كل شيء.

الثاني: أن يكون المنفي أصل التشريع والجعل والاعتبار، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى وهو العالم بالإنسان وبما عنده من قدرة وبما لديه من طاقة، فمن الطبيعي أنه لن يكلفه إلا بما يكون قادراً على فعله وامتثاله، لأنه على علم تام بحدود قدرته وطاقته، ولذا منذ البداية لا يشرع الله سبحانه وتعالى تشريعاً خارجاً عن حدود قدرة الإنسان واستطاعته، فلا يتصور أن يجعل الله سبحانه وتعالى على المكلف صلاة مليون ركعة في اليوم والليلة، وهو على علم ودراية بأن الإنسان لا يقدر على أداء خمسمائة  ألف ركعة في اليوم والليلة، فكيف يجعل عليه ما هو أكثر منها، وهو المليون.

والفرق بين الاحتمالين واضح، إذ أنه وفقاً للاحتمال الأول، لا ينفي القائلون بقاعدة استحالة التكليف بغير المقدور إمكانية الجعل والتشريع لما يفوق القدرة البشرية المحدودة للإنسان في الامتثال، فيمكن أن يشرع الله سبحانه وتعالى تشريعات ويجعل أحكاماً وتكاليف تفوق القدرة البشرية، وحدود طاقة الإنسان، إلا أن عجز الإنسان عن الإتيان بها وامتثاله يكون موجباً لعدم استحقاقه العقوبة والعذاب. وهذا يختلف عنه على الاحتمال الثاني، فإنه ينفي أصل التشريع والجعل منذ البداية لمثل هكذا تكاليف، فلاحظ.

شمولية استحالة التكليف بما لا يكون مقدوراً:

ولا يتصور أحد أن استحالة التكليف بما هو خارج عن قدرة الإنسان واستطاعته يختص بالتكاليف الإلزامية، فلا يشمل التكاليف غير الإلزامية، أو أنه ينحصر في التكاليف الطلبية، أعني الأوامر والواجبات، فلا يشمل التكاليف الزجرية والنواهي، أعني المحرمات، بل إن القاعدة المذكورة واسعة النطاق والحدود، فتشمل الجميع، فهي كما تشمل الواجبات، فيستحيل أن يصدر من المولى تكليف واجب غير مقدور، كذلك يستحيل أن يصدر من المولى مستحب غير مقدور. وكما أن القدرة معتبرة في الواجبات والمستحبات، هي معتبرة كذلك في المحرمات والمكروهات، فكما أن تكليف الإنسان بالصوم طيلة حياته خارج عن دائرة القدرة، فيستحيل التكليف به، كذلك لا معنى لمنع شخص لا يقدر على شرب الخمر عن شربه.

انقسام القدرة:

ثم إن القدرة التي نتحدث عنها تنقسم إلى قسمين، قدرة عقلية، وقدرة شرعية. ونقصد بالقدرة العقلية: الموارد التي لا يتدخل الشارع المقدس ليأخذ القدرة قيداً في ملاك الحكم، وهذا يعني أن ملاك الحكم يشمل العاجز كما يشمل الصحيح، وإنما يكون عدم إتيان العاجز بالتكليف سببه وجود المانع، لا أنه لا يوجد عنده قابلية ومقتضي للإتيان بالتكليف.

وأما القدرة الشرعية، فيقصد منها: القدرة التي أخذها الشارع المقدس قيداً في ملاك الحكم، وهذا يعني أن انتفاء الحكم عن العاجز يرجع إلى عدم وجود المقتضي والقابلية لديه في الإتيان به. وبناءً على هذا التعريف للقدرة يمكن القول بأن ملاك الحكم وهو المصلحة أو المفسدة لا يشملان العاجز، وهذا هو ما عبر عنه قبل قليل بعدم وجود مقتضٍ عنده[1].

العجز وسقوط التكليف:

ثم إنه ووفقاً لما تقدم ذكره من أنه يستحيل أن يكلف الله سبحانه وتعالى بما ليس مقدوراً، وأن القدرة شرط معتبر في التكليف الإلهي، فهل ذلك يعني أن العجز موجب لسقوط التكاليف عن العاجزين، فمن كان عاجزاً عن أداء الصوم مثلاً، يسقط عنه وجوب الصوم، ومن لم يكن متمكناً من الصلاة مع الطهارة، سواء الطهارة المائية، أم الطهارة الترابية يستلزم ذلك سقوط وجوب الصلاة عنه، فلا تجب عليه الصلاة، وكذا من كان متمكناً من الطهارة، لكنه يعجز عن أداء الصلاة من قيام، فهل تسقط عنه الصلاة، فلا تجب عليه، أم أن له وظيفة أخرى؟…
لا يخفى أن مقتضى ما تقدم من بيان لشرطية القدرة، واستدلال عليها بقاعدة استحالة التكليف بغير المقدور، يستدعي الالتـزام بأنه إذا صدق على الموارد التي ذكرت وغيرها أنها من التكليف بغير المقدور، كانت غير موجهة للمكلف، فلا يكون المكلف مطالباً بها.

بل يمكن التمسك لذلك أيضاً بطريق آخر، وهو قاعدة عقلية مفادها: إن المقيد ينتفي عند انتفاء قيده، ونقصد بذلك أن الصلاة هذا المركب من مجموعة أجزاء، كل جزء منها يعتبر قيداً لها، فالصلاة بمجموع الأجزاء مقيد، وكل جزء يعتبر قيداً لها، فلو عجز المكلف عن الإتيان بأحد الأجزاء فذلك يعني انتفاء قيد من قيود المقيد، ومع انتفاء أحد القيود، لن يكون المقيد المأتي به، وهو الصلاة الفاقدة لذلك القيد هو المطلوب، فيحكم بعدم وجوب الصلاة حينئذٍ، لأنه بانتفاء هذا القيد تكون الصلاة المأتي بها ليست الصلاة المطلوب. وكذا لو لم يكن المكلف متمكناً من الطهارة بقسميها فإن ذلك يمنع عن صدق الإتيان بالصلاة المقيدة بالطهارة، فإن الطهارة شرط وقيد في الصلاة، وبانتفائها يكون المقيد منتفياً، فلا يحكم بتحققه خارجاً، فلاحظ.
نعم يستثنى من ذلك ما ورد دليل من الشارع المقدس عليه بأن العجز عن بعض القيود لا يستوجب رفع اليد عن المقيد مطلقاً، وهذا ما تقدمت الإشارة إليه من القدرة الشرعية، أي أن الشارع المقدس اعتبر المورد من موارد القدرة الشرعية، ومع اعتباره كذلك، فعندها لا يسقط التكليف بالعمل كاملاً، وإنما يسقط الجزء المعتبر بالقدرة، ويـبقى الباقي على حاله. بل في بعض الموارد يعمد الشارع المقدس إلى جعل بديل عن الجزء العاجز المكلف عن إتيانه، مثلاً من لم يستطع الإتيان بالصلاة عن قيام، فإنه لا تسقط الصلاة عنه، بل ينتقل إلى الصلاة عن جلوس، أو إلى الاقتصار على القيام أثناء الصلاة في بعض الموارد، وفي بعضها الآخر تكون وظيفته الجلوس، وهكذا.

والحاصل، هناك بعض الموارد لم يرضَ الشارع المقدس برفع اليد عن أصل التكليف لمجرد العجز عن الإتيان ببعض قيوده، كالصلاة مثلاً، وإنما عمد الشارع إلى جعل بديل له، أو عمد إلى الإلزام بالإتيان بالعمل الناقص، وجعله يقوم مقام العمل التام، فلاحظ.

الصلاة نموذجاً ومثالاً:

هذا ولنختم حديثنا حول القدرة وشرطيتها في التكليف، والعجز في بعض الموارد، وكيف تكون وظيفة المكلف حال العجز، هل أن وظيفته هي سقوط التكليف عنه، أم أنها الإتيان بما يقدر على الإتيان به، من باب أن: ما لا يدرك كله لا يترك جله، أو غير ذلك، بذكر نموذجٍ عملي من حياتنا اليومية، وهو عبارة عن الصلاة، إذ لا يخفى على أحد أن هناك تكليفاً متوجهاً لنا بلزوم أدائها مستجمعة جملة من القيود والشروط، كالطهارة، مثلاً، أو الاستقبال، أو الأجزاء الواقعة والمقومة لحقيقتها، وماهيتها، كالقيام مثلاً، أو الركوع والسجود، وغير ذلك، فكيف يتم تعامل المكلف مع العجز عن شيء مما هو دخيل فيها؟…

وفقاً لما قدمناه قبل قليل، وإن كان العقل يحكم بسقوط التكليف بانتفاء المقيد عند انتفاء أحد قيوده، لكننا أشرنا إلى أنه مع وجود دليل من الشارع على لزوم الإتيان بالتكليف ولو كان ناقصاً، فعندها يلتـزم المكلف بذلك. والصلاة من هذا القبيل، فإن الشارع لا يأذن بتركها بأي حال من الأحوال، حتى الغريق وهو يصارع الأمواج، ويتحرك ما بين الحياة والموت وهو في حال الغرق، فإنه مطالب بأداء الصلاة بمقدار ما يستطيع أثناء تلك الحالة، فلاحظ.
وعلى أي حال، فلنشر إلى بعض موارد العجز الصلاتي، وما هي الوظيفة المتصورة بالنسبة للمكلف:

فاقد الطهورين:

من المعلوم أنه إذا لم يتمكن المكلف من الطهارة المائية، فإن وظيفته سوف تكون الانتقال للطهارة الترابية، وفقاً لما أشير له في القرآن الكريم، وتضمنته النصوص الشريفة الصادرة عن أهل بيت العصمة(ع)، وعليه فتوى فقهائنا، لكن لو لم يتمكن من الطهارتين المائية والترابية، إما لفقدانهما معاً بحيث لم يجد ماءً، كما لم يجد ما يصح التيمم به، أو لعجزه عن استعمالهما معاً، فكما أنه لا يتمكن من استعمال الماء، كذلك لا يتمكن من التيمم، فما هي وظيفته والحال؟…

لا ريب أنه لو كنا وحكم العقل لقررنا أن الصلاة ساقطة عنه، لأن المقيد ينتفي بانتفاء قيده، إلا أن اهتمام الشارع المقدس بالصلاة، وأنها كما ذكرنا لا تترك بحال من الأحوال، يمنع من القبول بهذا الأمر، وعليه سوف تكون المحتملات عندنا كالتالي:

1-أنه يجب عليه أداء الصلاة من دون طهارة، ولا يجب عليه القضاء خارج الوقت عند تمكنه من أي الطهارتين.
2-أنه لا يجب عليه الصلاة أثناء الوقت، بل تنحصر وظيفته في الصلاة خارج الوقت قضاءً لما فات في الوقت، نعم يستحب له الصلاة أثناء الوقت.
3-أن وظيفته هي الجمع بين الصلاة في الوقت، والقضاء خارج الوقت.
هذا والذي عليه فتوى أعلامنا، هو الأمر الثاني، فيسقط عنه الأداء، ويجب عليه القضاء، أما سقوط الأداء فلما ورد من النصوص الشريفة من أن الطهور يعدّ جزءاً مقوماً في حقيقة الصلاة، وأن ماهيتها تتألف منه ومن الركوع والسجود، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله(ع) قال: الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلت طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود[2]. وأما القضاء، فلأن العبرة بفوت التكليف ولو شأناً، وتفصيله يطلب من محله.

العجز عن القيام:

وقبل الحديث عن العجز عن القيام ولو في بعض آنات الصلاة، فضلاً عن العجز عنه في جميعها، لنشر إلى أقسام القيام، فقد ذكر السيد السبزواري(قده) أنه ينقسم بحسب الأحكام الخمسة، فالواجب ما كان في ضمن واجب، والمندوب ما كان في ضمن مندوب، كالقنوت مثلاً، والمباح ما لم يكن في ضمنهما، والحرام ما كان ماحياً للصورة الصلاتية، أو قيام المريض المضر بحاله الذي يكون تكليفه الصلاة عن جلوس، والمكروه كالصلاة في مواضع التهمة بحيث تترتب التهمة على نفس القيام، فهو من المكروه وبمعنى أقلية الثواب[3].
وعلى أي حال، فقد قسم صاحب العروة(ره) القيام في الصلاة إلى أقسام بحسب حقيقته من حيث كونه واجباً، أو ركناً، أو مستحباً، فقال:

1-قيام ركني، وهو القيام الذي يكون معتبراً حال تكبيرة الإحرام، والقيام الذي يكون متصلاً بالركوع. فلو كبر تكبيرة الإحرام جالساً أو في حال النهوض بطلت صلاته، حتى لو كان ساهياً. وكذا لو كان ركوعه عن جلوس لا عن قيام، ولو سهواً، كانت صلاته باطلة.
2-قيام واجب، وهو القيام أثناء القراءة، وبعد الركوع.
3-قيام مستحب، وهو القيام أثناء القنوت، وأثناء التكبير بعد الرفع من الركوع، وقبل الهوي للسجود.
4-قيام مباح، وهو القيام بعد القراءة، أو بعد التسبيح، أو في أثنائهما مقداراً وأثناء كونه ساكتاً غير منشغل بشيء منهما.
هذا وبعدما تعرفنا على أقسام القيام، ما هو العمل لو عجز المكلف كما ذكرنا عن القيام طيلة الصلاة، أو كان عجزه في بعض آناتها. فهل وظيفته الصلاة من جلوس أم ماذا؟..
المذكور في فتاوى الفقهاء(رض)، أن العجز عن القيام له صورتان:

الأولى: أن يكون عاجزاً عن القيام في جميع آنات الصلاة.
الثاني: أن يكون عجزه عن القيام أثناء الصلاة عجزاً جزئياً، وليس كلياً، بمعنى أنه عاجز عنه في بعض آنات الصلاة، وليس في جميعها.

أما بالنسبة للصورة الأولى: فالموجود في فتاواهم، أنه متى عجز عن القيام أثناء جميع الصلاة، كانت وظيفته الانتقال إلى الصلاة من جلوس، فيصلي جالساً حينئذٍ، وإن لم يتسن له الصلاة جالساً انتقل إلى الصلاة مضطجعاً على جانبه الأيمن-على كلام بينهم في تقديم الأيمن على الأيسر-كهيئة المدفون، وإن عجز عن الصلاة مضطجعاً على جانبه الأيمن، انتقل إلى الصلاة مضطجعاً على جانبه الأيسر، ومع العجز عن الصلاة حالهما، تكون وظيفته الصلاة مستلقياً على قفاه كالمحتضر، وفي مورد الصلاة من جلوس يأتي بالركوع والسجود من جلوس، أما حال كونه مضجعاً على أحد الجانبي، أو على قفاه، فإن وظيفته الانحناء للركوع والسجود بما يمكنه الإتيان به، وإن عجز انتقل إلى الإيماء إليهما برأسه، وإن عجز أومئ لهما بعينيه، وليكن الإيماء للسجود أكثر منه للركوع، ويزيد في غمض العينين للسجود على غمضها على الركوع. والأحوط استحباباً أن يرفع ما يصح السجود عليه إلى الجبهة.

وأما الصورة الثانية، فلا ريب أن وظيفته هي الإتيان بالقيام بالمقدار الذي يتسنى له الإتيان به، فلو كان قادراً فقط على الإتيان بتكبيرة الإحرام من قيام، ويعجز عن إكمال بقية الصلاة قائماً، فعليه أن يكبر تكبيرة الإحرام من قيام، ثم يأتي ببقية الصلاة جالساً، ولذا لو كبر تكبيرة الإحرام جالساً كانت صلاته باطلة، لأنه يكون قد أخل بركن من أركان الصلاة.

ولو كان يتمكن من التكبير عن قيام، ومن القراءة قائماً، ومن الركوع عن قيام، فلا يجوز له الجلوس وإن كان يعجز بعد ذلك، لأن وظيفته هي الإتيان بالصلاة من قيام، فيكبر ويقرأ قائماً، ثم يركع عن قيام، فإذا عجز انتقل إلى الصلاة من جلوس، وهكذا.

هذا ولو لم يتمكن من الركوع  قائماً، فإنه يصلي قائماً في جميع آنات الصلاة ثم يركع جالساً، ويسجد على قول السيد اليزدي، مع أن الذي عليه الفتوى بين أعلامنا اليوم هي أن وظيفته الصلاة مومياً، فلاحظ. ولو لم يتمكن من الركوع والسجود صلى قائماً، وأومأ للركوع والسجود، وانحنى لهما  بقدر الإمكان.

هذا ولنختم بالإشارة إلى حالة وهي ما إذا دار أمر المكلف بين أن يصلي قائماً مع الإيماء للركوع والسجود، وبين أن يصلي جالساً مع الركوع والسجود، فقد ذكر السيد اليزدي(قده) أن الاحتياط يقتضي تكرار الصلاة، بأن يصلي مرة من قيام مع الإيماء، وأخرى من جلوس مع الإتيان بالركوع والسجود. وهذا هو ما ألتـزم به شيخنا الأستاذ الوحيد الخراساني(دامت أيام بركاته)، لكن الذي عليه غيرهما من الفقهاء، إما أنه مخير بين أحد الطريقتين، إما الصلاة مومياً، أو الصلاة جالساً، وآخرون يلتـزمون بأن وظيفته هي الصلاة مومياً.
 
—————————

[1] الحلقة الثانية للسيد الشهيد الصدر(قده) وما كتب حولها من شروح.
[2] وسائل الشيعة ب 9 من أبواب الركوع ح 1.
[3] نهذب الأحكام ج 6 ص 204.