19 أبريل,2024

سن البلوغ في الأنثى

اطبع المقالة اطبع المقالة

المشهور بين أصحابنا هو القول بأن الأنثى تبلغ سن التكليف فتلزم بالعبادات الإلهية، إذا أكملت تسع سنين هلالية، ودخلت في العاشرة.

وقد عبر الفقيه النجفي في جواهره في كتاب الحجر، أن هذا هو الذي استقر عليه المذهب. بل في السرائر نفى وجود خلاف بين الأصحاب في المسألة.

لكن الشيخ الطوسي في كتابه المبسوط باب الصوم، وابن حمزة في كتابه الوسيلة قالا ببلوغها بعشر سنين.

هذا وقد يقال، أنهما لا يخالفان المشهور، لأن الظاهر أن مرادهما من بلوغها بعشر سنين دخولها في العاشرة، وهذا ما عبر عنه المشهور، بإكمالها تسع سنين.

أما بالنسبة للشيخ الطوسي(قده)، فالتوجيه المذكور، خلاف الظاهر من عبارته، حيث قال(قده): وأما البلوغ فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية، وحده هو الاحتلام في الرجال والحيض في النساء أو الإنبات أو الإشعار أو يكمل له خمس عشر سنة، والمرأة تبلغ عشر سنين.

إذ يمكن القول، أن مراده إكمالها عشر سنين، بقرينة نصه على ذلك في الذكر، ولا أقل من ظهور ذلك، فتأمل.

وأما ابن حمزة، فإن هذا التأويل غير جارٍ بالنسبة لكلامه من أصل، لأنه نص في خمس الوسيلة على أن بلوغ الأنثى بإتمام عشر سنين، قال(قده): وبلوغ المرأة بأحد شيئين: الحيض، وتمام عشر سنين.

ثم إن الشيخ الطوسي ذكر في كتاب الحجر من المبسوط أن الأنثى تبلغ بتسع سنين، وجعل بلوغها بعشر مروياً، ولم يعلق عليه.

وكذا ذكر ابن حمزة في كتاب النكاح من الوسيلة، بأن بلوغها يعرف ببلوغها تسع سنين، قال(ره): وبلوغ المرأة يعرف بالحيض أو بلوغها تسع سنين فصاعداً.

ولا يخفى التنافي بين الفتويـين، فلاحظ.

نعم حاول بعض المعاصرين، أن يجمع بـين قولي الشيخ(قده) بأن كتاب الحجر متأخر في التأليف عن كتاب الصوم، فيكون قوله في الحجر إعراضاً منه عن قوله السابق.

ولا يخفى ضعفه جداً، حيث أنه مبتني على التأثر الموجود من أن تأليف الكتاب، يسير على وفق السلسلة الفقهية، مع أن الملاحظ من سيرة غير واحد من علمائنا، أنه ربما قدم وأخر في التأليف، بل ربما كتب بابين في آن واحد.

هذا والذي ينبغي أن يتبع في بيان الحق، هو الركون للدليل، وما يدل عليه، فلابد من النظر في الأدلة المدعاة على قول المشهور.

استدل المشهور على بلوغها بإكمالها تسع سنين والدخول في العاشرة بالتالي:

الأول: الإجماع، المدعى من قبل الشيخ في كتابه الخلاف، والغنية، وغير ذلك.

هذا ولابد لتمامية هذا الدليل، من توفر أمرين:

أولها: أن يكون إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم، غير مستند لمدرك من المدارك، ولا محتمل الاستناد.

ثانيها: أن يكون إجماعاً محصلاً، غير منقول، لعدم حجية الإجماع المنقول كما عرفت في الأصول.

وكلاهما غير متوفر في المقام، مما يعني أنه لا يمكن الركون لمثل هذا الإجماع في المدعى.

على أن هذا الإجماع من الشيخ وفي كتابه الخلاف، وقد عرفت عدم حجية مثل هذه الإجماعات، إما لكونها مدركية غالباً، أو لكونها غير تعبدية، أو لكونها مختصة بأهل عصر دون عصر.

وهذا بنفسه يجري بالنسبة إلى إجماعات السيد ابن زهرة في كتابه الغنية، حيث أن الإجماع عنده غير محرز التعبدية، فلا يعول على إجماعه.

نعم أدعى الإجماع على ما حكي ابن إدريس في السرائر في نوادر القضاء، والعلامة في التذكرة والأردبيلي في آيات الأحكام، كما حكى ذلك عنهم السيد العاملي في المفتاح.

ويكفي لمنع حجية مثل هذا الإجماع، فضلاً عن عدم تعبديته، كونه إجماعاً مدركياً، مما لا يمكن الاعتماد عليه.

الثاني: الشهرة، ففي المختلف وغاية المرام، أنه المشهور. وقال الشهيد الثاني في المسالك: أن بلوغ الأنثى بالتسع مشهور، وعليه العمل. وقد حكيت الشهرة عليه في المهذب البارع والروضة ومجمع البرهان والكفاية والمفاتيح، ومثل ذلك جاء في الجواهر أيضاً.

وهذا الدليل يعتمد على مقدمتين، كبرى وصغرى:

أما الكبرى، فهي عبارة عن الالتزام بحجية الشهرة الفتوائية.

وأما الصغرى، فشهرة القول ببلوغ البنت بتسع سنين.

ولا يخفى أن الصغرى متحققة في المقام، لوجود الدعوى بذلك. بل الإنصاف أنه لم يعرف مخالف في ذلك إلا من عرفت.

لكن الإشكال في الكبرى، حيث أننا ذكرنا في الأصول، المنع من حجية الشهرة الفتوائية.

وعليه يكون هذا الدليل أيضاً ساقطاً عن الاعتبار والاعتماد عليه.

الثالث: وهو العمدة، التمسك بالنصوص الدالة على أن بلوغ الأنثى بتسع سنين.

هذا وينبغي البحث في هذا الدليل في ناحيتين:

الأولى: ناحية المقتضي.

الثانية: ناحية المانع.

أما بالنسبة إلى ناحية المقتضي، فقد ذكر بعض الأساتذة(حفظه الله)[1] أنها كثيرة جداً، وهي على طوائف.

الطائفة الأولى: ما دل على تحديد البلوغ بتسع سنين مباشرة، وهي رواية واحدة، ما رواه ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله(ع) قال: حد بلوغ المرأة تسع سنين[2].

ولا ريب في تمامية دلالتها على المدعى، كما أن سندها معتبر، لا لقبول الكبرى التي حكاها الشيخ(ره) في العدة، وإنما لأن ابن أبي عمير نقله عن غير واحد، وهذا يعني أنه عدد لا يقل عن ثلاث، واحتمال أن لا يكون بينهم شخص واحد ثقة ضعيف جداً لا يعتني به العقلاء، فتدخل في دائرة الحجية.

هذا والإنصاف أن جميع ما ذكر لا إشكال فيه، لكنّ المشكلة تكمن في كون هذه الرواية نقلها شيخنا الصدوق في كتابه الخصال، ولم ينقلها في كتابه الفقيه الذي جعله حجة بينه وبين ربه، وهذا كاشف عن نحو تأمل في الجملة لدى الصدوق في حجية هذه الرواية والاطمئنان بصورها، وإلا لما لم ينقلها في كتابه المذكور.

كما أن عدم نقل شيخنا الكليني من قبله في كتابه القيم الكافي، شاهد سلبي آخر على دخولها دائرة الحجية وقبولها، بل حتى أن الشيخ(قده) وهو الذي تصدى لنقل ما أعرض عنه العلمان الكليني والصدوق، لم ينقلها في كتابيه، فهذه كلها تدعو للتأمل في قبول هذا الخبر. خصوصاً على ما سلكناه في الأصول من أن الحجية، إنما هي للخبر الموثوق بصدوره.

هذا ويمكننا أن نؤيد هذه المدعى، بما هو المحكي عن الفقيه المحقق السيد البروجردي(قده) في أنه لا يمكن الركون والاعتماد على النصوص التي لم ترد في الكتب الأربعة، ومثل هذا ذكره بعض الأعاظم(قده) في شرحه على العروة الوثقى، وإن لم يحضرني الآن موضعه.

وبالجملة إن هذه الأمور كلها، مانعة عن التسليم بحجية مثل هذا النص بحسب النظر الأولي، إلا أن تكون هناك شواهد مساعدة عليه، بحيث يمكن قبوله وكونه حجة.

الطائفة الثانية: ما دل على ترتب بعض لوازم البلوغ على بلوغ المرأة تسع سنين، وهي عدة روايات:

1-ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك أنها تحيض لتسع سنين[3].

وقرب دلالتها(حفظه الله) من خلال ما جاء فيها من ترتيب الثواب والعقاب على الأفعال الصادرة من الجارية، حيث أنه لا يستحق العقاب إلا من كان مكلفاً، لأنه قد رفع القلم عن الصغير حتى يـبلغ، وهذا يكشف عن أن تكليفها قد تحقق ببلوغها تسع سنين، فيثبت المطلوب.

هذا وقد يعترض على النص بإشكالات:

الأول: من ناحية السند، حيث أنه قد اشتمل على آدم بياع اللؤلؤ، وهو ممن لم يوثق.

الثاني: اشتمالها على ما لا يقول به معظم الأصحاب من تحديد بلوغ الذكر بثلاث عشرة سنة.

الثالث: ظهورها في أنه يكفي دخولها في السنة التاسعة، فلا يشترط إكمالها إياها، كما هو قول المشهور.

الرابع: ظهورها في أن المناط في البلوغ هو الحيض، وإنما جعل السن حداً للبلوغ باعتبار كشفه عن تحقق الحيض فيها، لا لخصوصية فيها، وهذا يعني أن المدار على بلوغها في السن الذي تحيض فيه، وهذا كما يمكن تحققه في سن التاسعة، قد يتحقق في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر، بحسب اختلاف الأزمنة.

وقد أجاب عنها بعض الأساتذة(دام ظله)، بالتالي:

أما الأول: من خلال البناء على وثاقته، لكونه آدم بن المتوكل، وقد نص النجاشي على وثاقته.

وأما الثاني: فبالتفكيك في الحجية، بالنسبة إلى المداليل المتعددة.

وأما الثالث: بأن البلوغ في اللغة عبارة عن الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنـتهى مكاناً أو زماناً أو غيره، كما جاء في مفردات الراغب، وعليه يكون مفاد النص أنها أنهت تسع سنين، فتكون موافقة لمختار المشهور. خصوصاً وأنه لا يقال لمن كان لها من العمر ثمان سنوات ونصف مثلاً، ابنة تسع سنين.

هذا ويشهد لما ذكرنا، قوله تعالى:- ( بلغ أشده) وقوله تعالى:- (فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن).

وأما الرابع، فأجاب عنه بجوابين: أولاً: بأن المقصود من التعليل، ليس هو الحيض الفعلي، لعدم صدق التعليل في معظم الموارد، لأن حصول الحيض عند المرأة في سن التاسعة نادر جداً، فلا يصح تعليل التكليف ببلوغها التسع لكونها تحيض فعلاً في هذا السن، وهي ليست كذلك في معظم الحالات، وهذا يعني أن المراد من التعليل معنى يصدق على المرأة وهي في سن التاسعة دائماً أو غالباً.

وما هذا إلا إمكان الحيض بمعنى وصولها إلى مرحلة النضج الجنسي، مما يجعل الحيض لها أمراً ممكناً، وهذا يتحقق ببلوغ المرأة تسع سنين.

ثانياً: إن التعبير الوارد في لسان الرواية، لا يستقيم مع كون المدار فيها هو الحيض، بل هو يتنافى مع الفهم العرفي، لأنه لو كان المدار فيها هو ذلك، لكان المناسب أن يعبر عنه(ع) بالتالي: والجارية إذا حاضت فكذلك، أو نحوه، أو يقول: وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك إذا حاضت[4].

هذا ولنا فيما ذكره عدة ملاحظات:

أما بالنسبة للجواب عن الإشكال الأول، وهو ناحية السند: فلا يخفى أن كلامه(حفظه الله) ينحل إلى دعويـين:

الأولى: اتحاد آدم بياع اللؤلؤ، مع آدم بن المتوكل. ويشهد لهذا الاتحاد أن النجاشي لم يعنون أثنين، وإنما عنون شخصاً واحداً.

الثانية: لقد نص النجاشي على وثاقة آدم بن المتوكل، الذي عرفت أنه بياع اللؤلؤ، وقد يسمى باللؤلؤي أيضاً، فيثبت المطلوب حينئذٍ.

ولكن في كلا الدعويـين مجالاً للتأمل، أما الأولى: فقد نص الشيخ في الفهرست على أنهما اثنان،وعنون كل واحد منهما في الفهرست مستقلاً عن الآخر.

لكن هذا يمكن علاجه من خلال أن الشيخ نفسه في كتابه الرجال، لم يعنون إلا واحداً، وعليه يكون هذا نوع تراجع منه عما جاء في الفهرست. وأيضاً عرّض به النجاشي في فهرسته وهو متأخر تصنيفاً عن الشيخ في عدهما أثنين، ولذا اقتصر هو على أنهما واحد فقط.

وأما الثانية: فإن البناء على توثيقه بعد ثبوته اتحادهما يعتمد على ما جاء في ترجمة آدم بن المتوكل ، حيث عنونه النجاشي وقال عنه: أبو الحسين بياع اللؤلؤ، كوفي ثقة، روى عن أبي عبد الله(ع)…الخ….

وواضح من هذا الكلام نص النجاشي وهو صاحب القول المعتمد من الرجاليـين الخبير بهذا الفن وأهله، على وثاقته.

إلا أن الإشكال يكمن في كلام ابن داود، والعلامة(ره) فقد نص ابن داود(ره) على كونه مهملاً، وهو أحد الوسائط التي وصل كتاب النجاشي من خلالها إلينا. وكذا العلامة(قده) فإنه لم يعنونه في كتابه الخلاصة.

خصوصاً وأن المعروف بين الرجاليـين أن نسخة النجاشي وصلت صحيحة إلى ابن طاووس والعلامة وابن داود، ولذا ذكروا أنه ما لم يصدقوه، فلا عبرة به.

وهذا يعني عدم إمكانية القبول بوثاقته، وقد عرفت حال من هم العمدة في وصول النسخة الصحيحة لنا من كتاب النجاشي.

هذا وقد يؤيد ما ذكرنا بل يشهد له، ما أشار له بعض الأجلاء(قده) في كتابه من أنه ظفر بنسخة مصححة من كتاب الفهرست للنجاشي، وقد ضرب على كلمة ثقة الخط.

فالنـتيجة المحصلة من بعد هذا كله، أنه لا يمكننا البناء على وثاقته، خصوصاً على ما سلكناه في وجه حجية قول الرجالي، من أنه خبر الثقة في الموضوعات إذا أفاد وثوقاً واطمئناناً، وكيف يحصل للفقيه وثوق واطمئنان، بمثل هذا بعد كل هذا.

والحاصل، فالرواية على هذا ضعيفة سنداً، لوجود آدم بن المتوكل اللؤلؤي، فإنه مهمل.

وأما بالنسبة لجوابه الثاني، فلا إشكال فيه، فإن ذلك غير عزيز في الفقه، وهو موجود في كلمات أهل الفن، وبكثرة، خصوصاً بعض الأعاظم(قده).

لكن الذي يخطر في الذهن، أن وحدة السياق تعتبر قرينة عقلائية يعول عليها العقلاء في تحقق الظهور، وعليه يصعب على العقلاء التفكيك في الكلام الواحد الصادر من متكلم واحد، فيحمل بعض ما صدر منه على معنى والبعض الآخر على آخر، إلا إذا كانت هناك قرينة عرفية داخلية أو خارجية واضحة، يمكن الاعتماد عليها. وهذا يعني أنه يصعب في مثل موردنا الالتزام بالتفكيك في الحجية.

ثم على فرض عدم قبول ما ذكرنا، فالصحيح أن النص المذكور، لا يشتمل على شيء مما لا يمكن الالتزام به، إذ أننا ذكرنا في بلوغ الصبي بالسن، أن الصحيح هو بلوغه بالثلاث عشرة سنة، خلافاً للمشهور.

وأما الثالث: فالموجود في كلام غير واحد من اللغويـين أن البلوغ بمعنى الوصول، وهذا يعني تحكم الإشكال وبقائه على حاله، وكون الخبر على خلاف مقالة المشهور.

نعم الوارد في مفردات الراغب، كما أشار له(دام ظله) تفسير البلوغ بأنه الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى، مكاناً كان أو زماناً، أو أمراً من الأمور المقدرة[5].

لكن الظاهر أنه لا دلالة له على مرامه(دام ظله) لأن الذي يـبدو من قول الأصفهاني الانتهاء إلى أقصى المقصد، يعني الوصول إلى المكان المطلوب والمراد، وهذا لا يعني البلوغ إلى نهايته.

نعم لو قيل أن المراد من البلوغ بالتسع، يعني الوصول إلى أقصى التسع، فيفيد حينئذٍ إنهاء التسع، كان ما ذكره وجيهاً. لكنه خلاف الظاهر.

فالإنصاف أن اللفظ ظاهر في خصوص الوصول، ولا ربط له بالتمامية، وعليه يكون معنى الخبر الدخول في التاسعة، وليس معناه إكمالها.

اللهم إلا أن يكون في المراد قرينة صارفة للفظ عن ظهوره في معناه، فحينئذٍ يلتـزم بمفادها.

وأما ما ذكره(دام عطاؤه) من أنهم لا يقولون لما بلغت الثامنة والنصف أنها ابنة تسع، فلا معنى له، لأنهم لا يقولون لمن بلغت التاسعة وأشهر أنها ابنة تسع أيضاً.

وأما الاستشهاد بالآيتين اللتين ذكرهما، فأما الأولى، وهي قوله تعالى:- ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة)[6]، فإنها لا تفيده، لأنها تشير إلى الوصول إلى الأشد، لا أنه يعني إكماله،وكذا الكلام بالنسبة إلى سن الأربعين، فإنه لا يعني إكمال الأربعين.

وأما الآية الثانية، وهي قوله تعالى:- ( فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن)[7]. فإنها لا تشير إلى أكثر مما ذكرناه، وهو يعني الوصول إلى نهاية العدة، لكنه هنا لا معنى لأن يقال بأنها وصلت إلى العدة.

وبعبارة أخرى، إن البلوغ هنا، وإن كان بمعنى غاية المقصد ونهايته، والوصول إلى آخر شيء فيه، لكنه لقرينة صارفة عن معناه الأولي، وهي أنه لا معنى لأن يفسر البلوغ هنا بمجرد الوصول، كما لا يخفى.

وبالجملة، إن الإشكال المذكور محكم، وما ذكره بعض الأساتذة(دامت أيامه) غير دافع له.

وأما الرابع: فما أفاده(دام ظله) وجيه، ويمكننا أن نقربه بصورة أخرى:

إن المستفاد من الرواية، هو جعل الشارع المقدس حداً تعبدياً للبلوغ بلحاظ أنه السن الذي يترقب أن تحيض المرأة فيه، ويكون الحيض فيه طبيعياً، ولهذا أخذ الشارع السن المقارن لأدنى حد للبلوغ الطبيعي للمرأة وهو سن التسع.

ولا يخفى أن هذا الاستظهار لا يصمد أمام الاستظهار الآخر المقرر في أصل الإشكال، وذلك لوجود مبعدين عن قبوله:

الأول: إن الوارد في التهذيب هو التعليل بـ(لأنها) حيث جاء النص هكذا: وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، ذلك لأنها تحيض لتسع سنين[8].

ومن الواضح، أن التعليل بـ( لأنها) يوحي بأن المناط هو الحيضية، لا السن، وإلا لما كان معنى للتعليل بذلك.

وبعبارة أخرى، إن مجيء لأنها، يمنع أن يكون الحيض أمر تقريـبي، بل الظاهر أنه علة الحكم التي يدور مدارها، وقد كشف الشارع عن ذلك من خلال إبراز السن الذي يتحقق فيه الحيض، أو يترقب حصوله فيه.

إن قلت: إن الغالب في النساء أنهن لا يحضن، في مثل هذه الحالة، بل حيضهن في هكذا حال، نادر جداً، فكيف تأسس قاعدة عامة على ذلك؟…

قلت: إن الشارع المقدس، في مقام الإشارة إلى أقصى الطرق التي يمكن تحقق التكليف من خلالها، بحيث أن الواصل إليها، يكون ملزماً، وليس بصدد حصر الطرق في ذلك، وعليه يكون المستفاد، أنه إذا حاضت البنت في هذا السن، فقد بلغت، لا أنه إذا بلغت البنت هذا السن، فإنها تحيض.

الثاني من المبعدات: النصوص التي وردت في أن المدار في مجموعة من الأمور على الحيضية، وهي إن لم تكن نصاً على تأيـيد الظهور الثاني، الذي هو أصل الإشكال، فلا ريب في أنها مانعة من انعقاد الظهور الأول، وهو ما أجاب به بعض الأساتذة(دام ظله)، والنصوص هي:

منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: على الصبي إذا احتلم، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام، والخمار، إلا أن تكون مملوكة، فإنه ليس عليها خمار، إلا أن تحب أن تخـتمر وعليها الصيام[9].

ولا ريب في وضوح دلالتها على أن المدار في تكليف الأنثى من خلال تحيضها، لأن الصيام والخمار، ليسا مأخوذين بنحو الموضوعية، بل هما مأخوذان بنحو الطريقية، ولذا يمكن التعدي عنهما لكافة التكاليف، لعدم فهم العرف خصوصية فيهما، بل يمكن الاعتماد على ما جاء في كلام شيخ الجواهر، وأشار له بعض الأساتذة(دام ظله) في مطلع حديثه من أن البلوغ أمر واحد في كافة التكاليف والأحكام.

إن قلت: إن هذا الخبر ضعيف بورود علي بن أبي حمزة البطائني، الواقفي المعروف.

قلت: إن هذا وإن كان صحيحاً كما ذكرناه في محله، إلا أننا إنما ذكرنا الخبر، كمؤيد لظهور النص محل البحث في ذلك.

ثم إن بعض الأساتذة(دام عطاؤه) لما جعل هذا الخبر معارضاً لما عليه المشهور من أن المدار ببلوغ البنت تسع سنين، أجاب عنه بمنع دلالته على أن المناط هو الحيضية، قال(دام ظله):

إن دلالة الفقرة على عدم تحقق التكليف في الصبي قبل الاحتلام لا يخلو غير واضح، لأن غاية ما يستفاد من الخبر دخالة الاحتلام في وجوب الصيام وترتب الحكم عليه، وهو أمر مسلم للجميع. أما أن التكليف ينـتفي عند عدم حصول الاحتلام فلا دلالة للرواية عليه.

نعم حذراً من لغوية قيد الاحتلام الوارد في الخبر، يكون مدلول الخبر هو انتفاء الحكم عند انتفاء الاحتلام في الجملة، لا بالجملة وبنحو السالبة الجزئية.

وهذا الذي ذكرناه بالنسبة للصبي بعينه يجري بالنسبة للفتاة، حيث لا يستفاد من الخبر كون التكليف يدور مدار عنوان الحيضية، بحيث ينـتفي عنها متى انـتفى ثبوته، بل عمدة ما يفيده أن الحكم منفي بنحو السالبة الجزئية، فلا يمنع ذلك من ثبوته بعد حصول التسع[10].

ويلاحظ عليه أولاً: بأن مقتضى مفهوم الشرط، هو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط، وعليه متى انـتفى الاحتلام، كان مقتضى ذلك عدم ثبوت التكليف، ذلك لأن التكليف مرتب على تحقق الاحتلام كما هو مقتضى مفهوم الشرط كما هو واضح.

ثانياً: إن رفع اليد عن مقتضى مفهوم الشرط يعود للقرينة الخارجية الدالة على ثبوت علامة أخرى في الذكر وهي السن مثلا، فإن ثبت هذا بالنسبة للأنثى، كان مقتضاه ثبوت علامة أخرى وهي السن مثلاً بالتاسعة، لكن هذا لا ينفي علامية الحيض على تحقق البلوغ.

وعليه يتضح أن ما أفاده(حفظه الله) ليس جواباً عن دلالة الخبر، بل هو إشارة في الحقيقة إلى أن علامات البلوغ ليست محصورة في خصوص ما ورد في النص، ومن الواضح أن هذا بعيد غايته عن المدعى.

والحاصل، إن الخبر المذكور دال على كون الحيض علامة من علامات البلوغ.

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن(ع) عن ابن عشر سنين يحج، قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت[11].

ودلالتها على المدعى، واضحة جداً، حيث رتب(ع) وجوب الحج عليها من خلال طمثها.

ومنها: معتبر شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن ابن عشر سنين يحج، قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت[12].

وهي في الدلالة كسابقتها فلا حاجة للإعادة.

ومنها: خبر السكوني عن أبي عبد الله(ع) قال: أتى علي(ع) بجارية لم تحض قد سرقت فضربها أسواطاً ولم يقطعها[13].

ويعتمد تقريب دلالتها على المدعى، بملاحظة ما ذكرناه في رواية الصيام والخمار، أعني خبر أبي بصير، فلاحظ، ومنه تعرف تمامية دلالتها على المدعى، عمدة ما كان هي ضعيفة السند بالسكوني.

هذا وقد تأول هذه الرواية بعدة تأويلات يجدها المتابع لها في محلها، لكن من نظر ذلك بعين الإنصاف وجدها تبرعات لا يعتمد عليها.

ومنها: خبر يونس بن يعقوب أنه سأل أبا عبد الله(ع) عن الرجل يصلي في ثوب واحد، قال: نعم. قال: قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده[14].

هذا ولا يخفى أن سند الصدوق(ره) إلى يونس بن يعقوب ضعيف.

ومنها: ما رواه في قرب الإسناد عن السندي ابن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي(ع) قال: إذا حاضت الجارية فلا تصلي إلا بخمار[15].

وهي ضعيفة بأبي البختري وهب بن وهب.

ومنها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: لا تصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تخـتمر إلا أن لا تجده[16].

ومنها: خبر محمد بن مسلم قال: وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار. قال: لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت وليس عليها التقنع[17].

نعم هي ضعيفة سنداً، لضعف سند الصدوق(قده) إلى محمد بن مسلم.

ومنها: ما جاء عن الجعفريات في المستدرك بسند عن علي(ع) قال: قال رسول الله(ص) : لا يقبل صلاة قد حاضت حتى تخـتمر[18].

ومنها: النصوص التي دلت على أن المطلقة ما لم تحض فلا عدة عليها، ففي خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: ثلاث يتـزوجن على كل حال: التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها[19].

إذ نرى أنه(ع) جوز الزواج من الصغيرة التي لم تحض دونما حاجة لعدة ليستبرئ رحمها، وهي واضحة في أن المدار في الحاجة للإستبراء هو عنوان الحيضية وعدمه، فبتحققه يعتبر ذلك، وبدونه لا حاجة للإستبراء.

لكن بعض الأساتذة(حفظه الله) تمسك بهذه النصوص للدلالة على مقالة المشهور من أن بلوغ الأنثى بالسن يكون بإكمالها التاسعة، وقرب دلالتها على ذلك كالتالي:

إن المستفاد من هذا النص وأمثاله أن المرأة قبل أن تبلغ سن التاسعة من عمرها، ليست لها القابلية على أن تـتحيض، ولذا حكم(ع) بأنها لا تحتاج إلى عدة، بينما متى بلغت السنة التاسعة من عمرها، أمكنها أن تـتحيض، فيلزمها حينئذٍ العدة، فيكون حالها حال بقية النساء[20].

والإنصاف بعدُ ما أفاده(حفظه الله) إذ المستفاد من الخبر بحسب المتفاهم العرفي أن المدار على لزوم الإستبراء وعدمه في حق المرأة وجود الحيض عندها بالفعل أو بالقوة، عمدة ما كان لما لم يكن السائل على معرفة بوقت تحيض النساء عادة، سأل الإمام عن ذلك، فكشف له(ع) أن هذا يحصل عادة في السنة التاسعة، ومن الواضح أن هذا إنما هو بيان لوقت حصول الحيض، لا أنه المدار الذي يكون الإستبراء عليه.

ومما ذكرنا تعرف أنه لا مجال للاستدلال على مقالة المشهور بهذه النصوص، كما فعل بعض الأساتذة(دام ظله) حيث عدّ الطائفة الرابعة مما يدل على مقالة المشهور هذه النصوص التي تعرضت للإستبراء[21].

وذلك لأن السن الوارد فيها إنما هو عنوان مشير للكشف عن تحقق البلوغ، بنحو الحيضية بالفعل أو بالقوة، سواء ذكر عنوان الحيض فيها، أم لم يذكر.

على أننا لو سلمنا منع ما ذكرناه في تقريب النصوص المذكورة، فإنها على خلاف مقالة المشهور، لا لما قلناه، وإنما لدلالتها على كفاية تحقق البلوغ بالسن بالدخول في السنة التاسعة، وقد عرفت أن المشهور على خلاف ذلك، وما تمت الإجابة به عن هذا الإشكال عرفت المنع عنه، فيما تقدم فراجع.

ثم إنه لو منع عن قبول ما ذكرنا، وأُصر على تمامية دلالة الخبر على مقالة المشهور بالتقريب السابق، لأمكننا أن ندعي الإجمال في الخبر، لكونه مردد الظهور بين هذين المحتملين، ولا مرجح لأحدهما على الآخر.

2-مرسلة الصدوق قال: قال أبو عبد الله(ع): إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، وجاز أمرها وأقيمت عليها الحدود التامة لها وعليها[22].

ويعتمد تقريب دلالتها على الإشارة إلى مقدمة، وهي: أن المقرر في محله، أن الحدود لا تقام على الصغير، كما أن الصباوة مانع من تسليطه على ماله كما قرر في باب الحجر.

ومع ضم هذه المقدمة لما جاء في الخبر المذكور تكون النـتيجة، هي أن الصباوة المانعة من التصرف في المال، والمانعة من إقامة الحدود، تنـتفي ببلوغ الفتاة سن التاسعة، فيثبت حينها المطلوب.

هذا وتواجه هذه الرواية إشكالين:

الأول: الضعف السندي، حيث أنها من مراسيل الصدوق، الجزمية، وقد ذكرنا في الفوائد الرجالية، أنه لا فرق بين مراسيله جزمية كانت أم بعنوان روي، لا لما قيل من أن جزمه بالحجية يعود للوثوق بالصدور، وما أوجب له الوثوق لو وصل إلينا ربما لم يكن موجباً لذلك، ولا لما قيل من أنه نوع تفنـن من الصدوق في التعبير. بل لنكتة ذكرناها في الفوائد، ليس هذا مجال ذكرها.

الثاني: ورود نفس الإشكال السابق في الخبر الماضي، من أن النص على خلاف قول المشهور، لظهوره في كفاية الدخول في التاسعة، وقد عرفت في أصل تقرير المسألة أن المشهور على إكمالها.

3-خبر يزيد الكناسي عن أبي جعفر(ع) قال: الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوجت وأقيمت عليها الحدود التامة عليها ولها[23].

هذا وتقريب دلالتها على المدعى، يتضح من خلال ملاحظة المقدمة السابقة التي أشرنا لها في مرسل الصدوق(ره).

لكن هذا النص مبتلى بإشكالين:

الأول: الإشكال الذي تم تصويـبه بالنسبة إلى خبر عبد الله بن سنان، وقد تمت الإشارة إليه في مرسل الصدوق أيضاً، فلا حاجة لإعادته.

الثاني: الإشكال السندي، حيث أنها اشتملت على يزيد الكناسي، وفي بعض النسخ بريد الكناسي.

وعلى أي حال الموجود في رجال الشيخ(قده) هو أو خالد يزيد الكناسي، وقد عدّه مرة في أصحاب أبي جعفر الباقر(ع)، وأخرى في أصحاب الإمام الصادق(ع). وهناك يزيد الكناسي، وقد وقع في عدة أخبار. وهذان العنوان لا يوجد بشأنهما توثيق عام ولا خاص.

وعلى هذا يكون الخبر الموجود بأيدينا ساقط عن الحجية والاعتبار، مما يمنع عن صلوحه للاستدلال به.

لكن بعض الأساتذة(دام عطاؤه) بنى على اعتبار الخبر، بل صحته، تبعاً لما جاء في كلمات بعض الأعاظم(قده)، وتوضيح ذلك:

لقد ذكر النجاشي شخصاً اسمه أبو خالد القماط ونص على توثيقه، ونص الشيخ على ذكر أبي خالد يزيد الكناسي وسكت عنه.

ونلاحظ أن هذين الشخصين يتحدان في عدة أمور:

الأول: الاسم، حيث أن كليهما أسمه يزيد.

الثاني: الكنية، إذ أن كليهما يكنى أبا خالد.

الثالث: البلد، لأن القماط كوفي، والكناسة محلة من محلات الكوفة، فكأن القماط شخص يسكن محلة الكناسة من الكوفة، فتارة ينسب إلى محلته، فيقال الكناسي، وأخرى ينسب إلى بلدته فيقال الكوفي.

وعليه يكون هذا خير شاهد لحصول الاتحاد بينهما.

ويمكننا أن نؤيد اتحادهما من خلال ما ذكره العلامة في الخلاصة، وابن داوود في رجاله، إذ اقتصرا على ذكر القماط فقط في القسم الأول المخصوص للقماط، وتركا الكناسي مع أن رواياته غير قليلة، فلو كانا متعددين لم يكن وجه لترك النص على الكناسي وقد عرفت عدم قلة رواياته[24].

إلا أنه يشكل الجزم بالاتحاد، وذلك لوجود مجموعة من القرائن الدالة على التعدد، وهي:

الأولى: لقد نص البرقي في رجاله، على تعددهما، من خلال ذكره لأبي خالد الكناسي، ولأبي خالد القماط كعنوانين مستقلين في أصحاب الإمام الصادق(ع)، وهذا مشعر بالتعدد، إن لم يكن ظاهراً فيه.

الثانية: إن مما يكشف عن التعدد أيضاً، اختلاف من يروي عنهما، حيث أن الراوي عن القماط هم:

1-درست بن منصور. 2-علي بن عقبة. 3-إبراهيم بن عمر.

4-خالد بن نافع. 5-صالح بن عقبة. 6-صفوان بن يحيى.

7-محمد ابن أبي حمزة. 8-محمد بن سنان. 9-يحيى بن عمران.

10-ثعلبة.

وأما من روى عن الكناسي، فهم:

1-هشام بن سالم. 2-أبو أيوب. 3-جميل بن صالح.

4-حسن بن محبوب. 5-علي بن رئاب.

فلو كان الاسمان لشخص واحد، لأشتركا فيمن يروي عنهما كما هو الغالب.

الثالثة: إن مما يشهد للتعدد وجود الاختلاف في اسم الكناسي، فهل هو بريد أو هو يزيد، كما أن القماط أيضاً قد وقع الاختلاف في اسمه، فهل هو خالد أو يزيد أو كنكر.

وبالجملة، فإن هذه القرائن الثلاث، وربما غيرها مما يجده المتـتبع تمنع عن قبول الاتحاد بينهما، وعليه يتحكم الإشكال السندي في البين، والله العالم.

هذا والعجب من بعض الأساتذة(دامت أيامه) حيث قوى جانب الاتحاد، بدعوى أن القرينة الدالة على التعدد، هي أمران :

الأول: اختلاف الطبقة، إذ نص الشيخ على أن الكناسي من أصحاب الإمام الباقر(ع)، ونص على أن القماط من أصحاب الصادق(ع).

الثاني: عنونة البرقي للشخصين في أصحاب الصادق(ع)، وكذا الشيخ(ره).

ويمكن الجواب عن ذلك، بأنه لا مانع من أن يكون الراوي الواحد مصاحباً لإمامين، بل ربما أكثر، وهذا أمر شائع جداً، وعليه لا يكون هذا مانعاً من الاتحاد كما لا يخفى.

إن قلت: إن الشيخ في رجاله والنجاشي والبرقي، ذكروا في باب الكاف في اسم كنكر، وفي باب الكنى في القماط، أنه من أصحاب الصادق(ع) دون إشارة منهم إلى أنه من أصحاب الباقر(ع). وهذا يعني أنه لو كان نفس الكناسي، لكان المناسب الإشارة إليه.

قلت: الظاهر أن المترجم من هؤلاء لشخص، إنما يلحظ حين الترجمة روايات الشخص، ونحن عندما نرجع للروايات، نجد أن الراوي عن الإمام الصادق(ع) هو القماط والكناسي، بينما نجد الراوي عن الإمام الباقر(ع) هو عنوان الكناسي، وهذا يفسر اقتصار الرجاليـين حين ترجمة القماط على عده في أصحاب الإمام الصادق(ع) مع أنه متحد مع الكناسي، وذلك للنكتة التي ذكرناها[25].

أقول: إن القرائن الدالة على التعدد غير محصورة في خصوص ما ذكر، بملاحظة ما قدمنا ذكره، ومنه تعرف أنه لا مجال لدعوى أن قرائن الاتحاد أقوى من قرائن التعدد.

على أن العنونة الموجودة لا تشير فقط إلى رواية الشخص عن الإمام حتى يقال بأنه قد عدّد الصحبة لأكثر من إمام، بل المدعى هو مغايرة الطبقة، حيث أن عنونة الراوي في أصحاب إمام، تعني أن طبقته مخالفة لطبقة الراوي عن الإمام الآخر، ولو في الجملة، ويشهد لما ذكرنا القرينة الثالثة للتعدد وهي تغاير الراوي عنهما.

ولعل في كلامه(دامت أيامه) ما يشير إلى التعدد أيضاً، وهي ما عبرنا عنه بقولنا(قلت) حيث أنه نص على أن الراوي عن أبي عبد الله(ع) هو الشخصان، كما لا يخفى.

وبالجملة، يصعب علينا بعد هذا كله الوثوق بمثل هكذا سند، وإعطاء نتيجة على طبقه، والله أعلم بحقائق الأمور وهو الهادي إلى سواء السبيل.

4-خبر حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر(ع) قال: إن الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها[26].

أقول: ورد هذا الخبر في مستطرفات السرائر عن حمزة بن حمران، وهذا لا يكون مانعاً من قبول الخبر إذ أن اختلاف الراوي لا يضر بالخبر شيئاً لو حكم بوثاقة كلا الراويـين، عمدة ما كان لا مجال لتقديم مقالة السرائر على الكافي، لا لما قيل من أضبطية الكليني على غيره، بل لما ذكرناه غير مرة من أن ابن إدريس يفتقر إلى المعرفة الرجالية، والإحاطة بالمصادر مما لا يمنع وقوع الاشتباه منه، وقد ذكرنا لذلك العديد من الشواهد في محله.

وكيف ما كان، فقد قرب بعض الأساتذة وغيره دلالته على المدعى، من خلال ظهورها في أن اللوازم والآثار التي رتبتها الرواية على ذهاب اليتم، إنما تحصل بإكمال البنت تسع سنين[27].

هذا ولا يخفى ابتلاء هذا الخبر بعدة إشكالات:

أولها: ما أشار له بعض الأساتذة(دام ظله) من سقوطها سنداً، لأن حمزة بن حمران، وإن كان غير موثق في كتب الرجاليـين، إلا أنه يمكن البناء على وثاقته من خلال رواية أحد المشايخ الثلاثة عنه، الذين عرفوا أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

إلا أن سندها قد أشتمل على عبد العزيز العبدي، وقد نص النجاشي على ضعفه[28].

أقول: أما وثاقة حمزة، فإنها تـتوقف على ثبوت إكثار رواية الثلاثة عنه، لما ذكرناه في الفوائد الرجالية أن المستظهر من العبارة التي حكاها الشيخ(ره) ذلك، وعليه لا يكفي مجرد رواية أحدهم عن شخص في إثبات وثاقته، وعليه لا يمكننا البناء على وثاقة حمزة في المقام، لعدم تحقق الكثرة في الرواية منهم عنه.

وأما عبد العزيز العبدي، فما ذكره(حفظه الله) يعتمد على الالتزام بكون عبد العزيز العبدي هذا الوارد في الخبر، متحداً مع عبد العزيز بن عبد الله العبدي الخزاز، الذي نص النجاشي على ضعفه، لكي يقال حينها بضعفه، أما لو قلنا بأنهما متغايران ومنعنا عن الاتحاد، كان مقتضى ذلك كون العبدي محل البحث مهملاً، ولا يخفى الثمرة العملية المترتبة على ذلك على بعض المباني.

هذا وقد يقال حتى مع التسليم بالاتحاد، أن منشأ التضعيف الصادر من النجاشي للخزاز هو الغلو في العقيدة، ويشهد لذلك أن العبدي كان يقول فيهم(ع) بالربوبية، وعليه لا يكون التضعيف الصادر من النجاشي مانعاً من قبول روايته.

هذا ويمكن البناء على وثاقة العبدي، من خلال الركون إلى كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الأجلاء، وقد روى عن العبدي ابن محبوب، فـتثبت الوثاقة.

والتحقيق، أننا ذكرنا في الفوائد الرجالية، أننا لم نجد وجهاً فنياً صناعياً يمكن من خلاله الركون إلى ثبوت هذه الكبرى، وعليه يسقط المبنى، والبناء.

وبالجملة، لا زال الإشكال السندي باقياً على حاله، فلا يمكن دخول الخبر دائرة الحجية.

ثانيها: الإشكال الذي سبق وأشير له في خبر عبد الله بن سنان ومرسل الصدوق وخبر الكناسي، من أن مفاد النص هو دخولها في التسع، فتكون على خلاف مدعى المشهور، كما لا يخفى.

ثالثها: بمنع دلالتها على المدعى، لا للإشكال الذي أشرنا له في ثاني الإشكالات على الخبر، وإنما لأنه قد أخذ في ظاهرها في جانب فعل الشرط ثلاثة أمور، وهي: الزواج والدخول بها وبلوغ التسع، فتكون هذه الأمور قيوداً للحكم بالبلوغ لا محالة.

ومن الواضح أن هذا خلاف المدعى، لأن المدعى تحقق البلوغ واستفادة ذلك من الخبر بأنه يتحقق بإكمال تسع سنين.

وأما أصل التقريب كما في كلمات بعض الأساتذة(دام ظله) من أن الزواج والدخول من الآثار المترتبة، فغير واضح، لأن المستفاد من النص هو كون العمر والزواج والدخول كلها مندرجة عرفاً وظاهراً في فعل الشرط، ولذا قال بعده مباشرة: ذهب عنها اليتم، وهو شروع في جواب الشرط، مما يعني أن ما كان قبله كله من فعل الشرط، هذا أولاً.

ثانياً: إن هذا التقريب بجعل بلوغ التسع قيداً لما قبله، لا أن ما قبله قيد له، ليكون الدخول والزواج ترتب عليه الحكم بخلاف ما إذا حصل قبله، غير نافع للمدعى، وذلك لأن الخبر يكون حينها دليلاً على جواز الدخول بالجارية في سن التاسعة، وهذا أكيد فقهياً، فلا يكون لها تعرض للبلوغ.

وبعبارة أخرى، يكون الموضع فيها حينئذٍ منصباً على وقت الدخول بالجارية، ولا ربط له بموضوع البلوغ من قريب أو بعيد.

اللهم إلا أن يقال، بأن الدخول بها منوط ببلوغها مرحلة النضج الجنسي، وعندها تكون مؤهلة لهذا الأمر فيتم المطلوب.

ثم إنه لو منع من قبول ما ذكرنا، أمكننا دعوى الإجمال فيها من هذه الناحية، أعني استقلال شرطية التسع في تحقق البلوغ، وعليه يكون المرجع لو لم يتم دليل اجتهادي، هو الدليل الفقاهتي كما لا يخفى.

5- خبر سليمان بن حفص المروزي عن الرجل(ع) قال: إذا تم للغلام ثمان سنين فجائز أمره وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تم للجارية تسع سنين فكذلك[29].

ودلالتها على المدعى واضحة، في أن المرأة إذا أكملت تسع سنين فقد تحقق بلوغها ولزمتها التكاليف الشرعية.

لكن هذا الخبر يواجه إشكالين:

الأول: وهو الإشكال السندي، حي ورد فيه سليمان بن حفص المروزي، وهو ممن لم يوثق بالتوثيق الخاص.

نعم يمكن توثيقه بالتوثيق العام، بناء على قبول كبرى وثاقة جميع من وقع في أسناد كامل الزيارات.

لكنه قد عرفت منا في الفوائد الرجالية، منع المبنى، وعليه يسقط البناء.

والحاصل، إن الإشكال السندي باقٍ على حاله، لا دافع له.

الثاني: الإشكال الدلالي، حيث أن الخبر قد أشتمل على ما لا يمكن الالتـزام به، من بلوغ الذكر بإكماله ثمانِ سنين.

وقد عالج بعض الأساتذة(دام ظله) هذا الإشكال من خلال الالتزام بالتبعيض في الحجية.

وهذا وإن كان في نفسه حسناً، إلا أنه قد عرفت فيما تقدم أن في النفس منه شيئاً.

ولشيخ الطائفة(قده) علاج لهذا الخبر، ليتوافق مع ما عليه المشهور، وذلك بحمله على الصبي الذي يتكرر منه الفعل بحيث يمكن إقامة الحدود عليه.

ولا يخفى عليك أن هذا جمع تبرعي واضح، يفتقر إلى الشاهد، حيث لا يفهم العرف ذلك.

هذا وقد تحصل إلى هنا، أنه لم تنهض عندنا رواية معتبرة سنداً ودلالة على مقالة المشهور في تحديد السن في الأنثى بإكمالها تسع سنين.

الطائفة الثالثة: ما دل على جواز الدخول بالمرأة إذا أكملت تسع سنين، وأنه لا يجوز الدخول بها قبل ذلك، وهي عدة روايات:

1-صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين. ويقرب الاستدلال بها من جهتين:

الأولى: إن الظاهر من الصحيح أن مرحلة الصباوة تنـتهي عند المرأة بإكمالها تسع سنين، لقوله(ع): (وهي صغيرة….حتى يأتي لها تسع سنين) فإن المستفاد منه أن المرأة بإكمال التسع تكون كبيرة وبالغة، بخلافه قبلها فإنها صغيرة.

الثانية: ظهورها في أن جواز الدخول بعد إكمالها تسع سنين وعدم جواز الدخول بها قبل ذلك، وهذا يستفاد من قوله(ع): فلا يدخل بها حتى يأتي…..، ومن الواضح أن الدخول بالمرأة لا يكون إلا بعد بلوغها مرحلة النضوج الجنسي، بحيث تصبح قابلة لذلك، وهذا هو معنى البلوغ، فالمستفاد من هذه الفقرة تحقق بلوغ المرأة ونضوجها الجنسي بحيث تكون قابلة للدخول بها وما يترتب على ذلك من الحمل وغيره بإكمالها تسع سنين[30].

2-ما رواه زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين[31].

وتقريب دلالتها على المدعى، كما في الصحيحة السابقة، فلا حاجة للإعادة، نعم تواجه هذه الرواية مشكلة الترديد، فيحتاج المورد حينها إلى تخريج.

هذا وقد أفيدت ثلاثة تخريجات له:

الأول: أن الترديد حاصل من الراوي نفسه وعنده.

ويلاحظ عليه: أنه خلاف الظاهر، فإن ظاهر الرواية عرفاً أن الترديد مقول الإمام(ع)، ولو كان الترديد من الراوي للزم أن تخـتلف صيغة الكلام، كما نلحظ ذلك في الموارد التي يكون الترديد فيه من الرواة، إذا يأتي الراوي حينها بجملة واضحة في كون الترديد منه كما هو دأبهم في نقل الحديث وأخذه تحفظاً عليه.

ويمكن أن يؤيد هذا الأمر بعدم تنبيه أكابر المحدثين الناقلين لهذه الصحيحة على أن الترديد من الراوي، بل المستفاد من الصدوق(ره) في نقله للصحيحة في كتابه الخصال، أن الترديد من الإمام(ع).

ومما يؤيد أن الترديد ليس من الراوي، رواية أبي بصير عن أبي جعفر(ع) قال: لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين[32].

إذ نجد الترديد موجود فيها، وهما قريـبتا الاتحاد في المتن، فمن المستبعد أن يتردد الراويان كلاهما في نفس الخبر ونقله.

الثاني: حمل الترديد على اختلاف النساء في تحمل الوطء، كما أشار له الشيخ المجلسي(قده) في المرآة، ويظهر من بعض الأساتذة قبوله[33].

وهذا الاحتمال يمنع عن قبوله افتقاره إلى وجود قرينة عليه، وعليه لا يمكن المصير إليه، بل يـبعده عرفاً الترديد بين التسع والعشر فإن قلة التفاوت في السن مضافاً إلى أن عدم تحمل الوطء قد يحصل في أكثر من ذلك تبعاً لصغر الجثة وضعف البنية، يضعف أن يكون ملاك الترديد ما ذكر. على أن إطلاق الرواية يرد هذا الحمل أيضاً.

الثالث: ما ذكره بعض الأعاظم(قده) وأشار له بعض الأساتذة أيضاً وقبله، بأن يحمل الترديد على الأفضلية بالنسبة للحد الثاني، وقد وجهه بعض الأعاظم(قده) بما حاصله: أن الترديد لما كان غير معقول، فلابد من حمل الحد الثاني على الأفضلية لا محالة[34].

والواقع أن مجرد عدم المعقولية لا يسوغ الحمل على الأفضلية ما لم يكن هذا الحمل عرفياً، وإلا فإن عدم المعقولية يوجب إجمال الرواية ورد علمها إلى أهله.

نعم هناك تخريج رابع ذكره بعض الأساطين(قده) وحاصله: حمل الترديد بالنسبة للثاني على الاستحباب[35]. والوجه في ذلك أن التخيـير بين الأقل والأكثر يستوجب عرفاً حمل الأكثر على الاستحباب.

يـبقى بعد ذلك الكلام في دراسة سند هذا النص، حيث جاء فيه موسى بن بكر، وهو لم يوثق صريحاً. لكن بعض الأساتذة(دام ظله) بنى على وثاقته، لأمرين:

1-أنه أحد مشائخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

2- شهادة صفوان بن يحيى في كتابه بأنه مما لا يخـتلف فيه أصحابنا، كما نقل ذلك شيخنا الكليني[36].

أقول: يـبتني ثاني ما ذكرهما على معرفة المنهج التصحيحي للرواية عند صفوان بن يحيى، فإن كان منهجه هو البناء على الوثاقة فعندها يتم ما أفاده(حفظه الله) لأن شهادة صفوان بمقبولية الكتاب المذكور وفي سنده موسى كاشف عن وثاقته.

أما إذا قلنا بأن صفوان أحد أفراد المدرسة البغدادية كما هو الصحيح، وهي المدرسة التي تـتولى دراسة النص من كافة الجهات، ومن بعد القيام بعملية الدراسة والتمحيص تعطي رأيها النهائي في قبول الخبر وعدمه، وهو ما يعبر عنه بالوثوق النوعي في الصدور للخبر، وهو ما التزمنا به في باب حجية خبر الواحد، وذكرنا أن هذا هو مسلك القدماء، وأن ماذكروه من أدلة يشير إلى هذا المعنى خصوصاً رواية يونس بن عبد الرحمن ثقة. فعليه لا يكون قول صفوان كاشف عن الوثاقة، بل عمدة ما يفيده هو الوثوق بالنصوص الواردة في الكتاب.

وأما الأول منهما، فإنه يعتمد بشكل كلي على الكبرى المحكية من قبل الشيخ في العدة، من أ ن الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، وقد ذكرنا في الفوائد الرجالية تمامية هذه الكبرى، وأنه لا مجال لرفع اليد عنها، لكننا ذكرنا هناك أيضاً أن المستفاد منها ليس مطلق النقل والرواية، بل المستفاد منها هو الإكثار، ولذا ما لم يكن الشخص مكثراً في الرواية عنه، فلا يمكن حينئذٍ البناء على شمول الكبرى له.

نعم الصحيح هو البناء على وثاقته، لرواية جعفر بن بشير عنه، وقد ذكرنا في محله تمامية هذه الكبرى، والله العالم بحقائق الأمور.

3-رواية أبي بصير : إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين[37].

ودلالتها على المدعى كصحيح الحلبي، إلا أنها تواجه مشكلة سندية، لاشتمالها على سهل بن زياد، وقد عرفت منا في محله أنه مهمل على الأقوى.

4-خبر السجستاني قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول لمولى له: انطلق فقل للقاضي قال رسول الله(ص): حد المرأة أن يدخل بها على زوجها ابنة تسع سنين[38].

ودلالتها على المدعى تامة كما في النصوص السابقة، إلا أنها ساقطة من جهة السند.

هذا والأنصاف أن ما أفاده بعض الأساتذة(دام أيامه) من دلالة هذه النصوص على تحقق البلوغ في الأنثى بالتسع تام. لولا الإشكال الذي سبق وذكرناه في معنى البلوغ، لأن ما تم سنداً من هذه الطائفة وهو صحيح الحلبي وصحيح زرارة، قد ورد فيهما: حتى يأتي لها تسع سنين، ومن الواضح أن هذا يتحقق بالوصول للتسع، بمعنى الدخول فيها كما عرفت فيما مضى.

ثم على فرض رفع اليد عن هذا الإشكال، وقبول تمامية دلالتها على المدعى، لابد من ملاحظة فقد المانع بعدما تمامية المقتضي، والمانع موجود وهو ما رواه الشيخ(ره) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي(ع) قال: لا توطأ جارية لأقل من عشر سنين، فإن فعل فعيـبت فقد ضمن[39].

والعجب من بعض الأساتذة(دامت بركاته) أنه استدل بها على مدعى المشهور، عاداً إياها ضمن الطائفة الخامسة الدالة على ضمان الدخول بالمرأة قبل تسع سنين فأصابها عيب. مع أنها تنص على أن المدار في الدخول هو بلوغها العشر، فتكون معارضة لما دل على التسع.

اللهم إلا أن يكون نظره إلى أنه يتم الجمع العرفي بينهما بما سنشير إليه نقلاً عن شيخ الطائفة(قده)، وعليه تكون دالة على قول المشهور فلاحظ.

وكيف ما كان، فتقريب دلالتها أن يقال: سواء كان صدرها جملة ناهية أم كان جملة نافية، فإنها تدل على عدم الجواز.

إن قلت: إن الحكم المبين في صدر الرواية ليس حكماً تعبدياً، وإنما هو حكم إرشادي إلى ثبوت الضمان إذا عيـبت، ولا أقل من الإجمال فيها.

قلت: أن الحمل على الإرشادية بحاجة إلى قرينة، ومجرد بيان الضمان في ذيل الخبر لا يصلح للقرينية، إذ الظاهر منها عرفاً أنها تمنع وطي الجارية لأقل من عشر، ثم تفرع على وطيها الموجب للعيب الضمان، فلو كان الحكم المفاد في صدر الرواية إرشادياً لناسب أن يكون الحكم في ذيلها مصاغاً بما يفيد التعليل، كأن يقول: فإنه إن فعل فعيـبت فقد ضمن.

هذا وقد حمل الشيخ(ره) هذا الخبر على إرادة الدخول في أول العاشرة. ولكنه خلاف الظاهر.

كما أن حملها على الأفضلية ينافيه الحكم بلزوم الضمان فيها في فرض العيب.

هذا ويـبقى بعد تمامية دلالة الرواية على المدعى، بأن الدخول لا يكون قبل البلوغ عشراً، لكي تصلح لمعارضة النصوص السابقة دخولها في دائرة الحجية، وما يتصور من الإشكال هو الاختلاف الحاصل بين نسختي التهذيب والوسائل، حيث جاء في نسخة التهذيب اشتمال السند على محمد بن أبي خالد، وهو مجهول الحال.

وأما نسخة الوسائل فقد ورد فيها محمد بن خالد، والظاهر أنه البرقي، وهو مقبول الرواية.

ثم لو رجحت نسخة الوسائل على التهذيب فقدّم وجود البرقي في السند، تبقى مشكلة أخرى، وهي أن طريق الشيخ(ره) إلى البرقي ضعيف.

وبضعف طريق الشيخ(ره) ولا مجال فيه لإجراء نظرية التعويض في المقام، تسقط الرواية عن الاعتبار، والمعارضة فرع الحجية وقد عرفت المنع عن حجية خبر غياث.

هذا وقد يقال بأنه حتى لو دخل خبر غياث دائرة الحجية، فلا مجال لقبوله لإعراض المشهور عنه.

وضعفه واضح حيث ذكرنا غير مرة، أن الإعراض إذا كان ناجماً من الأمر الثاني من موارد الإعراض التي فصلناها في الفوائد الرجالية، فلا قيمة له، والظاهر أن موردنا من صغرياته فتدبر.

وبالجملة إنما يتم صحيحا الحلبي وزرارة على قول المشهور بناء على تمامية التفسير للبلوغ الذي ذكره بعض الأساتذة(حفظه) أما بناء على ما ذكرناه نحن لمعنى البلوغ، فإنهما أجنبيتان عن المدعى كما هو الظاهر، ومنه يتضح المنع عن الاستدلال بهما لقول المشهور، والله سبحانه العالم بحقائق الأمور.

إلى هنا تم الحديث عن المقتضي، وهو ما جعلناه الناحية الأولى في الحديث عن الدليل الثالث الذي هو النصوص، وقد عرفت عدم تمامية شيء مما ذكر على قول المشهور، لأن عمدة ما يمكن الاعتماد عليه هو صحيح ابن أبي عمير الوارد في الخصال، فإننا وإن تأملنا فيه في مطلع الحديث، إلا أن الشواهد عليه كثيرة، حيث أن هذه النصوص واردة بمضمونه مما يشرف الفقيه على الاطمئنان أقلاً بصدوره عن المعصوم، وأنه غير متروك.

لكنه كغيره من النصوص في ورود الإشكال من عدم دلالته على إكمال التسع، ليدل على مدعى المشهور، ومثل ذلك صحيح الحلبي وصحيح زرارة.

ومما ذكرنا تعرف ضعف ما أفاده بعض الأساتذة(دام ظله) من أن النصوص الدالة على المشهور كثيرة جداً، لأنه قد عثر على ما يتجاوز الستة والعشرين رواية، وقد صح منها عشر روايات[40].

حيث أن العدد الذي أفاده موجود فيما حرر، لكن المشكلة تكمن في منع دلالتها على المدعى، إذ هي أجنبية عن دعوى المشهور كما عرفت، فكيف تعد مما دل عليه.

على أن مقتضى التحقيق أنه لم ينهض من النصوص المذكورة في مقام الاعتبار سنداً، إلا خصوص ثلاث روايات وهي التي أشرنا لها.

الناحية الثانية: وهي البحث عن المانع:

ويتعرض فيها عادة للنصوص المعارضة لما دل على المدعى، فتذكر النصوص الدالة على خلاف مدعى المشهور، وسنقصر الحديث على خصوص ما هو المعتبر منها، وهو موثق الساباطي، فقد روى عمار عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة، قال: إذا أتى عليه ثلاث عشر سنة، فإن احتلم قبل ذلك فد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم[41].

ودلالتها على أن البلوغ في الأنثى بالدخول في الثالثة عشر، لأنه هي التي يقال لها أتى عليها ثلاث عشرة سنة.

هذا وقد أجاب عنها بعض الأساتذة(حفظه الله) بوجهين:

الأول: إعراض المشهور عنها، وهذا واضح بعد الالتفات إلى وجود هذه الرواية في كتب الأصحاب والتفاتهم إليها، ومع ذلك لم يعملوا بمضمونها.

الثاني: حصول الاطمئنان بعدم مطابقة هذه الرواية للحكم الواقعي، وذلك لكثرة ما دل على تحقق البلوغ بالتسع، بحيث يصل إلى حد الاستفاضة، بل ما هو أزيد من ذلك، مما يوجب الاطمئنان العادي بصدق واحد منها على الأقل، فتسقط الموثقة عن الحجية، لحصول الاطمئنان حينئذٍ بعدم صحتها[42].

ويلاحظ عليه: أما بالنسبة إلى الإعراض، فهو غير ضائر، وذلك لأنه من الإعراض من القسم الثاني، توضيح ذلك: إن إعراض الأصحاب عن خبر لا يخلو عن أن يكون منشأه أحد أمور أربعة:

الأول: ضعف رواة الحديث في نظرهم، فلا يعتمد عليه.

الثاني: وجود معارض أقوى من الحديث المعتبر، قد ظفروا به كسيرة قطعية متصلة بعصر المعصوم، ولم يتم الردع عنها، أو إجماع تعبدي معتبر لا توجد فيه شائبة المدركية، أو نصوص متواترة، وهكذا.

الثالث: حصول علم لديهم بكون الحديث صادراً تقية، فيكون مفتقراً إلى أصالة الجهة.

الرابع: عدم تمامية الدلالة بنظرهم.

هذا والظاهر أن مورد بحثنا من القسم الثاني، وعليه يقال: أنه إذا ظفرنا بالمعارض وكان بالفعل أقوى فهو، وإلا فلا يوجب سقوط الخبر.

وعندما نطبق هذه الكبرى على موردنا، نجد أن الإعراض الحاصل إعراض صناعي، لا يعول عليه، لأن ما دل على البلوغ بالتسع، لا يعدُ أقوى مما دل على البلوغ بالثلاثة عشر، حيث لا يعدو كلا الدليلين عن كونه خبر آحاد كما عرفت.

ومما ذكرنا يتضح لك منع الوجه الثاني في كلام بعض الأساتذة(دام ظله) حيث بنى كلامه على حصول العلم ولو العادي من هذه النصوص بحيث يشرف ذلك الفقيه على القطع بصدور ولو خبر واحد، وقد عرفت أن ما دل على مقالة المشهور لو سلم من ناحية الدلالة، لا يعدو كونه أخبار آحاد، فكيف يحصل للفقيه جزم بصدور ولو واحد منها.

فتحصل إلى هنا المنع عما أجاب به(حفظه الله).

هذا وقد يقال بوجود جمع عرفي بينهما، وذلك بعد البناء على أن ما دل على التسع ناظر للحيضية، حيث نص على ذلك في بعضها، وما جاء خالياً عن ذلك، يحمل على ما ورد فيه ذلك، وبعد التوفيق بين نصوص الحيض والتسع، يوفق بين نصوص الحيض وخبر الثلاث عشر، فيقيد مفهوم كل واحد منهما بمنطوق الأخرى، وتكون النتيجة أنه يتحقق البلوغ في الأنثى إما بوصولها إلى سن الثالثة عشر، أو بتحيضها.

إن قلت: إن اللازم من هذا لغوية إحدى العلامتين، وذلك لأن إحداهما متقدمة على الأخرى جزماً، فلا حاجة للثانية إذاً.

قلت: إن هذا مثله مثل علامية السن والإنبات والاحتلام، خصوصاً على ما قيل من سبق الاحتلام غالباً على السن في قول المشهور، ومع ذلك لم يلزم منه لغوية العلامة المذكورة، فما يجاب به هنا، نجيب به هناك.

لكن المانع من قبول هذا الجمع العرفي، أنه لا يخلو عن نوع تبرعية، تمنع من الاطمئنان، بكونه مقتضى المتفاهم العرفي، ولذا يصعب القبول به، فتأمل.

هذا وعندها تستقر المعارضة في البداية، بين نصوص التسع لو تمت دلالتها وبين نص الثلاث عشر، ولا مرجح في المقام، لأحدهما على الآخر، حيث لا يوجد في المقام عام كتابي يمكن اللجوء إليه، كما أن الترجيح بمخالفة العامة في غير محله، لأنه جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: أن الأحناف والشافعية قد حددوا بلوغ الأنثى بالخامسة عشر.

ومن الواضح أن هذا خارج عن دائرة المعارضة، حيث لا يوجد من النصين المتعارضين موافقاً لذلك.

فعندها يلجأ للترجيح بالشهرة العملية، كما ذكرنا في تعارض الأدلة، وعليه لا ريب حينها في كون الترجيح إنصافاً مع ما دل على بلوغها بتسع سنين، وعليه يتم قول المشهور حينئذٍ.

هذا كله لو قلنا بدخول موثق عمار الساباطي في دائرة الحجية، إذ قد يمنع عن ذلك، وذلك بسبب ما اشتهر على الألسن من أن روايات عمار لا تخلو عن اضطراب، كما يصر على ذلك شيخنا صاحب الحدائق(قده) كثيراً وغيره، حيث أن هذا الاضطراب، وإن كنا نسلم به في الجملة، لكن ذلك لا يعني عدم التعويل على نصوصه بقول مطلق، بل المتابع في كتب الأصحاب يجد أنهم قد أفتوا في موارد عديدة، على وفق رواياته، وعملوا بها.

والظاهر أن الاضطراب إنما يتصور في رواياته، في خصوص موارد عديدة، إما لما قيل بكونه مولى غير عربي، فربما طبق فهمه هو، أو لكونه يستظهر من كلام الإمام(ع) فلنقله بالمعنى ينقل ما استظهره، لنفس النكتة السابقة.

ومن الواضح أن هذا غير جارٍ في الرواية محل البحث لكونها ظاهرت في المدعى.

إن قلت: لقد ذكرتم غير مرة أن النصوص التي يتفرد الشيخ الطوسي(قده) بنقلها، يتوقف في دخولها دائرة الحجية، لأن انفراد الشيخ(ره) بنقلها يعتبر شاهداً سلبياً، وموثق الساباطي مما تفرد الشيخ(ره) بنقله، فلا يدخل دائرة الحجية؟…

قلت: إن ما قرر من أصل الكبرى سليم، قد بنيـنا عليه في الفوائد الرجالية، وكذا صغراه في الجملة، حيث أن موثق الساباطي من متفردات الشيخ(ره) لكن هناك العديد من الشواهد الإيجابية على قبول هذا الخبر، وهي النصوص الواردة في أن المدار على الحيضية، فإنها تصلح لدخوله دائرة الحجية.

ثم إنه على فرض عدم قبول كل ذلك، فإن التفكيك في الحجية غير عزيز على مبنى القوم، فيتعارض النصان في خصوص بلوغ الأنثى بالتاسعة والثلاث عشر، وإما يتساقطان أو يترجح القول بالتسع، كما عرفت، ويبقى بلوغها بالحيض على حاله.

هذا كله بناء على قبول نص واحد على مقالة المشهور معتبر سنداً ودلالة وقد عرفت عدم نهوض ما يدل على ذلك. وهذا يعني أن رواية عمار الساباطي لا معارض لها، فلا مناص عن العمل بمضمونها، وتكون النتيجة النهائية، أن الأنثى تبلغ في السن بدخولها في الثالثة عشر، أو بتحيضها.

لكن الصحيح أن يقال: إن النصوص السابقة، قد عرفت دلالتها على أن بلوغ الأنثى بدخولها في التاسعة، خلافاً للمشهور، ولا مجال لرفع اليد عن تماميتها في هذا الأمر، فتكون معارضة لموثقة الساباطي، ولا موجب في المقام لتقديم أحدهما على الآخر، فلا مناص عندها من الالتزام بالتساقط.

وعليه يكون الطريق لإحراز البلوغ في الأنثى حينها منحصراً في خصوص حالة الحيض، لأن ما دل على بلوغها من خلال تحيضها سالم عن المعارض فيـبنى عليه.

إلا أن مقتضى الاحتياط اللزومي، هو لزوم ترتيب آثار البلوغ عليها بمجرد دخولها في السنة التاسعة، عملاً بأحوط الأقوال، والله العالم بحقائق الأمور وهو الهادي إلى سواء السبيل.

——————————————————————————–

[1] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث، ص 80.

[2] الخصال ج 2 ص 421. الوسائل ب 45 من مقدمات النكاح ح 10.

[3] الوسائل ب 44 من الوصايا ح 12.

[4] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 82-83.

[5] مفردات الراغب ص 144.

[6] سورة الأحقاف الآية رقم 15.

[7] سورة البقرة الآية رقم 232.

[8] التهذيب ج 9 ص 184.

[9] الوسائل ب 29 من أبواب من يصح منه الصوم ح 12.

[10] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 94.

[11] الوسائل ب 13 من أبواب وجوب الحج ح 1.

[12] المصدر السابق ح 2.

[13] الوسائل ب 28 من أبواب السرقة ح 6.

[14] الوسائل ب 28 من أبواب لباس المصلي ح 4.

[15] المصدر السابق ح 13.

[16] الوسائل ب 126 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.

[17] الوسائل ب 29 من أبواب لباس المصلي ح 7.

[18] مستدرك الوسائل ب 22 من أبواب لباس المصلي ح 1.

[19] الوسائل ب 2 من أبواب العدد ح 3.

[20] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 87-88.

[21] المصدر السابق ص 88.

[22] من لا يحضره الفقيه ج 4 ح 5522.

[23] الكافي ج 7 ح 2 ص 198.

[24] مجلة أهل البيت العدد الثالث ص 98.

[25] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 99.

[26] الكافي ج 7 ص 198 ح 2.

[27] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 84.

[28] مجلة فقه أهل البيت العد الثالث ص 84.

[29] الوسائل ب 28 من أبواب الحدود والتعزيرات ح 13.

[30] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 86.

[31] الكافي ج 5 ص 398 ح 3.

[32] الوسائل ب 45 من مقدمات النكاح ح 7.

[33] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 86.

[34] مباني العروة ج 1 ص 152، مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 86.

[35] مستمسك العروة ج 13 ص 79.

[36] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 87.

[37] الكافي ج 5 ص 398 ح 2.

[38] المصدر السابق ح 4.

[39] الوسائل ب 45 من مقدمات النكاح ح 7.

[40] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 93.

[41] التهذيب ج 2 ص 380 ح 5.

[42] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 94.