28 مارس,2024

زواج الصالحة الرضية بالرسول (صلى الله عليه و آله)

اطبع المقالة اطبع المقالة

من المناسبات التي ذكرت في ربيع الأعياد، اقتران نبينا الأكرم محمد(ص)، بسيدتنا ومولاتنا خديجة(ع)، وبالرجوع للمصادر التاريخية حال حديثها عن هذه الواقعة، تبرز للذهن جملة تساؤلات:

منها: كيف كانت بداية العلاقة بين مولاتنا خديجة(ع)، والنبي الأكرم(ص)؟

ومنها: هل عرفت السيد خديجة(ع) رجلاً قبل رسول الله(ص) واقترنت به، أم لا؟

ومنها: كم كان عمرها حال الاقتران برسول الله(ص)؟

ومنها: من كان وليها في إيقاع عقد زواجها بالرسول الأكرم(ص)؟

ومنها: ما هي الدوافع التي دعت رسول الله(ص) للإقدام على الإقتران بالطاهرة خديجة(ع)، هل كانت دوافع مادية؟

هذا، ولا يخفى أن الحديث عن جميع هذه التساؤلات يستوجب طولاً، لذا أقصر الحديث على بعضها، ويمكن للقارئ العزيز متابعة ذلك، وعلنا نوفق إن شاء الله للحديث عن ذلك في مناسبة أخرى.

ابتداء العلاقة بين الرسول(ص)، وخديجة:

المعروف أن مبتدأ العلاقة بين المصطفى(ص) وبين الطاهرة خديجة(ع) كان عندما أتجر النبي(ص) بأموال خديجة، وقد يذكر أنه(ص) كان أجيراً عندها، يعمل في أموالها، وتعطيه أجراً.

ومع أن مثل هذا العمل لا ينافي شرف المكانة والمنـزلة الثابتة له(ص)، إلا أن الشواهد التاريخية لا تساعد عليه، بل إنها تفيد أنها كان مضارباً لها بأموالها، وما كان أجيراً عندها، ولا يخفى مدى الفرق بين الموردين، فقد جاء في التفسير المنسوب للإمام العسكري(ع) عن الإمام الهادي(ع) أنه قال: إن رسول الله(ص) كان يسافر إلى الشام مضارباً لخديجة بنت خويلد[1].

وجاء في سيرة ابن إسحاق قوله: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات مال وشرف، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه[2].

ومع ذلك، فقد أغفل كثير ممن كتب في سيرة النبي(ص) الإشارة إلى نقطة أساس ينبغي التوجه لها، وهي أن منشأ العلاقة بين الرسول(ص) والسيدة خديجة، تعود لما بينهما من علقة نسبية، وقرابة، ذلك أن بينهما ارتباطاً نسبياً كونهما يلتقيان في الجد الرابع، وهو قصي بن كلاب، كما أن أمها وجدتيها يتصلون بالجد الثامن للنبي(ص)، وهو لؤي بن غالب.

أول أزواجها المصطفى:

ثم إن بعض المصادر التاريخية تضمنت أنها(ع) عرفت رجلين قبل رسول الله(ص)، وسمتهما بأسميهما، إلا أن هناك موانع تمنع من القبول بذلك، فمضافاً إلى أن مقدار عمرها حال اقترانها برسول الله(ص)-كما سيأتي-يمنع من كونها اقترنت برجلين قبله، إن الرجلين المذكورين من الجهالة بمكان، فضلاً عن أنهما ليسا مساويـين لها في الفضل والشرف، فبينما تنقل كتب التاريخي أحاديث عن مكانتها ومنـزلتها بين قومها، تخبر عن زوجين أعرابيـين مجهولين، لا يعرفان في الوسط القرشي لا بمنـزلة، ولا وجاهة، ولا قبيلة، فضلاً عن مكانة مالية.

وبالجملة، إن الموجب للقول بمعرفتها رجلين قبل النبي(ص) غايته القول بعدم بكارتها، مما يوجب ثبوت فضل لامرأة من نساء النبي(ص)، فتدبر.

وليها حال العقد:

ومما يؤسف له أن تتضمن بعض الكتب التاريخية قصصاً وأحاجي عن علاقة المصطفى(ص) بالطاهرة خديجة(ع)، حتى أن الحلبي في سيرته يشير إلى لقاء بينهما في خلوة يسبق وجود علقة شرعية بينهما. كما أن الأنكى من ذلك ما ذكر في أنها سقت وليها ما يوجب فقدانه عقله حتى يزوجها النبي(ص).

وعلى أي حال، فقد اختلف في وليها حال العقد، إذ ذكر أنه كان أبوها خويلد، مع أن المعروف أنه قتل يوم حرب الفجار، ولذا قيل بأنه عمها عمرو بن أسد، وقيل أنه ابن عمها ورقة بن نوفل، والظاهر أن الأقرب كونه عمها، خصوصاً وأن هناك كلاماً في كون شخصية ورقة شخصية وهمية، لا وجود لها، وكما اختلقت القصص في شأن وليها حال العقد، فقد أراد بعضهم استنقاص شأن شيخ الأبطح، عندما قال بأن خاطبها للنبي(ص) كان عمه الحمزة(ع)، والحمزة(ع) وإن كان كفؤاً، إلا أنه لا يتصور أن يتقدم أحد من بني هاشم وشيخ الأباطح موجود، كما لا يخفى.

ولعفة الطاهرة خديجة(ع)، فلم تقدم هي على عرض نفسها على النبي(ص) كما يصور البعض، وإنما كان ذلك من امرأة قرشية تسمى نفيسة بنت منية، فأبلغ النبي(ص) عمه أبا طالب(ع) بذلك.

عمر خديجة في زواجها:

وقد اختلف المؤرخون في عمر خديجة عندما تزوجت بالنبي محمد(ص)، حتى بلغت أقوالهم في هذه المسألة ثمانية أقوال، ومن الواضح أن الإصرار من بعضهم على إبراز أنها(ع) كانت بالغة من العمر عتياً، غايته أمر وهو إضفاء فضل لبعض نساء النبي(ص)، من خلال أنها المرأة الوحيدة التي تزوجها رسول الله(ص) بكراً، ولم تعرف غيره من الرجال، بينما لو قلنا بأن مولاتنا خديجة كانت صغيرة السن، شابة، ولم تعرف رجلاً غير رسول الله(ص)، فلا ريب أن ذلك يوجب امتيازاً وفضلاً لها على بقية النسوة.

وعلى أي حال، نشير إلى الأقوال المذكورة في عمرها وقت زواجها، ثم نشير لما هو الصحيح من تلك الأقوال:
1-خمسة وعشرون سنة. 2-ثمانية وعشرون سنة. 3-ثلاثون سنة. 4-خمسة وثلاثون سنة.

5-أربعون سنة. 6-أربعة وأربعون سنة. 7-خمسة وأربعون سنة. 8-ستة وأربعون سنة.

ويمكن تحديد عمرها(ع) من خلال ضم أمرين بعضهما إلى بعض:

الأول: تحديد مقدار عمرها حين وفاتها.

الثاني: تحديد المدة الزمنية التي قضتها مع رسول الله(ص) بعد زواجها لحين وفاتها.

وبطرح مدة حياتها مع رسول الله(ص) من عمرها يوم وفاتها، يمكننا معرفة عمرها الشريف عند الاقتران بالنبي(ص(.

والمعروف بين المؤرخين في عمرها حين وفاتها أنه خمسون سنة كما ذكر البيهقي، وقد عاشت(ع) مع رسول الله(ص) خمسة وعشرين سنة، لأنها تزوجت رسول الله(ص) قبل البعثة بخمسة عشر سنة، وكانت وفاتها في السنة العاشرة من البعثة، فعلى هذا سوف يكون عمرها الشريف عند اقترانها برسول الله(ص) هو خمس وعشرون سنة.

ومما يؤكد ما ذكرناه، بل يدل عليه ما نص عليه الحاكم من أن القول بأن خديجة قد توفيت ولها من العمر خمسة وستون عاماً قول شاذ، بل يذهب إلى أنها لم تبلغ الستين من العمر حين وفاتها.
ومن الواضح أنه يترتب على هذا أن كون عمرها الشريف حين اقترانها برسول الله(ص) أربعين عاماً شاذاً أيضاً وفقاً لمقولة الحاكم، وعليه سوف يلتـزم أن أقصى ما يتصور في عمرها أقل من خمس وثلاثين، وهو يساعد على ما ذكرناه.

وبالجملة، إن المتيقن أنها(ع) لم تبلغ عمراً طويلاً قبل اقترانها برسول الله(ص)، بل كانت في أوائل الشباب ومراحل الصبا.

ولو قيل: إن من المستبعد أن تكون امرأة بما لها من مكانة خديجة وجمالها ورجاحة عقلها وكياستها، مضافاً لمالها أن تبقى لهذا العمر ولو كان خمساً وعشرين سنة دون زواج؟…

قلنا: إن خديجة طرق بابها من قبل الكثيرين من سادات قريش وزعمائها، لكنها ما كانت ترى في أحد الطارقين الكفاءة التي تجعلها تقبله قريناً وزوجاً، وهذا طبيعي جداً إذ أن بنات الملوك لا يزوجن بكل خاطب، بل لابد وأن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة، وليست خديجة(ع) أقل شأناً من بنات الملوك، فلاحظ.

استحباب التعجيل في الزواج:

ثم إنه يمكن أن يستفاد من الرواية التي تضمنت أنه(ص) بنى بزوجه مباشرة في اليوم الثاني، استحباب تقصير فترة الخطوبة، والتعجيل في البناء بالزوجة، لأن ما يصدر من النبي(ً) قولاً أو فعلاً أو اقراراً يمثل مصدراً تشريعياً يستفاد منه أحكاماً شرعية، ولما لم يطل النبي(ص) فترة الخطوبة، بل عجل البناء بأهله، فهذا دليل على استحباب ذلك، والله العالم.

مستحبات يوم العاشر من ربيع الأعياد:

هذا ويستحب في يوم العاشر من شهر ربيع الأعياد الصيام شكراً لله سبحانه وتعالى على التوفيق للاقتران بين الرسول الكريم محمد(ص)، وبين الصالحة الرضية النقية مولاتنا خديجة(ع).

——————————————————————————–

[1] نقله عنه في البحار ج 17 ص 308.

[2] نقله عنه في موسوعة التأريخ الإسلامي ج 1 ص 328.