29 مارس,2024

دلالة آية المباهلة

اطبع المقالة اطبع المقالة

بعد الإحاطة بسبب نزول الآية الشريفة،ومعرفة تفسيرها،نحتاج إلى بيان وجه دلالتها على إمامة أمير المؤمنين علي(ع).

دلالة الآية على إمامة أمير المؤمنين:

هذا وتـتضح دلالتها على ذلك من خلال أن الآية صرحت بكون علي(ع)نفس رسول الله(ص)لما عرفناه في سبب النـزول وفي تفسير الآية أن المراد من الأنفس فيها هو أمير المؤمنين،ومن الواضح أن كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن،فيكون نفسه بالمعنى المجازي،ويكون المعنى المجازي هو المراد،وعادة يؤخذ بأقرب المجازات إلى الحقيقة في مثل هذه الموارد،وأقرب المجازات في مثل هذه الموارد إلى الحقيقة هو أن يكون علي مساوياً لرسول الله(ص)،فتخرج النبوة بالإجماع لأنه لا نبي بعد رسول الله(ص)للنص،وتبقى بقية مزايا رسول الله،وخصوصياته،وكمالاته،موجودة في علي بمقتضى هذه الآية.

ومن خصوصيات رسول الله(ص)أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً،ومن خصوصيات رسول الله(ص)أنه أفضل جميع الخلائق،أفضل البشرية،منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائق كلها،فكان أشرفهم رسول الله محمد بن عبد الله،وعلي كذلك.

ومن خصوصيات رسول الله،العصمة،فآية المباهلة تدل على عصمة علي بن أبي طالب
قطعاً.
هذا ويمكن تقريب دلالتها على إمامة أمير المؤمنين من خلال كونه أفضل الصحابة،ولا ريب في أن الأفضل يكون الأولى بكونه في منصب القيادة.
وبعبارة واضحة،نشكل قياساً منطقياً من الشكل الأول،يكون نـتيجته إمامة علي(ع)،أما كبرى القياس،فهي أن الأفضل هو الذي يكون الخليفة بعد النبي(ص).
وأما الصغرى فهي أن آية المباهلة تـثبت أفضلية علي(ع)على كافة الصحابة.
نعم يـبقى الكلام في كيفية إثبات أفضلية علي(ع)من خلال الآية المباركة.

دلالة الآية على أفضلية أمير المؤمنين:

وقد تعرض لإثبات دلالة الآية على أفضلية أمير المؤمنين(ع)على كافة الصحابة علمائنا الأبرار،فنحن نتعرض لكلماتهم في البين.
قال الشريف المرتضى(ره):لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين،واقتضائها تقدمه على غيره،لأن النبي(ص)لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة فيه إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنـزلة.

وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة،وأن النبي(ص)دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(ع)وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك.
ونحن نعلم أن قوله(وأنفسنا وأنفسكم)لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي(ص)لأنه هو الداعي،ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه،وإنما يصح أن يدعو غيره،كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها،وإذا كان قوله تعالى(وأنفسنا وأنفسكم)لابد أن يكون إشارة إلى غير الرسول(ص)،وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين(ع)لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه(ع)في المباهلة .

وقال الشيخ الطوسي:أحد ما يستدل به على فضله(ع)قوله تعالى:- (قل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل…)إلى آخر الآية.
ووجه الدلالة فيها:أنه قد ثبت أن النبي(ص)دعا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(ع)إلى المباهلة،وأجمع أهل النقل والتفسير على ذلك،ولا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنـزلة،ونحن نعلم أن قوله(وأنفسنا وأنفسكم)لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي(ص)،لأنه هو الداعي،ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه،وإنما يصح أن يدعو غيره،كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها.
وإذا كان قوله تعالى(وأنفسنا وأنفسكم)لابد أن يكون إشارة إلى غير الرسول،وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين(ع)،لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه(ع)في المباهلة .

وقال العلامة الحلي:أجمع المفسرون على أن(أبناءنا)إشارة إلى الحسن والحسين،و(أنفسنا)إشارة إلى علي(ع)فجعله الله نفس محمد(ص)والمراد المساواة،ومساوي الأكمل الأولى بالتصرف أكمل وأولى بالتصرف،وهذه الآية أدل دليل على علو رتبة مولانا أمير المؤمنين(ع)،لأنه تعالى حكم بالمساواة لنفس رسول الله(ص)وأنه تعالى عينه في استعانة النبي(ص)في الدعاء،وأي فضيلة أعظم من أن يأمر الله نبيه بأن يستعين به على الدعاء إليه والتوسل به،ولمن حصلت هذه المرتبة .

والنـتيجة التي نصل إليها،هي أن الآية الشريفة دلت على أفضلية أمير المؤمنين على غيره بعد رسول الله(ص)،والأفضل هو المتعين للإمامة بالاتفاق بين المسلمين،وقد اعترف بهذا ابن تيمية في غير موضع من كتابه منهاج السنة .
ونـتيجة الاستدلال بالآية الكريمة،وما فعله النبي(ص)وقاله،هو أن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله بأن يسمي علياً نفسه كي يـبين للناس أن علياً هو الذي يتلوه ويقوم مقامه في الإمامة الكبرى والولاية العامة،لأن غير الواجد لهذه
المناصب لا يأمر الله رسوله بأن يسميه نفسه.

هذا ويمكننا تعضيد ما ذكرناه من المساواة بعدة من النصوص كما فعل ذلك
أصحابنا:

منها:قوله(ص)لبريدة بن الحصيب عندما شكا علياً(ع):يا بريدة لا تبغض علياً فإنه مني وأنا منه.
وقال لعموم المسلمين في تلك القصة:علي مني وأنا من علي،وهو وليكم من بعدي.وقوله(ص)وقد سئل عن بعض أصحابه،فقيل:فعلي؟قال:إنما سألتني عن الناس،ولم تسألني عن نفسي .
وقوله:خلقت أنا وعلي من نور واحد.وقوله:خلقت أنا وعلي من شجرة واحدة.وقوله في جواب جبرائيل في أحد:يا محمد إن هذه لهي المواساة:يا جبرائيل،إنه مني وأنا منه،فقال جبرائيل:وأنا منكما .

استدلال الإمام الرضا(ع):

هذا وقد أخذت الإمامية دلالة الآية الشريفة على الإمامة من خلال ما ورد عن الإمام الرضا(ع)حيث استدل بها على ذلك:

قال المأمون يوماً للرضا(ع):أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين(ع)يدل عليها القرآن.
فقال(ع):فضيلته في المباهلة،قال الله جل جلاله:- (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فدعا رسول الله(ص)الحسن والحسين فكانا ابنيه ودعا فاطمة فكانت-في هذا
الموضع-نساءه،ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عز وجل.
وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجلّ من رسول الله(ص)وأفضل،فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله(ص)بحكم الله عز وجل.
فقال له المأمون:أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع،وإنما دعا رسول الله(ص)ابنيه خاصة،وذكر النساء بلفظ الجمع،وإنما دعا رسول الله(ص)ابنـته وحدها،فلِمَ لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه الحقيقية دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين(ع)ما ذكرت من الفضل؟….
فقال له الرضا(ع):ليس بصحيح ما ذكرت-يا أمير المؤمنين-وذلك أن الداعي إنما يكون داعياً لغيره،كما يكون الآمر آمراً لغيره،ولا يصح ن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة،كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة،وإذا لم يدع رسول الله(ص)رجلاً في المباهلة إلا أمير المؤمنين(ع)،فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه،وجعل حكمه ذلك في تنـزيله.
فقال المأمون:إذا ورد الجواب سقط السؤال .

الإشكالات على دلالة الآية:

ومثل بقية الأدلة التي استدل بها الشيعة الإمامية على الإمامة،تواجه هذه الآية أيضاً عدة إشكالات ذكرها الخصم.
فأشكل صاحب المنار،بأن النصوص التي وردت في أن النبي(ص)خرج بعلي وفاطمة
والحسنين وأنهم المرادون في الآية الشريفة،كلها روايات شيعية،وقد اجتهدوا في ترويجها حتى راجت على كثير من أهل السنة.

جوابه:

وفي مقام الجواب،سوف نذكر بداية من روى الحديث الذي ذكرناه في سبب النـزول
من الصحابة والتابعين،ثم نتعرض لمن ذكره من علماء السنة،فنقول:

رواة الحديث من الصحابة والتابعين:
1-أمير المؤمنين علي(ع).
2-عبد الله بن العباس.
3-جابر بن عبد الله الأنصاري.
4-سعد بن أبي وقاص.
5-عثمان بن عفان.
6-سعيد بن زيد.
7-طلحة بن عبيد الله.
8-الزبير بن العوام.
9-عبد الرحمن بن عوف.
10-البراء بن عازب.
11-حذيفة بن اليمان.
12-أبو سعيد الخدري.
13-أبو الطفيل الليثي.
14-جد سلمة بن عبد يشوع.
15-أم سلمة زوجة رسول الله(ص).
16-زيد بن علي بن الحسين(ع).
17-علباء بن أحمر اليشكري.
18-الشعبي.
19-الحسن البصري.
20-مقاتل.
21-الكلبي.
22-السدي.
23-قتادة.
24-مجاهد.

رواته في كتب الحديث والتفسير:

اتفقت كتب الحديث والتفسير والكلام على رواية حديث المباهلة،إما مسنداً،أو مرسلاً إرسال المسلمات،ومن أشهرهم:
1-سعيد بن منصور،المتوفى سنة 227.
2-أبو بكر عبد الله بن أبي شيـبة،المتوفى سنة 235.
3-أحمد بن حنبل،المتوفى سنة 235.
4-عبد بن حُميد،المتوفى سنة 241.
5-مسلم بن الحجاج،المتوفى سنة 261.
6-أبو زيد عمر بن شبة البصري،المتوفى سنة 262.
7-محمد بن عيسى الترمذي،المتوفى سنة 279.
8-أحمد بن شعيب النسائي،المتوفى سنة 303.
9-محمد بن جرير الطبري،المتوفى سنة 310.
10-أبو بكر ابن المنذر النيسابوري،المتوفى سنة 318.
11-أبو بكر الجصاص،المتوفى سنة 370.
12-أبو عبد الله الحاكم النيسابوري،المتوفى سنة 405.
13-أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني،المتوفى سنة 410.
14-أبو إسحاق الثعلبي،المتوفى سنة 427.
15-أبو نعيم الأصفهاني،المتوفى سنة 430.
16-أبو بكر البيهقي،المتوفى سنة 458.
17-علي بن أحمد الواحدي،المتوفى سنة 468.
18-محيي السنة البغوي،المتوفى سنة 516.
19-جار الله الزمخشري،المتوفى سنة 538.
20-القاضي عياض اليحصبي،المتوفى سنة 544.
21-أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي،المتوفى سنة 571.
22-أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي،المتوفى سنة 579.
23-أبو السعادات ابن الأثير الجزري،المتوفى سنة 606.
24-الفخر الرازي،المتوفى سنة 606.
25-عز الدين أبو الحسن ابن الأثير الجزري،المتوفى سنة 630.
26-محمد بن طلحة الشافعي،المتوفى سنة 652.
27-شمس الدين سبط ابن الجوزي،المتوفى سنة 654.
28-أبو عبد الله القرطبي الأنصاري،المتوفى سنة 656.
29-القاضي البيضاوي،المتوفى سنة 685.
30-محب الدين الطبري،المتوفى سنة 694.
هذا وقد أخرج حديث المباهلة وأنه مختص بمن ذكرناهم مسلم،حينما عرضت قضية سب أمير المؤمنين(ع)عليه من قبل معاوية فامتنع .
وأخرجه الترمذي أيضاً .
هذا ومن أراد الاستزادة في المصادر الواردة من طرق أبناء العامة فليرجع إلى كتاب إحقاق الحق،في مجلده الثالث ص 46 من الطبع الجديد،فإنه ينقل هناك نحو ستين مصدراً من كبار علماء أهل السنة من الذين قالوا بنـزول آية المباهلة في أهل البيت(ع). فتحصل إلى هنا أن الإشكال الذي أفاده صاحب تفسير المنار،في غير محله.