19 مارس,2024

حق الاختصاص

اطبع المقالة اطبع المقالة

حق الاختصاص

 

من المفاهيم المستعملة في كلمات الفقهاء(رض) مفهوم حق الاختصاص، فكثيراً ما يذكرون أنه يثبت للإنسان في هذا الشيء حق الاختصاص.

 

تعريفه:

ويقصدون منه: الحق الذي يكون ثابتاً للشخص في شيء لا يملكه، وإنما يملك الانتفاع به، فيُسوغ له ذلك الحق التصرف فيه ببعض التصرفات، ولا يحق لأحد مزاحمته في التصرف فيه.

 

ويمكن توضيح ذلك من خلال ذكر بعض الأمثلة:

1-لو كان عند الإنسان بقرة وماتت، فإنه تسقط ماليتها بموتها، فلا يجوز له بيعها، إلا أن سقوط ماليتها لا ينفي حق الاختصاص الثابت لمالكها عليها.

2-ما لو سبق شخص إلى مكان في المسجد، أو في المواقف العامة في الطريق، فمع أنه لا يملك هذا المكان، إلا أنه يكون مختصاً به، فلا يجوز لأحد مزاحمته فيه.

3-بناء على القول بعدم ملكية الدولة، فإن إيداع الأموال في البنوك الحكومية أو المشتركة، يعدّ إتلافاً للمال، فتنتفي ملكية الإنسان له بمجرد وضعه فيها، وتصبح الأموال مجهولة المالك، إلا أن انتفاء ملكيته عن المال، لا ينفي حق الاختصاص الثابت له عليها.

 

موارد ثبوت حق الاختصاص:

ومن خلال الأمثلة المتقدمة، يمكن تحديد موارد ثبوت حق الاختصاص، وأنه يكون في كل عين يستحقها الإنسان إلا أنها لست ملكاً له، أو أنها لا تقبل الملكية شرعاً، وهذا يظهر في أمور:

 

1-كل ما أسقط الشارع المقدس ماليته:

وهي أمور كثيرة، كالنجاسات التي ليس لها منفعة محللة مقصودة، كالخمر، والميتة، وكلب الهراش[1]، وغيرها. وكذا كتب الضلال، وآلات القمار، وآلات اللهو والطرب، والصلبان.

ومع أن الشارع المقدس قد أسقط مالية الأمور المذكورة، إلا أنه قد حفظ لمن حازها أو ملكها حق الاختصاص بها، فلا يجوز لأحد غصبها منه، ولا التصرف فيها بدون إذنه[2].

 

2-كل ما لا يعتبره العقلاء مالاً:

وهو كل شيء ليس له منفعة محللة مقصودة عند العقلاء، وهناك أسباب عديدة توجب سقوط المالية عندهم:

منها: أن يكون الشيء قليلاً كحبة حنطة أو خيط، أو بلل الوضوء.

ومنها: أن يكون الشيء حقيراً بحيث يزهد فيه الناس، كفضلات الإنسان وزوائده، مثل الشعر، والظفر، والأسنان.

ومنها: بقايا الشيء التالف الذي لا منفعة مقصودة فيه.

ومنها: ما لا مالية له بسبب وفرته في محل بيعه، كالماء قرب النهر، والرمل في الصحراء.

ومع عدم ثبوت المالية لهذه الأمور عند العقلاء، إلا أن الشارع المقدس قد أثبت لصاحبها حق الاختصاص عليها، فليس لأحد مزاحمته عليها.

 

3-المباحات والمنافع المشتركة:

فمن المباحات الأراضي التي فتحها المسلمون عنوة بحرب وقتال، وكانت عامرة حين فتحها، فإنها تكون لكافة المسلمين، يشتركون فيها جميعاً، ولا يملكها شخص واحد منهم.

وكذا المنافع المشتركة كالطرق والمساجد وأماكن النزهة وما شابه ذلك. فإن حق الاختصاص للإنسان في هذه الأمور ثابت ما لم يعرض عنه، فلا يجوز لأحد مزاحمته فيها، إلا أن يكون المقدار الذي أخذه لنفسه زائداً عن حاجته، أو كانت المنفعة فيها مقيدة بمدة معينة شرعاً أو عرفاً، أو أنها من الأمور التي يكون للمسؤول عليها التصرف في ذلك.

 

شروط ثبوت حق الاختصاص:

وحتى يثبت حق الاختصاص للإنسان على شيء ما، لابد من توفر شرط في ذلك، وهو أن تكون هناك فائدة في الشيء بحيث يتعلق به غرض شخصي وإن لم يكن الغرض عقلائياً، فإن لم يتوفر هذا الغرض سوف يكون تعلق حق الاختصاص لغوياً، كما لو احتفظ الولد بورقة تشتمل على خط أبيه، فإن في ذلك غرضاً شخصياً، لا يهم الآخرين.

كما يعتبر في الموارد التي يمكن تحصيل المنفعة منها-وهو الأمور التي لم تسقط ماليتها، كحبة الحنطة، ولا ملكيتها كالخمر مثلاً-أن يكون الإنسان قاصداً تحصيل تلك المنفعة، فلو لم يكن من قصده تحصيلها، لم يثبت له حق الاختصاص عليها.

 

من أحكام حق الاختصاص:

ولا يخفى أن هناك أحكاماً مترتبة على حق الاختصاص نشير لبعض منها:

منها: أنه لا يجوز لأحد أن يزاحم من يثبت له حق الاختصاص، فضلاً عن أن يتصرف فيه من دون إذنه، ورضاه، أو غصبه منه، حتى قال بعض الفقهاء(رض) ببطلان صلاة من أخذ مكان شخص سبق إليه في المسجد.

ومنها: أنه يجوز نقله للآخر، سواء كان ذلك بقيمة وعوض، إذ يمكنه أنه يبيعه مثلاً، أو مجاناً، كأن يهبه لمن يشاء، أو يوقفه على من يرغب يريد.

ومنها: ثبوت الضمان على الغاصب لما يكون لصاحبه عليه حق الاختصاص.

 

ومنها: قابليته للتوارث، فينتقل من صاحبه لورثته بعد وفاته شأنه شأن بقية مملوكاته.

ومنها: أنه يتعلق به الخمس، لأنه يعدّ مالاً شرعاً، أو يعتبر مما يتمول، فيكون شأنه شأن بقية الموجودات عند الإنسان[3].

 

 

 

 

 

 

[1] يقصد من كلب الهراش كل كلب لا ينتفع منه منفعة محللة مقصودة، كالكلاب التي تستخدم للزينة فقط، أو التي يستخدمها الناس للتمشية بها في الأماكن العامة كالأسواق والمنتزهات، على الشواطئ فإنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها.

[2] الملكية للشيء قد تكون ملكية عرفية عقلائية، بمعنى أن العرف والعقلاء يرون أن الشيء المعين مال، يتسابق عليه، ويدفع بإزائه المال، وقد تكون الملكية شرعية، بمعنى أن الشارع المقدس يعتبره مالاً، وغالباً ما يعتبره الشرع مالاً يعتبره العقلاء كذلك، لكن ليس كل ما يعتبره العقلاء مالاً يعتبره الشرع، كالنجاسات مثلاً، فإن العقلاء والعرف يعتبرونها مالاً، إلا أن الشارع المقدس لا يعتبرها كذلك.

[3] موسوعة الفقه الإسلامي ج 7 ص 288-327 مادة اختصاص(تصرف).