28 مارس,2024

بلوغ الذكر بالسن (2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

2-خبر يزيد الكناسي قال: قلت لأبي جعفر(ع): متى يجوز للأب أن يزوج ابنـته ولا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسع سنين-إلى أن قال-قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال: يا أبا خالد إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك[1].

ودلالتها على المدعى واضحة: إذ نصت على تحقق البلوغ في الذكر بخمسة عشر سنة.

لكن الكلام فيها من جهة السند، وبالتحديد في راوي الحديث، فإن يزيد هو أبو خالد القماط الذي ترجمه النجاشي، وقال عنه أنه ثقة، لكن لم يصفه بالكناسي[2].

هذا وقد وصف يزيد في الرواية بالكناسي، وقد عنونه الشيخ بهذا الوصف، لكنه لم ينص على توثيقه.

ومقتضى ما تقدم، وجود احتمالين، فيحتمل اتحاد من ذكره الشيخ، مع من ذكره النجاشي، كما يحتمل تعددهما.

هذا وقد التزم بعض الأعاظم(قده) بالإتحاد، وقرب ذلك، من خلال أن النجاشي ذكر القماط، ونص على أن له كتاباً، بينما لم يذكر الشيخ في رجاله إلا الكناسي، فلو لم يكن الشخصان متحدين، لم يكن لترك القماط من قبل الشيخ وجهاً[3]. وتوضيح ذلك:

لقد ذكر النجاشي شخصاً اسمه أبو خالد القماط ونص على توثيقه، ونص الشيخ على ذكر أبي خالد يزيد الكناسي وسكت عنه.

ونلاحظ أن هذين الشخصين يتحدان في عدة أمور:

الأول: الاسم، حيث أن كليهما أسمه يزيد.

الثاني: الكنية، إذ أن كليهما يكنى أبا خالد.

الثالث: البلد، لأن القماط كوفي، والكناسة محلة من محلات الكوفة، فكأن القماط شخص يسكن محلة الكناسة من الكوفة، فتارة ينسب إلى محلته، فيقال الكناسي، وأخرى ينسب إلى بلدته فيقال الكوفي.

وعليه يكون هذا خير شاهد لحصول الاتحاد بينهما.

ويمكننا أن نؤيد اتحادهما من خلال ما ذكره العلامة في الخلاصة، وابن داوود في رجاله، إذ اقتصرا على ذكر القماط فقط في القسم الأول المخصوص للقماط، وتركا ذكر الكناسي مع أن رواياته غير قليلة، فلو كانا متعددين لم يكن وجه لترك النص على الكناسي وقد عرفت عدم قلة رواياته[4].

والتحقيق هو القول بالتعدد وعدم الاتحاد، ويشهد لذلك أمور:

الأول: لقد ذكر البرقي في رجاله الشخصين الكناسي والقماط في أصحاب أبي عبد الله(ع) كعنوانين مستقلين، وهو كاشف عن التعدد.

الثاني: إنه مما يدل على التعدد اختلاف من يروي عنهما، حيث أن الراوين عن القماط هم:

1-درست بن منصور.

2-علي بن عقبة.

3-إبراهيم بن عمر.

4-خالد بن نافع.

5-صالح بن عقبة.

6-صفوان بن يحيى.

7-محمد بن أبي حمزة.

8-محمد بن سنان.

9-يحيى بن عمران.

10-ثعلبة.

وأما من روى عن الكناسي فهم :

1-هشام بن سالم.

2-أبو أيوب.

3-جميل بن صالح.

4-حسن بن محبوب.

5-علي بن رئاب.

فلو كان الاسمان لشخص واحد، لاشتركا فيمن يروي عنهما كما هو الغالب.

الثالث: إن مما يشهد للتعدد وجود الاختلاف في اسم الكناسي، فهل هو بريد أو يزيد، كما أن القماط أيضاً قد وقع الاختلاف في اسمه فهل هو خالد أو يزيد أو كنكر، وبالجملة، فإن هذه الأمور الثلاثة وربما غيرها مما يجده المتتبع تمنع عن قبول الإتحاد بينهما، وعليه يتحكم الإشكال السندي في البين، والله العالم.

هذا والعجب من بعض الأساتذة(دامت أيامه) حيث قوى جانب الاتحاد، بدعوى أن القرينة الدالة على التعدد، هي أمران :

الأول: اختلاف الطبقة، إذ نص الشيخ على أن الكناسي من أصحاب الإمام الباقر(ع)، ونص على أن القماط من أصحاب الصادق(ع).

الثاني: عنونة البرقي للشخصين في أصحاب الصادق(ع)، وكذا الشيخ(ره).

ويمكن الجواب عن ذلك، بأنه لا مانع من أن يكون الراوي الواحد مصاحباً لإمامين، بل ربما أكثر، وهذا أمر شائع جداً، وعليه لا يكون هذا مانعاً من الاتحاد كما لا يخفى.

إن قلت: إن الشيخ في رجاله والنجاشي والبرقي، ذكروا في باب الكاف في اسم كنكر، وفي باب الكنى في القماط، أنه من أصحاب الصادق(ع) دون إشارة منهم إلى أنه من أصحاب الباقر(ع). وهذا يعني أنه لو كان نفس الكناسي، لكان المناسب الإشارة إليه.

قلت: الظاهر أن المترجم من هؤلاء لشخص، إنما يلحظ حين الترجمة روايات الشخص، ونحن عندما نرجع للروايات، نجد أن الراوي عن الإمام الصادق(ع) هو القماط والكناسي، بينما نجد الراوي عن الإمام الباقر(ع) هو عنوان الكناسي، وهذا يفسر اقتصار الرجاليـين حين ترجمة القماط على عده في أصحاب الإمام الصادق(ع) مع أنه متحد مع الكناسي، وذلك للنكتة التي ذكرناها[5].

أقول: إن القرائن الدالة على التعدد غير محصورة في خصوص ما ذكر، بملاحظة ما قدمنا ذكره، ومنه تعرف أنه لا مجال لدعوى أن قرائن الاتحاد أقوى من قرائن التعدد.

على أن العنونة الموجودة لا تشير فقط إلى رواية الشخص عن الإمام حتى يقال بأنه قد عدّد الصحبة لأكثر من إمام، بل المدعى هو مغايرة الطبقة، حيث أن عنونة الراوي في أصحاب إمام، تعني أن طبقته مخالفة لطبقة الراوي عن الإمام الآخر، ولو في الجملة، ويشهد لما ذكرنا القرينة الثالثة للتعدد وهي تغاير الراوي عنهما.

ولعل في كلامه(دامت أيامه) ما يشير إلى التعدد أيضاً، وهي ما عبرنا عنه بقولنا(قلت) حيث أنه نص على أن الراوي عن أبي عبد الله(ع) هو الشخصان، كما لا يخفى.

وبالجملة، يصعب علينا بعد هذا كله الوثوق بمثل هكذا سند، وإعطاء نتيجة على طبقه، والله أعلم بحقائق الأمور وهو الهادي إلى سواء السبيل.

ثم إننا لو رفعنا اليد عن الإشكال السندي، يـبقى عندنا الإشكال السابق الذي أشرنا له في الخبر السابق، وهو الإشكال الدلالي، إذ ذكرنا أن البلوغ بمعنى الوصول، مما يجعل الخبر المذكور على خلاف مدعى المشهور كما لا يخفى.

على أننا لو رفعنا اليد عن الإشكالين السابقين، يـبقى عندنا غرابة متن الرواية، حيث اشتملت على تفصيل غريب، فحكمت إن الجارية البالغة إذا عقدت بعد البلوغ فليس لها الخيار، بخلاف غير البالغة، وهو عجيب، إذ كيف يكون للأنثى التي زوجها أبوها في صغرها الخيار إذا بلغت تسع سنين، ولا يعتبر إذنها إذا زوجها بعد التسع، إن هذا مخالف للارتكاز جداً.

وعليه لابد من رد هذه الرواية لأهلها.

والظاهر أن هذه الرواية بهذا المضمون مما أعرض عنه الأصحاب، كما يستفاد ذلك بملاحظة ما جاء في كتاب النكاح.

هذا ولا يخفى أنه يمكن رفع اليد عن الإشكالين الأخيرين من خلال التمسك بالتفكيك في الحجية، ضرورة أن ما هو محل الاستشهاد ليس مبتلى بهذين الأمرين، فلاحظ وتدبر.

3-خبر الكناسي عن أبي جعفر(ع) وقد جاء فيه: أما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنة، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة، ولا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم[6].

أقول: اختلفت نسخة الكليني عن نسخة التهذيب، إذ أشتمل التهذيب على الزيادة التي تصلح للاستشهاد، دون الكافي، وعندها يدور الأمر بين أصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة وأصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة وأيهما المرجح، كما يدور الأمر بين ترجيح الكافي على التهذيب أو العكس.

وقد ذكرنا في محله، أن دعوى ترجيح العقلاء إحدى الأصالتين على الأخرى عهدتها على مدعيها، والصحيح عدم وجود ما يوجب الترجيح عندهم، لأحد الأمرين على الآخر. بل مقتضى الأمر عندها رفع اليد، وعدم الركون للنص المتصور فيه الأمران، كما لا يخفى.

كما أن القول بترجيح الكافي على التهذيب، بنحو الموجبة الكلية ممنوع، إذ أن المتابع للكتب الأربعة، لا يجد ما يسند الدعوى القائل بأضبطية الكليني على الصدوق والشيخ(ره)، نعم لا يمنع من القول بذلك بنحو الموجبة الجزئية، لا بنحو الموجبة الكلية، خصوصاً وأن هناك مواضع ثبتت فيها أضبطية أحدهما عليه.

وبالجملة، سوف يكون وجود هكذا أمور مانع من الاستناد للخبر المذكور، حتى لو أحرزت أصالة الصدور فيه.

ويغنينا عن جميع ذلك كون الرواية ضعيفة سنداً لنفس العلة السابقة، مما يمنع عن التمسك بها.

ثم إنه يمكن علاج الإشكال السندي المذكور في النصوص الثلاثة من خلال التمسك بكبرى الجابرية، وهذا غير بعيد، فلاحظ.

الثالث: التمسك بالشهرة الفتوائية، فإنها قائمة إلى زمان المقدس الأردبيلي(قده) على أن سن البلوغ في الغلام إكماله خمسة عشرة سنة.

ولا كلام في تحقق الصغرى، لكن يبقى الكلام في عدم ثبوت الكبرى، فإن المقرر في محله عدم تمامية ما ذكر دليلاً لها في مقام الإثبات، فلاحظ.

[1] الوسائل ب 6 من أبواب عقد النكاح ح 9.

[2] رجال النجاشي رقم 1224.

[3] معجم رجال الحديث ج 21 ص 111.

[4] مجلة أهل البيت العدد الثالث ص 98.

[5] مجلة فقه أهل البيت العدد الثالث ص 99.

[6] الوسائل ب 6 من أبواب مقدمات الحدود ح 1.