28 مارس,2024

القيم الأخلاقية والعادات

اطبع المقالة اطبع المقالة

قال تعالى:- (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).(سورة البقرة الآية رقم 155-156).

مدخل:

لا يخفى على أحد أهمية العنصر الأخلاقي في حياة الناس، وأنه من الأمور المطلوبة التي ينبغي أن يتخلق بها الفرد والمجتمع.

وكما هو معلوم فإن الإنسان كائن يتميز عن سائر الكائنات الحية بكونه مزيجاً من قوى متخالفة متصارعة، فهو مركب من عقل وقلب وإرادة، بمعنى أن له حياة عقلية، وانفعالية، وفاعلة، ولكل واحد من هذه الثلاث آثارها ووظائفها، التي يؤدي امتزاجها في هذا الكائن الخاص إلى أن يكون إنساناً.

القوى الثلاث:

وهذه القوى التي يتركب منها الإنسان هي:

1-القوى الشهوية:وهي مصدر الرغائب، من محبة المال والنساء وغيرهما من الشهوات الحيوانية، والأفعال المنسوبة إلى هذه القوة هي الأفعال التي تجلب المنفعة، كالأكل والشرب، ونحو ذلك.

2-القوة الغضبية:وهي مصدر العواطف كالشجاعة، والغضب، والأفعال المنسوبة إليها هي الأفعال التي تدرأ المضار،كالدفاع عن النفس والمال والعرض وغير ذلك.

3-القوة العاقلة:وهي التي تدبر البدن وتسوسه، وإليها تنسب الأعمال الفكرية كلها.

وكل واحدة من هذه القوى لها آثارها وخصائصها، وهي متباينة في صفاتها وذواتها، ولكن من اجتماعها ينشأ الإنسان المفكر المدرك، وباتحادها تنشأ وحدة تركيبية تصدر منها أفعال خاصة، ويبلغ بها الإنسان سعادته التي خلق لأجلها.

هذا وعلى الإنسان أن يحافظ على هذه القوى التركيبية، بحيث لا تخرج هذه القوى الثلاث عن حد الاعتدال إلى حدي الإفراط أو التفريط،وأن يصل بذلك إلى الغاية المرجوة من خلقه،وهي السعادة الفردية والنوعية في الدنيا والآخرة،ولهذا كان الإنسان أخلاقياً دون سائر الكائنات الحية.

طرق تهذيب الأخلاق:

ولما كان للأخلاق هذه الأهمية، وأن الإنسان خلق من أجل ذلك، فكيف يمكن للإنسان أن يتوصل إلى تهذيب خلقه وإصلاحها، وما هي السبل إلى الوصول إلى ذلك.

ذكرت في المقام عدة مسالك وطرق لتهذيب الخلاق، واكتساب الفضائل والقيم الحسنة، ليصل إلى تلك الغاية الحميدة التي بعث من أجلها النبي الخاتم(ص).

فهناك المذهب الذي يتبناه بعض الماديـين، وخلاصته أن التغير في الأخلاق والتبدل في الفضائل، يتحقق بالتطور والتكامل فيها، فليس للحسن أو القبح أصول مسلمة مطلقاً، والمناط إنما هو ابتغاء المنفعة ودفع المضرة سواء أكانتا فرديتين أو اجتماعيتين.

وبعيداً عن فساد هذا المسلك، وعدم تماميته، نشير إلى المسالك الأخرى.

المسلك الأول: الغايات الصالحة الدنيوية:

ويبتني على انتخاب الممدوح عند عامة الناس عن المذموم عندهم، والأخذ بما يستحسنه الاجتماع وترك ما يستقبحه.فهو يحث الإنسان ويدفعه على القيام بالأعمال الحسنة وإصلاح نفسه من خلال الجزاء والمصالح الدنيوية من جاه أو مال أو ثناء أو ذكر حسن،وعلى تحذيره من القيام بالأعمال السيئة وذمها من خلال بيان المساؤئ والمضار الدنيوية المترتبة عليها.

فهو تهذيب للنفس بالآراء المحمودة والعقائد العامة الاجتماعية في الحسن والقبح والغايات الصالحة الدنيوية.

فالعفة وقناعة الإنسان بما عنده والكف عما عند الناس توجب العزة والعظمة في أعين الناس، كما أن الشره يوجب الخساسة والفقر، والطمع يوجب ذلة النفس وهكذا.

وهذا المسلك لم يستعمله القرآن الكريم في آياته، وهو الدستور الأخلاقي المتكامل، ولعل السر في عدم إشارته لذلك يعود لكون الأساس في هذا المسلك أنه يدعو لأمر دنيوي وجزاء زائل، فلا يمكن أن يدعو له القرآن الكريم.

نعم ربما وردت بعض الآيات التي يفهم منها ذلك، كقوله تعالى:- (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة).(سورة البقرة الآية رقم 150)، حيث علل الحكم بأن لا يكون للناس عليكم حجة، فقد يفهم منها أنها ناظرة إلى الآراء المحمودة والعقائد العامة الاجتماعية، فتكون من مصاديق هذا المسلك.

وقوله تعالى:- (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).(سورة الأنفال الآية رقم 46).حيث علل ترك الصبر أو الإتحاد،بالفشل وذهاب الريح.

لكن الصحيح أن الآيتين الشريفتين، أجنبيتان عن ذلك، بل هما ناظرتان في الحقيقة إلى ثواب أو عقاب أخروي، ولا ربط لهما بالجزاء الدنيوي.

المسلك الثاني:تهذيب الأخلاق من خلال الغايات الأخروية:

وذلك من خلال ما جاء به الأنبياء(ع)والكتب السماوية من العقائد والتكاليف الدينية والآراء المحمودة بالغايات الأخروية، فيبتني هذا المسلك على دعوة الإنسان وحثه على الاتصاف بالخصال الحسنة والحميدة، وعلى اجتناب العادات الرديئة والسيئة، وذلك من خلال الجزاء الأخروي ثواباً أو عقاباً.

فهنا تجارة وعوض، لكنه يفرق عن المسلك الأول، حيث فيه أن الجزاء مرتبط بالدنيا، بينما هنا يكون الجزاء مرتبطاً بالآخرة.

وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على ذلك، كقوله تعالى:- (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هو بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر).(سورة الأعراف الآية رقم 157)، وكذا الآية التي افتتحنا بها البحث، فإنها مشيرة إلى ذلك أيضاً، وقال تعالى:- (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً).(سورة الكهف الآية رقم 30).

ومن مبادئ هذا المسلك هو إعداد الإنسان علمياً بأن كل ما يصدر منه من الأفعال، وما يقع من الأمور كلها صادرة عن قانون القضاء والقدر الإلهي، قال تعالى:- ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه والله بكل شيء عليم).(سورة التغابن الآية رقم 11).

كما أن مبادئه أنه لابد من التخلق بأخلاق الله تعالى، والتذكر بأسمائه الحسنى حتى يمكن تهذيب النفس بالغايات الأخروية التي تـتكفل سعادة الدارين، فإن الكمال الحقيقي والسعادة الواقعية هي الحياة السعيدة في الآخرة، وتلازمها سعادة هذه الدنيا أيضاً.

وهذا المسلك هو الغالب في الديانات الإلهية، وقد دعا إليه الأنبياء والمرسلون.

المسلك الثالث:وهو المسلك القرآني:

وهو مسلك مخصوص بالقرآن الكريم، لا يوجد في شيء من الكتب السماوية وتعاليم الأنبياء الماضين(ع)ولا في المعارف المأثورة عن الحكماء الإلهيـين، وهو تربية الإنسان وصفاً وعلماً باستعمال علوم ومعارف لا يبقى معها موضوع الرذائل،وبعبارة أخرى إزالة الأوصاف الرذيلة بالرفع.

وتوضيح هذا المسلك يتضح من خلال هذه المقدمة:

إن تهذيب الأخلاق يتم تارة من خلال وجود المانع، وأخرى من خلال رفع المقتضي، فقد يبحث الإنسان عن جاه أو عز أو ملك، أو سمعة حسنة في هذه الدنيا، ويتصور أن بإمكان الله تعالى أن يعطيه هذه الأمور، كما أن بإمكان غير الله سبحانه ذلك، فيميل وحسب طبعه إلى ما في أيدي الناس فيأتيه التحذير بأنك سوف تخسر وتعذب يوم القيامة فيكون العذاب مانعاً عن توجه النفس إلى ما في أيدي الناس.

وكما يكون تهذيب الأخلاق من خلال إيجاد المانع بالترهيب،يمكن أن يكون من خلال الترغيب فيقال لمن يرجو ويرغب بما في أيدي الناس،بأن هذا الذي ترجوه محدود ومنقطع زائل وعليك أن تطلب ما هو أفضل منه وهو أجر الآخرة الباقي الدائم الذي عند الله تعالى.

وعلى أي حال، فإن المنهج القرآني، الذي ينطلق من خلاله لتربية الفرد وتهذيب سلوكه من خلال ما ذكرنا، وبالتالي تعالج القوى الإنسانية من خلال الوسطية التي أشار لها القرآن الكريم، وهي التقوى.

وقد اعتبرها القرآن الكريم، محور الكمالات الإنسانية ومعيار الفضائل، قال تعالى:- (ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها).(سورة البقرة الآية رقم 189).

العادات والتقاليد:

هذا وقد يتخلق الإنسان ويهذب لكن على وفق مجموعة من العادات والتقاليد، وهي إن كانت أخلاقاً حميدة متوافقة مع أحد المناهج والطرق التي تقدمت الإشارة إليها فلا مانع من ذلك، لأنها سوف تكون متوافقة مع المعنى المتصور للقيم والتعاليم الأخلاقية.

لكن المشكلة ما إذا كانت هذه العادات والتقاليد عبارة عن مجموعة من الموروثات المتلقاة من قبل الآباء، وقد أخذت على عواهنها، وبما لها من السلبيات، دونما نظر إلى أضرارها، فهنا تقع المشكلة العظمى التي ينبغي للإنسان الإلتفات إليها.

أقسام العادات:

وتنقسم العادات الاجتماعية كما يذكر علماء الاجتماع إلى قسمين:

الأول:العادات التقليدية، والقديمة المتوارثة:وهي التي يأخذها الخلف عن السلف، والتي تبقى وتستمر برغم فناء الأفراد الذين يكونونها.

ولها دور يشبه دور الوراثة في الحياة، فهي تنقل جزءاً من الماضي إلى الحاضر، وبذلك تؤدي نوعاً من الاستمرار والتواصل بين الأجيال المتعاقبة.

الثاني:العادات الجديدة، والمستحدثة:ونعني بها كل ما يستجد في المجتمع من ممارسات وأساليب جديدة، من موضات، أو تقاليع، أو غير ذلك.

ونعني بالموضات الممارسات الجديدة التي تستسيغها الجماعة فتـتقبلها، فتنتشر بين كثير من الأفراد.

وعادة لا تـتصف الموضات بالاستقرار والدوام، بل هي غالباً قصيرة الأجل سريعة الزوال، وبعد فنائها تـتلوها موضات وصيحات أخرى، وهكذا.

المرأة والموضة:

هذا وقد أشير في بحوث غير واحد من علماء الاجتماع إلى سر خضوع المرأة إلى الموضة، بشكل يلمس في حياتها أكثر من غيرها، إلى أن المرأة بطبيعتها تحب أن تسترعي النظر، وتستدعي الانتباه، وتثير الإعجاب، وتنال المديح والثناء، ولذلك فهي تلجأ للموضة التي تشبع فيها كل هذه الرغبات، فالموضة تمد المرأة بين حين والحين بعنصر من أهم عناصر الجذب في المجتمع، ألا وهو الجديد وغير المألوف.

العادات ودورها الهدام:

ثم إنه لا ينكر ما للعادات من دور أساسي في تقدم الإنسان وتكامله، والسير به إلى الرقي وبلوغ مدارج الكمال، خصوصاً تلك العادات التقليدية، الناجمة من خلال مجموعة من القيم الأخلاقية، والناشئة من عدة تعاليم سماوية إلهية.

وهي من نعم الله لا زالت موجودة في مجتمعاتنا المسلمة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، وتعتبر رصيداً جيداً عندنا، يحافظ عليه، وهو الذي سبق وعبرنا عنه بالعادات التقليدية.

لكن المشكلة تكمن في عدة من العادات المستجدة والمستحدثة التي بدأت تغزو مجتمعاتنا الإسلامية، وبدأت تسعى إلى حلحلة المجتمع وتفسخه من قيمه الأخلاقية وتعاليمه الربانية، من خلال أساليب غير مباشرة، فبدأت تتسرب إلينا عادات دخيلة بعيدة كل البعد عن الصبغة الإسلامية التي تكسو مجتمعنا وتصبغه وتميزه عن بقية المجتمعات، فتسربت لنا بعض الأعمال المنافية للحشمة والآداب الأخلاقية، سواء في اللباس الرجالي، أو النسوي، كما وصلتنا بعض التصرفات الغير مرضية، والغير لائقة بمجتمع إسلامي، يمثل منهج أهل البيت(ع)ويسعى على خطاهم، ويتمنى الوصول إلى مرافقتهم غداً في الفردوس الأعلى، إن شاء الله.

ولذا تقع اليوم مسؤولية على كافة الأخوة المسلمين في كافة المجتمعات الإسلامية أن يقفوا من هذه العادات الدخيلة موقفاً حازماً ويتخذوا منها فعلاً صارماً، لكي لا يفقد المجتمع الصبغة الإسلامية الخاصة به.

بعض الآثار السلبية للعادات:

هذا وقد ذكرت عدة أثار سلبية للعادات المستجدة السلبية على المجتمعات الإسلامية نشير لاثـنين منها:

الأول:فقد الهوية:

إذ أن هذه العادات تؤدي إلى انتفاء الهوية الفعلية التي يصبغ بها المجتمع الذي دخلت إليه هذه العادات، فبعد أن كان مجتمعاً إسلامياً، صار مجتمعاً غربياً، وبعدما كان مجتمعاً محافظاً يحمل ففي طياته مجموعة من القيم والآداب، صار مجتمعاً مفككاً، لا ينطوي على شيء من القيم والآداب الإسلامية الصحيحة.

الثاني:اضمحلال الثقافة وانتهائها:

لكل مجتمع ثقافته التي يتميز بها عن بقية المجتمعات الأخرى، فمتى وردت عليه عادات مستجدة، بدأ تدريجياً يفقد المائز الذي يميزه عن بقية المجتمعات الأخرى، من خلال ثقافته، وصار يملك ثقافة المجتمعات الدخيلة، وهذا الذي نراه اليوم في بعض المجتمعات الإسلامية حيث استسلمت للثقافات الغربية، ونسيت الثقافة الإسلامية، وبدل أن تكون ثقافتها مستمدة من الإسلام والشرع الحنيف والقرآن الكريم، صارت ثقافتها مستمدة من الدول الغربية، مع ما في تلك الثقافات من أمور لا تستقيم مع القيم والآداب الإسلامية.

العادات الإيجابية:

ثم إن الذي قلناه من الدور الهدام للعادات، لا يجعلنا ننسى أن لبعض العادات دوراً إيجابياً وهو الذي حث له الإسلام ودعا إليه، وطالب الاستفادة منه، وذلك في دور الطفولة، إذ نجد أن الشرع الشريف، يدعو إلى تعويد الأطفال على العبادات والفضائل الإنسانية، وإبعادهم عن التلوث بالذنوب والمعاصي، ويعتبر هذا عاملاً قوياً في تثبيت أساس الإيمان والطهارة ودعمهما في كيان نفوسهم، وسيساعد هذا المنهج التربوي على تنشئة جيل صالح، يكون بعيداً عن التلوث البيئي.

قال رسول الله(ص):مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً.