19 مارس,2024

القديح 24: العلامة العبيدان: الشريعة الإسلامية تحثنا على التعامل الإيجابي

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

لا يستخدم الناس عادة وسيلة واحدة في الإساءة إلى بعضهم البعض، بل تتعدد الأساليب والوسائل عندهم في ذلك، فقد يساء للإنسان من خلال اللسان فتوجه إليه جملة من الكلمات النابية، والألفاظ المؤذية، وقد تكون الإساءة بالأفعال والأعمال فيساء للآخرين من خلال بعض التصرفات كمن يقف على باب جاره، أو غير ذلك من الأفعال. كما يمكن أن يكون الإيذاء للإنسان من خلال إلصاق التهم به، والتي توجه إليه.

 

وقد دعت الشريعة السمحاء إلى احتواء مثل هذه الإيذاءات، فمنعت أن يقابل الإنسان اساءات الآخرين واتهاماتهم له بالمثل حفاظاً على المجتمع ولحمته، وحذراً من تحوله إلى مجتمع غير إنساني، وصيرورته مجتمعاً غابياً. فلم يقبل الشارع المقدس بالمواجهة والمجابهة والمماثلة في الاتهامات، بل أمر أن تقابل تلك الإساءات بالإحسان، فيعمد الإنسان إلى استيعاب اتهامات الآخرين ويقوم باحتوائها، ويقابلها بالإحسان، قال تعالى:- (والذين إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)[1]، فقد فسر اللغو في الآية الشريفة بأنه كل ما يكره من القول ويتفاحش من الكلام، فإذا لم يتفاعل الإنسان معه بعدم الرد على قائله مثل ما قال، كان كلام القائل لغواً، وهذا منشأ تعبير القرآن الكريم بكلمة اللغو، لأن هذا التعبير يستبطن الأمر بعدم مجاراة المؤذين بالكلام، بل حتى بالأفعال والأعمال حيث أمر سبحانه وتعالى، بالإعراض عنهم، ولا يتحقق الإعراض إلا من خلال عدم التأثر بما صدر منهم، وترك الإجابة عليهم. وهذا ما أكدته آية أخرى عندما جعلت الإعراض عن اللغو إحدى صفات المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى:- (والذين هم عن اللغو معرضون)[2]، وقال تعالى أيضاً:- (وإذا مروا باللغو مروا كراماً)[3].

 

وفي هذا المنهج القرآني تربية أخلاقية وميزاناً تربوياً في كيفية التعاطي مع التهم التي توجه إلى الإنسان من الآخرين، أو السباب والشتم الذي قد يصيبه، أو الإيذاء الذي يقع عليه، وينـزل به، في أن يترفع عنه، ولا يقابله بالمثل، بل يعرض عنه، لأنه لغو، ويقابل ذلك كله بالإحسان والإيجابية، وإلى هذا يشير سبحانه وتعالى:- (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)[4].

 

وللمؤمن في سيرة النبي الكريم محمد(ص)، والأئمة الأطهار(ع) دروس عملية عديدة في كيفية التعاطي مع هذه المواقف بإيجابية، والتعامل معها بصورة حسنة، يمكن لمن يقرأها الاستفادة منها في هذا المجال.

 

رابط المقال: القديح24