28 مارس,2024

الدخول بالصغيرة (4)

اطبع المقالة اطبع المقالة

[size=6][/size]
[font=arial]الفرع السادس: بقاء علقة الزوجية بينهما:

إذا دخل بالصغيرة، وأفضاها، قلنا بأنه لا دليل على حرمتها عليه مؤبداً، وإن قلنا بحرمة الدخول بها في هذه السن، ومن ثمّ لا معنى للبحث في بقائها في حبائله من عدمه، ذلك لأن مقتضى عدم ثبوت الحرمة بينهما هو بقاء علقة الزوجية بينهما، خصوصاً وأنه لو شك في بقائها لكان مقتضى الأصل هو ذلك.[/font]

كما أنه يمكن التمسك بخبر حمران-بناءاً على وثاقته- المتقدم عن أبي عبد الله (ع) قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكراً لم تدرك، فلما دخل بها افتضها فأفضاها، فقال(ع): إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه[1]. حيث أن المستفاد من قوله(ع): فعلى الإمام أن يغرمه ديتها…الخ…، أن ذلك فيما إذا سرحها، ولم يـبقها في حباله، كما يستفاد ذيل الخبر، حيث جاء فيه: وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه، حيث أن هذا نص في أنها لا تبين منه، ولا تخرج من حبائله، لأنها لو كانت تبين منه، فلا معنى لطلاقها، فلاحظ.

وأصرح منه خبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر(ع) في رجل افتض جارية-يعني امرأته-فأفضاها، قال(ع): عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، قال: وإن أمسكها ولم يطلقها فلا شيء عليه، إن شاء أمسك وإن شاء طلق[2].

نعم في سندها الحارث بن محمد بن النعمان، وهو ممن لم تـثبت وثاقته.

وفي مقابل ما ذكرناه قال ابن حمزة(ره) بأنها تبين منه. وبعدما حكاه في المسالك ناسباً إياه إلى القيل، وجهه، فقال: لأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح، إذ ثمرته حل الاستمتاع، ولأنه يمنع النكاح سابقاً فيقطعه لاحقاً، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصماء والخرساء. وهذا هو الظاهر من الرواية الأولى، والطريق فيهما مظلم فينبغي التوقف[3].

وأورد على ما أفاده الشهيد الثاني(قده): بأن ثمرة النكاح غير منحصرة في حل الاستمتاع، لأن هناك ثمرات أخرى تـترتب على ثبوت علقة الزوجية بينهما غير ذلك، كحلية النظر إليها، وإن لم يجز له الاستمتاع بها، وكحلية النظر إلى أمها، وبنـتها، وحرمة الزواج من أختها، وما شاكل ذلك.

ثانياً: إن الحرمة الأبدية تمنع جواز النكاح ابتداءاً على من لا يسوغ له الاستمتاع بها منذ البداية، لكنها لا توجب بقاء حرمة الاستمتاع.

ثالثاً: إن التنظير بالرضاع ليس في محله، ذلك لأن حرمة النكاح بسببه مردها لوجود الدليل، فلا وجه لقياس المقام عليه[4].

هذا وقد يتمسك للاستدلال لقول ابن حمزة بمرسلة يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له ابداً[5].

ودلالته على المدعى لا إشكال فيها، لكونه نصاً في المدعى بناءاً على أن المراد صورة الإفضاء لا مطلقاً، وإلا لو كان الإفضاء غير واضح منها، بحيث كان المستفاد منها الإطلاق، فلا ريب في كونها أجنبية عن المدعى.

وعلى أي حال، لو قيل بدلالتها على المدعى، فإن المشكلة تكمن في كونه مرسلاً، ولا جابر لهذا الضعف السندي، فلا مجال للركون له والاعتماد عليه.

الفرع السابع: وجوب دية الإفضاء عليه:

ذكر الأصحاب(رض) أنه متى تحقق الإفضاء منه، وجب عليه ديته، وقد قدروه بكونه دية النفس، ولم يقع بينهم في هذا خلاف، إنما وقع الخلاف بينهم في أن وجوب الدية عليه، هل يقيد بما إذا سرحها وفارقها، ولا يجب عليه إذا بقيت على زوجيته، أم أن وجوب الدية عليه مطلقاً سواء سرحها، أم أبقاها على ذمته؟…

وعلى هذا فينبغي البحث ضمن نقطتين:

الأولى: مقدار الدية.

الثانية: تحديد وجوبها عليه مطلقاً، أم في حال الطلاق والتسريح.

أما بالنسبة للنقطة الأولى:

لا يخفى أن النصوص السابقة قد اشتملت على تعبيرين، أحدهما هو التعبير بالضمان، وهو ما تضمنـته أكثر النصوص من أنه ضامن، وتضمن خبر حمران وكذا خبر بريد التعبير بالدية، وكأن التعبيرين يشيران إلى أمر واحد وهو: أن المفضي ضامن لدية الإفضاء، فلا تنافي بين التعبيرين كما هو واضح.

إنما الكلام في مقدار دية الإفضاء، فالوارد في كلمات الأصحاب(رض) أنه دية النفس.

قد يقال أن هذا هو مقتضى خبر حمران، لأنه قد جاء فيه: فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه[6]. بناءاً على أن الضمير في قوله: ديتها، راجع للصغيرة المفضاة، ومن الواضح أن ديتها هي دية النفس كما لا يخفى. إلا أنها ضعيفة السند كما عرفت فيما تقدم.

واستدل له بعض الأعاظم(قده)[7] بصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك أسته، ما فيه من الدية؟ فقال: الدية كاملة، وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنـزلة لم تلد، فقال: الدية كاملة[8]. وتقريب الاستدلال بها يـبتني على أساس أنه قد تحقق منه الإفضاء للجارية، وقد ألزمه(ع) بدفع الدية كاملة، والمقصود منها دية المرأة كما هو واضح.

ولا يخفى أن ما ذكر يـبتني على أن الصحيحة في مقام البيان من هذه الجهة، بحيث يقال: أنها في مقام بيان دية الإفضاء، أما لو قلنا بأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل هي في مقام بيان دية المرأة التي عطلت عن الإستيلاد، لكونها قد عيـبت، فلا ريب في أنها لن تصلح للتمسك بها والدلالة على المدعى.

والإنصاف، أنه لو لم يكن ظهورها في الثاني، فلا أقل من الإجمال فيها، وعليه لا مجال للتمسك بها على المدعى.

لا يقال: بأنه لا يمكن التمسك بالصحيحة على المدعى، لأنها غير واردة في خصوص الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين.

فإنه يقال: لو سلمنا بذلك، إلا أنه لا إشكال في إطلاقها، مما يعني أنها شاملة للمقام، اللهم إلا أن يقال بأنها ليست في مقام بيان ذلك، ولا أقل لكونه فرداً نادراً مما يعني بعد إرادته في مقام البيان والتخاطب، فتأمل.

هذا وقد حاول بعض الأعلام(قده)[9] الإجابة على هذا الإشكال من خلال الالتـزام بتقيـيد الصحيح السابق بخبر العجلي عن أبي جعفر(ع) في الرجل افتض جارية-يعني امرأة- فأفضاها، قال: عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، قال: فإن أمسكها ولم يطلقها فلا شيء عليه، وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، إن شاء أمسك وإن شاء طلق[10].

ولا يخفى ما فيه، ذلك لأن خبر العجلي مضافاً لضعفه السندي المانع من صلوحه للتقيـيد، لا يصلح لذلك، لكونه مطلقاً من ناحية تحديد الدية، إذ عمدة ما يفيده ثبوت الدية بالإفضاء.

اللهم إلا أن يريد صرف لفظة الجارية عن ظهورها في البالغة لكي يقال بكون الصحيح مختص بالبالغة، وبالتالي لا إطلاق فيه، فيكون خبر العجلي بمثابة ما يصلح لرفع اليد عن ظهور لفظة الجارية في البالغة، وبقائها على معناها اللغوي، وهو الأعم، فتأمل.

فتحصل إلى هنا أنه لم ينهض دليل معتبر سنداً ودلالة على مدعى المشهور.

إن قلت: إن خبر حمران تام الدلالة، وضعفه السندي يمكن علاجه من خلال جبر المشهور لضعف سنده، وبذلك يمكن الاعتماد عليه.

قلت: لا نقاش لنا في الكبرى، إلا أن الكلام في الصغرى، ذلك أنه لا يحرز استناد المشهور إلى الخبر المذكور، ومع ذلك لا يمكن الجزم بالجبر، ليقال بإمكانية الاستناد إليه في مقام الاستدلال.

فلم يبقَ في مقام الدليلية إلا نفي الخلاف ممن يعتد بخلافه كما عن صاحب الجواهر(ره)[11]، ولا يخفى عدم صلوحه للدليلية، خصوصاً مع وجود ما يصلح للمدركية، فلاحظ.

هذا والصحيح أن يتمسك لإثبات ما عليه المشهور بالإطلاقات الدالة على أن كل ما كان منه في الجسد اثنان ففيه نصف الدية، وما كان منه في الجسد واحد ففيه الدية كاملة، مثل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين والعينين، قال: قلت: رجل فقئت عينه؟ قال: نصف الدية، قلت: فرجل قطعت يده؟ قال: فيه نصف الدية، قلت: فرجل ذهبت إحدى بيضتيه؟ قال: إن كانت اليسار ففيها ثلثا الدية، قلت: ولم؟ أليس قلت: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية؟! فقال: لأن الولد من البضة اليسرى[12].

وصحيحة هشام بن سالم قال: كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية[13].

ثم إنه بناءاً على اعتبار ما دل على أن ديتها هي دية النفس كاملة، فقد يقال بمعارضتها بخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي(ع): أن رجلاً أفضى امرأة فقومها قيمة الأمة الصحيحة وقيمتها مفضاة، ثم نظر ما بين ذلك فجعل من ديتها وأجبر الزوج على إمساكها[14]. لأن المستفاد منه عدم ثبوت الدية كاملة.

وقد أجاب عن ذلك بعض الأعاظم(قده) بأمرين:

الأول: أنها مهجورة من قبل الأصحاب، إذ لم يعمل أحد منهم بمضمونها.

الثاني: أنها موافقة لمذهب أكثر العامة، كما ذكر ذلك شيخ الطائفة(ره) في الاستبصار، مما يعين حملها على التقية[15].

ولا يخفى أن ما صدر منه(ره) مبني على أساس اعتبارها سنداً، وأنه لا خدشة فيها من هذه الناحية لبنائه(ره) على وثاقة السكوني، والنوفلي.

أما بناءاً على ما هو المختار من البناء على عدم وثاقتهما، وأن عبارة الشيخ(ره) في العدة لا تدل على وثاقتهما، كما أنه لا مجال للقبول بكبرى من وقع في أسناد التفسير كما عرفت غير مرة، فلا وجه لتحقق المعارضة، لأنها فرع الحجية، وهي غير متوفرة في المقام.

ثم إنه يلاحظ على ما أفاده(ره) في جوابه الأول: بأن هذا الهجران لا يصلح لسلب الحجية عن الخبر، ذلك أنه من الإعراض الصناعي الذي لا يصلح لرفع اليد عن ما هو حجة بسبب الهجران والإعراض.

وأما بالنسبة للجواب الثاني، فلقد لاحظت ما عندي من كتب العامة، وهما فقه السنة للسيد سابق والفقه على المذاهب الأربعة، ولم أجد فيهما ما أشار له(قده). بل إن الوارد في كتاب الخلاف فيما نقلناه سابقاً في مطلع البحث عكس ذلك، ولا بأس بذكره مرة أخرى، فقد جاء في الخلاف أن الشافعي وأبا حنيفة يلتـزمان بثبوت الدية كاملة لها، قال(قده): مسألة 41: من وطأ امرأة فأفضاها-ومعنى ذلك: أنه صيّر مجرى البول ومدخل الذكر واحداً-فإن كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حية، وعليه مهرها وديتها كاملة، وإن كان بعد تسع سنين لم يكن عليه شيء غير المهر.

هذا إذا كان في عقد صحيح، أو عقد شبهة، فأما إذا كان مكرهاً لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال، ولا مهر لها، وسواء كان البول مستمسكاً أو مسترسلاً.

وقال الشافعي: عليه مهرها وديتها ولم يفصل بين قبل تسع سنين وبعده.

وقال أبو حنيفة: إن أفضى زوجته فلا يجب عليه بالإفضاء شيء، وإن كانت أجنبية نظرت فإن كان الوطء في نكاح فاسد، فإن كان البول مسترسلاً فلها مهر مثلها، ولها كمال الدية، وإن كان مستمسكاً فلها المهر وثلث الدية، كالجائفة. وإن استكره امرأة على هذا فلا مهر لها، والدية على ما فصلناه.

وقال مالك: عليه حكومة.

والكلام في المسألة في كتاب الديات، وهاهنا ما يخـتص بالزوجية.

دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يخـتلفون في ذلك، وطريقة الاحتياط لبراءة الذمة تقتضيه[16].

وبالجملة، لا نستطيع نفي ما أفاده بعض الأعاظم(قده) لعدم تمامية التـتبع، والله العالم.

هذا وقد يقال بعدم ثبوت الدية بالإفضاء أصلاً، استناداً إلى صحيح الحلبي عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن رجل تزوج جارية فوقع بها فأفضاها، قال: عليه الإجراء عليها ما دامت حية[17].

ويبتني الاستدلال به على أن المراد من الجارية من لم تبلغ تسع سنين، كما أنه لابد من كونها في مقام البيان من جميع الجهات، خصوصاً وأنه(ع) في مقام بيان ما يتعلق بهذا الأمر من حكم في كافة نواحيه.

ولذا لو اختل أحد هذين الأمرين، بأن قيل: أن الصحيح ليس في مقام البيان من جميع الجهات، بل هو في مقام بيان خصوص حكم واحد، وهو لزوم النفقة عليها، ليس إلا، لن يمكن التمسك بها في إثبات المدعى.

والإنصاف أن الالتـزام بكونها في مقام البيان من جميع الجهات، ليثبت بها عدم لزوم الدية عليه غير واضح.

ثم إنه لو بنينا على تماميتها من جهة الدلالة، فلا ريب في معارضتها للنصوص الأخرى الدالة على ثبوت الضمان أو الدية عليه.

وعندها يمكن الجمع بينهما بحمل النص على الظاهر، ذلك لأن تلك النصوص نص في ثبوت الضمان أو الدية عليه، بينما هذه ظاهرة في عدم ثبوت شيء من ذلك عليه.

هذا وقد عالج الشيخ(ره) الصحيح من خلال التصرف في الأمر الأول الذي ذكرناه لتمامية دلالتها على المدعى، فذكر أن المراد من الجارية في الصحيح من بلغت تسعاً بقرينة النصوص التي تعرضت لثبوت الدية أو الضمان عليه لو دخل بها قبل بلوغها ذلك[18].

ولا يخفى بعده لكونه خلاف الظاهر فتأمل.

وأما النقطة الثانية: في أن وجوب الدية عليه يدور مدار بقائها تحته، أم يشمل حتى ما إذا سرحها، فنقول:

المشهور بين الأصحاب كما حكاه صاحب العروة(ره) هو ثبوت الدية مطلقاً، وعن ابن الجنيد(ره) التفصيل ما بين بقائها تحته، فلا يجب عليه الدية إليها، وما إذا لم تبقَ فعليه أن يدفع إليها الدية، وهو ما أختاره بعض الأعاظم(قده)[19].

وقد ذكر السيد اليزدي(ره) أن ما ذكره ابن الجنيد هو مقتضى ما جاء في حسنة حمران وخبر بريد، لأنهما يثبتان أن ثبوت الدية عليه يدور مدار انتفاء زوجيتها وخروجها من تحته، أما بقائها تحته فيمنع من ثبوت الدية عليه.

والنصان المشار لهما في كلامه(ره)، هما: خبر حمران عن أبي عبد الله(ع) قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكراً لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها؟ فقال: إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرّمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه[20].

ودلالتها على التفصيل الوارد في كلام ابن الجنيد واضح لا يحتاج بياناً، إذ أن مقتضى التفصيل الوارد في الخبر، قاطع للشركة، مما يعني أن هناك أمرين يخـتلفان بالنسبة لحكم كل واحد منهما.

وخبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر(ع): في رجل افتض جارية-يعني امرأته-فأفضاها، قال(ع): عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين قال: وإن أمسكها ولم يطلقها فلا شيء عليه. وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه إن شاء امسك وإن شاء طلق[21].

ودلالتها على المدعى كسابقتها في عدم ثبوت الدية عليه لو أمسكها ولم يقم بتطليقها.

وقد أجاب عن النصين المذكورين الفقيه الماهر صاحب الجواهر(قده)، بأنه لازم من التصرف في ظهورهما من خلال حملهما على سقوط الدية لا لكونها باقية تحته، وإنما لوقوع الصلح ما بينهما على إسقاط الدية ببقائها تحته.

والداعي لهذا الحمل أمران:

الأول: أن الدية قد وجبت عليه، نتيجة قيامه بعملية الإفضاء كما دل على ذلك النص وفتوى الأصحاب، ولا وجه لسقوطها عنه مجاناً من غير عوض.

الثاني: أنه لو لم يقبل الحمل على الصلح، فإما أن يكون المراد هو سقوط الدية بالعزم على الإمساك، أو يكون بنفس الإمساك المستمر إلى الموت، بأن تسقط الدية به أو يبقى الحكم بالسقوط مراعى بالموت، فإن أمسكها حتى مات تبين السقوط من حين الإمساك، أو عدم ثبوت الدية بالإفضاء، واللوازم خصوصاً بعضها في غاية البعد، فالمتجه الحمل على التـزامه بوجه شرعي في مقابلة إسقاط الدية[22].

وأجاب عنه بعض الأساطين(ره) بأنه أشبه بالاجتهاد في مقابل النص، ذلك لأن النصين المذكوران، ظاهران في ثبوت التفصيل المذكور[23].

وأجاب عنه بعض الأعيان(قده) بأن هذا الحمل والتوجيه خلاف الظاهر المستفاد من النص[24].

والصحيح تمامية مقالة المشهور من البناء على ثبوت الدية عليه بقول مطلق، سواء طلق أم لم يطلق، ذلك لأن النصين المعتمد عليهما في التفصيل المحكي عن ابن الجنيد(ره) ضعيفا السند، لا يصلحان للاعتماد عليهما كما عرفت ذلك فيما تقدم، وعليه تبقى المطلقات الدالة على ثبوت الدية على حالها، فيعمل بموجبها.

اللهم إلا أن يدعى بأن النصوص المشار إليها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بمعنى أنه لا إطلاق لها كي يقال بالتمسك بها، بل عمدة ما تفيده هو بيان تعلق الدية بذمته، أما أنها تبقى عليه حتى بعد الإمساك، أو ينحصر بقائها عليه بعد التسريح، فلا نظر فيها لذلك.

إلا أنه بعيد، لأن المتيقن منها كونها في مقام بيان اشتغال ذمته بالدية، وهو قاضٍ بحسب القاعدة باشتغالها بقول مطلق، أعني سرحها أم أبقاها، مما يثبت اشتغال ذمته بالدية حتى مع بقائها تحته بمقتضى هذا البيان، ورفع اليد عنه بحاجة إلى دليل، وهو مفقود في المقام.

هذا ولو قيل بأن الخبرين المذكورين معتبران سنداً، فقد ذكر بعض الأعلام(دام ظله) أن الصحيح قبول تفصيل ابن الجنيد، ذلك لأن الخبرين المشار لهما في كلام سيد العروة(قده) يصلحان لتقيـيد المطلقات الأخرى التي دلت على ثبوت الدية، ومقتضى حمل المطلق على المقيد هو البناء على التفصيل المذكور[25].

وهو غريب، لأن الطائفتين مثبتـتان، وليس بينهما أي تنافٍ لكي يقال بحمل المطلق على المقيد، لأن حمل المطلق على المقيد فرع التنافي بينهما، وليس المقام كذلك، وعليه لا معنى لهذا الحمل المذكور كما لا يخفى.

——————————————————————————–

[1] وسائل الشيعة ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 1.

[2] المصدر السابق ح 3.

[3] مسالك الأفهام ج 7 ص 345,

[4] فقه الصادق ج 21 ص 307.

[5] الوسائل ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 2.

[6] الوسائل ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 1.

[7] مباني العروة الوثقى ج 32 ص 128.

[8] الوسائل ب 9 من أبواب ديات المنافع ح 1.

[9] جامع المدارك ج 6 ص 243.

[10] الوسائل ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 3.

[11] جواهر الكلام ج 15 ص 426، من الطبع الكبير.

[12] وسائل الشيعة ب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح 1.

[13] المصدر السابق ح 12.

[14] وسائل الشيعة ب 44 من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات ح 3.

[15] مباني العروة الوثقى ج 32 ص 130.

[16] الخلاف ج 4 ص 395, كتاب الصداق.

[17] الاستبصار ج 4 باب من وطئ جارية فأفضاها ح 2(354).

[18] الإستبصار ج 4 ص 367 ذيل ح 2(354) باب من وطئ جارية فأفضاها.

[19] مباني العروة الوثقى ج 32 ص

[20] الوسائل ب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 1.

[21] المصدر السابق ح 3.

[22] جواهر الكلام ج 10 ص 600.

[23] مستمسك العروة الوثقى ج 14 ص 84.

[24] مهذب الأحكام ج 24 ص 76.

[25] فقه الصادق ج 21 ص 308.