19 أبريل,2024

الانتصار الموعود: سبيله وضماناته

اطبع المقالة اطبع المقالة

لا يختلف اثنان في أن الإرادة الإلهية قد قضت بتحقق الانتصار التام للإمام الحجة المنتظر المهدي(عج)، وأن وعد الله سبحانه وتعالى غير مكذوب، ولابد أن يتحقق فيظهر الله عز وجل أمره على جميع أنحاء المعمورة لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، إلا أن ما يثير التساؤل، ويحتاج إلى إجابة، هو أن هذا الوعد الإلهي بالانتصار الحتمي، والإرادة الربانية القاضية بذلك، كيف سيكون تحققه، هل سيكون بواسطة مبدأ الإعجاز، بمعنى أن البعد الغيبي الإعجازي سيكون دخيلاً في تحقق ذلك، وبالتالي سوف يكون انتصاره(عج) وفقاً لقضية إعجازية، أم أن الانتصار الحاصل له(روحي له الفداء) لن يكون وفقاً للسبيل الإعجازي، وإنما سيكون على طبق الأمر الطبيعي الاعتيادي، ومن خلال الوسائل الطبيعية العادية، فسيدخل حرباً، ومن الطبيعي أن هذه الحرب يرافقها قتلى وجرحى وأسرى، وستكون الغلبة له(روحي له الفداء)، والنصر المؤزر.

هذا ولو بني على الاحتمال الثاني، فما هي الضمانات التي يمكن الاعتماد عليها حتى يتصور تحقق هذا النصر المؤزر، بل حتى لو كان الأمر على وفق المحتمل الأول، فإنه لا يستغني عن وجود جملة من الضمانات التي يحتاج إليها لتحقق هذا الغرض، حتى مع كون الإرادة الإلهية قاضية بتحقق هذا الفتح المبين.

سبيل تحقق الانتصار:

والحديث فيه عن السبيل الذي يحقق الله سبحانه وتعالى النصر لموعود آل محمد(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقد عرفت تعدد الاحتمال المتصور في ذلك، فعندنا ثلاثة محتملات:

الأول: أن يتحقق الانتصار على وفق الطريقة الإعجازية الكاملة:

وهذه الطريقة هي الطريقة المتداولة والمألوفة عند عامة الناس، وأصحاب الفكر التقليدي منهم، وقد ذكروا لذلك وسائل تساعد على تحققه من خلالها:
منها: أن الإمام(روحي لتراب مقدمه الفداء)، يحصل على جملة من الأسلحة بطرق المعجزة.
ومنها: أن الأسلحة التي يستخدمها أعدائه، لا تكون ذات تأثير وفعالية في جيشه المبارك.

ومنها: فقدان أعدائه على القدرة الذهنية التي تمكنهم من وضع خطط عسكرية، يمكنها من خلالها مواجهته(روحي لتراب حافر جواده الفداء).
ولا يذهب عليك أن القبول بهذه النظرية رهين توفر أمرين، ما لم يتوفرا لن تصلح هذه النظرية للقبول والالتـزام بها، والأمران، هما:

الأول: وجود المقتضي لها، وهو ما يصلح أن يكون دليلاً عليها، كي ما يتم التسليم والالتزام بها.
الثاني: فقدان المانع، وهو ما يتصور من إشكالات ترد على هذه النظرية تمنع من الاستناد إليها والقبول بها.
ويكفينا لرد هذه النظرية وعدم الاستناد إليها وجود أحد الأمرين، بمعنى لو كان هناك ما يمنع من القبول بها، كفى ذلك لرفع اليد عنها وإن كان المقتضي والدليل على قبولها متوفر في المقام أيضاً.

موانع القبول بالنظرية الأولى:

وكيف ما كان، يمكن ذكر ما يمنع عن القبول بهذه النظرية:

أولاً: لو سلمنا بأن الإعجاز هو المبدأ الذي سوف يعتمد عليه الإمام المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء) في عملية الانتصار، فلماذا أجل هذا الأمر منذ عصر الغيبة الصغرى وإلى يومنا هذا، بمعنى لماذا لم يتحقق له ذلك منذ ذلك الوقت وأخر كل هذه المدة الزمنية، إن هذا التأخير طيلة هذه المدة يعدّ ظلماً للبشر، ولا إشكال في أن الظلم يتنافى والحكمة الإلهية الأزلية.

ثانياً: إن القراءة لسير الدعوة الربانية الإلهية على مر التأريخ تعطي صورة واضحة على أنها لا تقوم على إعمال مبدأ الإعجاز، فأقرأ قصص أنبياء الله سبحانه وتعالى طيلة مراحل الدعوة، بدأً من نبي الله نوح، وما قاساه من معاناة مع قومه في مرحلة الدعوة، وانتهاء بنبي الإسلام محمد(ص)، لا تجد أن هناك إعمالاً لمبدأ الإعجاز والخرق للطرق الطبيعية[1]، بل الذي نراه على عكس ذلك، وهذا يعني أن الدعوة السماوية والتكليف الرباني لا يقوم على المعجزة والخرق للعادة، بل يقوم على الوسائل الطبيعية، ويمكن أن يعلل ذلك بأن ما يقوم على الإعجاز والخرق للعادة يكون تأثيره أقل مما يكون وفقاً للطريق الطبيعي الاعتيادي، فلاحظ.

ولعل هذا يبرر لنا طول المدة الزمنية التي تستغرقها فترة الغيبة الكبرى، لأن إيجاد الهدف المنشود بقيام موعود آل محمد(روحي لتراب حافر جواده الفداء) يكون على وفق الطرق الطبيعية.

ثالثاً: إنه يوجد لدينا دليل يمنع من الالتـزام بتحقق الانتصار الموعود وفقاً للسبيل الإعجازي، ويتمثل ذلك الدليل في جملة من النصوص:

منها: النصوص التي تضمنت تعداد أصحابه، وأن عددهم يـبلغ ثلاثمائة وثلاثة عشرة رجلاً، إذ أنه لو كانت القضية ذات بعد إعجازي، لم تكن هناك حاجة داعية إلى هذا العدد، بل لا يحتاج حتى إلى أقل منه.
ومنها: النصوص التي تضمنت أنه يخرج من مكة ومعه جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل، فلو كانت القضية ناحية إعجازية، لكان خروجه بعشرة ملايـين مثلاً، بل ربما أزيد، وهكذا.

ومنها: النصوص التي تضمنت دخوله جملة من المعارك، وانتصاره فيها، ضرورة أنه لو كان الأمر إعجازياً، لما كان في حاجة للدخول في هذه الحروب، والاشتباك مع الأعداء مع ما يكبده الدخول في الحرب من خسائر، فلاحظ على سبيل المثال الأخبار الواردة في اشتباكه مع السفياني، وانتصاره عليه. وكذا الروايات التي تضمنت إعماله السيف في المنحرفين مدة من الزمن ليطهر الأرض منهم.
ومنها: النصوص التي تضمنت إلقائه خطباً في مكة المكرمة في أول ظهوره، وكذا الخطب التي يلقيها في الكوفة عند وصوله إليها، ومن الواضح أن الغاية من هذه الخطب يتمثل في علمية تعريف المجتمع البشري بالإمام الحجة من جهة، وبالمخطط العملي له، والبرنامج القيادي في نشر القسط والعدل.
ولا يخفى أنه لو كانت القضية ذات جنبة إعجازية، لم تكن هناك حاجة إلى مثل هذا الأمر، إذ يمكنه إيصال ذلك إلى الأذهان من غير هذا كله.
رابعاً: إن البناء على عنصر الإعجاز يجعلنا نصل إلى القول بأنه لا يحتاج إلى ظهور الإمام صاحب الزمان(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وذلك لأن الغرض المنشود يتحقق حتى مع عدم ظهوره، فيمكن لله سبحانه وتعالى أن يصلح العالم من دون قائد ولا قيادة.

الثاني: أن يكون الانتصار وفقاً للقانون الطبيعي الاعتيادي:

بمعنى أن الباري سبحانه وتعالى تكفل تحقق الانتصار الموعود للمولى(بأبي وأمي) على وفق إرادته في سائر الأشياء في الكون، فيوكل سبحانه وتعالى انتصاره إلى القوانين الطبيعية إيكالاً كاملاً، من دون أن تتدخل أية عوامل خارجية من خرق للعادة، وإعجاز وما شابه ذلك.

التأمل في النظرية الثانية:

وهذه النظرية وإن كانت أبعد إشكالاً عما أورد على النظرية السابقة، إلا أن ذلك لا يعني خلوصها من الإشكال، وفقدانها الموانع الموجبة لرفضها، ضرورة أن هناك في النصوص الشريفة ما يتنافى معها تماماً، وبالتالي يمنع من القبول بها. ويمكننا حصر ما يستفاد من النصوص في المنع من قبولها في محورين:

الأول: إن التأمل في النصوص الشريفة يكشف عن وجود تخطيط إلهي خاص يسبق مرحلة الظهور، ويدل على وجود عناية وتأيـيد خاصـين بقضية الموعود المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ويومه المرتقب. ولهذا التخطيط مصاديق خارجية عديدة، فتارة تركز النصوص على إيجاد العدد الكافي من الأنصار ليتحقق الغزو الكامل للعالم ونشر العدل وإقامة القسط. وأخرى تتعرض لإيجاد الأطروحة العادلة الكاملة ما بين الناس، وتتمثل تلك الأطروحة في الإسلام.
وما ذكرناه وغيره من الأمور التي لم نذكرها، وإن كانت في واقعها أموراً طبيعية، تحدث طبقاً للقوانين العامة في الكون، إلا أنها تدل على أمر وهو العناية الخاصة والتأيـيد لهذا المرتجى والمرتقب، وهو ما نؤكد عليه، فلاحظ.

الثاني: يستفاد من النصوص المباركة والمتعرضة للحديث عن أحداث ما بعد الظهور، أن هناك عناية وتأيـيداً خاصاً إلهياً بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا كسابقه أيضاً يكشف عن أن الأمر ليس مجرد ظرف طبيعي كوني عادي، بل هناك تدخل رباني ورعاية إلهية خاصة.
وكما أن الأمر الأول له جملة من المصاديق الكاشفة عنه من خلال النصوص، كذلك المقام، فهناك الروايات التي تتحدث عن اجتماع أصحابه(ع) في أول ظهوره، وتتابعهم في الوصول إليه بعد ذلك. ولا نقاش في أن وصولهم له(عج) بطريق طبيعي، إلا أن الملفت في الأمر هو تركيز عواطفهم باتجاه نصر الإمام الحجة(ع)، وتأيـيـده، يكشف عما أشرنا له من التخطيط والعناية الخاصة. وكذا أيضاً ما جاء من نصرة الملائكة له(روحي لحافر جواده الفداء)، وتجاوب الطبيعة مع العدل الساري في دولته، وهكذا.

وبالجملة، إن هذا التخطيط والعناية الإلهية بالشخصية الموعودة، سواء ما قبل حصول الظهور وتأريخه، أم ما بعد تحقق الظهور، يكشف عن أن المسألة غير متمحضة في القضية الطبيعية الاعتيادية فقط، فتدبر.

الثالث: الدمج بين الأطروحتين السابقتين:

وتقوم هذه الأطروحة على أساس أن الأطروحتين السابقتين لما كانتا غير صالحتين للاعتماد عليهما، بسبب وجود ما يمنع من القبول بهما بصورة كلية، مع البناء على القبول بهما في الجملة، أمكن عندها الدمج بينهما، والقول بأنهما معاً يصلحان للخروج بأطروحة ونظرية واحدة، تكون منطوية على الجانبين، على الجانب الغيـبي الإعجازي، وعلى الجانب الطبيعي الكوني الاعتيادي، وإن كانا مختلفين من حيث التأثير، إذ يمكن أن يكون لأحدهما دور أكبر من الآخر، إلا أن المتيقن أنهما معاً دخيلان بحيث يكون كل واحد منهما مأخوذاً على نحو جزء العلة المؤثر الذي لا يستغنى عنه، وهذا المعنى يلحظ جلياً واضحاً في سيرة نبينا محمد(ص)، إذ أن القارئ لسيرته المباركة يجد أنها تضمنت البعدين، فكما أنه قد أنتصر وظهرت رسالته على العالم أجمع وفقاً للقانون الطبيعي، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود العناية والتدخل الإلهي فيا لمقام، فتدبر.

ضمانات تحقق الانتصار الموعود:

هذا وبعد الفراغ عن التعرف على السبيل الذي سوف يتحقق الانتصار الموعود من خلاله، وهو موافق للسبيل الذي أيدّ به النبي الأكرم محمد(ص)، نتعرض الآن إلى الحديث حول الضمانات التي تفيد تحقق الانتصار الموعود، وأول ما ينبغي الإشارة إليه أن الضمانات المقصودة قسمان:

الأول: ما يكون وجودها ناتجاً عن تخطيط عام يسبق وقت الظهور.
الثاني: وهو عبارة عن الأمور ذات التخطيط الخاص، والتي يكون لها تأثير في نصره(عج)، سواء من الناحية العسكرية، أم من الناحية الفكرية، أم من الناحية الاجتماعية، وغير ذلك.
ولن نتحدث عن القسم الثاني من الضمانات، ضرورة أن الحديث عن القسمين يستدعي طولاً لا يتسعه هذا المختصر من الوقت، وإنما سوف أحصر الحديث وبصورة موجزة على القسم الأول منهما، ولن أطيل التعقيب والتعليق فيه.

ضمانات ما قبل الظهور:

وهي كما عرفت الضمانات التي تكون ناتجة عن وجود تخطيط سابق على الظهور، ولها مصاديق متعددة:

منها: فشل الأنظمة السابقة على ظهور الإمام المنتظر(عج)، واتضاح زيفها، وظلمها لدى عامة الناس:

فإنها تمر بتجارب يتضح من خلالها زيفها، وجهات القصور والنقص، والظلم فيها، لأنها ناتجة عن العقل البشري، وهو مهما بلغ لا يخرج عن دائرة القصور والمحدودية، ومع بطلان كل هذه التجارب، يحصل عند العنصر البشري حالة من اليأس النفسي من المبادئ المعروضة كلها، وإحساس بأنها غير قابلة لرفع الظلم، نعم يبقى خط أمل رفيع عند الجميع، المؤمن والكافر، فيتلهف الكل على ذلك الأمل، ومع ظهور أول صوت يدعو لحل جميع مشاكل البشر، يقول المؤمنون بأن هذا الأمل الذي كنا ننتظره بوعي، ونعرفه، ويقول الكافرون هذه تجربة خيّرة البوادر، لعل فيها إنقاذ البشرية، وتحقيق أملها المنشود. وهذا هو السبب في تجاوب العالم بأكمله مع دعوة الإمام الحجة المنتظر(عج)، كما أشارت له النصوص الشريفة.

ومنها: ضعف الدول السابقة على ظهور الإمام الحجة(عج):

والمحتملات في المقصود من هذا الضمان متعددة، فقد يكون منشأ ذلك ما يستفاد من بعض الدراسات العسكرية والسياسية المعاصرة، من أن الحرب العالمية الثالثة سوف تذهب بالحضارة البشرية، حتى قيل أنه لو قامت حرب رابعة لكانت أدوات الحرب عبارة عن العصي والحجارة، ولعله هو المقصود مما جاء في النصوص الشريفة من أنه يذهب الرجال ويبقى النساء، وأنه لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة، وأنه لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس، وفي بعضها ثلثا الناس.

ويحتمل أيضاً أن تكون هناك اتفاقية بين دول العالم على عدم استعمال الأسلحة الفتاكة والمدمرة ذات التدمير الشامل، مما يعني انحصار الأدوات الحربية في خصوص ما يصلح للاستهلاك المحلي الداخلي، وهو مالا يقوى على مقاومة حركة واسعة كحركة المولى الصاحب(روحي لحافر جواده الفداء).
وبالجملة، وإن كان المقصود من هذا المعنى ليس من الوضوح بمكان، إلا أنه يستفاد من النصوص الشريفة عجز الدول الموجودة قبل ظهوره(بأبي وأمي) عن المقاومة لعناصره العسكرية وجيوشه الجرارة، فلاحظ.

ومنها: توفر جماعة من المخلصين الممحصين الكافين للقيام بمهمة الفتح العالمي، وتطبيق الغرض الإلهي:
وهذا ما نعبر عنه بأصحاب الإمام المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وأنصاره الذين سوف يكون لهم الدور الأبرز في حركته المباركة، ويتولوا عملية الإعانة والقيادة، ومما يأسف له أنه لم يتم الحديث حول هذه الفئة، بالصورة المطلوبة، ذلك أنك لا تجد في الكتب المتعرضة للحديث عن المولى(بأبي وأمي) ما يشبع هذا الموضوع عرضاً وطرحاً وبياناً، كالحديث عن مواصفاتهم، سواء في الملكات النفسانية، أم في النواحي الأخرى، مع أن النصوص الشريفة غنية بالحديث عن هذا الجانب، إذ يجد الباحث فيها الحديث عن جوانب متعددة عنهم، حتى عن الشعار الذي يحملونه، ويجعلونه العلامة البارزة لهم.

وعلى أي حال، ينبغي الحديث عن أصحاب الإمام الحجة(عج)، ومعرفة ما يملكونه من مواصفات، خصوصاً ونحن في زمان الانتظار، ونترقب الظهور المبارك، حتى يتسنى لنا التحلي بالمواصفات التي يتحلى بها عناصر الجيش المهدوي، ولا يمكن أن يحصل لنا ذلك إلا إذا أحطنا خبراً بما هي مواصفات قادة جيشه وعناصره، فلاحظ.

هذا وينبغي أن يلتفت أثناء الحديث عن العناصر الإيمانية لجيش الإمام المنتظر(روحي لحافر جواده الفداء) إلى توفر العناصر الكاملة الموجبة لتحقق النصر المؤزر لهم، بمعنى أنهم يملكون المقومات التي لابد من توفرها في أفراد الجيش حتى يتحقق لهم النصر المؤزر، ولكي يتضح ذلك نشير إلى حقيقة تاريخية يتفق عليها جميع الباحثتين في المجالات العسكرية والسياسية، وحاصلها: أن الثابت من خلال التجارب الخارجية الكثيرة التي عاشتها الجيوش خلال الحروب، توقف النصر على توفر صفات تلابد من توفرها في عناصر الجيش وأفراده، بحيث لو لم تكن تلك الصفات موجودة عندهم لما أمكن البناء على إمكانية تحقق النصر حينئذٍ، وتلك الصفات هي:

الأولى: الإيمان بالهدف:

إذ لا يخفى أنه كلما كان الجيش واعياً بهدفه الذي يقاتل من أجله، كان ذلك أقرب للنجاح، وكان مدعاة لتقديمه الغالي والنفيس في سبيل الوصول إليه، وقد حدثنا التأريخ عن أبطال ملحمة كربلاء الخالدة، كيف أنهم بذلوا ما بذلوا، وما ذلك إلا لوعيهم بالهدف الذي كانوا يقاتلون من أجل تحقيقه والوصول إليه، وقد تحقق لهم ذلك.

الثانية: الشعور بالمسؤولية تجاه الهدف:

وهذا يبرز لنا الفارق بين العناصر أثناء المعركة فبينما نجد بعض الجنود يساقون للقتال سوق الأغنام، ويتحينون الفرصة للفرار والهرب، نجد آخرين يقاتلون ببسالة غير آبهين لما يقع ويترتب على ذلك، ومن الطبيعي أن منشأ ذلك يعود لمقدار المسؤولية التي يحملها الجندي تجاه هدفه الذي يقاتل من أجله.

الثالثة: الإخلاص للقائد والإيمان بقيادته:

بحيث يطيعه طاعة واعية هادفة، مبصرة، فيبدل في سبيله كل ما يملك، ويحامي عنه بكل وسيلة.

الرابعة: القيادة العسكرية الناجحة:

وهي تتمثل في القائد نفسه، وما يملك من قدرات وخبرات في هذا المجال، فلا يقع في خطأ، ولا يوقع عسكره في مطب يضعف من قدراتهم، ويمكن أعدائهم منهم.
وبناءً على هذا، فهل تتوفر هذه الصفات الأربع في العسكر الريادي للمولى الإمام صاحب الزمان(عج)، أم أن عسكره(بأبي وأمي) لا يختلف عن كثير من الجيوش العامة والمعروفة، بمعنى أنه لا ينطوي على المواصفات المطلوبة، وإنما يغلب عليه التبعية العمياء، والسعي لنيل المطالب الدنيوية، والمكاسب المادية.
إن الجواب عن توفر هذه الصفات التي ذكرنا بأكملها في العسكر المهدوي رهين دراسة النصوص الواردة في أصحاب الإمام المنتظر(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وهو ما لم يعمد إلى دراسته بصورة جلية وواضحة، ولم يركز عليه من قبل الباحثين والذين كتبوا في سيرتهم المباركة، وهو بحاجة إلى دراسة مستقلة، نأمل أن يوفقنا الله سبحانه وتعالى للإطلالة عليها بما يناسب المجال، ويتسع له الوقت إن شاء الله تعالى.

ومنها: المميزات الخاصة التي يمتلكها صاحب الناحية المقدسة:
وقد تحدثت النصوص الشريفة في مواصفاته الجسمانية، وغيرها، إلا أننا لا نكاد نجد تسليطاً للضوء على هذه الناحية من قبل الكتاب والدارسين في سيرته المباركة، بل على العكس تماماً يمكن القول أنها ناحية لم تلق اهتماما من أكثرهم، مع أن لها مدخلية أساسية في الحديث عن انتصاره المبارك، فمثلاً نجد النصوص تتحدث عن إطلاعه على قوانين معينة للتاريخ، وللمجتمع وللنفس البشرية، بمستوى يعطيه القدرة على التصرف في المجتمعات وسير التاريخ، بأساليب لم يطلع عليها أحد قبله. مضافاً للحديث عن قوة إرادته، وارتفاع معنوياته، بشكل لا يوجد له نظير في التاريخ، كما أنها تضمنت الحديث عن مقدار ما له من القدرة على تحمل الألم، وغير ذلك.

اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، اللهم أرضِ عنا صاحب الزمان يوم يطلع على صحائف أعمالنا[2].
 

[1] الحديث في نفي العنصر الإعجازي بلحاظ الأمر الكلي، وإلا في الجملة، وجوده لا يمكن إنكاره، فلاحظ.
[2] من مصادر البحث: بحار الأنوار ج 51، 52، 53، كتاب الغيبة للنعماني، كتاب الغيبة للطوسي، تأريخ ما بعد الظهور،في رحاب حكومة الإمام المهدي.